مباحث من كتاب الطهارة تقريراً لبحث السيد المجدد الشيرازي قدس سره

هوية الکتاب

الكتاب مباحث من كتاب الطهارة تقريراً لبحث السيد المجدّد الشيرازي رحمه الله

المؤلف : السيد إبراهيم الدامغاني رحمه الله

الناشر : مركز تراث سامراء

المطبعة دار الكفيل

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

سنة الطباعة: 1440ه_ / 2019م.

رقم الإصدار : 39

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2019م

:ISBN

محرر الرقمی: محسن مرادی

جميع الحقوق محفوظة لمركز تراث سامراء.

ص: 1

اشارة

بِسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحیم

الكتاب مباحث من كتاب الطهارة تقريراً لبحث السيد المجدّد الشيرازي رحمه الله

المؤلف : السيد إبراهيم الدامغاني رحمه الله

الناشر : مركز تراث سامراء

المطبعة دار الكفيل

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

سنة الطباعة: 1440ه_ / 2019م.

رقم الإصدار : 39

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2019م

:ISBN

محرر الرقمی: محسن مرادی

جميع الحقوق محفوظة لمركز تراث سامراء.

ص: 2

مَبَاحِثٌ

مِن کِتَابِ الطَّهَارَة

تقرير البَحْثِ السَّيّد المُجَدِّد الشِيرَازيّ رحمه الله

ت 1312ه-

بِقَلِمَ العَلَامَةُ السَّيّد إبراهيم الدَامغَانِيّ رحمه الله

ت 1291ه-

تَحقِیق

كَرِيم مَسير

مُراجَعَة وتدقيق

مرکز تراث سامراء

ص: 3

ص: 4

مُقَدَّمَةُ المَركَز وَالتَحقِیق

ص: 5

ص: 6

مقدّمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.

ثلاث سنوات مضت من عمر المركز ولا يزال الهدف المنشود والغاية الأهم التي نسعى إليها هي إلفات نظر الباحثين والمحققين والعلماء إلى تراث هذه المدينة المقدّسة وإلى الأفذاذ من أعلامها والكنوز الدفينة في طياتها التي اكتنفها النسيان وغطاها غبار الزمان، ومما لا شك فيه أنّ السبيل الأفضل لإلفات النظر هو إظهار تلك الكنوز للعيان ونشر ما ضمّته من درر البيان حتى يغنيك العيان عن البيان والوجدان عن البرهان آملين بذلك أن تنبعث الهمم في نفوس ذوي الغيرة فيظهروا ما لديهم من عزم ويخدموا بذلك تراث الإمامين العسكريين علیهم السلام وحوزتهم العلمية الذائعة الصيت التي أنجبت الأساطين والفحول من علماء ومحققين لا زال واحدهم يملأ الدنيا فخراً ومجداً.

وبما أننا نعتقد بأنّ الرؤية لن تتضح والشمل لن يكتمل إلا بنشر تراث السيّد المجدد الشيرازي الذي أبدعه في النجف الأشرف ليضاف إلى ما أبدعه هو والأفذاذ من تلامذته في حوزة سامراء، لكي تحصل صورة واضحة(1) عن تلك الحقبة المهمة في تاريخ الحوزات العلمية إضافةً إلى ذلك أن نشر تراث السيّد المجدّد في النجف الأشرف

ص: 7


1- فإنّ البعض كان يقارن بين المدرستين فيقول : (من الأمارات التي هي متقدّمة على الاستصحاب ما يسمى بقاعدة الفراغ والتجاوز والمعروف بين النجفيين هو تعدّد القاعدتين وبين اهل سامراء من القوم من اتباع الميرزا الشيرازي له هو وحدة القاعدتين، الميرزا هاشم الآملي، مجمع الأفكار والأنظار: 251/4 .

أو غيرها هو أقل مراتب الوفاء لشخصه المعظم؛ لأن كل من أحب سامراء وأصابته اللوعة لأجلها لا بدَّ أن يقف إجلالاً وإعظاماً لشخص السيّد المجدّد (رضوان الله عليه) لما قدمه من خدمات جليلة لتلك المدينة المقدسة، وهذه المباحث كتبت في النجف الأشرف قبل سنة 1287 ه- وذلك لأنّ الشيخ المحقق الهمداني صاحب مصباح الفقيه قد أشار إليها في رسالة مباحث الخلل - والتي هي من إفادات السيّد المجدد الشيرازي أيضاً - في مسألة نجاسة الثوب والبدن قائلاً : (لم يتعرّض سيد مشايخنا دام ظله لبيان هذه المسألة تعويلاً على ما أفاده من مبحث النجاسات من كتاب الطهارة) (1).

وبما أنّ التاريخ المثبت على مباحث الخلل هو سنة 1287 ه- فتكون مباحث الطهارة قبلها قطعاً، ولعلّها بحدود سنة 1285ه- .

وأما الحديث عن محتوى هذا الكتاب وقيمته العلميّة فإنّي لا أجد وصفاً أليق مما ذكره السيد حسن الصدر - التلميذ البار للسيّد المجدّد - إذ قال: (كان - قدس الله روحه - إذا أراد تدريس كتاب من أبواب الفقه بحث عن مشكلات مسائله وترك التعرّض لسواها، ولا ينتفع من بحثه إلا من كان قد أحاط بأقوال المسألة وأدلتها وأخذ بجوامع أطرافها ولم يبقَ عليه إلّا تحقيق مشكلاتها، فيتكلّم حينئذٍ معه في تلقي ذلك عنه)(2).

وقال أيضاً واصفاً أنظار السيّد المجدّد: ترى له الأنظار العالية والدانية(3) لم ترَ عينُ الزمان مثل دقائق أفكاره وخفايا آثاره و أنظاره، قد خلت عنها كتب المحققين من أهل الأنظار وسائر الشيوخ الكبار، لم يسبقه أحدٌ إليها، ولا حام طائر فكر فقيه قبله عليها )(4).

ص: 8


1- آقا رضا الهمداني، مباحث الخلل : 93 ، وقد حققها وطبعها مركز تراث سامراء.
2- السيد حسن الصدر، تكملة أمل الآمل : 334/5.
3- يقصد القريبة كما في قوله تعالى: «قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ».
4- السيّد حسن الصدر، تكملة أمل الآمل : 334/5 .

وقد وفقنا الله في المركز لتحقيق هذا الأثر النفيس الذي ينشر أوّل مرّة أسوة بجميع إصدارات المركز التي تنشر لأوّل مرّة بل أنّ بعضها لم يكن معروفاً حتى لذوي الخبرة والممارسة فضلا عن غيرهم.

«ذُلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم»، ونسأله تعالى بحق الإمامين العسكريين علیهما السلام أن يتقبل منا ومن جميع من ساهم بنشر هذا الأثر ولا سيما سيد الطائفة سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الذي شرفنا بتحقيقه ونشره ، وكم له (دامت بركاته) من دعاء وكلمات ثناء بحق المركز هیلنا قرة عين وعلى مكاره الدهر خير معين.

الأقل

كريم مسير

النجف الأشرف

ليلة 23 من شهر الصيام/ 1440ه-

ص: 9

ص: 10

لمحات من حياة

السيد إبراهيم الدامغاني الخراساني النجفي

(ت 1291ه-)

لم تتعرض المصادر لحياة المقرر بشيء من التفصيل حتى أنهم لم يذكروا اسمه الكامل أو شيئاً من خصوصياته، ولولا ما قرره من أبحاث أستاذه لَاندَرَسَ ذكره وانطمس اسمه وهذه الكلمات هي ما حفظه لنا بعض معاصريه أو من قارب عصره فقالوا في حقه: (الفاضل السيد إبراهيم الخراساني الدامغاني النجفي: كان المترجم رَحِمَهُ الله من عمد تلامذة حضرة العلّامة الإمام ميرزا محمد حسن الشيرازي العسكري، ومن أركان حوزته الكريمة وفضلاء أصحابه.

قرأ المترجم أوّلاً مبادئ العلوم في مشهد الرضا علیه السلام، ثم هاجر منها إلى النجف الأشرف ولازم فيها مدرسة أستاذه العلّامة ميرزا محمد حسن الشرازي، وكان فاضلاً فقيهاً أُصولياً متتبعاً، وكان له فيها وجهة علمية، ولكن لم يساعده عمره ومات فيها في سنة 1291 الهلاليّة.

وكتب المترجم رَحِمَهُ الله شطراً عظيماً في الفقه والأصول من بحوث أستاذه العلّامة وكانت أفكاره وأنظاره ومؤلّفاته مورد النظر والاعتماد والثقة عند فضلاء ء عصره وأعلام وقته، وأخذ تحريراته بعده شيخنا العلّامة السيد حسن الصدر الكاظمي العاملي، وهي موجودة في مكتبته الشريفة.

كان المترجم - رحمه [ الله ] - دقيق الخاطر ، حسن الفهم جيد ،الفكر وسيع التتبع

ص: 11

جليل القدر، وكان يرتجى منه الارتقاءات الكاملة والمراتب السامية في العلم والعمل والزعامة العامة) (1) .

وذكره شيخنا الطهراني في الطبقات واصفاً إياه بأنه:

(من العلماء الأجلاء والأتقياء الأخيار أدرك عصر الشيخ الأنصاري(2) وتتلمذ على السيد حسين الكوهكمري النجفي إلا أن عمدة اشتغاله على المجدد الشيرازي فقد كان من قدماء تلاميذه دائم الاشتغال كتابةً أو مطالعةً أو تدريساً كتب من تقريراته مجلدات وتوفي بالنجف عام مهاجرة السيد إلى سامراء (1291ه-) وباع وصيه العالم الشيخ إسماعيل السرخهي كتبه فمجلد من تقريراته الأصولية اشتراه السيد محسن بن السيد حسين آل بحر العلوم ومجلد في الفقه بحر العلوم ومجلد في الفقه من العبادات والمعاملات اشتراه العلامة السيد حسن الصدر وهو موجود في خزانة كتبه بالكاظمية )(3) .

أقول: قول الشيخ الطهراني ( أدرك عصر الشيخ الأعظم) لعله إشارة إلى قلة مدة حضوره في درس الشيخ الأعظم أسوة بصاحب الكفاية وغيره ممن كان حضورهم لدى الشيخ الأعظم قليلاً؛ لأنه من الواضح أن السيد الدامغاني قد أدرك عصر الشيخ بلا حاجة إلى بيان ذلك فالشيخ توفي سنة 1281 ه- والسيد كان يعطي دروسه في حياة أستاذه الشيخ الأعظم حتى أنه توجد بعض نسخ تقريرات الروزدري في مسألة الإجزاء قد نسخت سنة 1280 ه- على يد الشيخ محمد علي شرارة العاملي، كما أن هذه المباحث التي قررها السيد الدامغاني قد كتبها بحدود سنة 1285ه- أو قبلها بكثير كما بينا ذلك. وعليه فلا معنى محصل من العبارة سوى الإشارة إلى قلة حضوره، والله العالم.

وتحدث عنه السيد حسن الصدر في تكملة أمل الآمل قائلاً :

ص: 12


1- محمد أمين الخوئي، مرآة الشرق: 51/1.
2- ينظر: الأوردبادي، موسوعة الأوردبادي: 64/20.
3- آقا بزرك الطهراني، الكرام البررة: 1 / 4 .

(كان من فضلاء تلامذة سيّدنا الأستاذ حجة الإسلام الميرزا الشيرازي، في النجف الأشرف، و توفي سنة مهاجرة سيدنا الأستاذ إلى سامراء و هي سنة إحدى و تسعين و مائتين و ألف.

كان فاضلاً عالماً، محققاً مدققاً. يستغرق أوقاته في الاشتغال، يكتب ما يدرسه سيدنا الأستاذ في الفقه والأصول، حسن التحرير ، نقي التصنيف، ذو غور و نابغية، عندي من كتاباته في الفقه جملة مباحث باحثها سيدنا الأستاذ، وكتبها السيد إبراهيم المذكور في العبادات و المعاملات اشتريتها من وصيّه الشيخ الفاضل الشيخ إسماعيل السمناني، و اشترى كتابته في الأصول السيد الفاضل السيد محسن آل بحر العلوم. كانت وفاته في سنة 1291ه- (إحدى و تسعين ومائتين بعد الألف من الهجرة في النجف الأشرف)(1).

وقد تعرض له الشيخ الطهراني في الذريعة في ثلاثة موارد عند الحديث عن تقريراته فذكره في الجزء الثاني قائلاً :

(أصول الفقه للسيد إبراهيم الدامغاني النجفي المتوفى بها سنة 1291ه- ، وهي سنة مهاجرة أستاذه الآية المجدد الشيرازي إلى سامراء) (2).

ثم ذكر تقريره الآخر وهو في البيع قائلاً : كتاب البيع الاستدلالي المبسوط مع بعض العبادات في مجلد كبير للسيد إبراهيم الدامغاني المتوفى في النجف سنة 1291ه- كان من قدماء تلاميذ السيد المجدد ميرزا محمد حسن الشيرازي في النجف سنين وألف هذا الكتاب من تقرير بحث أستاذه المذكور والنسخة بخطه انتقلت بعد وفاته بالبيع الشرعي من وصيه الشيخ إبراهيم السرخهي إلى سيدنا أبي محمد الحسن صدر الدين

ص: 13


1- السيد حسن الصدر، تكملة أمل الآمل : 9/2 .
2- آقا بزرك الطهراني، الذريعة : 201/2 .

وقد رأيتها في خزانة كتبه وبيع أصوله للسيد محسن آل بحر العلوم كما مرّ)(1).

ويمكن الملاحظة على كلام كلا العلمين بما يلي:

أولاً : إن السيد حسن الصدر يصرح بأنّه اشترى النسخة من وصيه الشيخ الفاضل إسماعيل السمناني، بينما الشيخ الطهراني يقول إنه اشتراه من وصيه الشيخ إبراهيم السرخهي بعد اتفاقهما على بيع كتاب الأصول للسيد محسن آل بحر العلوم.

وقد استدرك الشيخ الطهراني ذلك في الجزء الرابع تحت عنوان تقريرات إذ قال: في مجلدين أحدهما في الفقه والمهم من مباحث العبادات والمعاملات ، والآخر في كثير من مباحث الأصول كلاهما من تقرير بحث أستاذه آية الله السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي ، وكان من قدماء تلاميذه في النجف وفي سنة وفاته هاجر آية الله الشيرازي إلى سامراء ، رأيت مجلده الفقهي في خزانة كتب سيدنا أبي محمد الحسن صدر الدين وقال إنه اشتراه من وصي المؤلف الشيخ إسماعيل السمناني)(2).

ثانياً: إن كتاب البيع الذي تحت حوزة السيد حسن الصدر هو استنساخ عن الأصل وليس نسخة الأصل ويمتلك المركز نسخة مصورة عنها وهي قيد التحقيق وقد كتب السيد حسن الصدر الكاظمي على ظهرها ما نصه : (هذا المجلد من تقرير درس سيدنا الأستاذ العلّامة لا حجة الإسلام الميرزا، جمعها وألّفها السيد إبراهيم الدامغاني وقد أمرت بنسخها عن خطه لكني لم أقابلها بعد الأحقر حسن صدر الدين الموسوي العاملي الكاظمي.

إلا أنه يمكن الجواب عن هذا الإيراد بأنه لا مانع من الجمع بين نسخة الأصل واستنساخها لبعض الدواعي ولا سيما أنها نسخت بعد وفاة السيد المجدد كما يظهر من قوله : (قدس سره ) .

ص: 14


1- آقا بزرك الطهراني، الذريعة : 1903 .
2- آقا بزرك الطهراني، الذريعة : 4 / 367 .

وفاته

اتفقت المصادر كافة على أنه توفي سنة 1291ه- في سنة مهاجرة السيد المجدّد الشيرازي إلى سامراء، أما ولادته فإنَّ جميع المصادر التي تعرضت لحياته لم تذكر ولادته ولا عمره الشريف لا تحقيقاً ولا تقديراً إلا أنه يلوح من عبارة مرآة الشرق إلى أنه مات مبكراً، إذ يقول : ( ولكن لم يساعده عمره ومات فيها سنة 1291 ه- ).

ولعله يقصد كونه مات في حدود الخمسين أو أكثر أو أقل والله العالم.

مصادر الترجمة:

تکملة أمل الآمل للسید حسن الصدر العاملی، الذریعة و الطبقات للشیخ الطهرانی، مرآة الشرق محمدأمین الخوئی، أعیان الشیعة للسید الأمینی، وفیات الأعلام للسید محمد صادق بحر العلوم، موسوعة الأوردبادی.

ص: 15

النسخ المعتمدة

الأولى: وهي بخط (نستعلیق) و تبلغ (218) صفحة، وقد تم استنساخها عن نسخة الأصل، كما يظهر ذلك مما كتبه على ظهرها آية الله السيد الميرزا علي آقا نجل السيد المجدد الشيرازي.

وهذا نصه بالفارسية: تقريرات آقا سيد إبراهيم دامغاني نسخة أصل ان كتاب از جناب مستطاب آقا سید حسن کاظميني عاملي است لدى الاحقر علي الحسيني. نسخة اصل را بتوسط جناب مستطاب آقا سید حسین اسدي سلمه الله تعالى در 24 صفر المظفر سنة 1323 رواند نمودم.

ومضمونه : ان هذا تقريرات السيد إبراهيم الدامغاني ونسخة الأصل من السيد حسن [الصدر] الكاظمي العاملي كانت لدى الأحقر علي الحسيني [الشيرازي] وقد ارسلتها(1) بواسطة السيد حسين الأسدي في 24 شهر صفر المظفر سنة 1323 ه-) .

وهذه النسخة وإن كانت فريدة ولا بديل لها في معظم مباحث الكتاب - إذ لم يتيسر لنا الوصول إلى نسخة الأصل - إلا أنها لا تخلو من بعض الأغلاط والاشتباهات ويمكن ملاحظة ذلك بما علقناه على بعض المواضع بقولنا كذا في الأصل والصحيح.. بالإضافة إلى أنها ناقصة الآخر كما يظهر بملاحظة الصفحة الأخيرة فيها.

وتبدأ هذه النسخة من بحث العصير العنبي وتنتهي عند الصفحة (348) من هذاالمطبوع.

وهي - كما يظهر مما تقدم - كانت من ممتلكات آية الله السيد الميرزا على آقا نجل السيد المجدّد الشيرازي ومنه انتقل إلى ولده المرحوم السيد ميرزا حسن و اشتراها من تركته سید الطائفة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

ص: 16


1- كان السيد ميرزا علي أقا الشيرازي ساكناً في سامراء في ذلك الوقت والسيد حسن الصدر ساكناً في الكاظمية ولذلك عبّر بأنه أرسل نسخة الأصل إليه بيد السيد حسين الأسدي.

ووضعها في متناول أيدينا وشرّفنا بتحقيقها ونشرها .

وقد رمزنا لها بالحرف (س) إشارة إلى مصدرها.

الثانية: وتمثل صفحات من الكتاب وتقع ضمن مجموعة حصلنا عليها من مكتبة مروي بطهران ومحفوظة برقم (704) ويوجد على بعض نسخ المجموعة اسم ناسخها هو عبد الغني بن محمد الحسيني وهي مكتوبة بخط نستعليق ) وتبلغ (52) صفحة فقط، وتبدأ هذه النسخة من أواخر مبحث التيمم أي من صفحة (300) من هذا المطبوع وتزيد على النسخة الأولى بحوالي ثلاثين صفحة.

وهي تعتبر بمثابة المسودة بالنسبة إلى النسخة الأولى، ويظهر ذلك بملاحظة الفروق التي أشرنا إليها بين النسختين فإنه عادةً ما يكون من قبيل التوضيح أو البسط في البيان أو الترتيب في العبائر وقلما تجد فرقاً جوهرياً بين النسختين.

ورمزنا لها بالحرف (م) إشارةً إلى مصدرها .

الثالثة: وهي ورقة واحدة من صفحتين من بداية أحكام العصير العنبي إلى الصفحة (33)، من هذا المطبوع وهي بخط (نستعليق) وناسخها الشيخ أسد الله الزنجاني من تلامذة السيد المجدّد وقد نسخها في سامراء، وقد حصلنا عليها من مكتبة جامعة النجف الدينية، وقد كتب الشيخ الزنجاني على حاشية النسخة ما نصه: (بسمه تعالى هذا وما سيأتي بعد ذلك المتعلق بمباحث البيع إلخ تقريرات بحث سيدنا الأستاذ الأكبر قد كتبه الفاضل المرحوم السيد إبراهيم من أطراف الخراسان توفي في النجف الأشرف في زمان سيدنا الأستاذ الأكبر وهو غير السيد الجليل السيد إبراهيم(1)) وهو أيضاً من تلامذته توفي في الكاظمية وله ابن صالح فاضل ساكن في الكاظمية يصلي الجماعة في الإيوان المطهر أعلى الله مقامهم).

ورمزنا لها بالحرف (ز) إشارة إلى مصدرها .

ص: 17


1- يقصد السيد إبراهيم بن المير محمد علي الدرودي الخراساني الكاظمي والبعض يخلط بينهما لذلك نبه الشيخ الزنجاني على ذلك، ينظر : آقا بزرك الطهراني، هدية الرازي: 48 .

منهج التحقیق

1 - تم إجراء المقابلة بين النسخ الثلاث وإثبات مقدار التفاوت والاختلاف مع غض الطرف عن الاختلافات اليسيرة منها مثل التذكير والتأنيث والمعرفة والنكرة وغيرها مما لا حاجة إلى بيانها.

2 - عادة ما ينقل المقرر الروايات باختصار أو بالمعنى في بعض الحالات فعمدنا إلى نقلها من المصدر ولم نشر إلى ذلك لكثرته وعدم جدواه أيضاً، كما أنه النسخة الثانية (مروي) يشير الناسخ فيها إلى الكتب الفقهية برموز مختصرة .

كل ما أضيف من عناوين مقترحة أو ما يقتضيه السياق جعل بين معقوفين، ولم ننبه عليه إلا في موارد قليلة لمسوغات ذكرت في محلها.

4 - تم تخريج الآيات الكريمة وجعلها بين أقواس مزهرة، وكذا تم تخريج الروايات الشريفة وأقوال العلماء وكلمات اللغويين من مصادرها.

شکر و امتنان

وفي الختام لابد من تقديم وافر الشكر والامتنان لجميع من قدم يد المساعدة وأخص منهم بالذكر الأخ العزيز سماحة الشيخ عبد الرضا الهندي صاحب الخلق الكريم الذي طالع الكتاب بدقة وأبدى ملاحظات قيمة ونافعه، كما أقدم شكري لجميع الأعزاء في المركز ولا سيما الأخوة في شعبة التحقيق لمساعدتهم في المقابلة الأولى وتقديم جملة من الملاحظات المهمة.

وأشكر جناب الأخ العزيز سماحة السيد غسان الخرسان الذي ساعدني أيضاً في إجراء المقابلة الثانية لمزيد من التأكد فلهم مني جميعاً وافر الاحترام والتقدير.

ص: 18

ما كتبه الميرزا علي آقا نجل السيّد المجدّد الشيرازي على ظهر نسخة (س).

ص: 19

الصورة

صورة الصفحة الأولى من المخطوطة المعتمدة (س)

ص: 20

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة المعتمدة (س)

ص: 21

الصورة

صورة الصفحة الأولى من المخطوطة (م)

ص: 22

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة (م)

ص: 23

الصورة

صورة الصفحة الأولى من المخطوطة (ز)

ص: 24

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة (ز)

ص: 25

ص: 26

مباحث

مِن كِتَابِ الطَّهَارَة

تقرير البَحْثِ السَيّدِ المجدد الشيرازي رحمه الله

ت 1312ه-

بِقَلَمَ العَلَامَةُ السَّيّد ابراهيم الدامغاني رحمه الله

ت 1291ه-

تحقیق

كَرِيم مَسيّر

مُراجعة وتدقيق

مرکز تراث سامراء

ص: 27

ص: 28

بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين(1).

في أحكام العصير العنبي

فاعلم أنّ عبائر الأصحاب مختلفة، وأكثر الأصحاب اعتبروا في نجاسته الغليان والاشتداد معاً.

وقالوا: إنّ من النجاسات العصير العنبي، إذا غلى واشتد (2).

وعبارتهم: (إذا غلى واشتد تحتمل من حيث اللفظ وجهين:

الأول: أن يكون الضمير المستكن في (اشتدَّ) راجعاً إلى العصير.

و[الثاني]: يُحتمل أن يكون راجعاً إلى الغليان المفهوم من اللفظ (غلى).

ويقرّب الأول؛ توافق مرجع الضميرين، ويبعده بعد المرجع.

والثاني يقرّبه قرب المخرج (3)، ويبعده عدم التوافق.

وعلى تقدير أن يكون راجعاً إلى العصير.

فإما أن يكون قولهم : اشتدَّ) عطفاً تفسيرياً (لغلى)، ويكون مرادهم : أنّ الغليان المعتبر هو اشتداده؛ بأن يصير أعلاه أسفله لا مجرد الغليان ولو أول درجته، ويؤيده التفسير الوارد للغليان في الخبر (4)، لكن يبعده؛ أن المفسّر لا بُدَّ أن يكون أوضح من

ص: 29


1- (وبه نستعين) لم ترد في (ز).
2- يُنظر : الطباطبائي، رياض المسائل : 364/2؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 28.
3- في (ز) : (المرجع) وهو الصحيح.
4- الكليني، الكافي: 6 / 419 كتاب الأشربة، باب العصير : ح 3 وح 4 ، حيث ورد: «قلت: جعلت فداك أيُ شيءٍ الغليان ؟ قال علیه السلام: القلب» .

المفسّر ، وههنا يكون أخفى؛ لأنّ الاشتداد يحتمل السخونة ويحتمل اشتداد الغليان.

وأما أن يكون لبيان مطلب آخر وهو أنَّ مجرد الغليان لا يكفي بل لا بُدَّ أنْ تكون الثخانة أيضاً حاصلة ولا تكفي الثخونة التي تحصل من أول درجة الغليان، بل لا بُدَّ من الثخانة المحسوسة.

وعلى هذا التقدير(1) يبقى الكلام في بيان مدرك هذا القيد.

ولا أعلم لهم مدركاً لهذا القيد غير خصوصية السؤال الذي ورد في رواية معاوية بن عمار، «قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج(2) ويقول قد طبخ على الثلث وانا اعرفه انه يشربه على النصف فقال علیه السلام: خمر لا تشربه... »(3) الحديث.

وأنت خبير أنَّ العبرة ليس بخصوص المورد وغير(4) استصحاب الطهارة؛ لأنّه كان سابقاً قبل الغليان طاهراً، فشُكّ في نجاسته بعد الغليان وقبل الاشتداد؛ فنستصحب الطهارة ونقتصر على مورد اليقين في الحكم المخالف للأصل؛ إلّا أن إطلاق لفظ الخبر يدفع هذا الأصل.

إلا أن يقال: لما كان مدرك الحكم بالنجاسة هو هذا الخبر، وجواب الإمام علیه السلام منزل على مورد السؤال، فكأنه [قال] إنّ(5) العصير المتصف بكذا وكذا خمر لا العصير المطلق؛ مضافاً إلى أنَّ(6) الأصل المذكور سابقاً، فيعلم أنَّ الثخانة أيضاً معتبرة.

ص: 30


1- في :(ز): (وعلى هذا التفسير).
2- البُخْتُجُ : العصير المطبوخ ، وأَصله بالفارسية فِي بُخْتَه أَي عصير مطبوخ، ينظر: ابن منظور، لسان العرب: 2 211؛ الطريحي، مجمع البحرين: 2/ 276.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/ 122 كتاب الصيد باب الذبائح والأطعمة ح261.
4- كذا في الأصل.
5- في (ز) : ( فكأنه قال علیه السلام العصير المتصف .....).
6- (أنَّ) لم ترد في (ز) وهو الصحيح.

وأما نجاسته بالقيدين؛ فمشهور(1)، حتى ادعى بعضهم (2) الإجماع (3)، فمستنده - بعد الشهرة المحكية المستفيضة، والإجماع المنقول- هو خبر معاوية.

بتقريب : أنّ إطلاق لفظ الخمر عليه إمّا أن يكون حقيقة، كما هو المنقول عن بعض وادعى بعضُهم الإجماع(4) .

وأما للمشابهة؛ والتشبيه يقتضي العموم إن لم يكن للمشبه به أحكام ظاهرة كنجاسته وحرمته ، لكن يُضَعِفَهُ أنّ هذا الخبر مذك قدس سر قدس سرور في الكافي(5) بدون لفظ الخمر؛ مع أنّ الصدوق أضبط (6)؛ لكن يدفعه الأصل.

وأمّا حرمته فالأخبار سوى هذه الرواية مستفيضة(7).

ثم إنّ الغليان المعتبر هل هو الغليان بالنار أو الأعم؟

ص: 31


1- المحقق الكركي، رسائل الكركي 3 216؛ الشهيد الثاني الحاشية على الشرائع : 64 ؛ السيد العاملي مدارك الأحكام: 2/ 292 .
2- (بعضهم) لم ترد في (ز).
3- العاملي، مفتاح الكرامة : 31/2 .
4- يُنظر : البحراني، الحدائق: 112/5 .
5- الكليني، الكافي: 6/ 421 كتاب الأشربة باب الطلاء ح ، ونص الحديث: «الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث، وأنا أعلم أنه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال علیه السلام الان : لا تشربه .
6- هذا اشتباه من المقرّر أو من طغيان القلم؛ لأن الصدوق رحمه الله لم يورد هذه الرواية، وإنما أوردها الكليني في الكافي : 421/6 ؛ والشيخ في تهذيب الأحكام 9 132 ، والفرق بينهما وجود لفظة (الخمر) في التهذيب وخلو الكافي منها، وقد رجح البعض ومنهم الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة: 169/5 رواية التهذيب على رواية الكافي ببركة رسالة علي بن بابويه قائلاً : ( ويؤيد وجود لفظ الخمر في الرواية تعبير والد الصدوق بمضمونها في رسالته إلى ولده والتي هي كالروايات المنقولة بالمعنى)، يُنظر : رسالة علي بن بابويه (الشرائع): 177 - 269 .
7- يُنظر : الكليني، الكافي: 6 / 419 كتاب الأشربة باب العصير؛ الطوسي، تهذيب الأحكام 9: 119 كتاب الصيد باب الذبائح والأطعمة ح253 .

الظاهر من الروايات الأعم(1) ، وهو الظاهر من كلام الأصحاب(2).

[حكم العصير الزبيبي ]

وأما العصير الزبيبي فقد ألحقه بعض (3) الأصحاب بالنجاسة(4) ولكن أكثر الأصحاب ذهبوا إلى الطهارة حتى قال بعضهم: إنّه لا أعلم قائلاً بالنجاسة(5).

وكيف كان فمستند الطهارة هو الأصل، ولا يمكن الاستناد في النجاسة إلى الاستصحاب؛ لتغير الموضوع إمّا بناءً على عدم صدق العصير عليه.

وأمّا بناءً على أنّ المُعْتَصَر من العنب مغاير للمُعْتَصَر (6) من الزبيب.

إلا أن يقال: إنّ أهل العرف لا يفرقون بين الماء المخرج من العنب ويوضع حتى يبس ثمّ يصبّ فيه الماء، وبين الماء المخرج من الزبيب ويقولون: هو هذا، من باب التسامح. وذلك الماء المخرج من العنب في الصورة الأولى إذا غلى.

الظاهر أنّه لا كلام في نجاسته، لأنهم قالوا: العصير العنبي نجس وإن صبّ فيه شيء من الماء، فإذا كان العصير في الصورة الأولى نجساً كان الحكم كذلك في الصورة الثانية؛ لكونهما واحداً في نظر أهل العرف من باب التسامح، ويبتني ذلك على جريان الاستصحاب في الموضوعات العرفية.

ص: 32


1- المجلسي، بحار الأنوار: 63 / 506 أبواب الأشربة باب 3 ح 9 ؛ النوري، مستدرك الوسائل 17 : 38 أبواب الأشربة المحرمة باب 2 ح 1 .
2- الشهيد الثاني المسالك : 12 / 74؛ الأردبيلي مجمع الفائدة: 12 / 334؛ الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع : 2/ 220 ؛ الطباطبائي، شرح المختصر الصغير: 3/ 111 .
3- ینظر : السبزواري، الذخيرة: 155 ؛ البحراني، الحدائق: 141/5 .
4- في (ز): (في النجاسة).
5- ینظر : البحراني، الحدائق: 141/5 .
6- في (ز) : (للمغاير من الزبيب).

[الروایات الدالة علی الحرمة]

وأما حرمته، فقد ورد فيها روايات، مثل رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام(1) وموثقة عمار الساباطي(2)، ورواية زيد النرسي عن الصادق علیه السلام في الزبيب يدق ويلقى في القدر ويصب عليه الماء ؟ فقال علیه السلام: «حرام حتى يذهب ثلثاه ... »(3)(4) .

وهذه الروايات تدل على حرمته ما لم يذهب ثلثاه.

وأظهرُ (5) دلالة على المطلوب رواية زيد النرسي، وهو وإن كان ضعفه الصدوق ، وشيخه ابن الوليد (6) ، لكن يرويه عنه ابن أبي عمير، وهو ممن اجتمعت العصابةً على تصحيح ما يصح عنه(7).

وكيف كان، فلو قلنا(8) بنجاسة العصير الزبيبي وتعميم لفظ العصير الوارد في الرواية إلى كل عصير ولو من غير العنب، فهل يعتبر الإخراج من مسماه (9) أم لا؟

ظاهر بعض(10)؛ عدم الاعتبار فلو وقعت حبّاتُ العنب في ماء فغلى، ما(11) في بطنها؛ يكون نجساً ما لم يذهب ثلثاه.

ص: 33


1- الكليني، الكافي: 6 / 421 كتاب الأشربة باب العصير إذا مسته النارح.
2- الكليني، الكافي : 425/6 كتاب الأشربة باب صفة الشراب الحلال ح2 .
3- الأصول الستة عشر (أصل زيد): 58 ؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: 291/25 ح 7 ه 1 .
4- في (ز) لم ترد الرواية.
5- في :(ز): (وأظهر هذه الأدلة).
6- نقل ذلك عنها الشيخ الطوسي في الفهرست: 130.
7- الطوسي، اختيار معرفة الرجال : 1 / 204.
8- في (ز): (فبعدما قلنا).
9- في (ز): (في مسماه).
10- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 222 ، نهاية الأحكام 1 / 272؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد:1/166.
11- في (ز): (فعلى ما يكون في بطنها).

ويظهر من بعض(1)؛ اعتبار الإخراج فيحكم بطهارة الحبّات إذا غلى ماؤها.

وكذا الإشكال في الزبيب الذي جُفّف بالسَّمْن (2) أو الشمس فهل يحكم بنجاسته ما لم يُعلم بذهاب ثلثيه أو لا يحكم بنجاسته؟

يمكن القول بعدم اعتبار الإخراج؛ لأنّ لفظ العصير بحسب أصل اللغة وإن كان معتبراً فيه ذلك لكنه بحسب العرف أعمّ من ذلك.

ولكنّ الحقّ اعتبار الإخراج؛ لأنه لم يدلّ دليل على عدم اعتبار المعنى اللغوي، فإذا كان معتبراً فالقول بالطهارة في الموضعين لا يخلو عن إشكال.

[هل يحلّ أكل الزبيب المطبوخ ؟]

ثم لو قلنا بعدم اعتبار الإخراج، لو طبخ الزبيب بالدهن أو بغيره من أقسام الطبخ فهل يحل أكله أم لا؟ فنقول: يحتمل وجوه:

الأول: أن نقول : لا مائية في الزبيب المجفف، بل هو جرم محض، وموضوع النجاسة يكون الماء، وهذا الاحتمال لا يخلو عن بُعدِ ؛ لأنّه لا يبعد أن يكون المناط في النجاسة والطهارة هو ميعانه - ولو كان بسبب النار - ؛ وبعد الغليان حصل فيه ميعان وذوبان ، ومناط النجاسة هو ذلك، وكذا القول في حبة عنب(3) انسلخ جلدها عنها وجففت فإذا تأثرت بالنار يظهر مائيته.

والثاني: أنّ المعتبر هو ذهاب الثلثين وهو حاصل بالشمس، وهذا الاحتمال أيضاً لا يخلو عن بعد؛ لأنه بناءً على هذا لا بُدَّ أن يُقصر في الحكم بالطهارة على صورة غليانه وذهاب ثلثيه، وأما إذا لم يغل ولم يُعلم ذهاب ثلثيه فلا يُحكم بالطهارة.

ص: 34


1- الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع: 2/ 220 .
2- في (ز): تكرر (السمن) مرتان .
3- (عنب) لم ترد في (ز).

والثالث أنّ :نقول : لم يغل(1) بسبب غليان السَّمْن ،والماء، بل يغلي السَّمْن والماء دونه.

والرابع: أن نقول : بمحض(2) وروده في السمن والماء، ذهبَ جميع أجرامه(3) فلا يبقى شيء حتى يُحكم بحليته وحرمته ونجاسته.

إلا أن هذا الاحتمال مختص بما إذا طبخ بالسَّمْن، وأما إذا طبخ بغيره من سائر أقسام طبخه فلا يجري فيه هذا الاحتمال.

(أو نقول : الحكم معلق على العصير المطلق دون العصير المخلوط بالسمن مثلاً؛ لأنه لا يسمى عصيراً مطلقاً والحكم معلّق عليه .

أو نقول: ان الخروج لازم ليصدق العصير وههنا لم يخرج)(4)؛ ولا يبعد هذان الاحتمالان، وإن كان أولهما أحسن.

[ نجاسة العصير العنبي بمجرد غليانه بنفسه ]

ثم اعلم هل المعتبر في النجاسة غليان العصير بالنار أو أعم من أن يكون بالنار أو بالشمس أو بنفسه؛ لإطلاق الغليان وعدم تقييده بالنار ؟

ولا يبعد أن يكون المراد بالنشيش - الوارد في بعض الأخبار - هو غليانه بنفسه

كما يظهر ذلك من قوله علیه السلام في الرواية : وخشيت أن ينش؛ جعلته في تنور مسجور »(5) .

فاعلم انه ظهر لك مما ذكرنا سابقاً؛ انّ الدليل المعتبر على نجاسة العصير إذا غلى ليس إلّا خبر ورد فيه لفظ البختج.

ص: 35


1- في (ز): (لا يغلي).
2- في (ز) (بمجرد).
3- في (ز): (أجزاءه).
4- ما بين المعقوفين لم يرد في (ز).
5- الكليني، الكافي : 424/6 كتاب الأشربة باب صفة الشراب الحلال ح 1 .

ولكن بعد ذلك كله يرد على الخبر إشكال؛ وهو انّ قول ذي اليد معتبر، والسائل في هذا الخبر يقول: إنَّ الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج وهو يقول على الثلث، وانا أعلم انه يشربه على النصف؛ فكيف يحكم بحرمته ونجاسته؛ فلا بُدَّ أن يحمل قوله علیه السلام : «لا تشربه»(1) على الكراهة كما حمل عليها بعضُ(2) ، وبعد حمله على الكراهة لا يكون دليلاً على النجاسة والحال انهم استدلوا به للنجاسة.

إلا أن نقول: ترجيح قول ذي اليد مقيّد بصورة عدم علم الشخص بالحال والواقع.

وأمّا إذا علم الشخص بالحال؛ فلا يكون قول ذي اليد معتبراً في حقه. وفي هذه الرواية اعترف السائل بكون الشرب على النصف من عادته، كما يشهد به قوله: يشربه» ؛ لأنّ الفعل المضارع دال على الاستمرار ومراده: أي: أعلم أنه يشرب دائماً على النصف.

إلا أن يقال: إنّ الفعل المضارع لا يدلّ على الاستمرار.

أو يقال : إن استمرار أكله وشربه على النصف لا يدلّ على كون الشخص [ يشربه ] على النصف حتى يقال : إنّه عالم، ولا ترجيح لقول ذي اليد؛ وهو بعيد.

ولكن في كلام الشيخ محمد حسن قدس سره(3) ما يوجب -بحسب الظاهر - التهافت؛ سال فإنّه استدل في هذا المقام على نجاسة العصير العنبي بهذا الخبر، واستدل بهذا الخبر في الأطعمة والأشربة للكراهة، والحال أنّ استدلاله للنجاسة يتوقف على حمل قوله علیه السلام : لا تشربه على الحرمة والاستدلال للكراهة يتوقف [على] حمله على الكراهة؛ ولا يعقل له حيثيتان.

ص: 36


1- الكليني، الكافي: 6 / 421 كتاب الأشربة باب الطلاء ح 7.
2- فخر المحققين، الإيضاح : 159/4 ، وقد نسبه إلى ابن سعيد الحلي؛ يُنظر : النجفي، الجواهر : 422/36 .
3- النجفي، الجواهر : 422/36،14/6 .

إلا أن يقال: بحمل النهي على التنزيهي؛ واستدلاله به للنجاسة كأنه من باب الأولوية، وبحمل قوله : «وأنا أعلم أنه يشربه على النصف»(1) على أنّه یشربه علی النصف مطلقاً لا دائماً.

أو نقول: من فرض علمه بأنّ هذه عادته وسجيته لا يحصل له العلم في هذا الفرد الخارجي، ويكون من موارد ترجيح قول ذي اليد، فكأنه قال الإمام علیه السلام: مع تقدم قول ذي اليد في هذا الفرض لا تشربه لشدة قذارته.

والحاصل أنه مع كون تكليفك عدم الاجتناب أيضاً، أحب تركه؛ فكيف إذا لم يكن تكليفك عدم الاجتناب، بل كان التكليف الاجتناب فهو إذا لم [يكن] قول ذي اليد موجوداً.

هذا ما أدى إليه نظري الفاتر في توجيه كلام الشيخ (2).

ومن النجاسات: الفقاع، بالتشديد أو بالتخفيف فيقع الكلام في مقامين:

الأول: في مفهوم الفقاع.

وبعضهم قالوا: إنّه المتخذ من الشعير(3).

وبعضهم قالوا: إنه لم يختص بالشعير، بل كل متخذ وقع فيه نشيش(4) .

وبعضهم قالوا: إنّ الحكم معلق على الفقاع(5) ولم يُعلم مفهومه، فلا بُدَّ أن يُرجع فيه إلى العرف ؛ فكل ما أطلق العرف عليه الفقاع مع وجود خاصيته وهي النشيش فهو حرام.

ص: 37


1- الكليني، الكافي: 6 / 421 كتاب الأشربة باب الطلاء ح 7.
2- إلى هنا تنتهي نسخة (ز).
3- نسبه السيد المرتضى له إلى أبي هاشم الواسطي في الإنتصار : 420 ؛ وكذا الشيخ في الرسائل العشر : 259 ؛ الشهيد الثاني؛ الروضة البهية : 1/ 287، المسالك: 1/ 123 .
4- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 398/1؛ کاشف الغطاء، كشف الغطاء : 353/2؛ النجفي، رسائل فقهية : 54 .
5- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 2/ 35 .

فإذا عُلم مفهوم الفقاع؛ فلا إشكال فيه، وإذا أُطلق في العرف لفظ الفقاع على شيء ولم يعلم أنه من هذا المفهوم أم غيره فيكون من قبيل الشبهة الموضوعية.

فإن اعتبر قول أهل العرف من باب البينة وغيرها فهو، وإلا فيرجع إلى أصالة الطهارة.

وإن لم يُعلم مفهوم الفقاع فلا بُدَّ أن نرجع إلى العرف في تعيين مصاديق الفقاع، فكلُّ ما أطلق لفظ الفقاع عليه فيحكم بحرمته ونجاسته، فيشكل حينئذ أنّ أهل العرف قد يطلقون لفظ الفقاع على الشيء الحلال كما يشهد به رواية ابن أبي عمير: «كان يعمل لأبي الحسن علا الفقاع » (1) وقال: ولم يعمل فقاع يغلي.

فدار الأمر بين أن يكون هذا الإطلاق على سبيل الحقيقة ويصير للمطلقات مقيدات، وبين أن يكون هذا الإطلاق على سبيل المجاز، والأخبار المطلقة بحالها، فإذا دار الأمر بين التقييد والمجاز فالمجاز في هذه الموارد أولى؛ لأن مجرد الاستعمال لا يدلّ على الحقيقة، نعم، ولا خبر يدلّ على أنّ المفهوم معلوم ولكن الشبهة في المصداق.

ولا يبعد أن يكون الفقاع كل شراب وقع فيه النشيش والقفزان(2) ولا يختص بشيء خاص، والذين يختصونه(3) بشيء خاص لا يقولون هو لا غير؛ فقول المثبت مقدم على النافي.

وأمّا اعتبار النشيش والسكر؛ فيمكن أن يستفاد من الأخبار مثل: إنه لم يحرم الخمر نفسها بل لعاقبتها(4) ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر، وأطلق الخمر على

ص: 38


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9 / 126 ح 280 ، الاستبصار : 4 / 96 باب تحريم شرب الفقاع ح 11 . والرواية عن ابن أبي عمير عن مرازم.
2- أي: الحركة والقفز.
3- كذا في الأصل، والأنسب : (يخصونه).
4- الكليني، الكافي : 412/6 كتاب الأشربة باب ان الخمر حرمت لفعلها ح1. والمذكور في الأصل مضمون الحديث لا نصه.

الفقاع والحال [أنه] من الخمر بهذه المثابة ليعلم أن الفقاع أيضاً معتبر فيه.

فيعلم أنّ الفقاع أيضاً لم يحرم لاسمها بل لعاقبتها وهي حالة لم تدركها عقولنا حتى نقول هو هذا، وكأنه حصلت في الشخص بواسطة شرب الفقاع حالة تكون المناط في التسمية والحرمة في نظر الشارع حتى نقيس على الفقاع كلما حصل فيه بالشيء، ولعلّ منظور نظره غير هذه المرتبة من مراتب السكر ، وإذا لم يعلم المناط بخصوصه بل علم بعنوان الإجمال أنّ المناط هو النشيش أو سكره بدليل إطلاق الخمر عليه وعدم تحريم الخمر إلّا لعاقبته وحرمته أيضاً من الخمر لم يكن لنا قياس شيء آخر به.

الثاني: في حكمه.

اعلم أنه قد ادعى جماعة الإجماع على نجاسته(1)، وبعد الإجماع الأخبار المتظافرة تدل على أنّه خمرٌ مجهول (2).

وإطلاق لفظ الخمر عليه. إمّا أن يكون من باب الحقيقة، وهو بعيد.

وأما أن يكون من باب التشبيه والتشبيه يقتضي العموم وإن لم تكن للمشبّه أحكام ظاهرة وهنا ثابتة ومنها النجاسة، وقد ورد خبر أيضاً بهذا المضمون: «فإذا أصاب ثوبك فاغسله»(3) وهو صريح في المطلب، إلّا أنّه ضعيف، وهو غير مضر؛ لأنّ ضعفه منجبر بالشّهرة وعمل الأصحاب (4).

ومن النجاسات الكافر

وهو نجس بجميع أقسامه، واستدلّ عليه بوجوه:

أوّلها الإجماع، حتى لم يُنقل فيه مخالف عدا ابن الجُنَّيد(5)، وإنْ أوهم ظاهر عبارة

ص: 39


1- ابن إدريس، السرائر : 124/3؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 34/2.
2- الكليني، الكافي : 422/6 كتاب الأشربة باب الفقاع ح 1 2 3 ح 7.
3- الكليني، الكافي : 6/ 423 كتاب الأشربة باب الفقاع ح7.
4- ینظر : السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 293 .
5- المرتضى، الانتصار : 89، 409؛ العلّامة الحلي، التذكرة: 69/1؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 35.

بعض بالخلاف، إلّا أنّه ليس كذلك، مثلاً ابن أبي عقيل قال: يحلّ سؤره(1). فإنّها وان أوهمت الطهارة إلّا أنّه من باب ذهابه إلى عدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة.

وثانيها: الكتاب، مثل قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام»(2) والاستدلال بها يتم بمقدمات:

أولها كون الجمع مفيد للعموم، وعدم كونه للعهد وإشارةً إلى الذين نقضوا العهد.

وثانيها كون الكفار كلّهم مشركين، وهو غير مسلّم، لظهور أنّ المشركين غير أهل الكتاب كما يظهر من مقابلتهما في الكتاب (3) ، وإن أطلق الشرك على أهل الكتاب إلّا أنّه ليس الشرك المراد من المشركين؛ لأنّ اليهود قالوا: إنّ عُزير ابن الله، ولم يكن هذا شركاً جلياً بل شركاً خفياً.

وثالثها: كون (النجس) هو النجاسة المعروفة لا النجاسة اللغوية، وهي القذارة في مقابل النظافة.

وأما ثبوت الأول: فواضح؛ لأنّ الجمع حقيقة في العموم ولا صارف له عن حقیقته.

وأمّا الثاني: بأنّ اليهود والنصارى أيضاً كانوا من المشركين؛ لأنهم قالوا: بتعدد الآلهة.

وأمّا الثالث: بأنّ النجس إمّا أن يكون حقيقة شرعية في المعنى المعروف، وأمّا أن يكون باقياً على المعنى اللغوي، ولكنّ اختلاف اللغة والشرع باختلاف النظر لا بالاختلاف في المعنى.

ص: 40


1- العلّامة الحلي، المختلف: 1/ 176 .
2- سورة التوبة : 28 .
3- سورة البقرة : 106، 135؛ سورة آل عمران: 67 .

واللُّغوي يقول: هذا قذر يعني هذا خبيث، وشيء غير جيد(1) والشارع أيضاً يقول : بأنّ النجس هو القذر، يعني: ينبغي الاجتناب عنه.

وأما أن تكون في المقام قرينة على إرادة المعنى الشرعي وهي قربهم من المسجد الحرام بسبب النجاسة كما يستفاد السببية من لفظ الفاء؛ لأنّ من الواضح عدم سببية القذارة لعدم الدخول والتأمل فيه ليس في محلّه.

ومن الآيات الدالة على النجاسة قوله تعالى: ﴿يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (2) فهذه الآية وإن كانت عامّة لجميع الكفار، إلّا أن الاستدلال بها يتوقف على إثبات الرجس بمعنى النجاسة، فهو في محل المنع؛ لأنّ الرجس هو العذاب.

إلا أن يقال في هذه الآية نظير ما قلناه في الآية السابقة وهو: أن الرجس اسم لما يكره، فهو مختلف بالنسبة إلى الأنظار ومحمول بالتواطئ على أفراده، والمطلق يُحمل على جميع أفراده عند كون المقام للبيان، ولم يبيّن؛ فهو غير مُسلَّم(3).

أولاً : لأنّ الرجس مشترك لفظي، كما قال أهل اللغة(4) .

وعلى فرض كونه مشتركاً معنوياً يتبع القرينة، والقرينة هنا قائمة على إرادة العذاب وهي سياق الآية، كما قال به بعض المفسرين(5).

وبعد ذلك كلّه فالاعتماد في الاستدلال على نجاسة الكافر الكتابي بالآيات مشكل، سيما بعد قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ هُمْ ﴾ (6)

ص: 41


1- القذر: على خلاف النظافة. يُنظر : ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 5/ 70؛ الجوهري، الصحاح: 2 787؛ الخليل، العين: 52/6 .
2- سورة الأنعام: 125 .
3- أي : القول غير مسلّم وهو تنظير هذه الآية بسابقتها .
4- يُنظر : الجوهري، الصحاح : 3 933 ؛ ابن منظور، لسان العرب: 6/ 94 .
5- يُنظر : الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 4/ 269 .
6- سورة المائدة: 5 .

فلا بُدَّ أن نرجع إما إلى الإجماع فهو أيضاً مشكل(1)؛ لأنّ ابن الجنيد مخالف(2)، والمفيد على ما حكي عنه(3)، والشيخ في أحد قوليه(4)، وابن أبي عقيل(5).

والحق أنه لم تظهر مخالفة هؤلاء سوى ابن الجنيد؛ لأنّ المفيد لم ينقل اتباعه هذا المذهب عنه فيحتمل رجوعه عنه(6)، والشيخ أيضاً في غير موضع من كلماته صرح بنجاستهم (7)؛ فلا بُدَّ أن يُحمل خلافه هنا إما على الاضطرار بكون المقام مقام التقية، وإما على أنّ قوله هنا من باب إيراد مضمون الرواية لا اعتقاداً له.

وأمّا العُماني؛ فلكون مذهبه عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة(8).

وأما الأخبار فمن الطرفين كثيرة متعارضة ولم يظهر لأحدهما مرجّح، إلّا أنّ الأخبار الدالّة على الطهارة موافقة لمذهب العامة؛ فيُحتمل ورودها للتقية.

وبعض هذه الأخبار تدل على كون الحكم بالطهارة للتقية؛ مثل رواية زكريا بن يحيى، فإنّ مضمونها أن أكل الخنزير موجب للنجاسة دون شرب الخمر، مع أنه لا فارق بينهما إجماعاً(9).

ومثل رواية الكاهلي قال: «سألت أبا عبد الله لا عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى الطعام؟ فقال: أما أنا فلا أؤاكل المجوسي، وأكره

ص: 42


1- يُنظر : الفاضل الهندي، كشف اللثام 1 / 400 ؛ البحراني، الحدائق: 163/5 .
2- العلّامة الحلي، المختلف: 2/ 92، 296/8.
3- حكاه المحقق الحلي، المعتبر : 96/1 .
4- الطوسي، النهاية : 589 .
5- العاملي، مفتاح الكرامة: 36/2.
6- المفيد، المقنعة : 65 ، 578؛ تحريم ذبائح أهل الكتاب : 6، 31.
7- الطوسي، المبسوط : 1 / 14 ، 91 ، النهاية : 5 .
8- نقله عنه العلّامة الحلي: المختلف: 176/1 .
9- المرتضى الانتصار : 421 ؛ المحقق الحلي، المعتبر: 1/ 2،459 / 80 .

أن أحرّم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم» (1)؛ لأنه إن كان حكم الله الواقعي النجاسة لم يكن وجه للطهارة بمجرد كثرة الدوران، وإن كان الطهارة فكيف يحكم بالنجاسة لولا كثرة الدوران؛ لأنه يظهر من الخبر، أنّه إن لم تكن معروفة في بلادكم حرمت عليكم.

وهذه الروايات أظهرُ دِلالة من أخبار النجاسة، فيمكن بملاحظتها حمل الأخبار الدالّة على النجاسة على الكراهة بل بعضها مشعرة بالكراهة مثل: «إنّهُ نَهى عنْ مُواكَلتِهم»(2) إلّا أن يضطرّ الشخص إلى مؤاكلتهم، فإنّ مؤاكلتهم في هذه الصورة لم تكن منهية، ففى كل تلك الأخبار من الطرفين جهة ترجیح.

فأخبار النجاسة مرجّحة بمخالفة العامة، وأخبار الطهارة مرجّحة بكون دلالتها أظهر؛ وإنّا وإن قدّمنا في مقام التعارض الترجيح من حيث الدلالة على الترجيح من حيث المخالفة(3) إلّا أنّه لما كانت الأخبار الدالّة على الطهارة مشعرة بصدور هذه الأخبار في مقام التقية كانت الأخبار الدالة على النجاسة مرجحة ولو بملاحظة الدلالة.

ولو لم تكن الشهرة والإجماعات المنقولة والإجماع المحصل بملاحظة عدم الاعتداد بقول ابن الجنيد؛ لأنّه كان ممن يعمل بالقياس، ويحذو حذو العامة غالباً، فكيف إذا كانت والإجماعات على طبقها فتكون هذه الأخبار معتمدة.

وأما الآية الشريفة وهي قوله تعالى اليوم «أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ »(4) فلا يصلح دليلاً لإثبات الطهارة منوجوه:

الأول: أنّ الطعام في أصل اللغة إمّا مختص بالبر، وإما يكون غلب استعماله في البر، وبه صرّح بعضهم.

ص: 43


1- الكليني، الكافي : 6 / 263 كتاب الأطعمة باب مؤاكلة أهل الذمة ح4 .
2- يُنظر : الحر العاملي وسائل الشيعة 3 / 419 أبواب النجاسات باب 14 نجاسة الكافر.
3- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: 4 / 367 .
4- سورة المائدة : 5 .

وقال صاحب الصحاح : وربّما خصّ بعضهم بالبر(1) .

وقال صاحب المعرب : الطعام وضع أولاً لكل ما يؤكل، ثمّ غلب استعماله في البر(2). ولذا ذكر المحاملي(3)، والأقطع(4)، في كتابيهما(5) نقل الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة فيمن يوكل بشراء الطعام فشرى الوكيل دقيقاً دون الحنطة(6).

والثاني: إنّا وإن سلمنا تعميم الطعام في أصل اللغة، لكن ورد تخصيصه في الأخبار، منها: ما رواه الصدوق قدس سره ، عن هشام بن سالم، في الصحيح عن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله عزّ وجلّ: «وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»(7) قال: العدس والحمص إلى غير ذلك»(8) وأيضاً وردت رواية أخرى بهذا المضمون(9) .

فإن قلت: إنّ الطعام يكون خاصاً، وعطف الخاص على العام لا بُدَّ وأن يشتمل على نكتة؛ والنكتة فيه هي أنّ الحلّية لما عُلّقت على الطيبات فُهِمَ أنّ طعام أهل الكتاب

ص: 44


1- الجوهري، الصحاح 5 / 1974.
2- المطرزي، المغرب في ترتيب المعرَّب : 1 / 290 ؛ ويُنظر : ابن سيده، المخصص: 1/ 118.
3- أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبّي، أبو الحسن المحاملي البغدادي أحد أئمة الشافعية، تفقه على أبي حامد الأسفراييني، له مصنفات في المذهب منها كتابه في الخلاف يُنظر: الخطيب البغدادي تاريخ بغداد 4 / 372 طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1/ 174 .
4- البغدادي، هدية العارفين: 1/ 80، أبو نصر، أحمد بن محمد بن محمد الفقيه الحنفي المعروف بالأقطع، درس الفقه على مذهب أبي حنيفة على أبي الحسن القدوري، وخرج من بغداد في سنة 430ه- إلى الأهواز فأقام ب-رام ،هرمز)، ومن تصانيفه: شرح مختصر القدوري في فروع الفقه الحنفي، مات سنة 474ه- وذكر في الجواهر المضيئة : 1/ 119 برقم 234 في ذيل ترجمته وجه تسميته بالأقطع قال في شرحه في آخر كتاب الوكالة: (والأصل في ذلك أن الطعام المطلق؛ اسم للحنطة ودقيقها).
5- ابن ،زهرة غنية النزوع : 44 ، نقل ذلك عنهما.
6- يُنظر : العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 224 .
7- سورة المائدة : 5 .
8- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 3/ 347 باب طعام أهل الذمة ومؤاكلتهم ح 4219 .
9- نفس المصدر : ح4218 .

على سبيل العموم ليس حلالاً لعدم خلوّهم غالباً عن النجاسة؛ فدفع هذا الوهم بأنّ طعامهم مطلقاً حلال لكم ولا يختص بشيء دون شيء، ولولا كون المراد بالطعام هو العموم لم يدفع هذا الوهم، فإنّ التوهم بسبب عموم الطعام للمطبوخات وغيرها، وإلا الحبوب ليس فيها نجاسة فلا يتوهم أيضاً.

قلت: إنّ مثل هذه النكتة يمكن اعتبارها على تقدير التخصيص؛ لأنّ المباشرة بأيديهم والمزاولة لهم في وقت التصفية حاصلة فيتوهم النجاسة فيدفع ما توهم.

ويمكن أن يقال: إنّ النكتة هى أنّ المسلمين لما توهموا المباينة بالكلية في أمور الدين وغيرها وانقطاع الوصلة عنهم حتى لا يحل طعامهم للمسلمين ولا طعام المسلمين لهم؛ فدفع هذا التوهم بأنّ طعامهم حلال لكم وكذا العكس ولا يقتضي العموم.

فالآية لا يمكن جعلها دليلاً لإثبات الطهارة، والأخبار أيضاً منزلة على صورة التقية؛ وقد أشرنا فيما سبق؛ أنا في مقام التعارض نقدم ترجيح الدلالة على الموافقة والمخالفة، إلّا أنّ في هذا المقام في أخبار الطهارة إشعارات بكون الأخبار واردة مورد التقية.

لكن بقي هنا شيء وهو أنّ هذه الاشعارات هل هي ظاهرة بحيث تحسب من الدلالة اللفظية أو من الإشعارات الخفية التي لا تحسب من الدلالة اللفظية؟

والحق أنّ الإشعارات من الدلالة اللفظية لا من الدلالة العقلية فيدفع بها الأصل، و هو أنّ بناء العقلاء على أنهم ينزلون الكلام على الاختيار دون التقية حتى يُعلم بها، والأصل عدم التقية فإذا رأوا كتماناً يحملونه على الإيثار(1) فهذه طريقتهم، فإذا أثبتنا كون الإشعارات من قبيل الدلالة اللفظية فيدفع بها هذا الأصل.

ص: 45


1- كذا في الأصل والصحيح: (الإشعار).

[ هل تشمل النجاسة أجزاء الكافر التي لا تحلها الحياة ]

وعلى تقدير نجاسة الكفار، هل النجاسة مختصة بأجزائهم التي تحلها الحياة أو النجاسة عامة لها ولغيرها ؟

فإن قلنا بتمامية الآية وصلوحها للاستدلال بها مطلقاً، وهي قوله تعالى: «إنّما الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ»(1) فلا يبعد القول بالتعميم؛ لأنّ الحكم ورد على المشرك والمشرك اسم لمجموع هذا الشخص.

فإن تمسكنا بالإجماع، ففيه وجهان :

من أنَّ الإجماع(2) إنّما يثبت الحكم إجمالاً في الكلب، حيث استدلوا بها بالإجماع، ثمّ اختلفوا في أجزائها التي لا تحلها الحياة (3)، فيعلم أنّ الإجماع إنّما يُثبتُ الحكم إجمالاً ولا يثبت العموم.

ومن أنَّ الإجماع وقع على نجاسة الكافر، والكافر اسم لتمام أجزائه فيعلم العموم فافهم وتأمل.

فالأولى التمسك بإطلاقات معاقد الاجماعات المدعاة، ولا يحسن التمسك بالأخبار الواردة في عدم مواكلتهم.

[ نجاسة أولاد الكفار ]

بقي الكلام في أولاد الكفار ونجاستهم(4)، والأصحاب حكموا بنجاستهم وبعضهم استظهر نفي الخلاف في كلام جماعةٍ كصاحب المعالم(5)، فالحكم فيه

ص: 46


1- سورة التوبة : 28 .
2- المرتضى الانتصار : 86 ، الناصريات: 81 - 100 ؛ الطوسي، الخلاف 1 / 64 .
3- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 19-53 .
4- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 274.
5- المحقق الشيخ حسن المعالم (قسم الفقه) : 2/ 539 .

مشهوري(1) - لو لم يكن إجماعياً - بالشهرة التي توجب الاطمئنان.

ولا يصلح شيء لأن يكون مستنداً لهذا الحكم سوى هذه الشهرة- إلّا التبعية وتنقيح الخطاب؛ لأنا رأينا أنهم يتعدون من الأبوين إلى الأولاد في الأحكام فهذه طريقة مستمرة عندهم، وليس ذلك إلا لتنقيح المناط عندهم، وهو كون الحكم للأبوين، ولا يصلح الاستصحاب لإثبات هذا الحكم لمنع جزئية الجنين لأمه حتى يحكم بكون جزء النجس نجس فيستصحب، ولا يمكن استصحاب النجاسة حال كونها علقة لكونها دماً وهي قد زالت يقيناً بواسطة صيرورتها مضغةً و جنيناً، ولا يمكن التمسك بالأخبار أيضاً .

فمنها رواية عبد الله بن سنان «سألت أبا عبد الله علیه السلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث ؟ قال : كفار، والله أعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخلآبائهم»(2)؛ لأنها ليست واردة في أحكام الدنيا.

[ طهارة المسبى من أولاد الكفار]

وأمّا المسبي من الأولاد بدون الأبوين فيحكم بالطهارة؛ لأنّ النجاسة كانت بسبب التبعية والتبعية قد زالت ولا مجال لاستصحاب النجاسة؛ لأنّ الموضوع لم يتيقن بقاؤه، [إذ] لعلّ للمصاحبة مدخلية في الموضوع.

وبعض الأصحاب تردد في الطهارة كالشهيدين(3) وغيرهما (4) .

وإذا كانوا مسبيين مع الأبوين؛ فالظاهر أنَّ النجاسة باقية لبقاء التبعية.

ص: 47


1- المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 1/ 60 .
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 491/3 .
3- الشهيد الذكرى: 1/ 119 ؛ الشهيد الثاني الروضة البهية: 403/1 ، المسالك : 44/3 .
4- العلّامة الحلي، التذكرة: 68/1 .

تشخيص مفهوم الكافر

أمّا الكلام في المخالف، فلنتكلم أولاً في تشخيص الكافر وأنَّ في مفهومه أي شيء يعتبر ، وأن الكفر مقابل للإسلام بتقابل التضاد أو بتقابل العدم والملكة؟

وما يظهر من كلمات العلماء في مقام تشخيص الكافر وبيان مفهوم الكفر؛ أن الكفر مقابل للإسلام بتقابل العدم والملكة وأن الكفر هو عدم الإيمان، لا أن الكفر ضدّ للإسلام.

وبعض قال : إنّ الكفر ضدّ للإسلام، فمراده بالضد هو الضد اللغوي أعني عدم الإيمان، وعلماء الكلام أيضاً صرحوا بذلك في كتبهم الكلامية، كصاحب المواقف وشارحه(1)، وشيخنا ومولانا نصير الملة والدين الطوسي في تجريده والعلّامة أيضاً صرّح به(2)، وكثير من الفقهاء صرحوا بذلك(3)، والذين لم يصرحوا بذلك فهم معترفون بذلك، إلّا أنهم عولوا على وضوحه، فعلم أنه لا واسطة بين الكفر والإسلام.

فعلى هذا فالشاك كافر وإنْ كان في سعة النظر، ويحكم بكفره ، ويجري عليه أحكام الكفر.

إلّا أنّه لا يبعد أن يقال: إنّه لا يعقل تغاير زمان النظر، إلّا أنّ المستفاد من بعض الأخبار الدالّة على أنّ الإسلام ما به حقنت الدماء وجرت المناكح(4)، [أنه] إن كان كافراً يقتل فوراً، فالاشتباه في بيان مفهوم الإسلام.

ص: 48


1- الأيجي، المواقف: 560/3؛ الجرجاني، شرح المواقف : 344/8.
2- العلّامة الحلي، كشف المراد: 540 .
3- يُنظر : الأردبيلي، مجمع الفائدة: 13 / 210؛ القمي، مناهج الأحكام: 645؛ كاشف الغطاء، كشف الغطاء : 2 355 المحقق النراقي ، مستند الشيعة: 1/ 206 .
4- الكليني، الكافي : 2 / 25 كتاب الإيمان والكفر باب الإيمان يشرك الإسلام ح 1 ح 3 .

[ اختلاف كلمات الأصحاب في مفهوم الإسلام]

واختلفت كلمات الأصحاب في مفهوم الإسلام؛ فبعضهم اعتبروا مجرد اظهار الشهادتين(1) ، وبعضهم(2) اعتبروا مع ذلك عدم إنكاره الضروري من الدين.

ولا يبعد أن نقول: إن الإسلام هو مجرد إظهار الشهادتين؛ فمن كان مظهراً للشهادتين فهو مسلم، ولكن يشترط أن لا يظهر منه قول أو فعل ينافي تلك الشهادة ولو في السر والخلوات .

ويستفاد كون مجرد الشهادتين مفهوم الإسلام من كلمات بعض الأصحاب (3)، ومن بعض الأخبار الدالّة على أنّ الإسلام هو الشهادة الظاهر، الذي عليه جماعة الناس(4)، أو هو : شهادة أن لا إله إلّا الله ومحمداً رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، والأخبار الدالة على أنّ الإسلام به حقنت الدماء لا غير، ومن المعاملة في زمن النبي صلی الله علیه و آله وسلم(5)، مع المشركين، حيث إنّهم صاروا محقوني الدماء بمجرد قولهم بالشهادتين، وقوله صلی الله علیه و آله وسلم للكفار «قولوا: لا إله إلّا الله تفلحوا» (6) ، والحالُ أن أكثرهم يظهرون الشهادتين من الخوف لا من الاختيار ؛ فيُعلمُ من ذلك كله أنّ الإسلام هو إظهار الشهادتين، لكن من الأخبار ما هو دال على أن من لم يوال أهل البيت علیهم السلام فهو كافر، ونحن نذكر بعضاً منها تيمناً وتشريفاً.

ففي رواية أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: إنّ عليا علیه السلام الباب فتحه

ص: 49


1- كاشف الغطاء، كشف الغطاء: 2/ 390؛ العلامة الأنصاري، الطهارة: 5 / 137 .
2- الأردبيلي، مجمع الفائدة: 3 199؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 37.
3- کاشف الغطاء، كشف الغطاء: 390/2.
4- الكليني، الكافي: 2/ 26 كتاب الإيمان والكفر باب الإيمان يشرك الإسلام ح5 .
5- لكليني، الكافي: 2/ 25 كتاب الإيمان والكفر باب الإيمان يشرك الإسلام ح 1 ح 3.
6- المجلسي، بحار الأنوار: 18/ 202 أبواب أحواله صلی الله علیه وآله باب 1 32.

الله ؛ فمن دخله كان مؤمناً، ومن خرج عنه كان كافراً»(1).

ورواية الفضل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : إنّ الله نصب علياً علما الله بينه وبين خلقه؛ فمن عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً»(2) وبهذا المضمون كثيرٌ .

وبعد ما ذكرنا سابقاً فلا بُدَّ أن نقول : إنّ الكفر في هذه الأخبار ليس مقابلاً للإسلام بل مقابل للإيمان ومرادف(3) للإسلام، ومن يتّبع باب الفرق بين الايمان والإسلام في أصول الكافي يعتقد بما ذكرنا؛ فإنّ الأخبار الواردة في بيان الفرق يشهد بذلك.

مثل رواية سفيان بن السمط عن أبي عبد الله علیه السلام قال : «الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدا صلى الله عليه وآله و سلم عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام، والايمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإنْ أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالاً»(4).

لكن اعتبر في بعض الأخبار مع الشهادتين بعض الأفعال أيضاً مثل إقامة الصلاة وايتاء الزكاة ،ونحوهما، ويمكن أن يكون اعتبارها لا من باب أنّ خصوصياتها معتبرة في الإسلام بل اعتبارها من باب كشفها عن الالتزام بالإسلام وبمقتضى الشهادتين؛ لأنه ذكر في عدادها الولاية. والحالُ أنَّا لا نقول باعتبار الولاية في مفهوم الإسلام كما يشهد به بعض الأخبار .

ص: 50


1- الكليني، الكافي : 1 / 437 كتاب الحجة باب في الولاية ح8.
2- الكليني، الكافي : 1 / 437 كتاب الحجة باب في الولاية : ح 7.
3- المراد الترادف اللغوية وليس الاصطلاحي.
4- الكليني، الكافي: 22 / 24 كتاب الإيمان والكفر باب الإسلام يحقن الدم ح 4 .

[حكم الشاك ]

لكن بقي الكلام في الشاك، هل هو كافر بمجرد شكه أو أنّ الجحد أيضاً معتبر في كفره ولا يكفي مجرد الشك؟ ففي بعض الأخبار أنّ الشاك كافر(1) .

وفي بعضها أنّ الشاك كافر إذا جحد(2)، ويتصور الشك على أربع صور:

أحدها: أن يكون الشاك مقرّاً بالشهادتين ويكون جاحداً أيضاً بعض ما علم أنّه من الدين أو ضرورياً من ضروريات الدين.

والثاني: أن يكون مقرّاً بالشهادتين ولا يكون جاحداً.

والثالث: أن يكون شاكاً ولا يكون جاحداً ولا يكون مقراً بالشهادتين.

والرابع: أن يكون جاحداً ولا يقرّ بالشهادتين.

فإنّ قلنا بأنّ اعتبار الشهادتين من باب الموضوعية لا من باب الطريقية إلى الواقع، ولا يبعد أن نقول : إنّ الشاك إذا كان مقرّاً بالشهادتين ولا يجحد؛ لأنّ الجحد مضر، وإن قلنا بالموضوعية؛ لأنه لا بُدَّ من عدم قول أو فعل ينافي إقراره [فلا يبعد] أنْ نجري عليه أحكام الإسلام أعمّ من إن كان مظهراً لشكه أم لا.

وإن قلنا بالطريقية لا يدفع إقراره عدم علمنا بشكّه فإن علمنا بشكه حكم بكفره وإن كان مقراً وإن لم يكن جاحداً، لكن ينافيه الأخبار الدالة على أنّ الجحد أيضاً معتبر في كفر الشاك، فلا بُدّ إما أن نقول : إنّ تلك الأخبار الدالّة على اعتبار الجحد ناظرة إلى ما أشرنا إليه، وهو أنّ الإسلام - الذي عرفت مفهومه وأنّ في مفهومه يعتبر الإقرار، لا ينافيه الشك وشيء آخر إلا الجحد، وأنّ الجحد يضر به؛ لأنّه لا بُدَّ مع الإقرار عدم إظهار قول أو فعل ينافي ذلك الإقرار.

وأما أن نقول بتقدم الأخبار الحاصرة على هذه الأخبار وترجحها عليها؛ لأنها

ص: 51


1- الكليني، الكافي: 2/ 399 كتاب الإيمان والكفر باب الشك ح2.
2- الكليني، الكافي: 2/ 399 كتاب الإيمان والكفر باب الشك : ح3 .

مؤيدة ببعض الأخبار الناطقة بأنّ الإسلام هو الظاهر الذي عليه جماعة الناس(1)، والذي يثبت في القلب هو الإيمان.

والظاهر أنّ المراد بالجحد أعم من أن يكون من باب عدم الثبوت ومن أن يكون عناداً ومقابلة للنبي صلی الله عليه وآله وسلم.

واعلم أنّ بعض العلماء اعتبروا مع الإقرار الإقرار بما جاء به النبي صلی الله عليه وآله وسلم(2).

وبعضهم اعتبر عدم إنكاره الضروري(3).

وبعضهم زاد وقال: بعدم إنكاره ما لم يُعلم بكونه من الشرع(4) وإن لم يكن ضرورياً (5).

والذي يمكن في توجيه الأخير هو أحد احتمالين:

أحدهما: أن نقول: كل ما دلَّ على أنَّ الشهادتين معتبرتان في الإسلام دلَّ على

أنّ الإنكار مضر وعدم الإنكار معتبر ؛ ووجهه أنّ تصديق النبي صلی الله عليه وآله وسلم. ، فيما جاء به من الصغيرة والكبيرة من اللوازم البينة للإقرار بالرسالة؛ لأنّ معنى الإقرار بالرسالة ليس إلّا أنّ الرسول من عند الله وصادق في جميع ما يقول به، فهذا المثبت وإن كان يمكن [قبول] دعواه ولكنه بعيد خصوصاً على القول بجواز السهو على النبي صلی الله عليه وآله وسلم. ، والأئمة علیهم السلام (6).

ص: 52


1- الكليني، الكافي: 22 / 24 كتاب الإيمان والكفر باب الإسلام يحقن الدم ح 4 .
2- العلامة الأنصاري، كتاب الطهارة : 139/5 .
3- الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1993؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 37/2.
4- كذا في الأصل، والصحيح: (ما يعلم بكونه من الشرع).
5- الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 402 .
6- قال الحجة السيد حسن الخرسان الكلام فى مسألة سهو النبي صلی الله عليه وآله وسلم مبسوط في كتب المقالات والكلام ومذهب الشيعة في ذلك : نفيه عنه صلی الله عليه وآله وسلم. ، وإجماعهم على ذلك، إلا من شذ كالصدوق وشيخه، وقد كتب في ردهما وتفنيد ما استند إليه من أخبار آحاد، لا توجب علما ولا عملا - كثير من العلماء الأعلام، وفي مقدمتهم: الشيخ المفيد محمد بن النعمان قدس سره، والسيد المرتضى، وقد كتب أحدهما رسالة مفردة، في الرد على الصدوق في هذه المسألة، وقد أدرجها بتمامها الحجة المجلسي قدس سره ، في البحار: 6 / 297 ، كما أنه قد فصل الكلام في المسألة، وأطنب في بيان شذوذ تلك الأخبار التي استند إليها القائلون بالسهو. وكذلك رده الحجة السيد عبد الله شبر قدس سره، في كتابه حق اليقين : 1/ 93 ، ومصابيح الأنوار : 2 / 133 ، ولم يقتصر رد الصدوق في هذه المسألة على الكتب الكلامية فحسب، بل تجد رده في كثير من الكتب الفقهية أيضاً، راجع التذكرة، والمنتهى للعلامة الحلي وغير هما؛ يُنظر : من لا يحضره الفقيه: 1 / 234 الهامش.

وثانيهما: أن نقول إن الإسلام هو هذا الدين الخاص الذي جاء به النبي صلی الله عليه وآله وسلم والتدين به في جزئييه وكلييه، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ ﴾(1) ، وكما يشهد بذلك أخبار كثيرة؛ حتى ورد الخبر بأنّ المستجد في شيء من أمور الدين صغيرة أو كبيرة دقّ وجلّ، بعد العلم بأنّ النبي صلی الله عليه وآله وسلم قال به أو [قام عليه] الدليل المعتبر شرعاً كما يشهد به قوله علیه السلام: «بعد إقامة الحجّة عليه ممن يثق به في علمنا فلم يثق به»(2)؛ فإنّ هذا الكلام ظاهر في عدم مشروطيته بالعلم الواقعي والحكم الواقعي، بل لو قام الدليل المعتبر على أنّ قول النبي صلی الله عليه وآله وسلم في هذه الواقعة كذا ولو كان حكماً ظاهرياً.

وكذا ما ورد في بعض الأخبار من كفر شارب النبيذ على أنه حلال(3)، حتى ورد في الحديث: سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركاً، قال: فقال علیه السلام : من قال للنواة: إنها حصاة وللحصاة إنها نواة ثم دان به(4) فهذا الكلام غير بعيد ظاهراً.

لكن الكلام في الأخبار الحاصرة مفهوم الإسلام في الشهادتين أو مثل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فإنّ مقتضاها عدم كفر من أقرَّ بالشهادتين وإن جحد بعض ما علم كونه من الدين أو كله.

وإما أن نقول: بتقييد الأخبار الدالّة على أنّ الإسلام هو الشهادتان بتلك الأخبار وهو مشكل خصوصاً بعضها، فإنه دال على الحصر مثل أن: «الإسلام شهادة أن لا إله

ص: 53


1- سورة آل عمران: 19.
2- الكليني، الكافي: 22 / 401 كتاب الإيمان والكفر باب الضلال ح1 .
3- الكليني، الكافي: 6/ 398 كتاب الاشربة باب شارب الخمر ح 1 .
4- الكليني، الكافي : 2 / 414 كتاب الإيمان والكفر باب الشرك ح 1 .

إلا الله والتصديق برسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث»(1).

أو نقول: بأنّ عدم الانكار من لوازم الشهادتين فمعنى الإقرار بالشهادتين؛ هو عدم إنكار ما يعلم كونه من عند الرسول صلی الله عليه وآله وسلم؛ لأن إنكاره مستلزم لتكذيب النبي علي صلی الله عليه وآله وسلم وعدم الإقرار بالرسالة.

أو نقول بأنّ المعتبر في الإسلام هو محض الشهادتين، ولكنه مشروط بعدم ظهور قول أو فعل ينا في ذلك الإقرار، ولا يبعد أن يكون الأمر كما حقّق.

لكن بعض العلماء اعتبروا في مفهوم الإسلام عدم إنكار الضروري(2)، بل اعتبره أكثر العلماء؛ لكن الحكم به محتمل لأن يكون من باب كون عدم إنكاره سبباً مستقلاً في مقابل الشهادتين، كما نسبه صاحب مفتاح الكرامة إلى ظاهر الأصحاب(3)، ونسب هذا النسبة أيضاً إلى أستاذه، ونسب أيضاً إلى ظاهر الأصحاب شيخُنا في شرحه على الشرائع(4) .

أو أنه من باب عدم إنكار ما يعلم كونه من الدين، كما يفهم ذلك من شيخنا الأردبيلي قدس سره(5)، ونسبه إلى بعض آخر؛ وعلّلوا لاعتبار عدم إنكار الضروري بأنه مستلزم لإنكار النبي صلی الله عليه وآله وسلم وما يعلم من النبي صلی الله عليه وآله وسلم.

ويرد على الأول: بأنّه لا معنى لإخراج من أنكر لشبهة - لكونه جديد الإسلام ونشأ في بلاد الكفر - منه.

ويرد على الثاني أنّه يلزم الحكم بعدم كفر من أنكر الضروري؛ لجهله سواءً نشأ الجهل من تقصيره أو قصوره، وأيضاً يلزم الحكم بعدم كفر جماعة قلّدوا آباءهم في

ص: 54


1- الكليني، الكافي : 2/ 25 كتاب الإيمان والكفر باب الايمان يشرك الإسلام / ح 1 .
2- العاملي، مفتاح الكرامة 37/2 .
3- العاملي، مفتاح الكرامة : 47/2 .
4- النجفي، الجواهر : 6 / 47 .
5- الأردبيلي، مجمع الفائدة: 3/ 199.

إنكارهم للضروريات، بل النواصب الذين قلدوا آباءهم ولم يعلموا أنّ حكم النبي صلی الله عليه وآله وسلم بخلاف ذلك ؛ بل الحكم بالكفر مخصوص بالطبقة الأولى الذين علموا أنّ حكم النبي صلی الله عليه وآله وسلم بخلاف ذلك، والحال أنّ الأخبار متطابقة على كفرهم على أنّ الأخبار خالية من اعتبار عدم إنكار الضروري مطلقاً بوصف كونه ضرورياً ويمكن(1).

والحاصل أنّ اعتبار عدم إنكار الضروري - سواء كان بنفسه سبب مستقل أو من جهة إنكار صدق النبي صلی الله عليه وآله وسلم -لا دليل عليه لعدم صدق إنكار صدق النبي صلی الله عليه وآله وسلم في المقلدين لآبائهم وعدم المعرفة بكون النبي صلی الله عليه وآله وسلم جاء به ، بل الحق ما ذكرنا سابقاً هو : أنّ الإسلام هو التدين بهذا الدين الخاص فعدم التدين بهذا الدين مضر كلاً أو بعضاً سواءً رجع إلى إنكار النبي صلی الله عليه وآله وسلم أو لم يرجع .

ففي النواصب الذين قلدوا آباءهم وإن لم ينكروا صدق النبي صلی الله عليه وآله وسلم إلا أنهم لم يتدينوا بهذا الدين الخاص بواسطة عدم التدين ببعضه.

ثمّ إنّ عدم التدين قد يكون من باب التمرد والعصيان، كما في إبليس وإن لم ينكر صدق النبي صلی الله عليه وآله وسلم.

وقد يكون بواسطة إنكار صدق النبي الله صلی الله عليه وآله وسلم فلا شك في كفره مع علمه بأنّ النبي صلی الله عليه وآله وسلم جاء به سواءً علمنا به من الخارج أو بواسطة كونه ضرورياً عند المنكرين في بلاد المسلمين بحيث لا يحتمل في حقه عدم العلم، فالتمسك بالضروري ليس لأجل كونه سبباً مستقلاً بل لكونه طريقاً لمعرفتنا بأنه عالم.

وبعد ذلك كلّه لا يصدق هذا ... (2) من كون الإسلام عبارة عن التدين بمجموع الدين؛ كيف، ولو كان كذلك يكون أغلب من يتلبسون بالإسلام أيضاً كفار؛ لأنهم أيضاً لم يتدينوا بمجموع [أحكام] هذا الدين الصغيرة والكبيرة؛ لأنهم جهلوا أكثر

ص: 55


1- كذا في الأصل.
2- في الأصل فراغ بمقدار كلمتين.

الأحكام فكيف يمكن لهم التدين بها. فالمتيقن اعتباره في الإسلام؛ هو الشهادتان بشرط عدم ظهور ما ينافيها ، فاعتبار الباقي في محل الشك.

وبعضهم - حتى صرّح جماعة منهم بالإجماع(1) - على اعتبار عدم إنكار الضروري في مفهوم الإسلام، ويظهر من بعض كلماتهم انه معتبر على نحو الموضوعية.

ويظهر من بعض آخر ؛ اعتباره من باب الطريقية إلى علمنا بأنه أنكر مع كونه عالماً، وانكاره مع العلم لا بدونه.

وعلى اعتباره من باب الطريقية، قد يدعى اعتباره حتى كونه بمنزلة الأصل في مقام الشك بحاله أجاهل أم لا؟ وقد يدعى أزيد من ذلك حتى كونه بمنزلة الأمارة ويقدم على دعوى منكر الجهل أيضاً .

وربّما استدل على اعتبار عدم الإنكار بوجوه:

منها: أنه لو أنكر الضروري مع اعترافه برسالة النبي صلی الله علیه وآله وسلم يكون مناقضاً.

والجواب: أنّ ذلك على فرض تسليمه؛ يتم مع علمه بكون المنكر من الدين، ولو لم يكن عالماً وأنكره لم يكن بمنزلة المناقض لنفسه ولو كان مقصراً.

ومنها : الخبر الدال على أنّ الضروريات معتبر عدمها، مثل قوله علیه السلام : «إن الله عزّ وجل فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً»(2).

وتقريب الاستدلال بها: أنّ الخبر دلَّ على كفر من جحد موجبات المعاصي- أي المعاصي التي أوجب الله عليها النار بناءً على كون الموجبات صفة مخصصة لا صفة كاشفة - مطلقاً سواءً كان عالماً بالمعصية أو لم يعلم بكونها معصية، وسواءً كان قاصراً أم مقصّراً .

ص: 56


1- يُنظر : النجفي، الجواهر : 6 / 47 .
2- الكليني، الكافي : 2/ 383 كتاب الإيمان والكفر، باب الكفر ح 1.

ووجه انطباقه على الضروري؛ لأنّ غالب المعاصي التي أوجبت النار هي الضروريات، فالضروريات في الآية(1) إما بإطلاقها وأما مختصة بالضروريات.

والجواب: أنّ الخبر لا يدلّ على اعتبار الضروريات لما هو ضروري مع مناقضة صدره لذيله.

ومنها قوله علیه السلام : «ولا يخرجه إلى الكفر إلّا الجحود»(2).

وحاصل الاستدلال : التمسك بإطلاقه.

والجواب: أنّه في مقام بيان حكم الاستحلال سواء كان المستحل ضرورياً أو غير ضروري، ويؤيده تعميم الحكم في صدر الآية (3) .

ومنها : قوله علیه السلام : «من ارتکب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام»(4) ، وبيان التمسك به إطلاق الحديث.

والجواب: أنّه لا يدلّ على الضروري بخصوصه، بل يدلّ على كفر كل منكر الكبيرة، بل لا يبعد أن ندعي اختصاصه بصورة العلم كما يظهر من الخبر، لا صورة الجهل سواءً كان بادعائه أو علمنا بأنّه جاهل.

ومنها: الخبر الدال على وجوب قتل من أفطر بشهر رمضان إذا نفى الإثم عن نفسه(5).

ووجه الاستدلال: أنه جعل استحلال الضروري وإنكاره سبباً للكفر.

والجواب: أنّ هذا الخبر ليس له ظهور حتى يشمل صورة العلم بكونه جاهلاً، أو دعوى بالشك فإنّ ظاهرها عدم العلم .

ص: 57


1- كذا في الأصل، والصحيح: (فالموجبات في الرواية إما بإطلاقها وإما مختصة بالضروريات).
2- يُنظر : الكليني، الكافي: 2/ 27 كتاب الإيمان والكفر باب (إنّ الإسلام قبل الإيمان).
3- كذا في الأصل والصحيح: (الرواية).
4- الكليني، الكافي: 2/ 285 كتاب الإيمان والكفر باب الكبائر ح 23 .
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 248/10 أبواب أحكام شهر رمضان باب 2 ح 1.

وبالجملة: فليس دليل تطمئن إليه النفس في الحكم بكون مطلق إنكار الضروري

على سبيل الموضوعية سبباً للكفر حتى في صورة العلم بعدم إرجاع إنكاره الضروري إلى تكذيب النبي صلی الله عليه و آله وسلم بل في صورة الشك.

وإن كانت كلمات العلماء مطلقة في أنّ إنكار الضروري على سبيل الموضوعية سببٌ للكفر، إلّا أنّه لا بُدَّ من القول بكون كلامهم في صورة الإرجاع والكشف فلا يشمل القاصر بل ولا المقصّر، نعم إذا لم يكن عالماً بأنه جاء به النبي صلی الله عليه و آله وسلم.

[ طهارة المخالفين]

وأمّا المخالف لأهل الحق - ممن سوى النواصب والخوارج - ، فلا يبعد الحكم بطهارتهم؛ للأصل وأدلّة طهارة المسلمين بناءً على تحديد الإسلام المقابل للإيمان لا المرادف له بما عليه جماعة الناس.

وأظهرُ من ذلك كله هو السيرة القطعية بين المسلمين من معاشرتهم ومساورتهم وأكل ذبائحهم.

فإن قلت: لعلّ تلك المعاشرة من باب العسر والحرج.

قلت: ذلك لا يفيد المعاملة معهم معاملة الطاهر، بل ترفع أدلّة نفي الحرج وجوب الاجتناب بقدر ما يكون حرجاً، لا مطلق وجوب الاجتناب والمعاملة معهم معاملة الطاهر.

والحاصل: أن الأخبار وإن كانت دالة على كفرهم، إلا أن الكفر الوارد في الأخبار هو الكفر المقابل للإيمان لا الكفر المقابل للإسلام كما يظهر ذلك لمن تتبع باب الفَرْق بين الإسلام والإيمان من الكافي(1)، وأشرنا إلى بعضها سابقاً فراجع وتأمل حتى يظهر لك الأمر.

وأما استدلال بعض العلماء على نجاستهم وكفرهم بأنهم منكرون للضروري،

ص: 58


1- الكليني، الكافي : 22/ 25 كتاب الإيمان والكفر باب الإيمان يشرك الإسلام.

وكل منكر للضروري كافر.

فيمكن الخدشة فيه من وجوه :

الأول: أنّ النصَّ على خلافة أمير المؤمنين علیه السلام لم يكن ضرورياً عندهم. و

الثاني: أنّ منكر الضروري مطلقاً ليس بكافر على ما بينا سابقاً. بل لو كشف إنكاره عن تكذيب النبي صلی الله عليه و آله وسلم فيكون كافراً.

والثالث : لو سلمنا كونهم منكرين للضروري وإنكار الضروري سبب للكفر مطلقاً، أو أنهم عالمون بخلافة أمير المؤمنين علیه السلام، ولكن نقول: الأخبار الدالة على أنّ الإسلام هو الظاهر الذي عليه جماعة الناس(1) ؛ حاكمة على ذلك.

إلا أن يقال: إنّهم إذا كانوا عالمين بخلافة أمير المؤمنين علیه السلام، فإنكارهم يرجع إلى إنكار النبي صلی الله عليه و آله وسلم ولم يكن مورداً للأخبار الدالة على الإسلام.

وكيف كان؛ فلا دليل على نجاستهم سيما بعد قيام الأدلّة على طهارتهم.

وأما سائر أحكام الإسلام من وجوب تجهيزه وتكفينه؛ فلا يبعد القول بعدم وجوبه كما يقول به بعضُ من قال بطهارتهم ، كما عن المفيد(2) ، والقاضي(3)، مع حكمها بطهارتهم بعد قيام الأدلة الدالة على الطهارة بناءً على كون الأصل عدم الوجوب.

نجاسة النواصب والخوارج

وأما النواصب والخوارج فلا يبعد الحكم بنجاستهم(4)، إما لأنهم منكرون للضروري وقد عرفت ما فيه.

ص: 59


1- الفيض الكاشاني، الوافي : 4 / 77 .
2- المفيد، المقنعة : 85؛ ويُنظر : الطوسي، تهذيب الأحكام: 3351 ، ويظهر أنه وافق شيخه المفيد على ذلك.
3- ابن البراج، المهذب : 1 / 54؛ ويُنظر : البحراني، الحدائق : 10 / 360 ، فقد نسب القول إلى آخرين.
4- يُنظر العاملي، مفتاح الكرامة 42/2 .

وإما للأخبار الخاصة الدالة على نجاستهم سيما الناصب(1) .

[حكم الغلاة]

وأما الغلاة، فعلى وجوه:

الأول: أنّ يقولوا بإلهية غير الله سبحانه؛ فلا شك في كفرهم؛ لأنهم مشركون.

وأمّا الثاني فهو أن يتجاوز عن الحد الذي هو ثابت لأمير المؤمنين علیه السلام، مثل أن يقول: [إِنَّ] الله تعالى فوّض جميع أفعال الخلق إليه ؛ فلا دليل على كفره سوى إنكاره الضروري فيبتني عليه.

والثالث: أن يقول : إنّ الله اتحد معه على نحو الحلول، وكفره أيضاً موقوف على كفر منكري الضروري، والظاهر من مذهبهم هو الثالث .

[حكم المجسمة]

وأما المجسمة وهم القائلون بأنه تعالى جسم؛ فهم على قسمين:

الأول: هم مجسمة بالحقيقة، وهي القول: بأنّ الله تعالى جسم كالأجسام.

والثاني : مجسمة بالتسمية، وهي القول بأنّ الله تعالى جسم لا كالأجسام.

ولا إشكال في عدم كفر الثاني؛ لأنه لم يكن منكراً للضروري ولا شيء آخر، وإنّما غلط في التسمية، ولم يعتقد لوازم الجسمية حتى يكون منكراً للضروري، بل لو قلنا بكفر منكر الضروري مطلقاً أيضاً لم يتجه الحكم بكفرهم؛ لأنهم لم يعتقدوا لوازم هذا القول من الحدوث وغيره، بل إنهم أيضاً معترفون ببطلان اللوازم.

إلا أن يقال : ب- [أنَّ] بطلان أصل التجسمة من ضروريات الدين.

وفيه :

أولاً : أنّ كونه من الضروريات غير معلوم.

ص: 60


1- الطوسي، الاستبصار : 1/ 18 كتاب الطهارة، أسئار الكفار ح 6 .

وثانياً: أنّ ضرورية بطلانه إنّما هو لكون ما يعتقده العوام من الملازمة وترتب اللوازم عليه.

[ طهارة المجبرة ]

وأمّا المُجَبرة، فهم أيضاً لا إشكال في طهارتهم؛ للأصل والعمومات ولأنّ مرجع ما ذكروه إلى إنكار ما هو من ضروريات العقل من الحكم بالتحسين و [ التقبيح] العقليين لا ما هو من ضروريات الدين؛ بناءً على عدم الملازمة بين الضرورتين.

[طهارة ولد الزنا]

وأمّا ولد الزنا، فهو طاهر أيضاً؛ للأصل والعمومات والخبر الدال على أنّ كل مولود يولد على الفطرة(1) ، ولم يظهر دليل على نجاسته إلّا بعض الأخبار(2)، الذي لم يقاوم هذه الأدلّة، وليس بصريح بكفرهم ونجاستهم.

ثمّ نتكلم في بعض أمور:

[حكم عرق الجنب من الحرام]

الأول: في نجاسة عرق الجنب من الحرام.

فالمتقدمون ذهبوا إلى النجاسة (3).

وذهب المحقّق(4) ومن تأخر عنه(5) إلى الطهارة، إلى زمان متأخري المتأخرين

ص: 61


1- الكليني، الكافي : 2 12 ؛ الصدوق، التوحيد: 330.
2- الكليني، الكافي: 3/ 11 كتاب الطهارة باب الرجل يدخل يده في الإناء ح6 .
3- علي بن بابويه، رسالة علي بن بابويه (الشرائع ) : 136 ؛ الطوسي، الخلاف: 1/ 483 .
4- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 42/1 ، المختصر النافع : 18 .
5- الفاضل الآبي، كشف الرموز: 1/ 107؛ العلّامة الحلي، المختلف: 461/1؛ فخر المحققين، الإيضاح: 29/1 ؛ الشهيد الثاني، حاشية الشرائع : 64 .

فذهبوا أيضاً إلى النجاسة(1) .

وكيف كان فلم يظهر دليل تام للنجاسة، وإنّما استدلوا ببعض أخبار لم تدل على النجاسة عدا خبر الغُسالة من الحمام فإنّه لا نهى عن غُسالة الحمام، وعلل أيضاً بأنّه يغتسل فيها الجنب وولد الزنا والناصب (2).

ورواية ابن همام بإسناده إلى إدريس بن يزداد الكفرتوثي أنّه كان يقول بالوقف، فدخل سُرَّ من رأى في عهد أبي الحسن علیه السلام وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره؛ إذ حركه أبو الحسن علیه السلام بمقرعه وقال مبتدءً: «إن كان من حلال فصل فيه، وإن كان من حرام فلا تصل فيه»(3)

ورواية أخرى: «إن كان جنابته من حرام فلا تصل فيه، وإن كان من حلال فصل فيه»(4).

وهذه الأخبار لم تكن بحيث يطمئن إليها [ في بادئ] النظر؛ لأنّ خبر الغُسالة مشتمل على ولد الزنا مثلاً، والحال أنا لا نقول بنجاسته فلا بُدَّ أن يحمل على الكراهة نظير الخبر الآخر أنه كره سؤر ولد الزنا ،وغيره والرواية الثانية فحال سندها غير واضح (5) لأنه لم يذكر في الكتب المشهورة.

فإن قلت: يجبر ضعفه بالشهرة أولاً .

قلت: أولاً : أنّه ليس في جانب النجاسة شهرة، بل جانب الطهارة أشهر (6)؛ لأنّ

ص: 62


1- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 221 ، نسبه إلى والده وأستاذه؛ البحراني، الحدائق: 5/ 219؛ ويُنظر : النجفي، الجواهر : 6/ 71.
2- الكليني، الكافي : 3 / 14 كتاب الطهارة باب الحمام ح1 .
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 3/ 447 أبواب النجاسات باب 27 ح 12.
4- ينظر : علي بن بابويه رسالة علي بن بابويه (الشرائع) : 136 .
5- یُنظر : رسالة علي بن بابويه (الشرائع) : 136 ؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1/ 67 .
6- العلّامة الحلي، المختلف: 1 / 461 .

القائلين بالنجاسة : ابنا بابويه(1) والمفيد (2) والشيخ (3) وابن الجنيد(4) وابن البراج(5)، والشيخ رحمه الله تردد في المبسوط(6) ، وحكي أنّ المفيد الله أيضاً رجع في رسالته إلى ولده (7) حتى ادعى ابن إدريس الإجماع على الطهارة(8) ، بل لا يبعد القول بكون الطهارة هو الحق فلا أقلّ من التساوي.

وثانياً: أنا حققنا أنّ الشهرة ليست جابرة على الإطلاق(9)، بل جابرة دلالة الخبر لا السند.

نعم الشهرة في الرواية والتدوين جابرة للسند؛ وسبب ذلك أنه إذا كان القول بالنجاسة مثلاً مشهوراً، والرواية مردد أمرها بين أن تدل على هذا أو غيره فبسبب ذهاب كثرة العلماء إلى هذا [القول] يظهر ذلك المعنى في النظر.

وأما ذهاب أكثر العلماء؛ فلا ربط فيه في قوة السند؛ لأنّه تعمل على هذا المطلب، ومستندهم غير هذا، ولم يكن هذا إلّا من الإمام أبداً(10) .

ص: 63


1- علي بن بابويه، رسالة علي بن بابويه (الشرائع): 136 ؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1/ 51 .
2- المفيد المقنعة : 71 .
3- الطوسي، الخلاف 483/1 .
4- لم أعثر عليه إلا في مفتاح الكرامة : 2/ 69 ، ولم يذكره حتى ممن دأبه نقل كلام ابن الجنيد - لا سيما في المورد المشار إليه كالعلّامة في المختلف: 1 461 ، منتهى المطلب : 3 232 ، وكذا مجموعة فتاوى ابن الجنيد: 42 .
5- ابن البراج، المهذب: 21/1.
6- الطوسي، المبسوط : 1/ 38 إلا أنه في المبسوط 911 ، مال إلى الحكم بالطهارة، وهو إلى العدول أقرب منه إلى التردّد.
7- حكاه ابن إدريس، السرائر : 1/ 181 .
8- ابن إدريس السرائر : 1 / 181 .
9- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: 4 / 285 .
10- كذا في الأصل.

وأمّا الشهرة في التدوين؛ فلأنه لو لم تكن [الرواية ] صحيحة لا يرويها أكثر العلماء فهذا معنى قول الشهيد الثاني في الروضة: إنّ الشهرة جابرة على ما زعموا، وفي المسألة إشكال (1).

وعلى القول بالنجاسة إذا كانت الجنابة حاصلة من حلال ثمّ وطء الحرام فيشكل الأمر من أنّ الجنابة حاصلة قبل [وطء الحرام] ؛ لأنّ الجنابة أثر حاصل من الوطء، فإذا حصل الأول فإنْ كان حاصلاً ثانياً يلزم اجتماع المثلين وهو غير جائز.

إلا أن يقال: إنّ الأولى والثانية متغايرتان صنفاً فلم يلزم اجتماع المثلين، وهو بعيد؛ لأنّ الوطء أمر واحد وكون الفعل في موضع حراماً وفي موضع آخر حلالاً لا يستلزم تغاير الأثر.

وأمّا أن يقال بذهاب الأول بوجود الثاني، وهو أيضاً بعيد، ومدلول الرواية هو أنّه إنْ كانت الجنابة من حرام فالعرق ،نجس، وفي هذا الفرض لم تحصل الجنابة من حرام بل من حلال.

إلا أن يقال: إنّ مدلول الرواية أنّ سبب الجنابة إن كان من حرام فعرقه نجس وإلا فلا، وهو خلاف ظاهر اللّفظ فلا يحمل عليه اللّفظ.

أو كان المراد أنّ الجنابة بما هي جنابة أعمّ من أن تكون قطعياً أو شأنياً فكذا، ففي الفرض جنابته شأنية بمعنى حصول الجنابة بفعل الحرام لو لم تكن حاصلة قبل.

أو نقول: إنّ الرواية لم تشمل الصورة المفروضة لنحكم فيها بعدم القول بالفصل بين الجنابة الابتدائية أو غيرها.

وينبغي أن يُعلم أيضاً هنا أنّ الجنابة من الحرام [هل هي] أعم من أن يكون الحرام ذاتياً أو أن يكون عرضياً كالمحلوف عليه أو يكون ...(2) عليه أو مظاهراً عليه أو تكون

ص: 64


1- الشهيد الثاني الروضة البهية: 2/ 260 .
2- في الأصل فراغ بمقدار كلمة.

المرأة حائضة أو الناذر على عدم الوطء، أو تكون مختصة بالذاتي كالأجنبية؟

الظاهر الثاني - وإن كانت الرواية مطلقة - ؛ لأنّ لفظ الحرام المذكور في الرواية إمّا أن يكون المراد منه الشخص الحرام، أو المراد الفعل الحرام.

وإن كان المراد الشخص الحرام فلا بعد في ظهوره في الحرام الذاتي لا الأعم؛ لكون المتبادر منه الحرام من حيث ذاته، ففي الصورة المذكورة الشخص حرام لا في حد ذاته بل لأجل أمر خارجي، فيبقى الحيض؛ لأنّ حرمته ذاتية لا بواسطة سبب.

لكن يمكن أن نقول : إنّ الشخص ليس حراماً ذاتاً بل من حيث سبب [ما].

وإن كان المراد من لفظ الحرام هو الفعل المحرم فهو أيضاً ظاهر في الفعل المحرّم لذاته بعنوان الوطء؛ لأنّ الفعل المحرّم لا بعنوان الوطء بخصوصه مثل أن تكون حرمته من حيث عنوان الغصب.

الظاهر من السياق هو الفعل المحرّم لا الشخص، لكن يشكل في الحيض؛ لأنّ الوطء في حاله حرام بعنوان الوطء ولذات الوطء لا لسبب خارج عن الوطء.

ومما ينبغي أن يُعلم أيضاً أنّه على القول [ بالنجاسة] هل الحكم مختص بالعرق الحاصل حال الفعل أو مطلق العرق ما لم يغسل ؟

والظاهر من بعض الأخبار هو مطلق العرق، مثل الخبر الدال على أنّه يجوز الصلاة مع الثوب ما لم يعرق فيه(1).

ومثل قوله: إن كان جنابة من حرام فكذا مثلاً يدلّ على أنّ السبب في الحكم بالنجاسة هذا السبب، ولا يكون مطلقاً عن العرق الحاصل حال الفعل أو غيره.

وأما مجرد رواية محمد بن همام بإسناده إلى إدريس بن يزداد، فلا يبعد القول باختصاصه حال الفعل؛ لأنه علیه السلام يقول : إن كان من حلال فصل فيه وإن كان من

ص: 65


1- الطوسي، الاستبصار : 1/ 188 أبواب تطهير الثياب باب الخفاش ح13.

حرام فلا تصل فيه»(1) فعلى ما ذكرنا [من] أنّ المراد بالحرام هو الفعل المحرّم يكون معنى اللفظ: إن كان العرق حاصلاً من الفعل المحرم فلا يعقل (2) فيه.

إلا أن يقال: إن الضمير في: إن كان راجع إلى الجنب باعتبار الجنابة.

أو يقال: إنّ الضمير راجع إلى العرق الحاصل من الجنب الذي تكون جنابته من حرام؛ فالظاهر أنّه لا إشكال [في] التعميم بمقتضى الأخبار السابقة وبمقتضى عدم تفصيل العلماء وعدم القول بالفصل، هذا كله على تقدير النجاسة.

وأمّا على تقدير الطهارة؛ فلا إشكال كما هو الظاهر بمقتضى الأصل وللشهرة العظيمة حتى كادت أن تكون إجماعاً، وعدم الدليل على النجاسة، وعدم الدليل؛ دليل العدم.

[ طهارة عرق الإبل الجلالة]

والثاني من الأمور: عرق الإبل الجلّالة.

فالمشهور بين العلماء طهارته(3) حتى المتقدمين(4) الذين قالوا بالنجاسة في المسألة السابقة، بعضهم رجعوا في هذه المسألة عن القول بالنجاسة مع وجود الخبرين الصحيحين على النجاسة(5)، ومع ذلك أعرضوا عنهما وحكموا بالطهارة(6)، واستندوا

ص: 66


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 3/ 447 أبواب النجاسات باب 27 ح 12.
2- كذا في الأصل، والصحيح: (فلا تصل فيه).
3- العلامة الحلي، المختلف: 1/ 461؛ وينظر: الفاضل الهندي، كشف اللثام: 415/1؛ البحراني، الحدائق : 221/5؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 73/1.
4- يُنظر: المفيد، المقنعة : 71؛ الطوسي، النهاية : 53 ؛ ابن البراج، المهذب: 1/ 21؛ ابن زهرة غنية النزوع : 45 ؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 234.
5- الكليني، الكافي: 6 251 كتاب الأطعمة باب لحوم الجلالة ح 2 ؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 263 باب تطهير الثياب ح 54 .
6- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 234؛ ابن البراج، المهذب : 1/ 227؛ الشهيد الأول، الذكرى: 120/1 .

في الحكم بالطهارة إلى الأصل، وحملوهما على الاستحباب، وبأنَّ الإبل الجلالة ليست ،نجسة، فلا ينجس عرقها .

وفيها إشكال، أمّا في الاستناد بالأصل؛ فلأنّ الأصل دليل حيث لا دليل، والدليل موجود في المقام، وأمّا الحمل على الندب فلوجود المعارض، والمعارض غير موجود والقياس لسائر الحيوانات أيضاً ضعيف؛ لأنّ الإنسان أيضاً طاهر، ومع ذلك إذا كان جنباً من الحرام يكون عرقه نجساً .

إلا أن نقول: حمل الخبرين على الندب لما ثبت عندهم أنّ الخبر إذا كان مخالفاً للقاعدة يطرح ولو كان صحيحاً، وثابت عندهم ومركوز في أذهانهم حتى لا ينكر عدم الفرق بين الرطوبات، فلا يكون بعضها طاهراً وبعضها نجساً .

وأيضاً فإنّ الخبر مشتمل على شيء لا يقولون به وهو عرقه لجسمه.

والمعارضة بالجنب من الحرام غير مسموعة؛ لأنه يمكن أن نقول: إنّ الفعل متى كان محرماً ومع تلك الحرمة أتى به جعل ذلك الحكم في حقه جزاءً لما فعل في الدنيا ومع ذلك الشهرة حجّة خصوصاً هذه الشهرة القريبة من الإجماع بل الإجماع - وإن لم نقل به وإن لم نعلم مستندهم؛ إذ لعلّ مستندهم شيء صار الآن مفقوداً.

[ طهارة المسوخات]

الثالث في طهارة المسوخات؛ للأصل، والعمومات الدالة على طهارة سؤر كل حيوان(1) ، خرج الكلب والخنزير وبقي الباقي، وذهب بعضهم إلى النجاسة وهو ضعیف (2) .

ص: 67


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 1/ 231 أبواب الأسئار باب طهارة بقية الاسئار.
2- الطوسي، الخلاف : 264/3؛ ابن حمزة الوسيلة : 73؛ يُنظر العلّامة الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 208.

[ الكلام] في أحكام النجاسات

ومنها: وجوب الإزالة عن الثوب والبدن في حال الصلاة بالوجوب الشرطي(1) - على القول بوجوب المقدمة - ، والوجوب الشرعي النفسي؛ بمقتضى قوله تعالى: «وَثِبَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ» (2)، وبالإجماع المحقق والمنقول(3) والسنة المتواترة والكتاب.

وذكر الثوب من باب المثال ، وإلا فلا يجوز الصلاة في كل ما يُصلّى فيه إذا كان نجسا، وإذا صدق عليه هذا العنوان يجب الاجتناب عنه حال الصلاة؛ للأخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في النجس؛ ففي المكاتبة سُئِل عن الثوب الذي أصابه الخمر ؟ قال علیه السلام : «لا تصل فيه فإنّه رجس»(4) .

وإن كان الضمير في «فيه» راجعاً إلى الخمر باعتبار لفظه، يدلّ عموم التعليل على تمام المدعى، وإن كان الضمير راجعاً إلى الثوب فلم(5) يدلّ على عدم جواز الصلاة في كل ما يصلّى فيه ولو كان غير الثوب.

وقوله علیه السلام في رواية أبي بصير: لا تصل في الحديد؛ فإنّه نجس ممسوخ(6) فإنّ النجس وإن كان محمولاً على الخباثة الباطنية - بمقتضى الأدلة الدالّة على طهارة ،الحديد، وبقرينة قوله علیه السلام: «ممسوخ» ... لكن يدلّ بالأولوية على عدم جواز الصلاة في النجاسة الظاهرية؛ فإنّ الخباثة الباطنية ليست مناطاً في الحكم الشرعي كما يظهر

ص: 68


1- البهبهاني، مصابيح الظلام 5 / 56 .
2- سورة المدثر: 3-4 .
3- العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 96 .
4- الكليني، الكافي : 3 405 ، كتاب الطهارة باب الرجل يصلي في الثوب النجس / ح 5 .
5- كذا في الأصل، والصحيح: (فإنه يدلّ).
6- الكليني، الكافي: 3 400 كتاب الطهارة باب اللباس الذي يكره الصلاة فيه ح13 والرواية عن موسى بن أكيل لا عن أبي بصير هكذا: «لا تجوز الصلاة في شيء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ» .

من ملاحظة الموارد، ومع ذلك نهى تشريعاً عن الحديد، فكيف إذا كانت الصلاة في النجاسة الظاهرية؟ ولكن لا يخفى ما فيه.

وقوله علیه السلام في رواية وهب بن وهب : «السيف بمنزلة الرداء؛ تصلّي فيه ما دام لم ترَ فيه دماً » (1) بناءً على عدم دخول السيف فيما لا يتم الصلاة فيه.

وقوله علیه السلام، في خرقة الحنّاء يصلّى فيها: «إذا كانت طاهرة»(2) بناءً على كونه غير محمول، وغير ما لا يتم الصلاة فيه.

وقوله علیه السلام: «صل في منديلك الذي تتمندل به، ولا تصل في منديل يتمندلُ به غيرُك»(3) بناءً على أنّ النهي عنه بمخافة(4) النجاسة والتجنب عنها، وبناءً على عدم كونه محمولا. وغير ذلك من الأخبار .

ومع الإغماض عن جميع ذلك يدلّ على عدم الجواز؛ الأخبار الواردة في بيان جواز الصلاة فيما لا يتم الصلاة فيه(5)؛ فإنّ ذلك كأنه بمنزلة الاستثناء عن كلية المنع عن جواز الصلاة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

[جواز الصلاة في المحمول الذي لا يصدق الصلاة فيه ]

وأما المحمول الذي لا يصدق الصلاة فيه؛ فالظاهر جواز الصلاة فيه للأصل السالم عن معارضة دليل، بناءً على جريانه(6) في العبادات وشرائطها، ولرواية عبد الله بن سنان المتضمّنة لأنّ كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه فلا بأس

ص: 69


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 371 باب ما يجوز الصلاة فيه ح78.
2- المجلسي، بحار الأنوار : 80/ 263 أبواب لباس المصلي باب 7 ح4 .
3- الكليني، الكافي : 3/ : 402 كتاب الطهارة باب اللباس الذي يكره الصلاة فيه ح23 .
4- كذا في الأصل، والأنسب: (لمخافة النجاسة).
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 358 باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب ح13.
6- أي: جريان الأصل فرقاً بينها وبين المعاملات التي لا يستوحش أحد بجريان الأصل فيها.

به إذا كان نجساً(1)، ولعدم دلالة بعض الأخبار الأخر الدالة على جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه على كونه ملبوساً بل أعم من ذلك؛ بل قد يستفاد من بعض الأخبار العفو عن النجاسة نفسها التي هي الماهية.

لكن يقال ذلك :

أولاً: بدعوى مانعية الماهية بنفسها لا لنجاستها.

وثانياً: بمفهوم مكاتبة عبد الله بن جعفر قال: «كتبت إليه علیه السلام : يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة مسك؟ فكتب لا بأس به إذا كان ذكياً (2)، وصحيحة علي بن جعفر أخيه علیه السلام: عن الرجل يصلي ومعه دبة من جلد حمار أو بغل؟ قال علیه السلام: لا يصلح أن يصلي وهي معه» (3) ومثل ذلك؛ فالفرق بين المية وغيرها متجهٌ.

وأما حمل ما تمّت فيه الصلاة مطلقاً القابل بالعفو في غيره، العفو هنا أکيضاً للأصل السالم عن المعارض والتمسك في مقام المعارضة بمفهوم بعض الأخبار كرواية عبد الله بن سنان موهون بوجوه :

الأول: عدم حجيّة هذا المفهوم المستفاد من القيد.

والثاني: عدم دلالته على المنع و البأس أعمّ من عدم الجواز.

والثالث: اعتبار اللبس في المنطوق، فعلى هذا يكون المفهوم: عدم جواز الصلاة في الملبوس الذي يتم فيه الصلاة، وهذا لا ربط له بالمدعى، إذ المدعى هو المحمول.

وفيه أنّ هذا لا يتم في رواية عبد الله بن سنان؛ إذ هي دالّة على عدم جواز الصلاة فيما يتم فيه الصلاة محمولاً أو ملبوساً؛ فإنّ المتجه الوجهان الأوليان.

لكن قد يتمسك لعدم الجواز ببعض الأخبار، كالخبرين السابقين وهما: مكاتبة عبد الله بن جعفر وصحيحة علي بن ،جعفر، وذكرنا انهما لا تدلان على عدم جواز

ص: 70


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 275 باب تطهير الثياب ح97 .
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 362 باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب ح 32.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1/ 253 ما يكره من اللباس للمصلي ح776 .

الصلاة في المحمول النجس مطلقاً، بل يدلّ على عدم الجواز إذا كان ميتة، فعدم الجواز في الحقيقة ليس لكونه المحمول النجس بل لكونه ميتة .

وقد يُستدل لعدم الجواز أيضاً بقوله علیه السلام : صلّ في منديلك الذي تتمندل به، ولا تصل في منديل يتمندل به غيرك »(1)بناءً على [أنَّ] النهي عن الصلاة في منديل الغير؛ لأجل أثره من النجاسة، ويدلّ على عدم الجواز في النجس بطريق أولى.

وفيه أولاً : أنّ النهي لعلّه لأجل شيءٍ آخر، لا لأجل أثره من النجاسة.

وثانياً: أنّ المنديل لا يتعيّن كون حمله متعارفاً في ذلك الزمان بل يحتمل كون المتعارف لبسه؛ وحينئذ لا يكون دليلاً، ومثل هذه رواية أخرى دالة على جواز الصلاة في خرقة الحنّاء(2) إذا كانت طاهرة؛ فيأتي الإشكال الثاني المذكور فيها أيضاً، فتأمل.

وبالجملة: فبعد قيام الأدلة على الجواز فلا بُدَّ من حملها، فإذا ثبت وجوب إزالة النجاسة عن كل ما يصلّى فيه وعدم وجوب إزالة النجاسة في المحمول؛ فلا بُدَّ من التمييز والتفرقة بين المحمول وما يصلّى فيه بالرجوع إلى العرف.

واعلم أنّه لا فرق في المقامين بين كون النجاسة قليلةً أو كثيرةً وعينها وما في حكمها والدم وغيره خلافاً للإشكال في الأول.

وقال(3) بطهارة ما دون سعة الدرهم سواءً كانت النجاسة دماً أو غيره إلّا أن تكون النجاسة دمَ حيض أو مني فإنّ قليلهما وكثير هما نجسان، فإذا ثبت وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن في حال الصلاة وكون ذلك شرطاً للصلاة، فلا بُدَّ من وجود ذلك الشرط في جميع أحوال الصلاة وأجزائها سواء كانت الأجزاء مستحبة أم واجبة مما يكون بين التكبير والتسليم.

ص: 71


1- الكليني، الكافي : 3/ : 402 كتاب الطهارة باب اللباس الذي يكره الصلاة فيه ح23 .
2- الطوسي، الاستبصار : 1/ 391 .
3- القائل هو الاسكافي، ينظر: العلامة الحلي: المختلف : 1 / 475 ؛ الطباطبائي، الرياض: 2/ 95 .

[عدم شرطية الطهارة في الأذان والإقامة ]

ولا تكون الطهارة شرطاً في الأذان والإقامة؛ لخروجهما عن الصلاة يقيناً، ويشكل في النية؛ من حيث عدّها بعضهم ركناً فيكون الجزء الأعظم من الصلاة، ومن كون نية الشيء غير الشيء فلا يكون جزءًا، وكذا يؤيد عدم الجزئية قوله علیه السلام : «لا عمل إلّا بنية» (1) بناءً على كونه لنفي الصحة من الصحة والكمال، لا أن يكون لنفي الحقيقة، والظاهر أنّه لشدّة اتصاله بالجزء وكونه مقارناً له يحمل عليه أحكام الجزئية.

ويشكل في التكبيرات الافتتاحية بناءً على كون الافتتاح مجموع السبع، كما يدلّ عليه بعض الأخبار، كما يدلّ بعض آخر على كون الثلاث إفتتاحاً (2).

وإِنْ قلنا: إنَّ ما يفتح به الشيء غير الشيء؛ فلا إشكال في عدم وجوب الطهارة فيها إلّا تكبيرة الإحرام.

وإن قلنا: بأنّ ما يُفتح به الشيء من الشيء؛ فلا بُدَّ من القول باشتراطه بالطهارة، ولا إشكال في وجوب الطهارة في التكبيرات التي تكون بعد تكبيرة الإحرام بملاحظة الخبر الوارد في أنّ أولها التكبير وآخرها التسليم(3).

فلا يبعد أن نقول: التكبيرات التي قبلها لا تكون من الصلاة؛ إذ المراد بالتكبير الوارد في الخبر هو تكبيرة الإحرام لا مطلق التكبير ، لكن يشكل الجمع بين الأخبار الدالّة على أنّ الثلاث افتتاح(4) ، والبعض الدال على الخمس(5)؛ والبعض الآخر الدال على السبع(6) .

ص: 72


1- الكليني، الكافي : 2 / 84 كتاب الطهارة باب النية ح 1 .
2- يُنظر : الحر العاملي، وسائل الشيعة 6 / 9 أبواب تكبيرة الإحرام.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة 6 / 11 أبواب تكبيرة الإحرام باب 1 ح 10 .
4- ينظر الحر العاملي، وسائل الشيعة : 33/6 باب 12 ح 1 .
5- ينظر الحر العاملي، وسائل الشيعة : 33/6 باب 12 ح 4 .
6- ينظر الحر العاملي، وسائل الشيعة : 33/6 باب 12 ح2.

فلابُدَّ في وجه الجمع

إما أن نقول: إنّ الافتتاح يحصل لمطلق التكبير، فإنّ اختار المكلف الثلاث؛ فهو افتتاح، وإن اختار السبع فهو افتتاح، فمعنى الأخبار الدالّة على الثلاث أنّ المكلف لو كبّر ثلاثاً واكتفى به يكون افتتاحاً، وكذا في الأخبار الأخر فمفاد [ الأخبار ] التخيير بين الأقل والأكثر .

وإما أن نقول: إن الافتتاح يحصل بواحد والثاني مكمل للافتتاح.

وكل الإشكال آتِ في التسليم خصوصاً على القول بأنَّ التسليم خارج عن حقيقة الصلاة وتتم الصلاة بالسلام (1) بتمام التشهد(2)، فيلزم على هذا القول؛ عدم اشتراط الطهارة في التسليم.

وكذلك نشكل على القول: بأنّ التسليم جزء من الصلاة، وقلنا: بالخروج عن الصلاة بالسلام السابق في السلام اللاحق، ولا يبعد أن نقول: بعدم اشتراطه الخروج عن حقيقة الصلاة وإنّما الطهارة شرط للصلاة أو نقول: بأنّ السلام الثاني محصل للإخراج ونقول بالاشتراط فيه.

[شرطية الطهارة في التشهد والسجدة المنسيين]

وأمّا التشهد والسجدة المنسيان فلا يبعُد اشتراط الطهارة فيها؛ لأنهما؛ وإن لم تكونا جزئين حقيقيين، لكنهما جزءان حكماً، بمعنى أنَّ الشارع جعلهما عوضاً وبدلاً عن الجزء الحقيقي، فهما جزءان للصلاة فيحكم فيها ما يحكم في الصلاة.

ص: 73


1- كذا في الأصل والصحيح حذف كلمة: (بالسلام) لأنها زائدة.
2- يُنظر : النجفي، الجواهر : 10 / 278 .

[ شرطية الطهارة في ركعة الإحتياط]

وكذا الركعات الاحتياطية المشروعة لتدارك النقصان، ولذا يعتبر فيهما الاتصال بدون فعل المنافي، لكن يشكل إجراء أحكام الصلاة وأجزائها على السجدة والتشهد المنسيين وكذا ركعات الاحتياطية بأنّ التسليم مخرج للشخص عن الصلاة، يعني: أنّ المكلف حصل له الامتثال بالصلاة والشروط شرط للصلاة ويثبت الحكم للأجزاء بتبعية الصلاة، فلا منافاة بين خروج الشخص من الصلاة الحقيقية وأجزائها وثبوت بعض الأجزاء الحكمية، فتأمل.

[اشتراط الطهارة في سجدتي السهو دون التعقيبات]

وأما التعقيبات وسجدتا السهو، فلا يبعد عدم الاشتراط في الأول؛ لأنها خارجة الصلاة، وأمّا سجدتا السهو فالمستفاد من بعض الأخبار أنّ المعتبر إيقاعها عقيب

الصلاة بلا فعل مناف لقوله علیه السلام : « فإذا سلّمت فاسجد »(1) وإنّما يدلّ على التعقيب بلا مهلة. وفي بعض الأخبار : «فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ) (2)ليس المراد من الجلوس، الجلوس في مقابل القيام، بل المراد هو الإتيان متصلاً قبل فعل المنافي.

[ في أنَّ الأكوان داخلة في الصلاة]

بقي الكلام في أكوان الصلاة، هل هي داخلة في الصلاة، بمعنى: أنّ الصلاة اسم لمجموع الأكوان والأفعال أو مجرد الأفعال؟

ويظهر من بعض الكلمات(3) عدم كون الأكوان داخلة في الصلاة، مثلاً في مقام بيان ماهية الصلاة يقولون: هي الركوع والسجود ولم يذكروا الأكوان منها، وكذلك

ص: 74


1- الكليني، الكافي : 3/ 355 كتاب الطهارة باب من سهى في الركعات ح3.
2- الكليني، الكافي : 3/ : 355 كتاب الطهارة باب من سهى في الركعات ح6 .
3- الشهيد الثاني، روض الجنان 2 663 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 2/ 271 .

يقولون في المسلوس : إنّه يجب عليه الطهارة في كل موضع أحدث، فإذا تطهر(1) شيء من المواضع الذي انقطع يقولون : إنّه يجب عليه الموالاة والصلاة، فإذا فاتت الموالاة تجب الصلاة متطهراً. وكذلك يقولون : إنّ المصلي لو علم في الأثناء بالنجاسة يجب الإزالة من دون الاشتغال بشيء من الصلاة (2) .

ويظهر من ذلك كله أنّ الأجزاء للصلاة هي مجرد الأفعال لا الأكوان؛ فإذا كان الأمر كذلك فإنّ تنجس يده في اثناء الصلاة من دون اشتغاله بشيء من الصلاة وتأمل قليلاً فلا يكون مضراً، إلّا أنّ المستفاد من بعض الأخبار الواردة في فضيلة الصلاة ككونها معراج المؤمن (3)، وأن المصلي قائم بين يدي الله تعالى (4) ، أنَّ الصلاة مركبة من خضوعات وكونها مجلس المخاطبة وعدم التفصيل بين الأجزاء، فالصلاة نظير مجلس الحضور عند السلطان، فلو فعل الشخص شيئاً منافياً لمجلس الحضور سقط مجلسه عن مجلس الحضور والمخاطبة، فالمصلي كان في مجلس الحضور عند السلطان الحقيقي ولذلك المجلس خضوعات وتخشعات ،وتذللات فالكل من آداب مجلس الحضور نظير أعمال مجلس حضور السلاطين. فإنَّ كل الأعمال من الهوي والقيام وغير ذلك، مضافاً إلى عدم تفرقة المتشرعة في تسمية شخص في أثناء الصلاة بالمصلي بين كونه مشغولاً بالأفعال أو بالأكوان.

ويؤيد ما ذكرناه، ما ذكره بعض الفقهاء(5) - فيما لو علم المصلي بالنجاسة في اثناء الصلاة من وجوب الإزالة فوراً إن أمكن، ولو لم تكن الأكوان أجزاءً للصلاة [لم] تجب الإزالة فوراً، وكيف كان فالمسألة محل إشكال وتردد، فافهم.

ص: 75


1- كذا في الأصل، والأنسب : (طَهر).
2- یُنظر : السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 351.
3- لم يرد حديث بهذا اللفظ بل هو متداول على الألسن كثيراً.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 2 / 618 باب الحقوق ح 3214.
5- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 443 .

[ وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للطواف]

وكذا يجب إزالة النجاسة عن الثوب(1) والبدن للطواف الواجب والمندوب؛ لأنّ الطواف في البيت صلاة (2) والتشبيه يقتضي عموم الأحكام سيما الأحكام الظاهرة، ومنها الطهارة، وسيأتي تحقيقه في باب الحج، إن شاء الله تعالى.

[ وجوب إزالة النجاسة لدخول المساجد والمشاهد]

وكذا تجب الإزالة لدخول المساجد، والأصل فيه بعد الشهرة المنقولة (3) والمحصلة والإجماع المحكي عن بعض كابن إدريس رحمه الله(4) ، والشهيد رحمه الله (5) ، على الظاهر في الأخير، ونفي الخلاف المحكي عن جماعة(6) ؛ قوله تعالى:«إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المَسْجِدَ الْحَرامَ»(7)، حيث رتب عدم القرب - الذي هو كناية عن عدم الدخول - على النجاسة؛ فيدلّ على حرمة دخول كل نجاسة، والاستدلال به يتم بإثبات أمور:

الأول: كون النجس حقيقة شرعية في المعنى الشرعي.

فنقول : الظاهر كونه حقيقة شرعية في ذلك المعنى؛ إذ من البعيد عدم الثبوت من زمان البعثة إلى زمان الصدور مع كثرة إطلاقه وابتلاء الناس، ولا أقل من المجاز المشهور؛ فلا بُدَّ أن يُحمل عليه.

ص: 76


1- ذكر المحقق الهمداني في رسالة الخلل الواقع في الصلاة: «لم يتعرض سيد مشايخنا دام ظله لبيان هذه المسألة تعويلاً على ما أفاده من مبحث النجاسات من كتاب الطهارة ، المحقق الهمداني، رسالة في حكم الخلل الواقع في الصلاة : 93 .
2- المتقي الهندي، كنز العمال: 3/ 10 ح 206 ؛ البيهقي، السنن الكبرى: 5 / 87.
3- العلّامة الحلي التذكرة : 329/9، منتهى المطلب: 2/ 972.
4- يُنظر الطوسي، الخلاف : 1 / 518، 23/5؛ ابن إدريس، السرائر : 163/1 .
5- الشهيد الأول الذكرى: 3/ 139 .
6- الطوسي، الخلاف : 1 / 518، 23/5 ، النهاية : 1 / 360؛ الشهيد الأول : الذكرى: 3/ 132.
7- سورة التوبة : 28 .

ومع الإغماض عن جميع ذلك نقول: إنَّ المراد به هو المعنى الشرعي بسبب القرينة؛ إذ لا يكون مطلق النجاسة واجباً إزالته من المسجد(1) والحال أنّه أطلق عدم القرب على مطلق النجس.

والثاني: أنّ لا(2) يكون المنع [ بسبب ](3) نجاستهم؛ وهو مدفوع أيضاً:

أولاً: بأنا لا نفهم من النجاسة إلا وجوب الإزالة بحكم الشرع؛ وذلك الحكم لا يتفاوت بالنسبة إلى المشرك وغيره، ولو لم يكن حكم الشارع بأنّ النجس يجب الاجتناب عنه لم يفهم قذارة في كثير من النجاسات، فافهم.

وثانياً: بعدم القول بالفصل.

والثالث: أن لا(4) يكون الحكم مخصوصاً بالمسجد الحرام؛ فلا يعمّ جميع المساجد، وهو أيضاً مدفوع بعدم القول بالفصل.

ومما يستدل به في المقام قوله تعالى: ﴿وطَهَّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ ﴾(5)، والاستدلال به يتوقف على كون الطهارة في الشرع السابق بالمعنى الشرعي، ويمكن أن يمنع.

وعلى فرض التسليم لا يبعد أن يكون المراد بالطهارة في هذه الآية النظافة والنزاهة والكناسة بقرينة قوله تعالى: « لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ»؛ لأنّ الظاهر أَنَّ وجوب إزالة النجاسة عن المسجد نفسي، لا لأجل عدم تلويث المصلين، وإن قال به بعض(6).

ص: 77


1- كذا في الأصل، والأنسب: (عن المسجد).
2- كذا في الأصل، والصحيح: (أن يكون المنع ...) بإسقاط (لا).
3- في الأصل بياض وما أضفناه اقتضاه السياق.
4- كذا في الأصل، والصحيح: (أن يكون الحكم) بإسقاط (لا).
5- سورة البقرة : 125 .
6- الطوسي، النهاية : 1/ 357.

و مما يستدل به في المقام الحديث النبوي صلی الله عليه وآله : جنبوا مساجدكم النجاسة»(1) بناءً على كون المراد بالمساجد هو المسجد لا موضع السجود من الجبهة أو من الأرض، ولا مطلق مكان المصلي ؛ فإنّ الظاهر كون المراد بها هو المساجد المعروفة، وإن كان يمكن منع الظهور في ذلك الزمان، ومع ذلك فحال سنده غير معلوم، إلّا أنّ الفقهاء استدلوا به واشتهر استدلالهم به، ويمكن جبر السند بالشهرة، ولا يمكن جبر دلالتها بها إلّا أن تكشف شهرة الاستدلال عن وجود قرينة هي سبب للفهم وإلا فمحض الشهرة لا يكون جابراً للدلالة.

و مما يستدل به، ما ورد من تعظيم شعائر الله تعالى(2)، وإزالة النجاسة عنه، تعظيم له.

وفيه: أنّ التعظيم له مراتب مختلفة وبعضها متعسر أو متعذر، فحمل الأمر على الوجوب مشكل على ما ورد من تسهيل الأمر على هذه الأمة، ولو كان مطلق التعظيم واجباً لكان عيناً، ولو كان واجباً عينياً على كل أحد؛ لاشتغل كل الناس صباحاً ومساءً بطوافهم حوله؛ لأنه تعظيم للمسجد.

غاية الأمر عدم جواز الانتهاك والإهانة، ودخول النجاسة فيه ليس انتهاكاً له خصوصاً غير المتعدية، خصوصاً إذا كانت النجاسة في ثوب بحيث لا يلاقي أرض المسجد ولا فرشه و لا آبه (3).

ويستدل أيضاً بروايات آخر لا تدل على المطلب، ولا نطيل بذكرها.

وبعد ملاحظة الإجماعات المنقولة، بل المحصلة؛ فلا مناص عن القول بوجوب الإزالة.

ص: 78


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 5:/ 229 أبواب احكام المساجد باب 24 ح2.
2- إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ سورة الحج : 32 .
3- كذا في الأصل، ولعلّ الصحيح: (آلته).

[ هل يختص الحكم بالنجاسة المتعدية أو لا؟]

ثمّ هل يختص الحكم على فرض تمامية الأدلّة بالمتعدية أو يعم المتعدية وغيرها؟ وذهب إلى الثاني أكثر القدماء (1) ، والطبقة الوسطى حتى ادعى بعضهم الإجماع عليه(2) ، حتى قال العلامة قدس سره: لو كان بيد المصلي خاتم عمله يهودي وكان المصلي في المسجد لو فسدت صلاته لاقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد(3).

وتمسكوا في هذا الحكم بإطلاق الأخبار والآيات التي ذكرنا بعضها.

وذهب إلى الأول أكثر المتأخرين(4)، وهو الحق؛ للأصل. والأدلة على فرض تماميتها ودلالتها على أصل الحكم وإن كانت مطلقة على الظاهر إلّا أنّه لا يبعد انصرافها إلى المتعدية :

أما الآية الأولى وهي قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ»(5) وإن كان النهي متفرعاً على النجاسة فيكشف عن كون النجاسة مطلقاً علةً للحكم، إلّا أنّ النهي ورد مورد الغالب؛ لأن الغالب تلويثهم المسجد؛ لأنهم كانوا حفاةً غالباً.

وأما قوله تعالى: « طَهَّرَا بَيْتِي »(6) فبعد المناقشة التي ذكرناها، يمكن أن يقال: إنّ التطهير مستلزم لثبوت النجاسة وتنجس المسجد، ولم يثبت التنجس بمجرد إدخال النجاسة غير المتعدية حتى يجب تطهيرها.

ص: 79


1- ينظر : المحقق الحلي المعتبر : 4512 ؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 1/ 326.
2- ينظر المحقق الكركي، جامع المقاصد : 2 154 ؛ الشهيد الأول الذكرى: 3/ 128 .
3- العلّامة الحلي التذكرة: 2/ 475 ؛ منتهى المطلب : 4 / 231 وقد ذكر في الموضعين سبب فساد الصلاة ولكن الخصوصيات المذكورة في المتن لم أجدها في الكتابين.
4- ابن فهد، الرسائل العشر : 169؛ يُنظر : السيد العاملي، مدارك الأحكام: 4/ 399؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام 3 327؛ النجفي، الجواهر : 6 / 96 .
5- سورة التوبة : 28 .
6- سورة البقرة : 125 .

وأما الحديث النبوي (1)؛ أيضاً يمكن تنزيله على المطلب بأنّ يقال: لفظ النجاسة الوارد في الخبر إما أن يكون مصدراً؛ فيكون بمعنى التنجس فينطبق على المدعى، وإمّا أن يكون اسماً، فعلى هذا لا يبعد أيضاً ادعاء الظهور في التنجس؛ لأنّ الظاهر من تعلق الاجتناب بالنجس هو الاجتناب عن تلويث الشخص به كما هو الظاهر من ملاحظة الإطلاقات العرفية للاجتناب عن النجس فينطبق أيضاً على المدعى .

وأما مطلق إدخال النجاسة إهانة وتركها مطلقاً تعظيم؛ فلم يثبت، وإنّما الإهانة تلويث المسجد بها لا غير مضافاً إلى الأخبار الواردة في طواف المستحاضة (2) حتى الكثيرة منها مع ملازمتها للنجاسة، والى جواز اجتياز الجنب والحائض في المساجد(3) مع أن الجنب لا يخلو رأس حشفته عن النجاسة غالباً، والى عدم منع أصحاب القروح والجروح (4) والمسلوس - مع ملازمته للنجاسة - عن حضور الجمعة والجماعات الواقعة في المساجد.

ودعوى أنّ كلها مخرجة بالدليل الخاص، دعوى ركيكة يشهد ببطلانها العقل السليم.

ويمكن أن ندعي [قيام] السيرة القطعية في عدم المنع من إدخال غير المتعدية، وهنا تفصيلان :

الأول: التفصيل بين عين النجاسة وما بحكمها، ويظهر من كلام ابن إدريس، حتى أنه بعد أن ادعى الإجماع أولاً على وجوب تجنيب المساجد عن النجاسات كلها؛ ادعى الإجماع على جواز إدخال الناس للميت في المسجد وبنى في دعوى جواز إدخال

ص: 80


1- الحديث المتقدم: «جنبوا مساجدكم النجاسة».
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 13/ 462 .
3- الكليني، الكافي: 73/3 .
4- ينظر: العلّامة الأنصاري، كتاب الطهارة: 5/ 225.

النجاسة الحكمية زعما منه أن يديه نجسة نجاسة حكمية(1) .

ورده المحقق قدس سره(2) في مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي، وإن زيفه بعضُ: بأنه من أقوال البزنطي لا من رواياته(3)، إلا أنه بعيد.

قال : قال علیه السلام : إن صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة »(4) .

وهذه جملة من الأخبار التي يمكن الاستدلال بها سوى الأخيرين- على الإطلاق وكون الدمين المذكورين معفوين على الإطلاق سواء سال أم لا، وسواء كان دائماً أو كان منقطعاً وسواء كانت مشقة أم لا.

وبيانها أن يقال : إنّ تلك الأخبار على أقسام:

[قسم ] منها : ظاهرة في الإطلاق مثل حسنة المرادي(5)، وموثقة الساباطي(6)، بل لا يبعد القول بكون الأول صريح في الإطلاق، ومثل خبر أبي بصير الذي لم نذكره وهو هذا: «دخلت على الباقر علیه السلام وهو يصلي، وقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دماً، فلما انصرف،

ص: 81


1- ابن إدريس، السرائر: 1 / 163 .
2- لم أعثر على كلام المحقق في المقام ولكن في كشف اللثام 1 432 ، قال: (كما أشار إليه البزنطي في نوادره). وقال صاحب الجواهر : 6/ 105(بل في كشف اللثام إسناد الثاني إلى أقوال البزنطي).
3- كذا في الأصل، ولا يخفى عدم تأدية العبارة لمراد المقرّر وملخص ما يريده: (أن ابن إدريس نقل عن نوادر البزنطي في مستطرفاته وفي هذا المورد فإنّه عبّر ب- ( قال البزنطي) وكأنّه إشارة منه إلى أنّ هذا من أقوال البزنطي لا من مروياته، والمحقق في المعتبر ردّ على ابن إدريس ولم يرتض هذا التوجيه منه)، ويظهر من الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 / 432 ، اختيار ما ذهب إليه ابن إدريس.
4- ابن إدريس، مستطرفات السرائر : 558 باب النوادر .
5- المراد منه الحديث عن ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوة دماً وقيحاً وثيابه بمنزلة جلده؟ قال: يصلي في ثيابه ولا شيء عليه ولا يغسلها الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 349 باب الأحداث الموجبة للطهارة ح21.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 349.1 .

قلت له: إنّ قائدي أخبرني أن بثوبك دماً . فقال علیه السلام : إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ »(1).

وقسم منها : قريب من الظهور وظاهر بملاحظتها.

أما الخبر الأول، وإن كان السؤال عن الدماء التي لا تزال تدمي وربّما يظهر منه في بادي النظر أنّ المراد عدم الانقطاع، إلّا أن فيه احتمالات:

الأول: السيلان.

والثاني: عدم الانقطاع.

والثالث: هو الإخراج مكرراً وإن كان بين الإخراجات فصل.

ويعلم عدم إرادة الاحتمال الأول بملاحظة الجواب، فإنّ المفهوم من قوله: «وإن كانت الدماء تسيل»(2) أنّ الصورة التي سألت [عن] حكمها لا بأس فيها حتى هذه الصورة التي لم تسأل عنها.

ويدفع الثاني أيضاً بأنّ المتبادر من هذا اللفظ في نظر أهل العرف هو الثالث كما يقال لمن يتكلم ثمّ يسكت قليلاً ثم تكلم : فلان لا يزال يتكلم. ولو لم يكن هذا ظاهراً فلا أقل من التساوي بين الاحتمالين، مضافاً إلى أنّ المتبادر من السؤال والجواب أنّ العفو عن قليله ثابت، إلّا أنّ السائل شك فيه بسبب الكثرة، فكأنّه قال: هذا الدم الكثير هل يعفى عنه أم لا؟ ويدلّ على هذا جوابه علیه السلام ؛ حيث جعل الفرد الضعيف المستبعد في النظر كما هو الشأن في مدخول (إنْ) الوصلية، هو السائل وهو ينطبق على ما ذكرنا؛ لأنّه إذا لم يكن مراد السائل هذا كان مراده السؤال عن حكم مطلق الدم فلا بُدَّ أن يجعل علیه السلام الفرد الضعيف هو الدم القليل منه لا الدم السائل منه؛ لأنّ حكم السائل وعدم المنقطع

ص: 82


1- الكليني، الكافي : 3 / 53 كتاب الطهارة باب الثوب يصيبه الدم ح 1 .
2- محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي، كيف يصلي ؟ قال: يصلي وإن كانت الدماء تسيل الطوسي، الاستبصار : 1/ 177 أبواب تطهير الثياب باب ذرق الدجاج ح 7.

يعلم من أدلة نفي الحرج.

وأما الخبر الثالث وهو صحيح عبد الرحمن فتقريبه بأن يقال: إن السؤال وإن كان عن الدم السائل إلّا أنّ العبرة بعموم الجواب لا بخصوص المورد، وعدم الجواب بسبب ترك الاستفصال لو لم يكن فيه عموم فأقصاه عدم تعرض الإمام علیه السلام الحكم غير مورد السؤال، وذلك لا يدلّ على عدم كون الحكم فيه كذلك.

وأما الخبر الرابع(1)، فتقريبه بأنّ يقال: إن الرواية وان كانت واردةً عن الجرح السائل على كون المراد بالسائل السيلان الحقيقي لا مطلق الخروج، أنّ الجواب عام إلّا أنه علیه السلام وإن أدرج في الشرط الجرح السائل لا مطلق الجرح إلّا أنّه قال في الجزاء: «لا يغسله حتى يبرئ فحكم بالعفو إلى زمان البرء.

والقول بأنّ البرء فيه بمعنى القطع بقرينة قوله : ( وينقطع) فكأنه تفسير لهذا، ويؤيده تقييده الجرح بالسائل، مدفوع : بأنه مجاز لا يصار إليه، بل يحمل الانقطاع عليه لا ما يظهر من فرديه وهو الانقطاع مع عدم البرء.

فقد ظهر لك من الأخبار المذكورة مع الأخبار - التي ذكرنا كونها ظاهرةً- ومن الشهرة ومن أدلة نفي الحرج ومن علمنا بخصوصية هذا الدم، أنه يفرق حكمها عن سائر النجاسات، وإلا الأخبار الواردة كثيرة فيها دون سائرها، ولو لم يكن الحكم لمطلقها بل كان للسائلة منها أو عدم المنقطعة منها لا يحتاج إلى سؤال وجواب، بل يكفي فيها أدلة نفي الحرج بل كان حكمها إليها كما أحيل إلى تلك الأدلّة في غير هذا الموضع كما يعلم ذلك من قوله علیه السلام: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله»(2)؛ أنّ الحكم بالإطلاق يكون متجهاً فلا يعبأ بالخبرين المذكورين أخيراً، مضافاً إلى ما فيهما من

ص: 83


1- مراده بالحديث الرابع خبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله علیه السلام قال : إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 259 باب تطهير الثياب ح39 .
2- الكليني، الكافي : 3 / 33 كتاب الطهارة باب الشك في الوضوء ح 4 .

ضعف السند وضعف الدلالة، أمّا ضعف السند فيعلم من كتب الرجال.

أمّا ضعف الدلالة في الخبر الأول ؛ فلانحصار دلالته بمفهوم التعليل، والتعليل كما يحتمل أن يكون لقوله : ((يصلي» يحتمل أن يكون لعدم استحباب غسل الزائد على المرة في كل يوم؛ لأنه حمل قوله : لا يغسل كل يوم إلا مرة على الندب إجماعاً، ولم يظهر مخالف إلّا صاحب الحدائق (1)وهو أيضاً لم تظهر مخالفته؛ لأنّه قال: على سبيل التدقيق لا في مقام الفتوى والعمل، فالاحتمال الثاني يكون أقرب.

وأمّا ضعف الدلالة في الخبر الثاني؛ فلانحصار دلالته في مفهوم الوصف والحال فيه معلوم، وعلى فرض تمامية دلالتها أيضاً لا يقاومان الأدلة التي ذكرناها.

هذا غاية ما تكلف في توجيه الإطلاق، وفي كل ذلك نظر.

ووجهه أنا قرّرنا أنّ الأصل المستفاد من العمومات [هو] وجوب الاحتراز عن كل نجاسة في الصلاة، فلا بُدَّ من الخروج عن ذلك الأصل بدليل يدلّ على خلاف ذلك، والأدلّة المذكورة غير وافية بل هي على خلاف المطلوب أدل.

أمّا الأخبار المدعى ظهورها في ذلك فليست بظاهرة ، بل يقال في بعضها: ليس [فيها] دلالة مثل موثق عمار الساباطي، فإنّه لا يدلّ على خروج الدم؛ لأن المسؤول الشيء الخارج من الدماميل المنفجرة في حال الصلاة أعمّ من أن يكون قيحاً أو دماً، فلعلّ منظور السائل السؤال عن القيح الكثير الذي يكون خبثاً، وعلى فرض الدلالة يكون الجواب منطبقاً على السؤال، والسؤال إنّما يكون ظاهراً في السيلان.

وكذلك الكلام في الظهور المدعى من حسنة المرادي بل الظهور في عكس المراد؛ لأنّ قول السائل: «الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوة دماً وقيحاً وثيابه بمنزلة جلده؟»(2) ، ظاهر في أنّ الدم كثير سائل غير منقطع؛ لأنّ مثل تلك الحالة

ص: 84


1- البحراني، الحدائق 304/5 .
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 349 باب الأحداث الموجبة للطهارة ح21.

أن تكون سبب الدم القليل غير السائل، لأنّه على هذا التقدير غاية ما يتلوث بها ثوبه المنطبق بذلك الوضع وما يقرب منه لا جميع ثيابه وجلده كما هو ظاهر على المنصف.

وأمّا خبر أبي بصير ففيه ضعف السند أولاً، وضعف الدلالة بمنع الظهور ثانياً، غاية ما يستفاد أنّ الدم معفو في الجملة ولم يدلّ على كونه معفوا مطلقاً خصوصاً بملاحظة قوله علیه السلام : «ان بي دماميل فإنّه يدلّ على كثرة الدماميل ومشقة إزالة دمها.

وأمّا الوجوه المذكورة للدلالة في الأخبار الأخر فكلها مردودة.

أمّا الوجه الأول المذكور في الخبر الأول ففيه : أنّ قوله علیه السلام:« لا تزال تدمي»(1) اللفظ معناه الحقيقي هو عدم الانقطاع وصرف عن معناه الحقيقي يحتاج إلى دليل، والظهور العرفي ممنوع، بل ولا كونه جائز الاستعمال إلا مع القرينة.

وأمّا الظهور المدعى في الجواب فهو أيضاً ممنوع؛ لأنّ السؤال عن الدم المنقطع، فيجيب بأنّ ذلك الدم غير مضر، بل لو كان كثيراً غاية الكثرة أيضاً غير مضر؛ لأنّه ارتكز في ذهنهم عدم العفو عن الدم الكثير والعفو عن القليل فأشار إلى أنّ ذلك المرتكز غير سار هنا.

وأما ما ذكرته في الخبر الثالث فهو أيضاً ممنوع؛ لأنّ الجواب جواب عن السؤال و وارد عليه والمناسب أن يكون الجواب مطابقاً للسؤال.

وأما ما ذكرته في بيان العموم من عدم الاستفصال فهو ممنوع :

أولاً : لأنّ كون الجواب جواباً عن السؤال هو الاستفصال.

وثانياً: أنّ ترك الاستفصال في مقام الحاجة دليل العموم لا مطلقاً.

وأما ما ذكرته في الخبر الرابع من حكم الإمام علیه السلام بالعفو إلى زمان البرء؛ فممنوع: أما أولاً : فلأنّه على هذا لا معنى للتقييد بقول سائل.

ص: 85


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 348 باب الاحداث الموجبة للطهارة ح 17 ونصُّ الحديث عن العلا بن رزين عن محمد عن أحدهما علیهما السلام قال: سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي ؟ قال علیه السلام : «يصلي وإن كانت الدماء تسيل».

وأما ما ذكرته من كون البرء بمعنى القطع مما لا يصار إليه، فممنوع؛ لأنّ المجاز إذا كان معه قرينه فلا ضير فيه خصوصاً مثل هذه القرينة المتصلة، فلا يبعد ترجيحه على الحقيقة.

وأما ما ذكرته في الخبرين الآخرين من انحصار دلالتها في المفهوم؛ ودلالة المفهوم ضعيفة.

أما ما ذكرته في مفهوم التعليل فهو ممنوع؛ بأنّ السائل سأل عن جواز الصلاة على هذه الحالة فالمناسب أن يعلل ذلك الحكم المقصود بالسؤال، ولأنّ السائل لم يتوهم استحباب الزائد على المرّة حتى يردّه بأن يؤكد الحكم بالتعليل، بل المقصود جواز الصلاة وعدمها فيكون التعليل لذلك .

وأما ما ذكرته في الثاني فهو أيضاً ممنوع؛ لأنّ مفهوم الوصف على فرض عدم الحجيّة معناه أنه ليس له ظهور حتى يتمسك به. وأما إذا كان له ظهور فيتمسك به قطعاً، ويمكن دعوى الظهور؛ إما في أنّ صدور هذا الكلام من الإمام الله مع كون المقام مقام بيان حكم مطلق الدم؛ بعيد.

وإما من باب القرائن الخارجية مثل الأخبار الأخر، ومثل هذه العمومات التي في مطلق الدم من عدم جواز الصلاة فيها.

وأما أدلّة نفي الحرج؛ فلا تثبت الحكم على الإطلاق بل يثبته إذا كان حرجاً كغير المنقطع.

وأما ما ذكرته من عدم الخصوصية إذا لم يكن العفو عن مطلق الدم، والحال أن الخصوصية ثابتة قطعاً.

ففيه: أنّ دعوى الخصوصية :أولاً : ممنوعة بل السؤال بواسطة كونها أحد النجاسات والأحكام.

وثانياً : أنّ كون الخصوصية فيها لا يستلزم العفو عن مطلقها بل الخصوصية حاصلة بالعفو عن غير المنقطع منها ولو لم يكن فيه مشقة؛ إذ يمكن عدم المشقة مع

ص: 86

عدم الانقطاع، وإن قال بعدم الإمكان بعض مشايخنا قدس سره (1)، كما إذا كان المصلي بطرف الجدول، ففي هذا الموضع لم يكن في الإزالة مشقة مع عدم الانقطاع.

وبالجملة: فلا بُدَّ أن يقتصر في الحكم المخالف للأصل على القدر الثابت، وهو (فيما لم يكن الدم منقطعاً لو كان فيه مشقة والأحوط من ذلك هو ما لم يكن الدم منقطعاً وكان فيه مشقة).

[حكم الدم الخارج عن المعتاد]

ثمّ على تقدير العفو هل يحكم بالعفو ولو كان خارجاً عن المعتاد أم لا؟

ظاهر بعض الأخبار الإطلاق خصوصاً : وثيابه وجلده مملؤة (دما لكن يمكن دعوى ورود السؤال والجواب في مورد الغالب والغالب عدم التعدي إلى غير المعتاد.

[حكم ملاقي الدم المعفو عنه ]

وأيضاً على تقدير العفو هل يعفى عن المتنجس بذلك أم لا؟

فيه :اشكال من أنّ حكم النجاسة إنّما يسري من النجس إلى المتنجس، ومن أنّهم قالوا في غير هذا الدم يعفى عما دون الدرهم إذا كان دما دون ما إذا وقع ماء وكان المجموع أقل من الدرهم، ولم يقولوا بالعفو عنها؛ إلا أنه تدل الأخبار على العفو عن الدم وذلك لا يخرجه عن الدم؛ ولأنّ ذلك الدم - لازم غالباً للعرق والقيح المخلوط بالدم - معفو عنه ببعض الأخبار (2)، فلا بُدَّ أن يسلموا بالعفو في غيره؛ لعدم الفرق وأنّه لو لم يكن الحكم بالعفو هنا لزم أن يرتفع حكم العفو عن هذا الدم غالباً؛ لعدم انفكاكها غالباً من العرق خصوصاً في الصيف، على أنّ إطلاق الأخبار بالعفو على عدم انفكاكها عن العرق والحال أن السؤال والجواب عن الأفراد المتعارفة لا

ص: 87


1- الطباطبائي، رياض المسائل: 2/ 106 .
2- يُنظر : الحر العاملي، وسائل الشيعة: 262/1 أبواب نواقض الوضوء باب 6 ح 6 .

الفرد النادر الذي لا يكاد وقوعه يحكم بالعفو.

بقي شيء متعلّق بالسابق وهو أن الرواية السابقة المعللة بأنه لا يستطيع [الغسل] أكثر من مرة - وذلك الشيء هو أنّه يمكن أن يستفاد من التعليل أن ما هو المناط والسبب في جواز الصلاة في هذا الدم هو عدم استطاعة غسله كل ساعة أي كل صلاة استطاع في مجموع اليوم والليلة مرتين أو مرة، ويمكن الإزالة بهذا المقدار لوجب بهذا المقدار والازالة بهذا المقدار فلو زاد الدم عن هذا المقدار بأنّ [لا] يتمكن من الإزالة إلّا بغسل ثلاث مرات أو أربع فالعفو فيه ثابت.

وينبغي أن يعلم أنّ هذا ليس من باب مفهوم التعليل حتى يدفع بأن مفهوم التعليل ليس بحجّة بل من باب الحصر في مقام البيان، فإنّ المفهوم من حصر العلة في مقام بيان العلة والاقتصار فيه بأنّ العلة في العفو هي ذلك لا غيرها .

وبعدما علمت ذلك كله فإعلم أنّه لا يمكن قطع النظر عن الإطلاقات التي رأيتها بمجرد هذه المقربات والمبعدات.

[في أنَّ الحكم بالعفو مختص بالدم المجتمع أو يعم المتفرق ؟]

وعفي أيضاً عما دون الدرهم من الدم إذا كان مجتمعاً وفي المتفرق خلاف، فههنا مقامات لا بد أن نتكلم فيها :

الأول: أنّ المقدار الذي عُفي عنه ماذا؟ هل هو قدر الدرهم أو ما دونه؟ وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

الثاني: في أنّ المقدار الذي عفي عنه في الصلاة سواءً كان قدر الدرهم أو أقله، هل هو مختص بالدم المجتمع الفعلي أو يكون أعم منه ومن المجتمع الشأني كالمتفرق؟

ولا بد في تعيين ذلك المطلب الرجوع إلى الأخبار حتى نفهم المراد منها، وقبل الشروع في الأخبار لا بُدَّ أن نتبين الأصل؛

فنقول: الأصل المستفاد من العمومات الأولية؛ وجوب إزالة الدم مطلقاً في

ص: 88

حال الصلاة، وهنا عمومات أخر تدل على عدم العفو عن أكثر [ من مقدار ] الدرهم سواءً كان مجتمعاً أو متفرقاً، فإنّ استفدنا من الأخبار الدالّة على العفو عن مقدار الدرهم العموم وعدم الإجمال فيها بسبب الاستثناء رتب (1) الواردة فيها ؛ فتعارض مع العمومات الدالة على عدم العفو عن أكثر [من] مقدار الدرهم سواءً كان مجتمعاً أو متفرقاً؛ لأنّ العمومات الأولية تقول بالعفو عن الدم المتفرق مطلقاً، والثانية تقول بعدم العفو عن أكثر من مقدار الدرهم سواءً كان مجتمعاً أو متفرقاً؛ فلا بُدَّ أن ينظر إلى المرجحات فإن لم يكن مرجح لأحدهما فتطرح كل منها فيرجع إلى العمومات الأولية

المانعة عن مطلق الدم.

ثمّ بعد ذلك لا بد أن نذكر بعض الأخبار:

منها: صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت: ما تقول في دم البراغيث؟ قال علیه السلام : ليس به بأس. قال : قلت : إنّه يكثر ويتفاحش . قال علیه السلام: وإن كثر . قال : قلت: فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم ولا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثمّ يذكر بعدما صلّى أيعيد صلاته؟ قال : يغسله ولا يعيد صلاته إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة» (2) .

و [ منها ] مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله علیهم السلام ، انهما قالا : لا بأس بأنّ يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقاً شبه النضح، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به، ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم(3).

وقوله علیه السلام: مجتمعاً» في الخبر الأول يحتمل أن يكون خبراً ل-(كان)؛ وأن يكون خبراً بعد خبر له الخبر الأول ( مقدار الدرهم) واسمه الضمير الراجع إلى الدم.

ص: 89


1- كذا في الأصل.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 255 باب تطهير الثياب ح27.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 256/1 باب تطهير الثياب ح 29 .

ويحتمل أن يكون حالاً، فالضمير في (كان) على التقدير الثاني إما أن يرجع إلى (الدم ) أو إلى (النقط) أو إلى الدم باعتبار النقط .

وعلى تقدير كونه خبراً لا بُدَّ أن يقدر (منه) حتى يربط الجملة بالسابقة، وعلى ذلك التقدير وتقدير كونه خبراً بعد خبر لا يبعد ظهوره في الاجتماع الفعلي؛ فلا يدلّ على حكم الاجتماع الشأني؛ ولا يفرق في ذلك أن الضمير راجع إلى النقط أو إلى الدم، ولا ينافي كون السؤال عن النقط والجواب مطابق للسؤال، فيكون مراد الإمام علیه السلام في الجواب: أن ذلك الدم الذي تفرق في الثوب لا بأس به ما لم يكن حال اجتماعه قدر الدرهم؛ لأنّ السؤال كأنه من شيئين :

أحدهما: السؤال باعتبار مجموعه .

والثاني: باعتبار كل منهما .

فأجاب الإمام عليه علیه السلام عن الأول بأنه لا بأس به، إلّا في الثاني إذا كان قدر الدرهم أو أكثر.

على إنا لو سلّمنا كون السؤال عن النقط بالاعتبار الأول؛ فلا يبعد فيه أن يجيب عنه بعنوان الكلية بأنّ يبين أنّ حكم مطلق الدم أن أكثر من قدرِ الدرهم فيه مضر إذا كان مجتمعا .

وعلى تقدير الحالية كما هو الأظهر، إما أن يكون العامل فيه (يكون)؛

أو يكون العامل فيه هو معنى الفعل المستفاد من قوله علیه السلام: مقدار الدرهم أي يساوي الدرهم مجتمعاً؛ وذلك باعتبار أنّ الأفعال [ الناقصة] ليس فيها دلالة على الحدث وإنّما تدل على مجرد الربط والزمان (1) فلا يصلح للعمل.

وعلى كل تقدير إما أن تكون (كان) التامة أو الناقصة .

وعلى كل تقدير امّا أن يكون الضمير راجعاً إلى النقط أو إلى الدم أو إلى الدم

ص: 90


1- الأنباري، أسرار العربية : 85.

باعتبار النقط .

وعلى كل تقدير إما أن يكون الحال مبيناً لوقت النسبة المذكورة في الكلام فيكون معنى: (كان زيد قائماً كون زيد وقت القيام، وتصدق زيد راكعاً) يعني: أنّ وقوع التصدق منه مقيد بوقت الركوع.

أو يكون الحال مبيناً لحالة الفعل أي: يكون صدور الفعل في تلك الحالة لا غير ووقت النسبة هو الوقت المذكور إن كانت مذكورة، وإلا فهو الحال فمعنى: (تصدق زيد راكعاً) وقع التصدق منه في تلك الحالة.

وعلى كل تقدير تكون الحال محققة لا مقدرة؛ لأنّ المقدرة هي التي يكون زمانها مغايراً لزمان العامل.

وعلى كل تقدير من التقديرين المذكورين يكون وقت الحال متحداً مع زمان العامل غاية الأمر أن يكون الوقت في أحدهما هي الحال، وفي الثاني وقت وقوع الحال من فاعلها، ولا يبعد كون الظاهر من القسمين هو الثاني؛ لظهور الفعلية في قولك: (تصدق زيد راكعاً) ويؤيده كلام النحاة(1): الحال ما يبين هيئة الفاعل والمفعول، ولم ينكر كونها قيداً ووقتاً للعامل والنسبة المذكورة. وإذا ثبت ذلك فنقول:

قوله علیه السلام: مجتمعاً على تقدير الحالية يكون معنى الكلام: أن الدم لا يضرُّ إلّا أن يكون مقدار الدرهم والحال أنّه مجتمع، لا أن معنى الكلام: أنه يكون مقدار الدرهم في حال الاجتماع ووقت الاجتماع.

فحاصل المعنى: أنّ الدم يساوي الدرهم الآن في حال كونه مجتمعاً، وعلى ذلك التقريب لا يفرق كثيراً بين كون عامل الحال (يكون) أو المعنى المستفاد من مقدار الدرهم كما لا يفرق بين كون (كان) التامة أو الناقصة، ولا يفرق أيضاً بين كون الضمير

ص: 91


1- رضي الدين الاسترابادي، شرح الكافية : 2/ 7 ؛ يُنظر : السيوطي ، الأشباه والنظائر : 2 / 190؛ وشرح : 7/22؛ ملا جامي على الكافية : 1/ 335 .

راجعاً إلى النقط أو إلى الدم؛ لأنه على تقدير رجوعه إلى النقط يكون المعنى: لا يضر تلك النقط إلا إذا كان مقدار الدرهم في الحال في حالة الاجتماع، على أنّ إرجاع الضمير إلى النقط خلاف الظاهر بحسب قواعد العربية.

ومن ذلك يظهر أنّ المراد هو الاجتماع الفعلي لا الاجتماع التقديري، وإن بقي لك شك فراجع الخبر الثاني فإنّه أظهر من ذلك من اعتبار الاجتماع الفعلي.

فإن قوله علیه السلام: مجتمعاً في الخبر الثاني أيضاً يحتمل وجوهاً؛ يحتمل أن يكون حالاً والخبر هو (مقدار الدرهم، وبالجملة فالظهور في الخبرين سيما في الخبر الثاني مما لا ريب فيه.

[ الدم المعفو عنه هو ما دون قدر الدرهم]

وأما الكلام في أنّ المعفو عنه مقدار الدرهم أو ما دونه؟

والمشهور (1) هو الثاني، وبعض الأخبار أيضاً تدلّ عليه؛ لكن بعض آخر من الأخبار يدلّ على خلاف ذلك في بادئ النظر إلّا أنّ هذه مختلفة المفاد؛ لأنّ دلالتها على الأول بالمفهوم، والمفهوم من صدر واحد منها مناقض لمفهوم ذيله، فلا دلالة له.

على أنّه يمكن أن يقال: إنّ المراد بالأكثر المذكور فيه هو قدر الدرهم فما زاد. ونظيره قوله تعالى: «فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْن» (2) حيث أُريد الاثنتين وما زاد.

وكذلك في حد المكاري الذي لا يقيم أكثر من عشرة أيام.

ويمكن أن نقول: إنّ تلك الأخبار مسوقة لبيان حال الغالب، والغالب في الدم المتخلّف في الثوب بحسب اعتقاد الناظر إما أكثر أو أقلّ، وأما كونه بقدر الدرهم فنادر فسيق الأخبار لبيان حال الغالب ولم يتعرض لحال قدر الدرهم.

وكيف كان فلا يعارض هذه الأخبار السابقة مع اعتضادها بالشهرة واعتبار السند وموافقتها للعمومات الدالة على وجوب إزالة النجاسة في الصلاة.

ص: 92


1- العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 103.
2- سورة النساء: 11 .

[تعيين مقدار الدرهم]

وأمّا الكلام في تعيين مقدار الدرهم :

إما بحسب الوزن، والظاهر كونه ثمانية دوانيق كما يظهر من ملاحظة كلمات الأصحاب(1) وبعض الأخبار(2) .

وأما بحسب المساحة كما هو المعتبر في العفو؛ فغير معلوم. ونُسب إلى ابن إدريس رحمه اللهأنّه قال : إنّه بقدر أخمص الراحة. وقال: وجدتُ وشاهدتُ واحداً منها(3)؛ وهو المشهور.

ولكن ليس رؤيته كذلك دليلا على اعتبار هذا المقدار، وكون هذا المقدار مقداراً له في زمان صدور الحكم؛ إذ لعلّ ذلك حدث بعد ذلك.

فعلى هذا فلا بُدَّ من الاقتصار على القدر المتيقن بمقتضى العمومات واشتغال الذمة، ولا يبعد كونه بقدر الدنانير المتداولة في هذا الزمان(4) .

والمشهور عند الفقهاء التعبير عنه بالدرهم البغلي، وسبب التسمية:

إمّا أنّه منسوب إلى قرية بالجامعين، وأمّا أنّه منسوب إلى رأس البغل، وهو الذي ضربه الثاني في ولايته(5).

ص: 93


1- العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 106 .
2- الكليني، الكافي: 59/3 .
3- ابن إدريس، السرائر : 1 / 176 .
4- توفي المقرر رحمه االله سنة 1291ه-، وكتابة هذا التقرير قبل سنة 1287ه-، ويقصد الدينار العثماني.
5- قال الشهيد الأول في الذكرى: 1/ 136 : ... وهو البغلي - بإسكان الغين - وهو منسوب إلى رأس البغل، ضربه للثاني في ولايته بسكة كسروية ، وزنته ثمانية دوانيق والبغلية كانت تسمى قبل الإسلام الكسروية، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام والوزن ،بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية، وهي أربعة دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما واتخذ الدرهم منهما، واستقر أمر الإسلام على ستة دوانيق، وهذه التسمية ذكرها ابن درید وقيل منسوب إلى بغل - قرية بالجامعين - كان يوجد بها دراه- يقرب سعتها من أخمص الراحة، لتقدم الدراهم على الإسلام. قلنا: لا ريب في تقدمها، وانما التسمية حادثة، فالرجوع إلى المنقول أولى.

[ استثناء دم الحيض والنفاس والإستحاضة]

واستثني من هذا الدم المعفو دم الحيض إجماعاً(1)، وللخبر الوارد فيه بخصوصه (2)، وألحقوا به دم الاستحاضة ودم النفاس، ولا بأس به بعد الإجماعات المحكية وعدم عموم في الأخبار حتى تشملها.

وما ورد في دم النفاس بخصوصه من أنه: دم حيض محتبس»(3)، وموافقته للعمومات الدالة على المنع من النجاسة.

وألحَقَ بعضُ (4) دمَ نجس العين بها ولا بأس به؛ لأنه وإن لم يثبت فيه دليل بخصوصه إلّا أنّ أخبار العفو تدل على العفو من الدم من حيث إنّه دم، لا من حيث إنّه جزء نجس العين، وملاق لنجس العين فتدل الأخبار على العفو عن نجاسة الدم لا العفو عن نجس العين أو الميتة أو أنّه ملاق لنجس العين؛ لأنه لا يبعد كون ذلك سبباً لغلظة حكمه.

[ العفو عن نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة]

وكذا عفي عن نجاسة ما لا يتم فيه الصلاة، والكلام فيه من جهات:

الأولى: في أنّه هل الحكم مختص بما له شأنية اللبس أو يعمه وما ليس له هذه الشأنية كالحجر مثلاً؟

والثانية في أنّه هل يختص الحكم بالملابس الفعلية أو يعمها، والمحمولات إذا كانت من الملابس ولكن لم تلبس؟

والثالثة: في أنّه هل يعتبر عدم تمامية الصلاة فيه فعلاً أو يعمه والقوة القريبة منه.

ص: 94


1- العاملي، مفتاح الكرامة : 112.2 .
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 432/3 أبواب النجاسات باب 21 ح1 .
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 2/ 333 أبواب الحيض باب 30 ح13.
4- وهو القطب الراوندي نقله عنه : ابن حمزة الوسيلة : 77؛ ابن إدريس، السرائر : 1/ 177.

والرابعة : في أنه هل يعتبر كونها في محالها أم لا يعتبر، بل يعتبر كونها ملبوسة سواءً كانت في محالها أم لا؟

والخامسة : في أنّه هل يعتبر عدم تمامية الصلاة بالنسبة إلى الرجل خاصة حتى لو كان الشيء لا يتم فيه صلاة المرأة ولكن يتم فيه صلاة الرجل فليس بمعفو عنه أو يعتبر عدم التمامية بالنسبة إلى كل من الرجل والمرأة؟

والسادسة: في أنّه هل المعتبر في العفو مقدار خاص كالذراع مثلاً؟ والمذكور في الخبر من باب الكشف عنه ؟

بعبارة أخرى: هل الشارع اعتبر مقداراً خاصاً ولاحظه فحكم بالعفو عنه، مثل ما لا يتم صلاة الرجل الضخم أو الرجل المتوسط أو لم يلاحظ مقداراً خاصاً بل حكم بالعفو عما لا يتم ، فإنّ كان يصلي رجلٌ ضخم فعدم النجاسة بالنسبة، وإن كان صغيراً أيضاً بحسبه؟

والسابعة: في أنّ العفو عما لا يتم مختص بالمتنجس أو يشمله والنجس حتى لو كان من ميتة أيضاً؟

والثامنة : في حكمه من حيث الاشتباه بأنّ يعلم أنّ في لباسه نجاسة ولم يعلم أنّه فيما يتم أو ما لا يتم.

أصل المسألة الجماعي في الجملة تحصيلاً ومنقولاً(1)، فلا حاجة لنا إلى أدلّة أخرى لكن نذكر بعض الأخبار:

منها قول أحدهما علیهما السلام في موثق زرارة: «كلما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس أن يكون عليه الشيء، مثل: القلنسوة والتكة والجورب»(2).

وقول الصادق علیه السلام في مرسلة عبد الله بن سنان كل ما كان على الإنسان أو معه

ص: 95


1- الطوسي، الخلاف : 1/ 218؛ ابن البراج، جواهر الفقه: 22.
2- الطوسي، التهذيب : 358/2.

مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي فيه وإن كان فيه قذر، مثل: القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك» (1) وبذلك المضمون أخبار أخر(2).

ولا شك أن المراد ب- ( ما لا تجوز الصلاة فيه وحده) وما لا يتم الصلاة [ هو ما ] له شأنية الصلاة؛ لأنّ التقابل حقيقة تقابل العدم والملكة؛ لأنّ المفهوم من هذا اللفظ عند العرف هو ما له الشأنية المذكورة فلا تنصرف أذهانهم عند سماع هذا اللفظ إلى الحجر والجدار ، كما لا ينصرف من لفظ العمى إلّا ما له شأنية الإبصار. فظهر الاختصاص بما له شأنية اللبس لا مطلق ما لا يتم.

ولا يبعد أيضاً ان نقول: إنّ العفو ثابت عن الملبوس والمحمول؛ لأنّ ما لا يتم. عام أو مطلق فيشملها، سيما بعد مرسل ابن سفيان، ولا يبعده الظرفية المستفادة من لفظ (في)؛ لأنه يصدق على المحمول أيضاً أنه صلّى فيه؛ لأنه ليس المراد الظرفية الحقيقية بل مطلق التلبس بالشيء كما يظهر من ملاحظة الأخبار والاستعمالات الواردة فيها في الصلاة في السيف والدملج وخرقة الحنّاء والصلاة في منديلك.

ولا نسلم أولاً كون المراد بما لا يتم الملبوس الفعلي بل المراد مطلق ما يلبس إلّا أنّ الظاهر أنّ هذه الأخبار كأنها استثناء من كلية المنع من نجاسة اللباس، ومنع ظهور قوله علیه السلام: «معه» في المحمول سيّما بعد قوله علیه السلام : «فيه» الظاهر في الظرفية، ولا سيّما انصراف إطلاق النص ومعاقد الإجماعات إليه، وظهور هذه المذكورات في الروايات من مثل: (القلنسوة والجورب) ؛ لأنّها محمولة على الغالب، والغالب اللبس في الملبوس.

وأما الكلام في أنه هل المعتبر عدم التمامية في كلِّ على حسب حيثيته أو المعتبر عدم التمامية النوعية، بمعنى أنّ المذكورات في سياق الأخبار كواشف عن مقدار خاص اعتبره الشارع؟

ص: 96


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 275 باب تطهير الثياب ح95.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 455 أبواب النجاسات باب 31 باب جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه منفرداً.

فنقول : لا يبعد أن يكون المعتبر هو الأول؛ لأنه هو الظاهر من قوله علیه السلام : «كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز فيه الصلاة»(1) أي بالنسبة إليه.

وأيضاً فلو كان المراد ما لا يتم بالنسبة إلى الضخم أو إلى الصغير فلا بد أن تقيد الأخبار به سيّما بملاحظة قول : إن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صليت ؟ فقال علیه السلام : لا بأس»(2). فلو كان المعتبر معياراً خاصاً فلا بُدَّ أن يفصل في الحكم.

وكذلك الظاهر من عدم تمامية الصلاة فيه هو الفعل والقوة القريبة؛ لأنّ القوة القريبة أيضاً في حكم الفعل، فيخرج ما لا يتم فيه الصلاة، ولكن يتم فيه الصلاة بالقوة القريبة من الفعل كالعمامة مثلاً؛ لأنها كثوب مطوي وملوي فإدخالها في هذا الحكم ليس في محلّه(3)، ويدخل في هذا الحكم ما يتم فيه الصلاة بإخراجه عن أهلية اللبس كالقلنسوة .

والإشكال في أنّ ما لا يتم بالنسبة إلى الرجل والمرأة بمعنى: أن ما لا يتم صلاة المرأة فيه معفو عنه أو مختص بما لا يتم فيه صلاة الرجل؟

وظاهر كلمات الأصحاب (4) أنّ نجاسة ما لا يتم صلاة الرجل معفو لا غير.

لكن الإشكال في استخراجه من الأخبار ؛ لأنّ الأخبار مطلقة بالنسبة إلى المرأة والرجل، فالتخصيص إما بأن نقيّد ما لا يتم بالرجل كما يظهر من كلمات بعضهم(5) أو ما لا يتم بالنسبة إلى العورة المشتركة وعورة النظر.

أو نقول: ما لا يتم الصلاة في حال من الأحوال اختياراً كان أو اضطراراً فعلى

ص: 97


1- الطوسي، تهذيب الأحكام 275/1 .
2- الطوسي، تهذيب الأحكام 2 / 358 باب ما يجوز الصلاة فيه ح12 .
3- يُنظر : البحراني، الحدائق : 5 / 337.
4- يُنظر : البحراني، الحدائق: 290/5 .
5- ومنهم الطباطبائي، رياض المسائل: 2 / 106 .

هذا مما لا يتم فيه الصلاة في جميع الأحوال هو أمثال المذكورات في الخبر لا مثل ثوبها الذي يستر عورة النظر وهي القبل والدبر ؛ لأنّه قد يتم به الصلاة كما إذا لم يوجد لها ملبوس غيره فإنّه يكتفى به في هذه الحالة وتصلي قائمةً.

[ اختصاص الحكم بالمتنجس]

وأما الكلام في اختصاصه بالمتنجس أو يشمله والنجس أيضاً؟

فالظاهر من الأخبار هو الأول ؛ لأنّ مورد الأخبار كلها مختص بالمتنجس إذا أصابه القَذَر أو وقعت في بول، ولكن عمم بعض الأصحاب (1) إلى النجس؛ لأنه يظهر من الأخبار أنّ نجاسته غير مانعةٍ أعمّ من أنّ تكون النجاسة عرضية أو ذاتية، ويشكل ذلك فيما إذا اجتمع في النجس حيثيتان: حيثية النجاسة وحيثية كونه غير مأكول اللحم أو كونه جزءا من نجس العين أو ملاق له، فإنّ العفو إنما جاء عن حيثية الدم لا من فضلة (2) غير مأكول اللحم أو نجس العين؛ إلّا أن يتمسك بإطلاق الأخبار، ولكن لا يخفى ما فيه من الوهن.

[ الشبهة المصداقية في المسائل الثلاث]

والكلام في الشبهة المصداقية في المسائل الثلاث كلها، مثلاً حصل العلم بالدم ولكن لم يعلم أنه من القروح أو الجروح أو من غيره، أو شك في أنه قدر الدرهم أو أزيد، أو حصل بأن في ثيابي دماً ولكن لا أدري أنه هل يكون فيما لا يتم أو فيما يتم؟

ويظهر من بعض (3) أنه في حكم المانع في مقام الشبهة، ولعله من باب أنّ المقتضي لعدم جواز الصلاة موجود وهو النجاسة بمقتضى العمومات، ولكن يشك في وجود

ص: 98


1- يُنظر : المحقق الحلّي، المعتبر : 1/ 29؛ ابن إدريس السرائر : 1/ 177، وقد ذكر فيه أنه القطب الراوندي.
2- كذا في الأصل، والأنسب : (حيثية).
3- المحقق الشيخ حسن المعالم (قسم الفقه) : 2 / 611 .

المانع وهو كونه من الجروح أو أقل من قدر الدرهم أو كونه فيما لا يتم، والأصل يتم، عدمه، فيكون المقتضي على اقتضائه، فيترتب أحكام عدم المانع لا الأحكام المحمولة على المقتضي؛ لأنه حينئذ يكون من قبيل الأصل المثبت، والحق خلافه؛ لأنه يترتب على هذا الأصل أحكام وجود المقتضي وهو عدم جواز الصلاة ويثبت وجود المقتضي.

فالحق في هذا المقام الحكم بالعفو؛ لاستصحاب بقاء الثوب على حالته السابقة من جواز الصلاة معه إلى أن يعلم المانع ، ويظهر من بعض (1) - في الاشتباه بين كونه من الدم المعفو وغيره - القولُ بالعفو؛ للقاعدة الجارية في مقام الشك بين كون الشيء من المحصور أو غيره وهي إلحاقه بغير المحصور؛ وذلك لكون غير المحصور أغلب والظَّنُ يلحق الشيء بالأعم الأغلب.

ولكن ذلك يتم لو ثبت حجيّة مطلق الظن من أي سبب، ويشكل الأمر في المقدار من الدم الذي يعفى نوعه إذا كان في الثوب ولم نعلم أن هذا المقدار مما حكم الشارع فيه بالعفو أم لا، بناءً على عدم معلومية معيار العفو، وهو كونه أقل من الدرهم أو بقدره، وأنّه بأي مساحة واقعي ما علم العفو عن مقدار الدرهم ولكن لم يتبين لنا قدر الدرهم بحسب المساحة.

وهل في هذا المقام تكون الشبهة شبهة حكمية أو تكون شبهة مصداقية؟

من أنّ الحكم في هذا القدر ليس بمعلوم أصلاً لأنّ عدم العلم بواسطة الاشتباه؛ لأنّ الشك بين شيء مجمل فليس لنا طريق إلى بيانه إلا بالرجوع إليه، فكأن الشك لم يبين الحكم أصلاً لأن البيان المجمل كالعدم.

ومن أنّ المخاطب بهذه الألفاظ لم يكن المعيار مجهولاً عنده حتى يكون الخطاب مجملاً فلم يكن الاشتباه له وحصول الاشتباه لنا بواسطة عدم معلومية المتعارف في

ص: 99


1- الشهيد الأول، الدروس: 124/1 ولكنه لم يبيّن الوجه في ذلك وإنّما تصدى له بعض الأصحاب، فلاحظ المعالم (قسم الفقه: 2/ 611 .

ذلك الزمان لنا، ولا نكون مكلّفين بالخطابات حتى تكون الخطابات مجملة بواسطة عدم علمنا، بل الواجب علينا الرجوع إلى أهل ذلك الزمان وما هو متعارف بينهم؛ ففي الحقيقة للدم فردان فرد يعفى عنه يقيناً وجزماً بمقتضى الأخبار، وهو ما دون الدرهم المعلوم عند المخاطبين، وفرد غير معفو عنه، وهو الزائد عنه، واشتبه لنا بواسطة عدم علمنا بمتعارف ذلك الزمان، فطرقُ تعينه الرجوع إلى متفاهمهم، فإنّ لم يتعين لنا واشتبه علينا فنتمسك بالاستصحاب لا جواز الصلاة في الثوب.

[في اشتراط نجاسة ملاقي النجس بوجود الرطوبة]

ومن جملة أحكام النجاسات تنجس ،ملاقيها ولكن الكلام في أنّ التنجس مشروط بشرط أم لا يشترط بل تكفي الملاقاة فقط؟

لا خلاف في مشروطيته إلّا في الميتة فإنّ أكثر الأصحاب(1) حكموا بالتنجس بمطلق ملاقاة الميت بل إجماعهم في الميت الآدمي(2).

وعلى تقدير مشروطيته بشيء هل هي الرطوبة أو مطلق الميعان ولو لم يكن لرطوبة؟ ظاهر أكثر الأصحاب (3) بل صريحهم أنّه مشروط بالرطوبة، بل يشهد بالإجماع بعضُ كلماتهم(4)؛ حيث قال العلّامة قدس سره في الإرشاد: (وكل ما لاقى النجاسة برطوبة فنجس ولا ينجس لو كانا يابسين)(5). وأرسله إرسال المسلّمات وعدم ذكره الخلاف.

فعلى هذا فكيفية التنجس بسبب الملاقاة هي: أن يكتسب الملاقي الطاهر بعضَ الأجزاء النجسة من الملاقي النجس. مضافاً إلى قوله علیه السلام : «كل شيء يابس ذكي»(6).

ص: 100


1- العلّامة الحلي، التذكرة: 1/ 88 ، نهاية الاحكام: 1/ 173 .
2- الفاضل الهندي، كشف اللثام : 1 / 445 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 2/ 178 .
3- العاملي، مفتاح الكرامة : 179/2 ؛ الشهيد الثاني، رسائل الشهيد 1/ 649 .
4- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 179.
5- العلّامة الحلي، الإرشاد: 1/ 240.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 49 باب الأحداث الموجبة للطهارة ح 80.

فعلى هذا يكون المراد بالمائع المذكور في كلام بعض الفقهاء (1)، وبعض الأخبار(2) هو المائع الذي فيه رطوبة لا مطلق الميعان حتى يشمل الفلزات المذابة كالفضة والذهب والرصاص إذا كانت مذابة فلا يحكم بنجاستها بمحض ملاقاة النجاسة.

[ نجاسة ملاقي المتنجس]

ثم هل يفرق في هذا الحكم -وهو تنجس الملاقي - بين النجس والمتنجس أو يكون فيهما معاً؟

الأكثر القريب إلى الإجماع (3)؛ هو الثاني، ولم يظهر مخالف إلّا العلّامة الله في المنتهى (4)، والقواعد (5)، في الملاقي للملاقي لبدن الميت بيبوسة.

واحتج عليه : بأنّ نجاسة الملاقي بيبوسة نجاسة حكمية لا نجاسة عينية فلم تؤثر في الملاقي له، والملاقي له طاهر بالأصل وعدم دليل للنجاسة.

وإلا ابن إدريس (6)؛ فإنّه ذهب إلى عدم تنجس المائع الملاقي للملاقي لبدن الميت واحتج بوجوه :

الأول: التمسك ببطلان قياسه على الملاقي لبدن الميت.

والثاني: قولهم بطهارة المستعمل في الحدث الأكبر يعني: طهارة ماء الأغسال ومنها غسل مس الميت.

والثالث: جواز استيطان الغاسل للمسجد قبل غسله.

ومنشأ الوجوه أنّ النجاسة في الملاقي لبدن الميت نجاسة حكمية فلم تتعدَّ إلى

ص: 101


1- الطوسي، النهاية : 588 ، 589 ؛ ابن البراج، المهذب : 1/ 25 .
2- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): 2/ 219 .
3- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 241.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 127 .
5- العلّامة الحلي، القواعد: 1/ 235.
6- ابن إدريس، السرائر : 1 / 161 .

غيره.

وأجاب المحقق رحمه الله(1) له عن الوجوه:

وأما عن الأول: بأنّه ليس باب القياس، بل هو المستفاد من إجماع الأصحاب على نجاسة الملاقي لبدن الميت وللإجماع على تنجس الملاقي للنجس.

وعن الثاني: أنّ الإجماع وقع على طهارة الماء من حيث إنه مستعمل في رفع الحدث ولم يقم على طهارة الماء حتى لو كان في بدنه نجاسة.

وعن الثالث: أنّ الإجماع لم يقم على جواز استيطانه المسجد.

وإلا من المحدّث الكاشاني أنّه قال بعدم تنجس ملاقي المتنجس مطلقاً لو لم يكن فيه عين النجس (2).واستدل عليه :

أولاً: بالأصل، وهو مردود بعد ثبوت الدليل على خلافه وهو قيام الإجماع في الجملة وهو كافٍ في ردّه، مضافاً إلى ما هو المعلوم بديهة أنّ منشأ الحكم بتنجس الملاقي للنجس ليس إلّا النجاسة وتأثيره فيه بحلول بعض أجزائه فيه وهو موجود في الملاقي للمتنجس، فافهم.

وثانياً: بخبرين لا يدلان على مقصوده أصلاً؛ وحاصل مضمونهما: أنّ الراوي يسأل عن إنّي بلتُ ،ومسحت أي استبرأت فلم أجد ماء ؟ فيجيب الإمام علیه السلام بهذا المضمون: امسح ذكرك بريقك فإن أصاب ببدنك شيء فقل من هذه لا من ذاك (3)؛

ص: 102


1- المحقق الحلي المعتبر : 1 / 350 .
2- الكاشاني، مفاتيح الشرائع : 1/ 75 .
3- الكليني، الكافي: 20/3 كتاب الطهارة باب الاستبراء ح 4 ونص الحديث: «علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدیر، قال: سمعت ، قال: سمعت رجلاً سأل أبا عبد الله علیه السلام فقال: ربما بلتُ ولم أقدر على الماء ویشتد على ذلك ؟ فقال علیه السلام : إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فإنّ وجدت شيئاً فقل: هذا وعن الحسين بن سعيد عن حنان مثله، يُنظر : الطوسي، تهذيب الأحكام: 348/1 باب الأحداث الموجبة للطهارة ح14 .

فتوهم أنّ الإمام علیه السلام أمر السائل بمسح رأس الحشفة الذي فيه بول فيصير ريقه متنجساً فحكم الإمام علیه السلام بأنه متنجس فلا يضر اصابته ببدنك.

وأنت خبير بأنّ المراد خلاف ذلك، ومراد الإمام علیه السلام من الأمر بهذا الطريق أن یصیر ما أصابه مشتبهاً بين أن يكون من البول أو الريق، وليس المراد مسح رأس الحشفة بل مسح أطراف الذكر.

[في مدخلية العلم بثبوت النجاسة]

ثم إنّ النجاسة هل لها ثبوت وشيئية مع قطع النظر عن علم المكلف بها أم لا، فيثبت بالعلم وقبل العلم لم تكن نجاسة؟

الظاهر الأول لا الثاني، كما قال به صاحب الحدائق (1)؛ لأنّ النجاسة قذارة في الشيء ثابتة مع قطع النظر عن علم المكلف، ولكن رفع حكمها قبل العلم.

وعلى تقدير الأول فهل هي صفة منتزعة من حكم الشارع بوجوب الاجتناب أو هي منتزعة من نفس عينها ؟

الظاهر الثاني؛ لأنّ حكم الشارع بسبب كونها فيها وتابع لها فلو لم تكن فيها لما حكم الشارع بوجوب الاجتناب على ما قلنا من كون الملاقاة سبباً لتنجس الملاقي بسببها فيشكل الفرق بين ملاقاة نجس بجزء من المائع فيحكمون بنجاسته کله بمجرد الملاقاة بجزء؛ لأنّ كل الأجزاء متصلة، وبين ملاقاة النجس بجزء من الثوب الذي يكون فيه رطوبة فيحكمون بنجاسة الجزء الملاقي لا بنجاسة سائر أجزاء الثوب مثلاً فإنّ كان سبب التنجيس هي الملاقاة فهي موجودة في الصورتين؛ لأنّ كل جزء من الأجزاء ملاق بعضها مع بعض ومتصلة في الصورة الأخيرة أيضاً، بل يتأتى الإشكال المذكور في نفس الثوب؛ كيف يحكم بنجاسة الجزء الملاقي ولا يحكمون بنجاسة الملاقي للملاقي للنجس مع أنّ ملاقاة النجس أيضاً حكمها حكم ملاقاة النجس في التنجيس

ص: 103


1- البحراني، الحدائق : 5 / 249 .

كما ذكرنا سابقاً.

ويمكن أن يقال في الفرق بين الصورتين: إنّ المائع لما كان عرفاً شيئاً واحداً ويكون فيه ميعان إذا لاقى النجس بجزء منه؛ فقد تأثر في تمام الأجزاء به، فكأنَّ النجس لاقى تمام أجزائه، وهذا بخلاف الثوب فإنّه بسبب يبوسته :أي: عدم ميعانه وعدم كونه في العرف شيئاً واحداً لم تؤثر النجاسة الملاقية بجزء في تمام أجزائه، فلم يتنجس الكل بمجرد ذلك.

ودفعَ الإشكال المذكور بعضُ الأجلاء، وهو السيد الطباطبائي قدس سره في منظومته(1) بقوله:

والفرق فيما بينه وبين ما ***مرَّ لحوق وصل ما تقدما

وسبق الاتصال فيما ههنا ***وقلَّ مَنْ للفرق قد تفطنا

وحاصل الفرق أن الحكم بالتنجس سبب ملاقاة المتنجس في موضع يكون اللحوق طارئاً لا فيما إذا كان الاتصال حاصلاً سابقاً، فإنّ الجزء المتصل سابقاً لم يؤثر في نجاسته نجاسة الجزء اللاحق لأنّ التنجس سبب الملاقاة، والملاقاة ليست حاصلة بل كان الاتصال سابقاً. هذا حاصل الفرق.

وأنت خبير بأنّ الفرق غير فارق؛ لأنّ مقتضى ذلك أن لا يحكم بالنجاسة فيما لو وقعت الفأرة حيةً على ثوب ثمّ ماتت فيه، لأنه لم يحصل الاتصال بعد الموت بل كان الاتصال سابقاً، والحال أنّ الأخبار صريحة في أنه لو وقعت الفأرة حيةً في الدبس ثمّ ماتت فيه فتنجيسها ما حولها بحكمه، بأخذها وما حولها وطرحها ثم الأكل من باقيها، فثبت أنّ الفرق غير فارق.

إلا أن يقال في الفرق: أنّ الأصل قائم على طهارة سائر الأجزاء مما سوى الملاقي، ولا يتوهم من كلامنا أنّ الأصل مختص بسائر الأجزاء لا بالجزء الملاقي؛ لأنه وإن كان

ص: 104


1- بحر العلوم الدرة النجفية 51 .

جارياً فيه إلّا أنّ الدليل قائم على خلافه بخلاف سائر الأجزاء، فإنّ الأصل قائم ولم يعارضه دليل، لأنّ الدليل الدال على تنجس الملاقي بالمتنجس لم يساعد على إثبات التنجس في الملاقي للملاقي الذي لم يكن مائعا بل منصرف إلى غيره ولكن يمكن دفعه فتأمل.

[ طرق ثبوت النجاسة]

واعلم أنّه هل لنا طريق آخر إلى إثبات النجاسة سوى العلم أم لا؟

الظاهر الأول ، وأنّه تثبت النجاسة بغيره أيضاً كالبينة واليد وأمثال ذلك.

أمّا شهادة العدلين

فالظاهر حجيتها كما هو المشهور (1)، كما يستفاد ذلك من الآيات والأخبار مثل قوله تعالى: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ»(2) . وقوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ »(3) وغير ذلك مما يستفاد من مجموعهما أن شهادة العدلين شيء يعتبر في الموضوعات والأحكام ولا يختص حُجيتهما بمورد مثل المرافعات مثلاً.

والأخبار الكثيرة أيضاً دالة على هذا سيما قوله علیه السلام: «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه إلى أن قال والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة»(4) بناءً على أنّ الحرام أعمّ من أن يكون من سبب النجاسة أو شيء آخر، وان البينة هي شهادة العدلين.

ص: 105


1- الطباطبائي، رياض المسائل : 13 268؛ العلّامة الأنصاري، الفرائد: 3 / 55.
2- سورة البقرة: 282 .
3- سورة الطلاق 2 .
4- الكليني، الكافي : 5 / 313 كتاب المعيشة باب النوادر ح 40 .

خبر الواحد

وأما خبر الواحد

فيمكن حجيته في هذا المقام أيضاً بناءً على شمول آية النبأ(1) للموضوعات، وبناءً على دلالتها على حُجيّة خبر العادل.

فإن تمسكنا في حُجيّة خبر العادل ببناء العقلاء على استنادهم في أمورهم إلى قول الثقة فواضح الشمول للموضوعات، ويمكن استفادة ذلك بانضمام عدم القول بالفصل من الخبر الوارد في باب الوكالة : أنّ الوكيل ثابت على وكالته ما لم يخبره ثقة بعزل الموكل له (2)، والخبر الوارد في باب الوصية من أنه لو وضع شخص دنانير عند شخص وقال : إنّي إن مت ردّ نصفه إلى وارثه ونصفه إلى شخص، فمات(3)، وأخبره ثقة أنّ الموصي حين الموت قال: كذا. فقول الثقة حجّة.

إلا أنّ المشهور(4) بنوا على عدم حجيّته فلا يتم عدم القول بالفصل، وكذلك قالوا بعدم شمول آية النبأ - على فرض تماميتها - للموضوعات، ولم يعملوا بالخبرين وعملوا بمقتضى القاعدة، وعلى تقدير عدم القول بالفصل بناءً على أنهم لو قالوا أو عملوا بقول الثقة في ذينك الموردين لعملوا به في باقي الموارد.

لكن يتعارض بينه وبين مفهوم الخبر المذكور والأشياء كلها على هذا حتی يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة [ حيث ] يدلّ بمفهومه على أنه إذا لم يبين أو لم تقم عليه شهادة العدلين فهو على حاله بل يدلّ بمنطوقه لأنّ المفهوم نفي ما اعتبر في المنطوق من العموم والخصوص وغير ذلك، وعلى هذا يكون: أن كل ما لم يستبن ولم تقم عليه البينة فهو ليس على حاله؛ فظهر فساد ما يقال : لا يلزم اعتبار العموم في المفهوم فلم يدلّ على عدم اعتبار العدل الواحد.

ص: 106


1- سورة الحجرات: 6 .
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 3/3 حكم الوكالة ح 3381.
3- الكليني، الكافي : 64/7 .
4- النجفي، الجواهر 6/ 171 .

والحاصل : أنّ قول العدلين حجّة اتفاقاً (1)، ولم يظهر مخالف إلّا من موضع في التذكرة (2)، ومحتمل النهاية (3)، ويحصل العلم لمن تتبع في الآيات الواردة في الكتاب - فكيف في السنّة - (4)؛ أن اعتبار شهادة العدلين أمر مفروغ عنه في جميع أبواب الفقه.

العدل الواحد

وأما العدل الواحد

فليس بمعتبر قطعاً ولم يذهب إليه أحد، وأما الموارد الواردة في الأخبار من اعتبار قول الثقة مثل الخبر الوارد في الوصية (5)، والخبر الوارد في الوكالة (6)، والخبر الوارد في جواز وطء الأمة بقول البائع بالاستبراء إذا كان عادلاً (7)؛ فلم يعمل فيها بالأخبار، بل يعمل في باب الوصية بمقتضى قواعدها، فيحكمون فيما لو شهد واحد بنص المشهود في مورد الخبر.

وفي باب الوكالة لم يتعرضوا للحكم المذكور مع كون الرواية يذكرونها لإثبات الوكالة.

والخبر الوارد في باب جواز وطء الأمة بقول البائع العادل، فمحمول بأنّ حُجيته من باب كونه ذا اليد لا لكونه قولاً عادلاً، أو بكون الأخبار محمولة بأنها في مقام حصول العلم، وكذلك الأخبار الواردة في جواز الاعتداد بقول المؤذن العادل أولاً واردة في باب التقية، ومن باب أنّ الظن في الوقت حجّة؛ لا لخصوص الخبر.

ص: 107


1- ابن إدريس السرائر : 1362 ؛ الطباطبائي، رياض المسائل : 13/ 268 .
2- العلّامة الحلي، التذكرة: 1/ 93 .
3- العلّامة الحلي، نهاية الأحكام: 1/ 252.
4- كذا في الأصل، ولعلّ المناسب: (فضلاً عن السنة).
5- الكليني، الكافي : 64/7 .
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 3/ 83 حكم الوكالة ح3381 .
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 173/8 باب لحوق الأولادح 26 ح 27 ح28.

[ في أن حُجيّة شهادة العدلين مطلقة أو لا؟]

فبعد اعتبار شهادة العدلين، هل يعتبر مطلقاً أو يعتبر بشرط تفصيل السبب؟ فيه خلاف قول بعدم الوجوب مطلقاً(1)، وقول بالتفصيل(2).

وأما وجه عدم الوجوب فظاهر (3)؛ لأنَّ عدالة العادل تمنع من استناده في شهادته إلى ما هو مذهبه أو مذهب مجتهده مع إطلاقه، لأنّه لا يخلو عن التدليس.

وفيه: أنّه يتم ويكون تدليساً لو بنينا على اعتبار قول العدل مطلقاً، وأما لو فصلنا - ولا يكون معتبراً مطلقاً - فلا يكون تدليساً.

فعلى هذا نقول : إنّ المشهود به إن كان مشتركاً فلا بُدَّ من التفسير عن مراده، وإن كان له حقيقة واحدة فيكون مختلفاً فيه بين العلماء، بمعنى أنّ للعلماء فيه أقوالاً(4)، فإنّ كان المشهود به فعلاً خارجياً أو قوة ويكون لنا على إحراز الواقع قاعدة، مثل أصالة الصحة فنحكم بالنسبة، بمعنى أنّ هذا الشيء يكون واقعاً في الخارج ونحكم بقاعدة الصحة كونه صحيحاً واقعاً لا الصحيح عنده، وكذا لو لم يكن المشهود به مختلف فيه، وأما لو كان المشهود به هو الفعل الخارجي، ولعلّ مذهبه في صحة هذا الفعل شيء غير ما اعتبر عندنا ولم تكن لنا قاعدة حتى نحرز الواقع بها فلا نحكم بقوله؛ لأنه تقليد له وتقليده [لا يجوز ]، إذ لعلّ مراده بالمنع الواقع في الخارج أو هو المتعين هو بيع المعاطاة الذي لم يصححها فيكون الاعتماد على قوله تقليد له كما لو شهد أنّ هذا محرم

على هذا بالرضاع، أو يقول: تحقق الرضاع المحرم؛ فلا بُدَّ في جميع ذلك من التفصيل لأنهم اختلفوا في الرضاع المحرم فلا يعلم أنّ مراده أي منها، خصوصاً إذا كان مذهبه ومذهب المشهور عنده مختلفاً، وإطلاقه في هذا المقام لا يكون تدليساً؛ إذ التدليس إنّما

ص: 108


1- العلّامة الحلي، نهاية الأحكام: 1/ 252؛ وينظر : البحراني الحدائق: 5/ 245، الدرر النجفية: 1/ 64.
2- المحقق الشيخ حسن المعالم (قسم الفقه) : 1/ 373 .
3- أي: عدم الوجوب مطلقاً، لا عدم وجوب قبول شهادة العدلين كما ربما يتوهم.
4- الطباطبائي، رياض المسائل : 5 / 413 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 549/1 ، 550 .

يكون لو كان البناء على حُجيّة شهادة العدلين مطلقاً.

وأما لو بنينا على التفصيل فلم يكن تدليساً؛ لأنه يعلم بأنّ الحاكم لم يعتمد على قوله لو أطلق بكونه هو الواقع.

والحاصل : أنّ الأدلّة الدالّة على قبول قول العادل لا تدلّ إلّا على تصديق العادل، وتصديقك له فيما يشهد به وترتب الآثار عليه فيما إذا كان له أثر، وأما في موضع لم يكن له أثر مثل أن يخبر عن اجتهاده؛ فلا يجب تصديقه بمعنى فرضه واقعاً؛ لأنّه تقليد له وتقليده لا يجوز، بل يجب تصديقه بمعنى أنّه اجتهد في هذا ولم يكذب في دعواه.

وبالجملة: أنّ الأدلّة لم تدل إلّا على أن خبر العادل وشهادته حجّة من حيث [عدم] تعمده للكذب.

وأما صدقه مطلقاً بمعنى مطابقته للواقع وعدم خطأه في حديثه وكونه حجّة حتى في مقام الحدس أيضاً فلا تدلّ عليه الأدلّة]؛ ولذا لم تقبل الشهادة الحدسية والعلمية والتصديق المأمور به هو التصديق فيما له أثر كأن يكون في مقام الحسّ ، كأن يخبر عن موت زيد، والضابط في حجيّته مطلقاً بدون تفصيل، فيما كان المشهود به أمراً لا يتعلق بالأحكام أو في موضوعات الأحكام، كأن يخبر بوقوع البيع في الخارج، وكان لنا أصل على طبقه لنحرز الواقع، أو كان حكماً ولم يكن مختلفاً فيه، أو يكون الخلاف ولكن يكون نادراً بحيث نقطع بعدم إرادته.

وأما في موضع يكون مختلفاً فيه كالرضاع مثلاً فإنّ العلماء اختلفوا فيه على أقوال شتى؛ بعضهم يكتفي [ في الحرمة](1) بمسمى الرضاع(2)، وبعضهم يكتفي بعشر رضعات (3)، وبعضهم خمسة عشر (4)، وبعضهم يعتبر وبعضهم يعتبر شدّ العظم

ص: 109


1- في الأصل فراغ بمقدار كلمة وما أثبتناه اقتضاه السياق.
2- يُنظر : الطباطبائي، رياض المسائل : 10 / 137، حيث نسبه لابن الجنيد.
3- المفيد، المقنعة : 502؛ سلّار، المراسم: 151؛ العلّامة الحلي، المختلف: 5/7 .
4- الصدوق، الهداية : 266 ؛ الطوسي، الخلاف : 95 .

وإنبات اللحم (1)، ففي هذا الموضع لم يجب تصديق الشاهد الذي يشهد بوقوع الرضاع المحرم؛ لعلّ مذهبه يكون مخالفاً وإخباره من باب اجتهاده وحدسه، وأما لو وافق مذهبه مذهب الحاكم أو يكون مقلداً له يعتبر قوله [ حينئذ].

ولا ينافي ما ذكرنا كونه حجّة تعبداً؛ لأن معنى حُجيته تعبداً انه لا بُدَّ أن يعمل بقوله وان لم يحصل العلم بقوله أو الظن ، لا أنّه حجّة تعبداً سواء أخبر عن اجتهاده أو عن الواقع.

وكذلك لا ينافي ذلك الأخبار الدالّة على الحليّة حتى يستبين غيرها أو تقوم به البينة ، كقوله علیه السلام : «والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيئة»(2) لأنّ هذا وارد :

أولاً: في مقام الحكم بالحلية.

وثانياً: أنه وارد في مقام حجيّة البينة - في الجملة - لا مطلقاً وفي مقام بيان كيفية البينة حتى يتمسك بإطلاقه.

قول ذي اليد فالكلام فيه يقع في أمور:

وأما قول ذي اليد فالكلام فيه يقع في أمور:

الأول في تشخيص ذي اليد ؛ وأنّه هو المالك لا غير، أو يعمّه وغيره حتى يد العارية ويد الغاصب ؟ فسيأتي إن شاء الله تعالى.

والثاني: في حُجيّته في الجُملة، أو في جميع الموارد على تقدير حجيّته؟ وهذا أيضاً تأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى. والثالث: في كونه حجّة أم لا؟

والمشهور على حُجيّته(3) ، والأخبار في ذلك كثيرة، أتمها دلالة الأخبار الواردة في

ص: 110


1- الطوسي، الخلاف : 95 ، النهاية: 461 .
2- الكليني، الكافي : 5 / 313 ، كتاب المعيشة باب النوادر : ح 40 .
3- المحقق النراقي، عوائد الأيام: 221؛ النجفي، الجواهر : 176/6 .

بيع الدهن المتنجس : تبيعه وتبين لمن اشتراه ليستصبح به»(1) .

وتقريب الدلالة فيها : أنه لو لم يكن قول ذي اليد حجّة، لم يكن وجه لوجوب قوله للمشتري، لأنّه على تقدير عدم حجيّته لا يعبأ بقوله أبداً فوجوب الإعلام لا يحسن بل لا يجوز إلّا بعد وجوب القبول؛ لأنّ الباعث على الوجوب هو حصول غايته وهو الاستصباح تحت السماء، فلو لم يكن واجباً على المشتري قبول قوله فلم يكن تحصل تلك الغاية فلا بُدَّ أن لا يكون واجباً؛ لأنّ الوجوب لأجل الاستصباح، وهو منتف.

والقول بأنّ قول ذي اليد في مقام البيع سيّما في النجاسة والطهارة يحصل فيه العلم فلم يدل على قبول قول ذي اليد تعبداً مطلقاً، وهو المطلوب. والحكم بالوجوب لأجل هذا.

مردود بوجداننا خلافه بالضرورة، فإنّه كثيراً ما لا يحصل الظن فضلاً عن العلم. و لا (2) يمكن الاستدلال على هذا المطلب بخبر عبد الله بن بكير، سأل الصادق علیه السلام عن رجل أعار رجلاً ثوباً فصلّى فيه، وهو لا يصلّى فيه؟ قال: لا يعلمه، قلت: فإنّ أعلمه ؟ قال : يُعيد» (3).

وتقريبه أن يقال: لو لم يكن قول ذي اليد حجّة ويجب اتباعه، لم يكن وجه للنهي عنه وهذا الخبر يحتمل وجوه

أولاً : أنّ قوله علیه السلام: «لا يعلمه هل هو بمعنى الإعلام والإخبار نظير القول، أو يكون بمعنى إعطائه العلم ؟

والاستدلال به يتوقف على كون المراد هو الأول، وهو الظاهر من الإعلام بحسب العرف بحيث يُعدّ الاحتمال الثاني احتمالاً بعيداً.

ص: 111


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 9 / 85 باب الذبائح والأطعمة ح 94 .
2- كذا في الأصل، والصحيح: اسقاط كلمة (لا) بقرينة ما سيأتي.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 3/ 448 أبواب النجاسات باب 47 ح3.

وثانياً: أنّ عدم الإعلام قبل الصلاة، أو يكون بعد ما صلّى فيه ينهى عن إعلامه؟ والظاهر هو عدم الإعلام بعد الصلاة؛ لأنّ السائل يسأل عن أنّ هذا الشخص صلّى في ثوب نجس هل يكون تكليفي إعلامه حتى يعيد صلاته أو لا يكون تكليفي إعلامه ؟

والاستدلال به يتم على كلا التقديرين:

أما على التقدير الأول: فالاستدلال أوضح؛ لأنه يكون مبناه حينئذ لا يعلمه حين الإعارة، فإنْ أعلمه يعيد صلاته؛ لأنّ قوله حجّة عليه، لأنّه يكون ذايد.

وأما على التقدير الثاني: فيحتاج إلى أن يرتكب خلاف الظاهر في قوله علیه السلام : «يعيد» بحمله على خلاف الظاهر وهو الندب، لئلا يلزم خلاف الإجماع وهو تكليف الجاهل بالإعادة، وبعد حمله على الندب أيضاً يمكن الاستدلال به بواسطة أنّ الغرض من الاستحباب أنّ قول ذي اليد حجّة، حتى أنّه بعد الصلاة يستحب بواسطة قوله الإعادة، وبواسطة قوله عن الواقع فكيف قبل الصلاة.

وحاصله: أن قول ذي اليد حجّة بواسطة أنّ الإعادة بعد العلم لا يكون إجماعاً، فلا بُدَّ من أن يكون الغرض من الأمر بالإعادة أنّ قوله متبع، وكذلك الاحتمال المتصوّر في قوله: «وهو لا يصلى فيه» أنّ عدم الصلاة لا ينحصر أن يكون بواسطة النجاسة بل يمكن أن يكون الوجه هو كونه مغصوباً مثلاً أو حريراً لا يضرنا؛ لأنّه إن كان عدم الصلاة فهو المطلوب وإن كان غيره فيتم بعدم القول بالفصل؛ لأنه لا فاصل بين حجيّته فيما نحن فيه وما نحن فيه . ويمكن عكسه كما هو مذهب جماعة فإذن يتم الاستدلال به.

وما يمكن الاستدلال به هو النهي الوارد في بعض الأخبار حيث إنّه علیه السلام أعطى الخادم در هماً وأمره أن يبتاع من مسلم جبناً ونهاه عن السؤال(1)، ولو لم يكن قول البائع

ص: 112


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة 25/ 119 كتاب الأطعمة باب 61 ح 4 ونص الحديث: «بكر بن حبيب، قال: سئل أبو عبد الله عن الجبن وأنّه توضع فيه الأنفحة من الميتة؟ قال علیه السلام : لا تصلح. ثم أرسل بدرهم فقال له : اشتر من رجل مسلم ولا تسأله عن شيء .

حجّة لا ينهى غلامه عن السؤال.

وأمّا الأخبار الواردة في نهي السؤال عن الفرو والجلود الواقعة في الأسواق (1)، فلا يتم الاستدلال بها.

ومنها هذا: «إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك»(2). ولو كان فيه دلالة لكان من هذه الجهة: أنكم لا تسألون؛ لأنّ المسؤول يقول في الجواب: هو نجس فيجب اتباع قوله فيشكل الأمر عليكم؛ ولكن لا يخفى ما فيه؛ لأنّ الخبر لا يدلّ على المدعى] بل يحتمل أن يكون المراد أحد الوجهين:

أحدهما: أنّ السؤال كناية عن البحث والتفتيش عن واقع الشيء، فالمعنى: أنّكم لا تكونوا مكلفين بإحراز الواقع بواسطة السؤال عن الواقع والتفتيش عنه.

وثانيهما: وهو الظاهر - أنه لا يجب عليكم الاحتياط عن الشيء وعدم العمل بالأصل والسوق (3) في الأشياء المبتاعة من السوق حتى تسألوا عن طهارته؛ لأنّ الالتزام بالسؤال وعدم العمل قبل السؤال وعدم إعمال الأصل والسوق (4) توجب المشقة؛ لأنّ الخوارج التزموا بالسؤال عن الطهارة وعدم العمل بالأصل قبل السؤال؛ فوقعوا في حرج شديد.

فبعد ما عرفت ما ذكرنا؛ فاعلم أنه لا يعارضه العمومات الدالة على الطهارة حتى يحصل العلم؛ لأنها مطلقة أو عامة، وهذه مقيّدة ومخصصه فتكون مقدّمة عليها، وكذلك لا يعارضها الرواية الواردة في البختج التي ذكرناها سابقاً في مبحث العصير العنبي؛ لأنها واردة في التطهر وكلامنا في النجاسة الآن، وهي في ذلك المقام أيضاً لا تدل على عدم حجية اليد؛ لأنّه أولاً على التفصيل بين ذي اليد العادل وذي اليد الفاسق

ص: 113


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1 / 258 أحكام لباس المصلي ح793.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1/ 258 أحكام لباس المصلي ح 791.
3- كذا في الأصل، والصحيح: (السؤال).
4- أي: عدم إعمال قاعدة سوق المسلمين.

وليس تفصيل في المسألة؛ لأنّ مضمونه أنّه يكون رجل يأتيني بالبختج وهو يقول على الثلث، وأنا أعلم أنّه يشربه على النصف، فقال علیه السلام: «خمر لا تشربه» وتدل على أنّ الرجل الفاسق يكون كاذباً.

و [ ثانياً] لو سلّمنا ذلك فلا نقول بحجيّة اليد حتى في مقابل العلم، بل قائم مقام العلم، والسائل يقول : أنا أعلم خلافه. هذا بحسب الأخبار .

أقوال العلماء

فالمشهور (1) حجيّته ولم ينقل خلاف إلّا عن بعض متأخري المتأخرين(2)، وأشكل في نهاية الأحكام (3)، ونقل الاتفاق في الذخيرة(4) والحدائق (5)، ووجه خلاف هذا المتأخر ، أيضاً معلوم وهو أنه يكون التعارض بين هذه الأدلة والعمومات عموماً من وجه، فلا بُدَّ أن يرجع إلى المرجحات فإن لم تكن؛ فلا بُدَّ أن يرجع إلى الأصل، والأصل عدم النجاسة.

ووجه الإشكال في نهاية الأحكام أيضاً واضح؛ وهو أنه بعد ما كان الشخص مالكاً للشيء يكون قادراً على منع الغير من التصرف فيه، فلم يتصور في حقه الكذب في إخباره بالنجاسة؛ لأنّ كذبه في [ما تحت يده ] (6) يكون بواسطة منع الغير من التصرف فيه، وذلك في موضع لا يكفيه المنع إلّا بالكذب وتلك...(7) بعد كونه قادراً على الرد فلا داعي له على الكذب فيحصل العلم بصدقه فيعمل بقوله لحصول العلم من قوله.

ص: 114


1- البهبهاني، حاشية المدارك : 1 / 168 ؛ النجفي، الجواهر: 57/1 .
2- الخوانساري، مشارق الشموس (ط. ق): 285.
3- العلّامة الحلي، نهاية الأحكام: 1/ 252.
4- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1ق 139/1.
5- البحراني، الحدائق 252/5 .
6- في الأصل فراغ بمقدار كلمتين وما أثبتناه يقتضيه السياق.
7- في الأصل فراغ بمقدار كلمة .

وفيه: أنّ الداعي ليس منحصراً في هذه؛ إذ لعلّ الشخص لا يمكنه المنع إلا بهذا القول، وأما بحسب القاعدة فيدلّ عليه أصالة صدق المسلم والسيرة المستمرة القطعية عليه، ونجاسته شيء لا يعلم إلّا من قبله، فلا بُدَّ من العمل بقوله.

وتمسّك بعض (1) ب- ( من ملك شيئاً ملك الإقرار به)(2) يعني : أنّ الشخص لما كان مالكاً لتنجس ذلك ومسلطاً عليه، كان مالكاً للإقرار به وأنه نجسه مثلاً.

فظهر مما قلنا أنّ المسألة واضحة [أمّا] من حيث الأخبار فقد مرَّ ؛ وأما من حيث كلمات الأصحاب والشهرة أيضاً فواضحة حتى ادعى الاتفاق جماعة (3). ومن حيث الإجماع العملي (4) - وهي السيرة - فهي واضحة؛ لأنّ السيرة المحققة موجودة أولاً، وإن لم تكن فالحكمية موجودة قطعاً، وأيضاً واضحة من جهة أنها شيء لا يعلم غالباً إلّا من قبله كالعدة والحيض والنية في المذكى، فلا يعبأ بخلاف من خالف لشبهة حصلت له، أو إشكال من استشكل كصاحب الدلائل (5) بقوله : إنَّ الإخبار عن النجاسة منع الغير عن التصرف وله أن يمنع.

والمستفاد من كلامه يحتمل وجهين :

الأول: أن يكون مراده أنّه مسلط على منع الغير من التصرف، والإخبار عن النجاسة ليس شيئاً زائداً على المنع من التصرف.

وفيه منع واضح؛ لأنّ قوله بالنجاسة لا يكون منعاً من التصرف من جانب المالك بل المنع من التصرف فيه من جهة الشرع ، ومنعه من التصرف مالكي فأين الاتحاد بينهما ؟ والثاني: أنّ مراده هو ما قلنا في قاعدة: (من ملك شيئاً ملك الإقرار به) يعني:

ص: 115


1- الظاهر أنه يريد السيد ابراهيم القزويني صاحب الدلائل كما سيتضح قريباً.
2- قاعدة فقهية، يُنظر النجفي، الجواهر : 25 / 104؛ العلّامة الأنصاري، رسائل فقهية: 179.
3- يُنظر : المحقق النراقي، عوائد الأيام: 221؛ النجفي، الجواهر : 6 / 176 حيث نسبه إلى الحدائق.
4- النجفي، الجواهر : 6 / 179 .
5- السيد إبراهيم القزويني في دلائل الأحكام في شرح شرائع الإسلام (مخطوط): ص 136.

أنّ له المنع من التصرف :أي: إحداث سبب المنع فيه يعني تنجسه، فله الإقرار بسبب ذلك المنع ، يعني: سبب منع ذلك.

وفيه: أنّه مالك للمنع ولا يكون سبب منعه نجاسته بل النجاسة تسبب بمنع الشرع لا لمنع المالك بل السبب فيه عدم رضائه.

وبعضهم فصل (1): بأنه إن كان إخباره قبل الاستعمال فيكون حجّة وإن كان بعد الاستعمال فليس بحجة، وكذلك فصَّل بين كون الإخبار [ وهو ] في ملكه أو بعد خروجه عن ملكه؛ فيقبل في الأول دون الثاني.

ووجه التفصيل؛ لعلّه أنّ الإخبار بعد الاستعمال وكذلك بعد الانتقال، كأنه إقرار في حق الغير وإقرار بنجاسة الغير ، واقراره في حق الغير غير مسموع.

والحقُّ أنّه ليس إقراراً على تقدير الإخبار بنجاسته السابقة، نعم يكون في حق الغير لو أقرَّ بأنَّ اللباس المستعمل نجس وهو لا يقول به؛ فتم الكلام في المقام الثالث.

[عموم مفهوم ذي اليد]

وأما الكلام في المقام الأول، وهو كون ذي اليد عاماً يشمل المالك والمستأجر والعارية والوكيل والودعي أو يكون خاصاً بالمالك؟

والظاهر كونه عاماً؛ لأنّ المناط القطعي هو كون الشخص مستولياً على الشيء ومتصرفاً فيه ومورد الأخبار وإن كان لا يشمل بعض الصور كالعارية والوديعة إلّا أنّه يظهر من كلمات العلماء والأخبار أيضاً، خصوصاً السيرة القطعية أن المراد باليد هو كون الشيء تحت تصرفه وإن كان غاصبا(2) إلّا أنّه لا يشمل يد الودعي؛ لأنّ الودعي لا يكون متصرفاً بل أميناً في الحفظ، فيشكل الأمر في اليد المشتركة إذا أخبر بعض الشرك- بالنجاسة، والظاهر قبول قوله أيضاً؛ لأنه ذو اليد حقيقة.

ص: 116


1- المحقق الشيخ حسن المعالم (قسم الفقه) : 1/ 383.
2- النجفي، الجواهر : 179/6.

[ حجيّة قول ذي اليد في الجملة]

وأمّا الكلام في المقام الثاني: فهو أنّ الذي يظهر من كلمات الأصحاب (1) أنه ليس حجّة في جميع الموارد، إلّا أنّ المشهور يقولون بالحجيّة في التطهير والتنجيس والحِلِّية والحرمة.

والظاهر أنّ القول بالحجيّة في التطهير والحِل والحرمة أظهر من القول بالحجيّة في النجاسة؛ لأنهم يستدلون كثيراً في هذا المورد لحجيته في تلك الموارد من باب الفحوى والأولوية، هذا تمام الكلام في هذا المقام.

مسألة في المطهرات

ومنها: الماء، ولا شك أنّ الغسل معتبر في مطهرية الماء، وإنّما الكلام في أمور:

الأول في أنّه هل يكفي الغسل بالماء مرة واحدة أم يعتبر التعدد؟

أما في الثوب:

فالمشهور(2) على التعدد حتى ادعى المحقق قدس سره أنه مذهب علمائنا(3)، ولم يظهر مخالف ظاهراً إلّا الشيخ رحمه الله في المبسوط (4)، فإنّه حكم فيه باختصاص المرتبتين بالولوغ، ولا صريحاً إلّا العلّامة (أعلى الله مقامه) في النهاية(5) ، فإنّه حكم بالاكتفاء بالمرّة.

والأخبار أيضاً متواترة ولم يظهر للمخالف دليل سوى دليل اعتباري جارٍ فيما

ص: 117


1- البحراني، الحدائق 245/5 .
2- المحقق السبزواري، كفاية الأحكام 1 / 64 ؛ البحراني، الحدائق 365/5؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 144/2.
3- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 435 .
4- الطوسي، المبسوط : 15/1 .
5- العلّامة الحلي، النهاية : 1/ 277، القواعد: 1/ 193.

لا ... (1) وأن الماء مطهريته ليست بالعقل بل بالشرع، وبلزوم الشارع استعمال الطهور مرّة واحدة، وببعض الإطلاقات الواردة في مقام بيان لزوم الغسل لا الصب مثلاً وعلى تقدیر ورودها في هذا المقام فلا بُدَّ من تقييدها بالأخبار المقيدة؛ لكثرتها واعتضادها بالشهرة بل الإجماع (2). هذا كله في نجاسة البول بالماء القليل وفي [نجاسة] الثوب.

وأمّا في غير نجاسة البول فيظهر من بعض (3)المخالفة والاكتفاء بالمرّة، وبعض بالعكس(4) ، ويظهر من بعض أيضاً أنّ البول يكفي فيه الصب(5)؛ لأنّ النجاسة لا ترسب فيه.

وأمّا إذا كان الماء كثيراً أو جارياً فالاكتفاء بالمرّة ربما يكون مشهوراً.

[ اعتبار العصر في الغسل بالماء القليل]

والثاني: في أنّه هل يعتبر العصر في الغسل بالماء أو لا يعتبر العصر؟

والأكثر (6) على لزوم العصر في [الغسل بالماء القليل، وربّما ادعى بعض الإجماع على ذلك (7)، ويظهر من بعض (8)اعتباره في مفهوم الغسل وكذا يظهر من بعض الأخبار دخوله في مفهوم الغسل مثل رواية الحسن الحلبي: «سألته عن بول الصبي؟

ص: 118


1- في الأصل بياض بمقدار كلمة.
2- المحقق الحلي، المعتبر : 435/1 .
3- المحقق الحلي، المعتبر : 1 / 460 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 2/ 150 .
4- العاملی، مفتاح الکرامة : 147/2.
5- يُنظر : الطوسي، المبسوط : 1/ 37؛ العلامة الحلي، نهاية الأحكام: 278/1؛ الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1 / 124 .
6- الكاشاني، مفاتيح الشرائع : 76/1؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 162 .
7- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 435 .
8- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 435 .

قال علیه السلام تصب عليه الماء، وإن كان قد أكل فاغسله» (1) وإن لم يكن معتبراً فيه ، فمن لوازمه العرفية؛ لكونه المتعارف المشهود في العصر بعد الغسل؛ ولأنّ النجاسة رسبت في الثوب فلا ترتفع إلا بالعصر ، ولأن ...(2)

[ اعتبار تعدد العصر في الغسل بالماء القليل]

بقي الكلام في أنّه على فرض اعتبار العصر هل يعتبر التعدد أم يكتفي بالمرّة؟

يظهر من بعض التعدد (3)، ومن بعض الاكتفاء بالمرّة(4)، ومقتضى بعض هذه [الأقوال] اعتبار التعدد كما هو واضح، وألحق بعضُ الأصحاب(5) بالعصر الدَقَ والتغمر مثلاً في الأشياء التي يعسر عادة عصرها، وألحق أيضاً به بعضُ (6) الجفاف، لكنه لا دليل عليه هذا كله في الغسل بالماء القليل.

[عدم اعتبار العصر في الغسل بالماء الكثير والجاري]

وأمّا الماء الكثير والجاري فالظاهر عدم اعتبار العصر لعدم تنجسه بالملاقاة، والعمدة في لزوم العصر في القليل هي انفعاله بالملاقاة، وهذا غير موجود في الكثير؛ هذا فيما يمكن عصره .

[ في اعتبار عصر ما لا يمكن ما لا يمكن عصره ]

وأما ما لا يمكن عصره فما يرسب فيه الماء فإذا كان يرسب فيه قليل من ماء الغُسالة بحيث ينفك عنه أكثر ماء الغُسالة في أقلّ الغسل، والظاهر طهارته بعدم

ص: 119


1- الكليني، الكافي: 56/3 كتاب الطهارة باب البول يصيب الثوب ح 6 .
2- في الأصل بياض بمقدار عدة أسطر.
3- العاملي، مفتاح الكرامة : 2/ 154 .
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 68/1 ، ح 156، ويُنظر : الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1/ 440 .
5- العاملي، مفتاح الكرامة : 2/ 162 .
6- المحقق الشيخ حسن المعالم (قسم الفقه) : 2/ 651 .

120

الاعتبار بهذا القليل بل يظهر حاله من المتخلف في المحل من ماء الغُسالة فيما يمكن عصره.

وأما ما يرسب فيه ...(1) ماء الغُسالة ولا يمكن عصره فيشكل الأمر فيه سيما في غسله بالقليل، وذلك على نوعين:

الأول: أنّه لم تتعد النجاسة في أعماقه بل أصابت النجاسة ظاهره؛ فالظاهر فيه طهارته بالكثير بوضعه فيه؛ لإطلاقات الغسل وللأخبار الخاصة كرواية اللحم ورواية الذنوب (2)، ورواية الدن(3) ، ورواية الكوز (4).

ودعوى: لزوم العصر واعتباره في الغسل مدفوعة:

أولاً: بعدم لزومه في الكثير وعلى فرض ثبوته فيه فلا نسلم لزومه حتى فيما لا يمكن عصره حتى يقال بعدم طهارته ، وأمّا طهارته بالقليل فيشكل الأمر فيه من باب لزوم العصر في القليل، إما من باب نجاسة الغُسالة وأما من باب اعتباره في الغسل.

فدعوى: حصول الطهارة بعدم نجاسة الغُسالة وبعدم اعتباره في الغسل؛ وصدق الغسل ممنوعةُ : بعد ما اجتمعت الأدلّة على اعتباره.

ثم على القول بعدم الطهارة بالقليل هل يطهر ظاهره ولو كان باطنه نجساً من

ص: 120


1- في الأصل بياض بمقدار كلمة ومع ذلك فالعبارة مستقيمة.
2- ابن أبي جمهور، عوالي الآلي: 3/ 61 باب الطهارة ح 180 ؛ السجستاني، سنن أبي داود: 1/ 94 باب الأرض يصيبها البول ح 380 ونصُّ الرواية كاملاً : روى أبو هريرة قال: دخل أعرابي المسجد فقال: اللهم ارحمني وارحم محمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لقد تحجرت واسعاً. قال: فما لبث أن بال في ناحية المسجد، فكأنهم عجلوا إليه، فنهاهم النبي صلی الله علیه وآله وسلم، ثم أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه ثم قال علموا ويسروا ولا تعسّروا».
3- الكليني، الكافي: 6 / 427 أبواب الأنبذة باب الأواني يكون فيها الخمرح 1 ونص الحديث: «عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال : إذا غسل فلا بأس.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام 1 / 284 باب تطهير الثياب ح 119 وسيأتي ذكره من المصنف قريباً.

جهة رسوب ماء الغسالة فيه أو لا يطهر ظاهره ولا باطنه ؟

فالظاهر أنه إن اجتمع ماء الغُسالة في الباطن بحيث لم يبق في ظاهره من ماء الغُسالة شيء ونفذ كله إلى الباطن طَهُرَ ظاهره؛ لصدق غسله ولأنّ الغسل لإزالة القذر، والقذر قد زال من الظاهر واجتمع في الباطن.

وإن [اجتمع] ماء الغُسالة في الظاهر مثل ما في الباطن، فالظاهر عدم حصول الطهارة، بل المتيقن؛ لعدم خروج ماء الغُسالة ولعدم حصول الغسل حقيقة.

والثاني: أن تنفذ النجاسة في أعماقه وانتقع بالماء؛ فالظاهر عدم حصول الطهارة له لا بالقليل ولا بالكثير ؛ لعدم وصول الماء إلى الأجزاء الباطنة وعدم حصول الغسل حقيقة؛ فدعوى العفو عن نجاسة الباطن كدعوى الاكتفاء في طهارة الباطن بطهارة الظاهر لبطلانها ضرورة، بل دعوى حصول الطهارة للباطن [ب] وصول الرطوبة إلى الباطن دون الماء كذلك؛ لتواتر الأخبار باعتبار الغسل في الطهارة، والغسل لا يتحقق إلّا بجريان الماء على المتنجس.

ودعوى حصول الطهارة له بالكثير بواسطة اتصال ما فيها من الماء النجس بالكثير؛ مدفوعة - بعد الغمض عن لزوم الممازجة وهي غير متحققة - بعدم حصول الاتصال بواسطة توسط أجزاء الجسم كيف كان ، ولو كان كذلك فلا بُدَّ أن تحصل الطهارة بظاهر الأواني الظرف مثلاً إذا كان ظاهره نجساً بواسطة اتصال باطنه بالكثير للاتصال، ولو سلمنا الاتصال فلا نسلم حصول اتصال بحيث يصدق عليه الاتحاد عرفاً، بل الاتصال ضعيف خارج عن الاعتبار.

وأمّا الاستدلال بالأخبار مثل رواية عمار بن موسى عن الصادق علیه السلام : «أنّه سُئل عن الكوز أو الإناء يكون قذراً كيف يغسل وكم مرة يغسل ؟ قال علیه السلام : يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء، فيحرك فيه ثمّ يفرغ منه ذلك ، ثمّ يصب فيه آخر فيحرك فيه، ثمّ

ص: 121

يفرغ منه ذلك الماء، ثمّ يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه، ثمّ يفرغ منه وقد طهر » (1) .

وخبر السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه علیهم السلام : « أنّ عليا علیه السلام سُئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فأرة؟ قال : يهرق مرقها ويغسل اللحم ويأكل (2)».

ورواية زكريا بن آدم بهذا المضمون(3) ، وخبر ابن جعفر المروي في قرب الإسناد عن أخيه علیه السلام: «سألته عن أكسية المرعزي(4) والخفاف تنقع في البول، أيصلّى عليها؟ قال : إذا غسلت بالماء فلا بأس» (5) وخبر الذنوب(6) المتضمن الأمر النبي صلی الله عليه وآله وسلم بإراقة ذَنُوب من ماء على بول الإعرابي في المسجد].

وأمّا وجه الاستدلال بالخبر الأول فمشكل؛ لأنّ الاحتمالات المتصورة - لإمكان الاستدلال بالخبر الأول - ثلاثة :

الأول: من باب رجوع الضمير المستكن في قوله علیه السلام : «وقد طهر» إلى الكوز، والكوز اسم لجميع أجزائه لا باطنه فقط، فحكم بطهارة جميع أجزائه بمجرد الغسل.

وفيه: أنّ الضمير راجع إلى موضع القذر منه بقرينة السؤال، ولا نسلم قذارة جوف الكوز أيضاً كسطحه بل الغالب قذارة سطحه لا جميع أجزائه، غاية ما يلزم على فرض تسليمه - نجاسة أعماقه بواسطة رسوب ماء الغُسالة لو كان الغسل [بال-] ماء القليل وهو غير مضر؛ لحصول الطهارة للموضع القذر وهو سطحه.

ص: 122


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 284 باب تطهير الثياب ح119.
2- الكليني، الكافي: 6/ 261 كتاب الأطعمة باب الفأرة تموت في الطعام ح3.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 279 باب تطهير الثياب ح 107 ونصُّ الحديث: «عن زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير قال علیه السلام: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب، واللحم اغسله وكله».
4- المرعزي: الزغب الذي تحت شعر العنز، تصنع منه ثياب وفرش لينة وناعمة، يُنظر: الجوهري، الصحاح 3 879؛ الطريحي، مجمع البحرين: 21/4 .
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 517 كتاب الطهارة باب 71 ح2.
6- ابن أبي جمهور الإحساني، عوالي اللئالي: 61/3 .

والثاني : إطلاق قوله علیه السلام : «وقد طهر» وعدم تقييده بسطحه.

[و] هو أيضاً مندفع بعدم تسليم الإطلاق، لما ذكرنا؛ ولأنّ السؤال حقيقة عن إمكان استعمال الكوز ومواضع استعماله مع كونه كوزا واظهر استعمال الكوز من حيث كونه كوزا ليس إلّا بالنسبة إلى سطحه لا إلى باطنه فالجواب جواب عن السؤال عنه وهو طهارة لباطن السطح.

والثالث: بعدم حصول فائدة طهارة السطح الباطن مع نجاسة جوفه وسريان النجاسة من الباطن إلى الظاهر(1).

وفيه :

أولاً : أنّ السؤال عن حصول الطهارة، فأجاب بحصول الطهارة ولو لم يحصل فائدة للطهارة.

وثانياً : أنّ الفائدة وهي جواز استعماله حاصل ما لم يعلم بحك سطحه، والعلم بالحك غير حاصل في مدة طويلة.

وأمّا الاستدلال بخبر الدن، فهو أيضاً لعدم معلومية كون السؤال عن مجموع الدن، بل الظاهر هو السؤال عن الظاهر أي سطحه.

والقول: بأنّ السؤال عن الدن لأجل إعمال الخل فيه، فلا بُدَّ من زمان طويل، فيسري النجاسة من الجوف إلى السطح، فينجس السطح وما في الدن.

مدفوعٌ: بأنّ النفوذ من جانب السطح إلى الجوف لا منه إليه ما دام فيه.

رواية الذَنوب ففيه:

أولاً : أنّها عامية ضعيفة السند (2) ؛ فلا يثبت بها مثل هذا الحكم.

ص: 123


1- كذا في الأصل، ولعلّ الأنسب: (بعدم حصول فائدة طهارة سطح الباطن مع نجاسة جوفه بسب سريان النجاسة من الباطن إلى الظاهر).
2- لأنها رويت عن أبي هريرة في سنن أبي داود: 1/ 94؛ ورويت عن أنس في غوالي الآلي، لابن أبي جمهور الإحسائي : 3 60 .

وثانياً: أنه يمكن أن يكون الذنوب كراً، أو عدم نجاسة الغُسالة أو تكون نجسة لكن خرجت إلى خارج المسجد بحيث يكون الموضع النجس متصلاً بخارجه، وكون الأرض صلبه لا ينفذ فيها ماء الغُسالة حتى يتنجس باطنها بها.

وأما روايتا اللحم:

فلا يمكن القول المذكور في سائر الروايات، وهو عدم العلم بنجاسة الأعماق لطبخه في الماء القذر فوصل الماء النجس إلى الأعماق، إلّا أنهما ضعيفتا السند(1)، على أنّه يمكن القول بخروجهما عن مفروض الكلام؛ لأنّ الكلام فيما يرسب النجاسة فيه ولا يمكن عصره، واللحم المطبوخ يمكن عصره.

رواية أكسية المرعزي والخفاف:

فيمكن القول بأنّ السؤال فيها عن النجاسة الظاهرية الموجبة للتلويث، وأمّا نجاسة باطنه [ فلا تؤثر ] ؛ لأنّ الخفاف مما لا تتم فيها الصلاة، فيجوز الصلاة فيها، وإن كانت نجسة، فيعلم أنّ السؤال عن نجاسة ظاهرها.

وأما المصبوغ بالنجس أو المتنجس فإنّ كان صبغه رطباً غير منجمد فلا يطهر إلّا بغلبة الماء المطلق عليه وزوال عين النجس ، وكذا إذا كان باقياً، ويعتبر بقاء الماء على إطلاقه حين نفوذه إلى الأجزاء النجسة بحيث يصدق الغسل بالماء المطلق فيطهر ما لم يعلم التغير، فإنّ علم التغير عند غسل جزء ولم يعلم سبق التغير على الورود أو العكس، فلا ريب في بقاء الجزء المقارن صدق غسله لانفصاله متغيراً على النجاسة وإنّما الكلام في الجزء السابق عليه.

فههنا :حادثان أحدهما التغير والثاني ورود الماء بمقتضى أصالة عدم حصول التغير إلى زمان ورود الماء على حصول الطهارة، ومقتضى استصحاب عدم وصول الماء المطلق إليه إلى زمان التغير عدم حصول الطهارة فيتعارض الاستصحابان، فيكون

ص: 124


1- إحداهما ضعيفة ب- (السكوني) وقد تقدّم من المصنّف عدم الاعتماد عليه، والأخرى ب- (ابن المبارك).

استصحاب النجاسة سليماً عن المعارض فيحكم بنجاسته؛ إلّا أن يقال: إنّ النجاسة ليست من اللوازم الشرعية لاستصحاب عدم الوصول بل من لوازمه العقلية؛ لأنّ الوصول علّة للطهارة، فيحكم العقل بأنّ عدم العلة وهي الوصول علّة لعدم المعلول وهي الطهارة، فيكون استصحاب الإطلاق مع استصحاب النجاسة، فلا يحكم أيضاً بالطهارة.

ويمكن أن يقال في دفع هذا القول بأنّ استصحاب الإطلاق حاكم على استصحاب النجاسة؛ فيكون مقدماً عليه، فيحكم أيضاً بالطهارة.

إلا أنّه يمكن أن يستشكل في حصول الطهارة بواسطة مُلاقاة المحل للأجزاء النجسة أو المتنجسة من الصبغ ونحوه؛ لأنّ غاية ما يمكن أن يقال: عدم تنجس المحل بواسطة ماء الغُسالة لا عدم تنجيسه لغيره أيضاً.

إلا أن يقال: إنّ هذه الأجزاء بحكم ماء الغُسالة؛ لأنه يصدق على التغير بالصبغ ونحوه ماء الغُسالة فلا يكون هناك ماء الغُسالة ومتنجس آخر غير ماء الغُسالة، فيكون ملاقياً لا لشيء آخر فلا ينجس المحل بها، فافهم.

[في اشتراط ورود الماء القليل على النجس]

ثم الكلام في أنّه هل يشترط ورود الماء على النجس إذا غسل بالماء القليل أو لا يشترط ؟

والمشهور على الاشتراط (1)، وبعضهم اشترط إذا لم يكن المحل إناء(2)، والذي يدلّ على الاشتراط بعد الأصل؛ الأوامر الواردة بالصب، وقاعدة انفعال القليل بالملاقاة وأنّ النجس منجس وأنّ النجس لا يطهر؛ خرجنا عن هذه القواعد في القدر المتيقن وما عداه يكون مشكوكاً فيبقى تحت هذه القواعد، وبملاحظة أنّ الغسل

ص: 125


1- ابن إدريس، السرائر : 1 / 180 .
2- الشهيد الأول، البيان: 95 .

لإزالة القذارة التي في النجس، ومع الورود يكون للماء قاهرية على النجاسة فيزيلها بخلاف العكس، وليس في مقابلها شيء إلّا إطلاقات الغسل الشاملة بإطلاقها صورة غير الورود، وخصوص صحيح ابن مسلم سأل الصادق علیه السلام: عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين»(1).

والمركن هي الأجانة التي تغسل فيها الثياب (2) ، والغالب في الغسل فيها هو إراقة الماء أولاً ثمّ وضع الثوب فيها.

وخبر ابن محبوب [أنّه ] سأله علیه السلام : « عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثّم يحصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إلى بخطه : أنّ الماء والنار قد طهراه»(3) والأقوى في النظر هو اشتراط الورود؛ للاستصحاب والأوامر الواردة بالصب، والنهي الوارد عن إدخال اليد النجسة في الإناء، والقواعد المذكورة وعدم دليل صالح لعدم الاشتراط.

أمّا الإطلاقات فيمكن دفعها:

أولاً: بعدم إطلاقها، إما لأنها واردة مورد حكم آخر، وهو لزوم الغسل بالماء ولم ترد في بيان كيفية الغسل حتى يتمسك بإطلاقها، وأما لأنها منصرفة إلى الفرد الغالب المتداول في [ما بين ](4) الناس والمعروف بينهم، وهو ورود الماء على النجس فلا يكون لها إطلاق.

وثانياً: أنّ الأخبار الآمرة [بالصب] معتضدة بالشهرة(5) وعمل الأصحاب؛ [ف- ] لا بد من تقييد الإطلاقات بها.

ص: 126


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 250 باب تطهير الثياب ح4 .
2- الخليل، العين: 354/5 .
3- الكليني، الكافي : 330/3؛ الطوسي، تهذيب الأحكام : 2/ 235، 306.
4- في الأصل بياض وما أضفناه يقتضيه السياق.
5- ابن إدريس، السرائر: 1/ 180 .

وأما صحيح ابن مسلم فنقول:

أولاً: أنّ الغالب في المركن هو وضع الثوب أولاً فيه ثمّ إراقة الماء عليه مع احتمال كون لفظة (في) بمعنى الباء.

وثانياً : أنّه على فرض دلالته على عدم الاشتراط لا بُدَّ من الخروج عنها بملاحظة ما ذكرنا سابقاً، فلِمَ لا يطرح الخبر الصحيح لأجل كون الشهرة على خلافه؟!

وأما خبر ابن [أبي] يعفور فلم يتضح المراد من مطهريتها به، لعلّ المراد أنّ ماء المطر يجري عليه فيطهره، لا الماء الذي تنتقع به حين إعماله وعلى فرض كونه المراد لعلّ المعروف فيه إراقة الماء عليه مضافاً إلى اشتماله على مخالفة المشهور (1)، إن لم يكن إجماعاً (2) من طهارته بالنار مع أنّه يعتبر في الطهارة بالنار الاستحالة، مضافاً إلى عدم صراحة الخبر سؤالاً وجواباً في تنجس الجص بمحض وقود العذرة وعظام الموتى عليه، والسؤال عن العذرة التي حصلت بواسطة إحراقها عليه لا عن النجاسة.

وكيف كان، فلو فرضنا عدم وجود دليل دال على اعتبار الورود وليس مخالفاً للقواعد ؛ لأنّ أدلّة انفعال القليل لا يكون فيها عموم حتى يشمل موارد الكلام بل مختص بملاقاة النجاسة الخارجية، وكل ما دلّ على منجسية المتنجس مختص بالمتنجس بغير الغسل، وكذلك قاعدة أنّ المتنجس لا يطهر، وكذلك يمكن الإشكال على اعتبار الورود بأنّه يتم في الجزء الأول من الثوب، وأمّا [الجزء] الثاني منه فلا يحصل فيها الورود خصوصاً في الإناء من ملاقاة بعض الأجزاء بعضها ببعض، ومن هنا التجأ بعض الأصحاب كالشهيد قدس سره واعتبر الورود الابتدائي في بعض كتبه(3) واستثنى غسل الإناء في بعض كتبه (4) من أدلة اعتبار الورود، إلّا أنّه يدفعها ملاحظة الاستصحاب

ص: 127


1- المحقق الكركي ، رسائل الكركي: 2/ 101.
2- الطوسي، الخلاف : 1 /500 ؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 1 / 470 .
3- الشهيد الأول، الذكرى: 85/1 .
4- الشهيد الأول، البيان: 95 .

حتى يحصل المتيقن والمتيقن هو صورة الورود ولو في أول جزئه.

[اعتبار إزالة عين النجاسة لا أوصافها ]

وكيف كان فالمعتبر إزالة عين النجاسة لا إزالة لون النجاسة بحيث لم يبق من عين النجاسة في المحل شيء في نظر العرف، وإن كان بحسب الدقة الفلسفية –باعتبار امتناع انتقال العرض من المعروض - يحكم ببقاء العين مع اللون؛ لأن المدار في الخطابات والأحكام الشرعية على العرف فالمعتبر في الإزالة هي إزالته في نظر العرف، والنجاسة لا تصدق على اللون عرفاً.

نعم، يشكل لو انتقل ذلك اللون إلى الماء مثلاً بحيث لم يبقَ من اللون في المحل شيء ، ويكون الماء بذلك اللون في نجاسة هذا الماء المتلون باعتبار وقوع أجزاء النجاسة فيه، التي ما دام كان المحل لا يكون لها حكم بواسطة حكم العرف باللونية، وبعدما صارت ظاهراً محكومة بحكم النجس، وفي طهارته باعتبار أنها لم يكن لها حكم أصلاً سواءً كانت في المحل أو غيره؛ لأنه لو كان لها حكم لكان باعتبار الأجزاء النجسة ليست بمرتبته وتلك الأجزاء ثابتة في المحل، فالظاهر هو الطهارة(1) .

نعم، يكون قسم من اللون بحيث يزول بأدنى فرك ولا يحتاج إلى فرك بليغ فالظاهر [لزوم ] إزالتها؛ لأنّ العين باقية هنا في نظر العرف هذا تمام الكلام.

ومن جملة المطهرات ماء الغيث

فالمشهور(2) بين العلماء حتى كاد أن يكون إجماعياً أنه بحكم الجاري في عدم الانفعال بمجرد الملاقاة في الجملة حتى من قال باشتراط الكرية في الماء الجاري

ص: 128


1- كذا في الأصل والمطلب مشوش بسبب ضعف الصياغة.
2- المحقق الحلي، المعتبر : 1 / 42 ؛ الفاضل الآبي، كشف الرموز : 451 العلّامة الحلي، التبصرة: 16، منتهی المطلب : 1/ 29 ؛ الشهيد الأول الذكرى: 1/ 79. إلا أنهم قيدوا الحكم بعدم الانفعال ب- (حال نزوله).

کالعلّامة(1)، وظاهره هنا عدم اشتراط الكرية وإن اختلفوا في كيفية مطهريته وعدم انفعاله وشرطه على مذاهب تكون على الظاهر ستة :

الأول: قول المشهور (2) ، وهو اعتبار صدق ماء الغيث، ويقولون لو صدق الغيث على الماء المنزل من السماء يكفي في عدم انفعاله، وظاهرهم أنه لو صدق ماء الغيث يكون مطهراً ولو تقاطر في موضع قطرتين تكونا مطهرتين فلا يلزم صدق ماء الغيث على القطرات الواردة في كل موضع.

الثاني –وهو المنقول عن بعض (3)- : هو كفاية القطرات اليسيرة.

الثالث: هو اعتبار الكثرة والجريان ولو قوة، وهو المنقول عن صاحب الحدائق والمحقق الأردبيلي (4) .

الرابع: هو مسمى الجريان فعلاً، ولو كان مثل الجريان في ماء الوضوء من انتقال الماء من جزء إلى جزء آخر (5)ولو بإمرار اليد.

الخامس - وهو المنقول عن الشيخ : هو اعتبار الجريان في الميزاب خاصة بقوله: الماء الجاري من المرازيب حكمه حكم الجاري.

السادس - وهو المنقول عن صاحب الوسيلة - : هو اعتبار الجريان من الميزاب وشبهه، حيث يقول: الماء الجاري من المثعب كذلك (6). والمثعب كما عن القاموس: هو

ص: 129


1- العلّامة الحلي، نهاية الأحكام: 1/ 228 .
2- السيد العاملي، مدارك الأحكام : 3752؛ المحقق السبزواري، كفاية الاحكام: 49/1؛ البحراني، الحدائق : 1 / 214 .
3- نقله الشهيد الثاني عن بعض معاصريه في روض الجنان: 1/ 373 .
4- البحراني، الحدائق: 218/1؛ الأردبيلي مجمع الفائدة: 256/1 .
5- الفاضل الهندي، كشف اللثام 259/1 .
6- ابن حمزة الوسيلة: 73؛ يُنظر: العاملي، مفتاح الكرامة : 1/ 273، فقد نسبه أيضاً إلى غير صاحب الوسیلة.

الطريق العظيم(1) .

وهذا الذي ذكر من الأقوال الستة هو المأخوذ من ظواهرهم، وإلا يمكن إرجاع بعضها إلى بعض، بحيث تصير الأقوال ثلاثة، كما ارتكبه بعض المتأخرين كصاحب الجواهر قدس سره (2)، بأن يكون مراد الشيخ من ذكر المرازيب هو إرادة المثال فيتحد مع صاحب الوسيلة ويكون المراد من الجريان مسمى الجريان ولو قوة؛ فتتحد الأقوال الأربعة الأخيرة.

[ الكلام في أنَّ محل الخلاف هو ماء المطر حال تقاطره]

ومما ينبغي أن يعلم أنّ محل الخلاف هو ماء المطر في حال التقاطر لا بعد التقاطر، وإلا يكون حكمه حكم القليل بلا خلاف، ومدرك الحكم الأصل أولاً والشهرة العظيمة المنقولة والمحصلة - عند من يقول باعتبارها حتى أنه لم يظهر مخالف ناهض في المخالفة، إلّا ما نقل عن الشيخ في المصابيح وهو أيضاً لم يثبت، بل ما بأيدينا من قوله خلافه(3) والعمومات الكفائية (4) مثل قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾ (5) حيث إنه وارد في مقام الامتنان على العباد والمناسب له العموم، فيستفاد منه العموم، يعني: أنّ الماء المنزل من السماء مطهر مطلقاً وطبيعته التطهير، فيستفاد منه أنّ قليله وكثيره والجاري منه وغير الجاري مطهر، وكذلك قوله تعالى: «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً

هر، وكذا

الوسيلة.

علت

(1)

(2)

(3)

(4)

(5)

ص: 130


1- المثعب هو المرزاب، كما في العين : 2/ 111 ؛ الصحاح : 1/ 232 ؛ لسان العرب : 1/ 213؛ القاموس : 1/ 38 ، فما ذكر في المتن ليس بصحيح ، ويؤكده ما ذكر في المتن من رجوع قول صاحب الوسيلة إلى قول الشيخ.
2- النجفي، الجواهر : 6/ 313.
3- الطوسي، مصباح المتهجد : 13 .
4- كذا في الأصل، ولعلّ الصحيح وعمومات الكتاب.
5- سورة الفرقان : 48 .

لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ »(1).

فيستفاد منه عدم الانفعال من باب العمومات الدالة على أنّ النجس ينجس(2)، والأخبار المتظافرة الدالّة على عدم الانفعال بمجرد صدق المطر مطلقاً سواء جرى أم لم يجر، مثل مرسلة الكاهلي، وهي وإن كانت مرسلة إلّا أنّ إرسالها منجبر بشهرة الفتوى بها، وهي هذه «قال: قلت للصادق علیه السلام : يسيل علي من ماء المطر أرى فيه التغير وأرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات علي وينتضح علي منه، والبيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا ؟ قال علیه السلام: ما بذا بأس ، لا تغسله كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر» (3)بناءً على أنّ التغير المذكور في السؤال هو أحد الاحتمالين:

إما أنَّ السؤال عن الماء الذي وقع على النجاسة وبعضه صار متغيراً وبعضه لم يتغير ولم أعلم أنّ الماء الذي أصابني من المتغير أو من غير المتغير فتكون الشبهة شبهة مصداقية.

أو أنَّ الماء تغير لونه ولم أعلم أن تغيره بواسطة النجاسة أو لا، ويكون آثار كون التغير من النجاسة موجودة فتكون الشبهة حقيقة شبهة حكمية، بمعنى أنّ هذا التغير مضر أم لا؟ لأنه لو بقي الخبر على ظاهره لكان مخالفاً للإجماع؛ لأنّ المتغير بالنجاسة نجس إجماعاً مطلقاً (4)؛ لأنه لا يزيد عن الجاري، والجاري ينجس بالتغير بالنجاسة. والاحتمال الثاني أظهر .

والظاهر أنّ المذكور في السؤال سؤالان:

الأول: عن القطرات الواقعة عليه من هذا الماء المتغير.

الثاني: عن الماء الواكف من السطح الذي يكون نجساً باعتبار وقوع غُسالة

ص: 131


1- سورة الأنفال: 11.
2- كذا في الأصل.
3- الكليني، الكافي : 35 / 13 كتاب الطهارة باب اختلاط ماء المطر بالبول ح3.
4- المحقق الخوانساري ، مشارق الشموس : 254 ؛ البحراني، الحدائق: 1 / 490 .

النجاسة عليه؛ لأنّ المراد بالتوضأ على السطح هو فعل الطهارة الوضوئية؛ لأنّ ما لم یکن نجساً حتى يسأل عنه (1) بل المراد به المعنى اللغوي وطهارة البدن من النجاسة، ويكون السؤال عن نجاسة الماء الذي أصابه من السطح أو من غيره، والمذكور في الجواب أيضاً يحتمل أن يكون قوله علیه السلام : «مَا بِذَا بَأْسٌ لَا تَغْسِلْهُ» جواباً عن السؤال الأول، وقوله علیه السلام : «كل ما يراه ماء المطر فقد طهر» جواباً عن السؤال الثاني؛ يعني: ان السطح بواسطة وقوع المطر عليه [ يطهر ] وهذا الجواب مناسب، وكأنَّ السؤال عن طهارة السطح.

وأمّا بناءً على أنّ السؤال عن الماء الواكف من جهة انفعاله وعدمه فلا يناسبه؛ لأنّه يمكن أن يكون السطح طاهراً وغسالته الواكفة نجسة كما يقول به القائلون بنجاسة الغُسالة، إلّا أن تكون الملازمة بين طهارة الشيء وطهارة غسالته وتأخذ(2) هذه الملازمة من كلامه علیه السلام ، هذا باعتبار أنَّ سؤال السائل عن نجاسة الماء الواكف وطهارته، والجواب لا بُدَّ أن يكون جواباً للسؤال، وهو لا يتم إلا بالملازمة بين الأمرين، وهذه الملازمة شرعية أُخذت من كلامه علیه السلام ؛ إلا أن يكون السؤال عن طهارة السطح، وهو

بعيد في ظاهره.

ويحتمل أن يكون [السؤال] عن ماء الوضوء الذي اجتمع على السطح ويكف بواسطة المطر، وحينئذ لا حاجة إلى ادعاء الملازمة؛ لأنّ الجواب دال على أنّ هذا الماء الواكف بواسطة المطر طاهر، وهو أيضاً بعيد.

ويحتمل أن يكون قوله علیه السلام : «ما بذا بأس» جواباً عن السؤالين، وقوله علیه السلام : «كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر» تعليلاً. وهذا أظهر ، وحينئذ أيضاً يحتاج إلى ادعاء الملازمة، وعلى كل تقدير يدلّ على أنَّ المطر مطهر مطلقاً وبمجرد صدق المطر.

ص: 132


1- كذا في الأصل، والصحيح: (لا يسأل عنه).
2- كذا في الأصل، والصحيح: (تؤخذ).

ومن الأخبار صحيح هشام بن سالم، أنه سأل الصادق علیه السلام: «عن السطح يبال عليه فيصيبه الماء، فيكف فيصيب الثوب ؟ قال علیه السلام : لا بأس به؛ ما أصابه من الماء أكثر منه »(1) وقوله علیه السلام : « ما أصابه من الماء أكثر منه» بمنزلة التعليل.

ويحتمل في مرجع الضمير في «أصابه» وجوه ثلاثة :

الأول: أنّ الضمير راجع إلى السطح يعني : أنّ الماء الذي أصاب السطح أكثر من البول فلا ينفعل.

الثاني: أن يكون راجعاً إلى الثوب يعني أنّ ما أصاب الثوب من الماء أكثر من البول الذي أصابه، وحينئذٍ لا بُدَّ من تقييد الأكثرية بالقهر والإهلاك؛ لأنه ما لم يكن البول مستهلكاً لم يعقل طهارته.

الثالث: أن يكون راجعاً إلى البول يعني أنّ ما أصاب البول من الماء أكثر من نفسه [فلا] يكون منفعلاً، وهذا أقرب من حيث عدم التفكيك في مرجع الضميرين إلا أنّه بعيد عن ظاهر الخبر من حيث السؤال والجواب ؛ بل الأظهر هو الثاني لأنّ السؤال عن الماء الذي أصاب الثوب ولاقى البول ويحتمل على تقدير الأول أنّ منظور الإمام علیه السلام طهارة السطح وحينئذٍ يحتاج إلى الملازمة التي استفدناها من الخبر السابق بين طهارة السطح وطهارة الماء الواكف، وإن لم نقل بهذه الملازمة في غير ماء المطر أو يكون منظوره عدم انفعال الماء الملاقي للسطح الواكف.

وعلى كل تقدير فلا بد أن تقيّد الأكثرية لا محالة بناءً على كون التعليل عاماً بالنسبة إلى جميع المياه ولم نحمل قوله علیه السلام: « من الماء على الماء المعهود وهو ماء المطر وكون المراد به جنس الماء فيشمل جميع أفراد المياه بعدم التغير، بل على تقدير كون الماء هو ماء المطر أيضاً؛ لأنّه لم يقل أحد بعدم انفعال الماء مع تغيره بالنجاسة؛ لأنّ ماء المطر لم يكن أقوى من الماء الجاري وهو ينجس في التغير فيكون تعليل عدم انفعال الماء الغالب غير المتغير.

ص: 133


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1/ 7 باب الماء الذي لا ينجسه شيء ح 4 .

و على هذا التقدير من كون الماء عاماً ولم يكن خاصاً فلا بُدَّ أن نقيّد أيضاً الماء الأكثر إما بكونه وارداً على النجاسة أو بكونه ماء المطر؛ لأنه بناءً على التعميم يشمل القليل، والقليل لا بُدَّ في عدم انفعاله من كونه وارداً، ويمكن ادعاء الإجماع (1) على عدم كفاية محض الأكثرية وعدم التغير فيه، ولعلّ المخالفة عن بعض(2) ممن لا يعتد بمخالفتهم، ولأنا اخترنا سابقاً من اعتبار الورود فيه فلا بُدَّ من أحد التقييدين من الورود وكونه ماء المطر وكونه خارجاً حكمه عن حكم التعليل، ويلزم بناءً على التقييد الأول وهو الورود وتخصيص انفعال القليل، ويلزم على الثاني تخصيص قوله علیه السلام : «من الماء» وهذا اظهر بمعهوديته وورود الأخبار فيه، فيكون حاصل التعليل أنّ الماء الأكثر الذي كان وارداً أو مطراً لم ينفعل، وهذا لا يصدق في أول درجة صدق المطر، فيطابق للمشهور(3).

ثم نقول: هو يكفي في التطهير أيضاً؛ لأنا نسأل عن معتبر الجريان أنّ القطرة والقطرتين أو القطرات بقدر صدق المطر والماء النجس مع اختلاطهما بحالها من طهارة الأول ونجاسة الثاني، فإما أن يقول بالأول فثبت المطلوب وهو التطهير بمجرد صدق المطر ، أو يقول بالثاني فإما أن يقول بعد تحقيق الجريان بصيرورة [القطرات] النازلة أولاً المنفعلة طاهرة ثم وقعت مطهرة.

أو يقول بكونها مطهرة مع كونها نجسة؛ لأنه لا معنى لكون وصف الجريان مطهراً، بل المطهر هو المطر الجاري وهو ليس إلا هذه القطرات النازلة.

لا سبيل إلى الثاني ؛ لأنّه لا يلزم(4) على هذا تخصيص (النجس لا يطهر) ولا سبيل

ص: 134


1- الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 255.
2- ما نقله الشهيد الثاني عن معاصره ، روض الجنان: 373/1.
3- تقدمت الإشارة إليه.
4- كذا في الأصل والصحيح: (يلزم) برفع كلمة (لا).

إلى الثاني (1) أيضاً؛ لأنّ سبب طهارة القطرة الأولى ليس إلّا القطرات الثانية وهي حالها مثل حال الأولى بناءً على انفعال الأولى.

ولا سبيل إلى القول بكون القطرة الأولى مراعى؛ فإنّ تحقق الجريان انكشف عن كونها مطهرة وإلا فلا لأنّه ،بعيد لأنّ سبب الطهارة بناءً على اعتبار الجريان هو المطر الجاري لا مطلق القطرة الأولى بخلاف المراعي اللازم على قول المشهور، فإنه بعد تحقق صدق المطر، انكشف عن كون القطرة الأولى مطهراً؛ لأنه مطر وكذلك الأخبار الواردة طين المطر تدل على مطهرية مطلق المطر .

وأما الأخبار المقيدة بالجريان والسيلان فلا تصلح لتقييدها؛ لأنّ أصحها سنداً هو صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام قال: سألته عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثمّ يصيبه المطر أياخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال علیه السلام: إذا جرى فلا بأس (2).

ويحتمل أن يكون المراد بالشرط التنصيص على مورد السؤال ضرورة ظهور السؤال في الماء الجاري.

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد أنّ الأخذ لا يمكن إلّا بعد الجريان، لا لأنه إذا انتفى الجريان يكون منفصلاً .

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بالبأس الثابت على تقدير عدم الجريان؛ هو الكرية بناءً على كونه ماء الغسالة .

أو يكون المراد به الاحتراز عن التغيّر بدون الجريان؛ لكثرة النجاسة بظهور السؤال في كون الظهر محلاً للبول وتكرر ذلك فيه، فيكون البول فيه محسوساً، فبدون الجريان لا يبعد تغيره، والماء المتغير نجس يقيناً؛ لأنّ قوله: «يبال عليه» مشعر بذلك؛

ص: 135


1- كذا في الأصل والصحيح: (الأول).
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1/ 8 باب الماء الذي لا ينجسه شيء ح 6 .

لأنّ الفعل المضارع يفيد الاستمرار.

ومن المقيدات جزء آخر في كتابه سأل أخاه علیه السلام أيضاً عن المطر يجري في مكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلي فيه قبل أن يغسله ؟ قال علیه السلام : «إذا جرى به المطر فلا بأس»(1) وهذا الخبر يكون مكاتبة (2) فلا يصلح للتقييد (3)، ويحتمل فيه أيضاً أن يكون الشرط وارداً مورد السؤال وفي بيان تحقيق الموضوع.

وغيرها من الأخبار وهي لا تصلح للتقييد فتكون المطلقات على ظاهرها.

إلا أنه يمكن الخدشة في جميع المذكورات؛ لأنّ الظاهر عدم جريان الأصل هنا بناءً على كون أدلة القليل عامة، ولا تكون منصرفة إلى غير ماء المطر، فيكون الأصل هو الانفعال، وكذلك الآيتان أيضاً بناءً على تسليم كونهما واردتين مورد الامتنان، والمناسب له التعميم، غاية ما يستفاد منها بناءً على أنّ الماء المنزل من السماء مطهر بجميع أفراده، ولم يكونا واردين في بيان كيفية التطهير به، ولا يستلزم كونه مطهراً مطلقاً لجميع أفراده أن يكون مطهراً بأي نحو كان بل يكون جميع أفراده مطهراً على الكيفية الخاصة وبطريق الجريان.

وكذلك مرسلة الكاهلي بناءً على الغض عن ظاهر سؤاله - وهو كون السؤال في الماء المتغير بالنجاسة وهو يكون منفعلاً - حيث إنّ الجواب دال على أنّ ماء المطر مطهر.

والظاهر من ماء المطر أنّه غير المطر؛ لأنّ المطر هو الماء المنزل من السماء، وماء المطر هو المجتمع منه على الأرض، فلا بُدَّ أن نحمله على الإضافة البيانية يعني: أنّ ماء هو المطر، وهو خلاف الظاهر فيُحمل على الإضافة اللامية فيكون المراد ماء متلبس

ص: 136


1- مسائل علي بن جعفر: 130؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1 / 148 كتاب الطهارة باب 71 ح 9.
2- مسائل علي بن جعفر ليست مكاتبات إنما هي مشافهات سأل أخاه الإمام علیه السلام ودونها وأصبح ما يعرف ب-( كتاب علي بن جعفر)، ولعل المقرر خلط بين مكاتبة عبد الله بن جعفر المتقدمة ورواية علي بن جعفر .
3- الفقهاء لا يساوون عادة بين المكاتبة والمشافهة في الروايات، يُنظر : الشهيد الأول، ذكرى الشيعة: 1/ 88؛ غاية المراد في شرح الإرشاد : 1 / 68؛ النجفي، الجواهر : 141/8 .

بالمطر ومتعلق بالمطر، وهذا أعمّ من المجتمع بعد الانقطاع والمجتمع حال التقاطر وحمله على الأول يكون مخالفاً للإجماع؛ لأنّ ماء المطر بعد الانقطاع يكون حكمه حكم القليل اتفاقاً (1) بلا شبهة فلا بُدَّ أن نحمله على الثاني، فلم تدل حينئذ على الإطلاق؛ لأنّ مدلوله حينئذٍ أنّ كلّ شيء يراه الماء المجتمع من المطر - في حال التقاطر - يكون طاهراً، والقائل بالجريان أيضاً لم يُرد أزيد من هذا، خصوصاً من لا يعتبر الجريان الفعلي، بل

الشأني؛ لأنّ هذا لا ينفك عنه، فلا يكون في الخبر إطلاق حتى يتمسك بإطلاقه.

وكذلك أيضاً صحيح هشام بن سالم اعتبر الأكثرية، ولا أن نقيّدها بالإستهلاك؛ لأنه لو لم يكن مستهلكاً كان البول فيه باقياً يكون نجساً، فلم يكن فيه أيضاً إطلاق.

وكذلك الأخبار الواردة في طين المطر، حيث إنّها محتملة في الطين الحاصل من المطر، والطين الذي ورد عليه المطر ، والأول لا يكون إلا مع المطر الكثير ولا يحصل مع المطر القليل.

والاحتمالات المذكورة في الأخبار المقيّدة خلاف الظاهر منها، بل الظاهر منها كون الجريان علّة للحكم.

هذا كله خصوصاً بناءً على ما قلنا من كون أدلة القليل شاملة لما نحن فيه؛ فلا أن نقتصر على المتيقن وهو الجاري منه .

[اعتبار الجريان على الموضع النجس]

ثم إذا بنينا على اعتبار الجريان، هل يكفي ولو في موضع آخر غير الموضع النجس بناءً على صدق المطر الجاري ولو في بعض الأمكنة فيكفي القطرات اليسيرة على الموضع النجس مع جريانه في غير موضع النجس؟

الظاهر اعتبار الجريان على النجس؛ لأنّ الظاهر أنّ الضمير في قوله علیه السلام : «إذاجرى »الوارد في الصحيح راجع إلى الماء المأخوذ، يعني: أنّ الماء المأخوذ يعتبر فيه

ص: 137


1- البحراني، الحدائق : 1/ 224 .

الجريان، لا أنّ الضمير راجع إلى المطر فيكفي جريان مطلق المطر ولو في غير المأخوذ خصوصاً مع ظهور قوله علیه السلام : «إذا جرى به أي بالمكان الذي فيه العذرة، خصوصاً مع ما نعلم أنه الذي يعتبر فيه الغَسْل ونفوذ الماء فيه بحيث تذهب القذارة الحاصلة فيه.

فالظاهر من جميع ذلك عدم اعتبار الجريان بل يكفي صدق المطر؛ لكثرة الأخبار المطلقة، وسماحة الملة مضافاً إلى السيرة التي ادعاها بعض الأساطين(1)، وعُسر الاحتراز عن طين المطر ، مضافاً إلى فهم الأصحاب الإطلاق مع ظهور هذه المناقشات عليهم وكون الأخبار المقيدة بمرأى منهم ، وحملوها على المحامل البعيدة وطرحهم ظواهرها، خصوصاً مرسلة الكاهلي التي ضعفها منجبر بعمل الأصحاب، وفتاويهم وتمسكهم بها، وخصوصية في المطر ليست في غيره، فرفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة المنجبر ضعف سندها ودلالتها كانت بعمل الأصحاب وفتاويهم(2) بها بمجرد المناقشات مشكل غاية الإشكال.

فنقول : يكفي في عدم الانفعال مجرد صدق المطر وكونه أكثر من النجس الحاصل غالباً القطرة الواحدة، ونقول هذا القدر يكفي في مطهريته بالنسبة إلى غير الماء لكونه ... (3) مع فيطهر بما يلاقيه مع اكثريته من ملاقيه الحاصلة غالباً بالقطرة الواحدة وصدق الرؤية بمجرد ذلك، فيشمله خبر الكاهلي بعمومه.

ولا يعتبر فيه التعدد أيضاً لصدق الرؤية بالدفعة الأولى ولكونه بحكم الماء الجاري، مضافاً إلى عموم الآيتين مضافاً إلى السيرة وسماحة الملة وعُسر الاحتراز عنه.

ص: 138


1- لعلّه الشيخ جعفر الكبير في كشف الغطاء : 183 .
2- الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 262 .
3- في الأصل بياض بمقدار كلمة.

[ كيفية تطهير المطر للماء المتنجس]

وأما تطهيره للماء، وهل يكفي فيه بمجرد نزول المطر عليه وكفاية القطرات فيه التي تكون الأكثرية بالنسبة إلى الملاقي حاصلة منها أو لا تكفي فيه ذلك، بل يعتبر فيه استيعاب المطر على جميع الماء ؟ وجهان بل قولان (1)؛ لأن القطرة الواحدة تكون معصومة مع حصول التقاطر وعدم الانقطاع فيكون له حكم الجاري، فيطهر ما يلاقيه ثمّ يطهر الجزء الثاني بواسطة ملاقاته بالماء المعصوم، وهكذا بالنسبة إلى الثالث والرابع ولا يستلزم ذلك الأزمنة المتعددة حتى يقال : إنّ القطرة حال نزولها تكون معصومة ثمّ ينقطع فيصير كالقليل فيكون منفصلاً؛ بل الترتب في المرتبة والذات.

أن المستفاد من الأخبار أكثريته من النجس وصدق رؤية ماء المطر ولا يصدق بمجرد ملاقاة الطرف منه أنّه رأى المطر.

الأظهر الثاني تمسكاً بظاهر الأخبار واستبعاد حصول التطهير بدون وصول الماء وعدم صدق رؤية المطر؛ إذ الظاهر أنّ المراد من الشيء في قوله علیه السلام: «كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(2) هو الموضع النجس لا مطلق الشيء، ولو كان الملاقاة بالنسبة إلى جزئه.

وأما تقوي القليل بالتقاطر عليه إذا كان هو المجتمع فيه فلا شبهة فيه. وأما تقوي القليل غير المجتمع منه في حال التقاطر فيكون القول به حال أنَّ ماء المطر حكمه حكم الجاري، والماء القليل المتصل بالجاري يتقوى به.

وكذا المتصل بالكثير بناءً على اتحاده معه ولا ينجس القليل المتصل بالجاري بمجرد الملاقاة إجماعاً (3)؛ لأنه يكون حينئذ كالجزء من الجاري وكذا ماء المطر؛ لأنّه

ص: 139


1- ينظر: البحراني، الحدائق : 221/1 .
2- الكليني، الكافي : 3/ 13.
3- المحقق الحلّي، المعتبر : 1/ 41 ؛ العلّامة الحلّي، تحرير الأحكام: 1/ 45 .

بحكمه في حال التقاطر، فيكون متصلاً بالمعصوم فلا ينجس بالملاقاة.

وبعد فرض عدم انفعال ماء المطر يكون متصلا به فيكون متحداً معه، ولا يتصور التفكيك في المتحد المنتزع فلا بُدَّ إما من الحكم بنجاسة جميعه -ولا يقال به-، وإمّا طهارة جميعه وهو المطلوب.

وأمّا الاستدلال لهذا المطلب بوجود المادة فيه...(1) في عموم التعليل الوارد في ماء البئر (2) [ف]مشكل؛ لأنّ المادة عبارة عن كون الشيء منبعاً للشيء أو يكون حصوله منه نظير المادة التي تكون للحياض الصغار من الحمام ، وهنا ليس كذلك لأنّ وجوده لم يحصل منه.

الكلام في ماء الغسالة

وهي: الماء المستعمل المنفصل عن المحل النجس ولو بجريانه إلى محل آخر - والظاهر عدم اختصاصه بالمنفصل الذي يكون طرفه الهواء- أهي نجسة أو طاهرة؟ والنزاع في هذه المسألة ليس مع من يقول بعدم انفعال الماء القليل مطلقاً؛ لأنه يقول بالكلية وهي فرد منها ، بل النزاع معه في أصل انفعال الماء القليل وعدمه لا في هذه المسألة، بل النزاع مع من يقول بالانفعال في الماء القليل ويقول بالطهارة هنا، إذ يكون مفصلاً بين الوارد فعدم التنجيس، [و]غير الوارد فالتنجيس.

والظاهر أنّ هذا المفصل أيضاً يكون مفصلاً في أصل المسألة لا في هذه المسألة؛ لأنّه اشترط في المطهر أن يكون وارداً إلّا أن يكون التفصيل باعتبار شرطيته في الطهارة القابلة لا في حصول التطهير وعدمه.

والأقوال المعروفة في هذه المسألة أربعة:

ص: 140


1- في الأصل بياض بمقدار كلمة.
2- الطوسي، الاستبصار : 1 33 أبواب حكم الآبار باب البئر يقع فيه ما يغير أوصافه ح8 ونص الحديث: (ماء البئر واسع لا ينجسه شيء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه؛ فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة».

الأول: النجاسة، وهو المنسوب إلى المتأخرين (1)، وصريح جمع من الأعلام حتى ادعي عليه الإجماع (2).

والثاني: الطهارة مطلقاً، وهو المنسوب إلى المتقدمين (3).

والثالث : التفصيل بين الغسلة الأولى والثانية، وهو المنقول عن بعض كالفاضل (4) وغيره(5)، وهو الظاهر من كلام ابن إدريس(6) على أحد وجهيه.

والرابع: التفصيل بين آنية الولوغ فتطهر مطلقاً، وغيره يكون نجساً في الغسلة الأولى دون الثانية، وهو المنقول عن الشيخ في الخلاف (7).

وهنا أقوال واحتمالات أخر يرتقي معها إلى عشرة أو اثني عشر(8) .

والحق هو الأول ، والظاهر عدم الإجماع؛ لأنه من طرف الطهارة يكون المتأخرون على خلافه. وأما من طرف النجاسة فيكون القدماء على خلافه. فمراد من ادعى الإجماع على النجاسة اما كونه مشهوراً. أو إجماع القائلين بالنجاسة. أو من باب بطلان مبنى المخالف عنده، بحيث لو اطلع عليه لرجع إليه، فيكون إجماعاً شأنياً. والتمسك بعموم المفهوم في قوله علیه السلام : إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء (9) لا يناسب في مقابل لا من لا يقول بالمفهوم فيه أو مطلقاً بل يقول بالطهارة من باب الأدلّة الخاصة مثل قاعدة

ص: 141


1- يُنظر : الطباطبائي، رياض المسائل : 1/ 179 ؛ النجفي، الجواهر : 1/ 337 .
2- العلّامة الحلي، تحرير الأحكام 54/1 ، ويُنظر العاملي، مفتاح الكرامة: 371/1.
3- العاملي، مفتاح الكرامة : 1/ 372؛ النجفي، الجواهر، 337/1.
4- العلّامة الحلي، نهاية الأحكام: 243/1 .
5- نقله العاملي، مفتاح الكرامة : 1/ 372 عن أستاذه الوحيد البهبهاني.
6- ابن إدريس، السرائر: 179/1 .
7- الطوسي، الخلاف : 1/ 179 ؛ ويُنظر : النجفي، الجواهر: 1/ 329.
8- يُنظر : النجفي، الجواهر : 1/ 339 .
9- الكليني، الكافي: 3/ 2 كتاب الطهارة باب الماء الذي لا ينجسه شيء ح 1 .

النجس لا يطهر وغيرها، بل يناسب التمسك في مقابل من يقول بالمفهوم، ولكن يقول بكونه منصرفاً إلى غير هذا الماء. وكذا لا يناسب مع من يقول بالعموم أيضاً، لكن قال بالطهارة من باب الأدلّة الخاصة، وسيجيئ تخصيص العنوان بالغسالة في الغسلة التي بعدها طهر المحل؛ لأنا إذا أثبتنا نجاستها تكون الأولى نجسة يقيناً، وعدم وجود القائل بطهارة الأولى دون الثانية، بل الأمر بالعكس. ونحن لما كان دليلنا أو كان عمدته هو عموم المفهوم فلا بُدَّ أن نتكلم فيه فنقول:

لا حاجة لنا إلى إثبات العموم الأفرادي بالنسبة إلى الماء والنجس، بل يكفينا إثبات العموم الأحوالي؛ بل لا يثمر العموم الأفرادي حتى لا ينظم(1) معه العموم الأحوالي؛ لأنّه على فرض ثبوت تنجس جميع أفراد الماء بجميع أفراد النجاسات يمكن القول بأنّ هذا مسلّم في غير حال الفعلي (2) والتطهير، فإذا انضم إليه العموم بالنسبة إلى حال (3) في حال الغسل، وفي غيره ثبت المطلوب.

فعلى هذا نتكلم في العموم الأحوالي ونقول:

أيّها الخصم، أنت تسلّم أنّ فرداً من الماء ينجس بملاقاة النجاسة؛ لأنّ نزاعنا مع مثل هذا الشخص لا مع [من ] يقول بالطهارة مطلقاً، ويثبت العموم الأحوالي بالنسبة إلى هذا المقدار بقرينة الحكمة، ثمّ نثبت في الباقي بعدم القول بالفصل؛ لأنه لا فاصل بين أفراد النجاسة وأفراد الماء القليل.

وما يترآى من ظاهر كلام الشيخ في الخلاف من كونه فاصلاً بين نجاسة الولوغ وغيره؛ فهو ليس ،مراده، بل مراده التفصيل بين الإناء [ فيحكم بالطهارة، وبين غيره من الثوب وغيره [فيحكم] بالنجاسة في الأحوال الثانية، كما صرح بذلك بعض من

ص: 142


1- كذا في الأصل والصحيح: (ينظم)، باسقاط كلمة (لا).
2- كذا في الأصل ولعله: (الانفعال).
3- كذا في الأصل.

الأعلام(1).

فنقول: إنّه لما كان المركوز في الأذهان من صدر الإسلام إلى زماننا هذا أنّ [حصول] التنجس ليس إلّا بالملاقاة لا بالمجاورة والمحاذاة وغيرها، ولذلك المركوز في الأذهان في هذا المطلب بالنسبة إلى الغسلة التي بعدها طهر المحل وغيرها، وعدم الفرق في التنجيس وعدمه بين ورود الماء وعدمه، لا ما تظن(2)نجاسته بواسطة حصول القذارة الكائنة في المغسول فيه، ولا فرق في هذا بين الورودين ولا بين الغسلتين، وإذا ثبت كونه مركوزاً في الأذهان وورد الكلام في مقام الحاجة المقتضي للبيان ولم يبيّن السبب يُفهم أنه [ إعتمد على ما ارتكز في الأذهان بالنحو المرتكز من السبب والعموم والخصوص؛ لأنه لو كان السبب غيره أو كان مع خصوصية فلا بُدَّ من بيانه؛ لأنّ المقام مقامه ونظيره في العرف أيضاً كثير؛ مثلاً عند العرف معلوم أنّ استعمال الترنجين(3) بكيفية خاصة، وسأل الطبيب عن المرض الفلاني فيأمر باستعمال الترنجين ولم يبين كيفية استعماله؛ فيعلم أنه عول على المتعارف وإلا لبينه.

وفي هذا المقام أيضاً يسأل عن حال الماء من حيث انفعاله وعدمه؛ فأجاب علیه السلام: ينفعل في صورة القلّة ولا ينفعل في صورة الكثرة ولم يبيّن كيفية التنجيس، فنفهم من كلامه علیه السلام: «الماء إذا كان قدر كر لم ينجسه شيء»، أنه أيّها السائل إنّ المقتضي للتنجيس ما هو المعروف عندكم، إلّا أنّ الكرية والكثرة مانعة عن تأثير المقتضي، فحوّل بيان المقتضي على المتعارف عندهم وبيّن أنّ هذا المقتضي يؤثر لو لم يحصل المانع - وهي الكرية - فكأنه علیه السلام قال : إن الماء القليل [ ينجس] بالملاقاة بأي نحو كانت، [ف]تثبت نجاسة الغُسالة أيضاً من هذا الكلام؛ لأنها من أفراد الكُلّية.

ص: 143


1- النجفي، الجواهر : 6 / 359 .
2- كذا في الأصل ولعل الصحيح: (ما تظهر).
3- هو: طلّ ينزل من الهواء ويجتمع على الأطراف، في بعض البلدان. الآلوسي، التفسير: 14/ 183.

فما صدر من بعض الأعلام في هذا المقام من عدم جريان دليل الحكمة هنا؛ لأنه إنما يجري إذا كان علیه السلام في مقام البيان ولم يبين، وأمّا إذا لم يكن في مقام بيان حكم المفهوم، بل كان في مقام بيان عموم المنطوق وجيء بالشرطية لبيان العموم في المنطوق، فلم يكن مراده بیان حكم المفهوم حتى يتمسك بدليل الحكمة، واستشهد بذلك بكلام الفاضل البغدادي(1) - فليس في محلّه.

لأنّا نقول: إنّ مراده من هذا الكلام إفهام السائل كونَ الكرية مانعة، يعني: أيها السائل ما هو مقتض للانفعال عندكم يتأثر إلّا في هذه الصورة، بحيث لو ذهب المانع يتأثر، إلّا أن مراده بيان المقتضي لعدم التنجيس بالشرط لإفادة ذلك.

ويمكن تقرير الخبر لإثبات المطلب من دون حاجة إلى إثبات العموم من جهة الحكمة، بأن نقول: حال الشارع وحكمه بالنسبة إلى الطريقة المتداولة بين الناس قد يقال في الإنكار عليها مجرد عدم الردع ، فحينئذ يرجع في كيفية الحكم إلى الطريقة المتداولة ما لم يرد ردع من جانب الشرع، ويحتاج إلى إمضاءه، بمعنى أنّ الشارع قد يكتفي فيه بالطريقة المتداولة، وقد [لا] يكتفي ولا تصل [النوبة] إلى الطريقة المتعارفة، بل يحكم بكيفية أخرى غير الكيفية المتعارفة.

وعلى التقدير الأول يُحمل كلامه عليها بمجرد عدم صدور الردع منه.

وفي الثاني الذي يحتمل الاكتفاء فيه وعدمه.

تارة يثبت الحكم من دليل لبّي من غير اللفظ فحينئذ لا يجري فيه الحكمة؛ لأنّه ليس لفظاً حتى يحمل على الإطلاق، وكون مراد الشارع هو العرف؛ لأنه لو كان غيره

ص: 144


1- النجفي، الجواهر : 1 342، والمراد بالفاضل البغدادي هو السيد محسن بن الحسن بن مرتضى الأعرجي الكاظمي (ت 1240 ه-) (وفي الذريعة عاش بين 1130 - 1227 ه- ) قال عنه السيد الأمين: (عالم فقيه أصولي، محقق مدقق من أعلام العلماء في ذلك العصر، مؤلف، مؤلفاته مشهورة، وعباراته في غاية الفصاحة والبلاغة... زاهد عابد تقي ورع جليل القدر عظيم المنزلة، وبأمره صنف أبو علي كتاب رجاله، تتلمذ على بحر العلوم وشارك كاشف الغطاء في الدرس). يُنظر: أعيان الشيعة 46/9 .

لبينه فيحمل اللفظ(1) على الإطلاق.

وتارة يثبت الحكم من اللفظ وهنا يجري فيه الحكمة، وكون مراده هو المتعارف لا غيره، وفي هذه الصورة لو أسند الفعل مثل قوله : إنّ القليل ينجسه شيء أو لا ينجسه شيء. لا يبعد أن يكون مراده هو الطريقة المتعارفة، يعني: ينجس بالطريقة المعهودة للتنجّس.

فالظاهر من كلامه هنا هو التقييد بالطريقة لا الإطلاق حتى يحرز شرائط الإطلاق لإفادة العموم من كونه وارداً في مقام البيان ولم يبيّن، فيكون مراده الإطلاق والعموم.

وحاصل الكلام أنّه يمكن أن يدعى أنه لو أسند الفعل ولم يبين كيفية الحكم، أن يكون مراده هي الطريقة [المتعارفة ] ، فكأنه علیه السلام قال : ينجس بالطريقة المتعارفة.

فلم يكن فيه إطلاق حتى يحرز شرائط الإطلاق لإثبات العموم، فيظهر من كلامه علیه السلام اتكاله عليها.

[الأدلة الدالّة على نجاسة الغسالة]

و من الأدلّة الدالّة على نجاسة الغسالة: رواية العيص بن القاسم المروية في الخلاف والمنتهى قال: سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء؟ قال: إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه ، وإن كان من ماء الوضوء فلا بأس»(2) ، وبهذا المضمون في الفقرة الثانية.

والظاهر صحة سنده وإن لم يكن مروياً في الكتب الأربعة؛ لأنّ العيص موثق

ص: 145


1- صرح في أول كلامه بأن الحكم يثبت من دليل لبي - من غير اللفظ - فكيف يحمل اللفظ على الإطلاق. اللهم إلا أن يكون ما بعد الإطلاق - أعني قوله وكون مراد الشارع - متعلقاً به.
2- الطوسي، الخلاف: 179/1 ؛ المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 90 ؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 1/ 142.

جليل (1)، وأخذ الشيخ هذه الرواية من كتابه، وذكر في الفهرست (2) طرقه إلى كتابه، ولم يكن طريقه إليه غير موثق، إلّا أنّ في سند هذه الرواية إبراهيم بن هاشم واختلف أهل الرجال فيه، وبعضهم وثقه وبعضهم لم يوثقه ، والظاهر أنه موثق(3) فيكون سند الرواية صحيحاً، ولو لم يكن صحيحاً يكون كالصحيح فيكون معتبراً، هذا حال سنده.

وأما دلالته فيحتمل أن يكون المراد هو غُسالة الاستنجاء بقرينة المتعارف بين الناس من الوضوء بعد الاستنجاء، وتفصيله بين الشيئين: إن كان من مسالة البول والقذر فيغتسل، وإن كان من ماء الوضوء فلا بأس خصوصاً بقرينة ذكر البول مع القذر، والحال انه داخل في القذر فيظهر أن يكون المراد منه الغائط فحينئذ لا بُدَّ من حمل قوله علیه السلام : يغسل على المجاز وهو الندب، أو إلغاء قوله علیه السلام : «من بول أو قذر» بحيث يشمل الاستنجاء وغيره، فنقيّده بغير ماء الاستنجاء، فإذا دار الأمر بين التقييد والمجاز فالتقييد أولى فيتم دلالته.

وما يتوهم من حمله على ما إذا استصحب أجزاء النجاسة - لأنه يكون حينئذ نجساً إجماعاً فإنّه يدلّ على التنجيس مطلقاً - فبعيد بملاحظة ترك الاستفصال، فيحمل على العموم.

ومن الأخبار الدالّة على النجاسة رواية عبد الله بن سنان، رواه عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه»(4) .

ويحتمل أنّ المراد من عدم جواز التوضأ منه لعدم كونه رافعاً للحدث لا لنجاسته؛

ص: 146


1- النجاشي، رجال النجاشي : 302 .
2- الطوسي، الفهرست: 193.
3- يُنظر : العلّامة الحلي، خلاصة الأقوال : 49 ؛ تعليقة الوحيد على منهج المقال: 33؛ بحر العلوم، الفوائد الرجالية : 1 / 448 .
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 221 باب المياه وأحكامها ح13.

لأنّ ماء الغُسالة على فرض طهارته لا يرفع الحدث إجماعاً(1) حتى من القائلين بالطهارة وكذا الماء الرافع به الحدث الأكبر لا يرفع الحدث عند بعض (2)، فحينئذ فلا يدلّ الخبر على النجاسة.

ويحتمل أن يكون عدم جواز التوضأ به كناية عن نجاسته، كما يرشد إليه كثير من الأخبار الواردة في الطهارة والنجاسة فيكون قوله علیه السلام : «لا يتوضأ» بمنزلة قوله: (يكون نجساً) فيدعى ان حكمه بالنجاسة في ماء غسل الجنابة باعتبار عدم خلو بدن الجنب غالباً عن النجاسة فمُسلّمة باعتبار الغالب.

وحاصل الكلام فيه : أنّه يحتمل في الخبر احتمالان :

أحدهما: إبقاءه على ظاهره ولا يكون التوضؤ كناية عن شيء بل عدم جواز التوضؤ ( من حيث عدم التوضؤ )(3)لعدم كونه رافعاً للحدث وهذا يتم بالنسبة إلى غُسالة الثوب وأمّا بالنسبة إلى ماء غسل الجنابة فلا يتم؛ لأنه يتم على تقدير عدم كونه رافعاً للحدث -وهو ممنوع لورود الأخبار الكثيرة على كونه رافعاً للحدث (4)؛ فلا بدَّ حينئذ من حمل قوله : لا يجوز على المعنى الأعمّ من الكراهة والحرمة وهو مطلق المرجوحية فيكون التوضؤ من ماء الغُسالة حراماً ومن ماء غسل الجنابة مكروهاً.

وثانيهما: أنّ المنع لنجاسة الماء وهو يتم بالنسبة إلى غُسالة الثوب ونجاسة الغسالة؛ وإن كان يمكن الخدش بأنّ المنع للنجاسة باعتبار كون الغالب امتزاج الغسلة الأولى بالثانية فيما لو غسل النجس في طرف مثلاً فلم يدلّ على نجاسة الغُسالة حتى في الغسلة الثانية، ويكون المنع باعتبار، ويمكن دفعه فعلاً :

[ أولاً]: بعدم الغلبة ولو سُلّم فليس بحيث يصير منشئاً لانصراف اللفظ إليه.

ص: 147


1- الطوسي، المبسوط : 1/ 11؛ ويُنظر : العلّامة الحلّي، منتهى المطلب: 1/ 133.
2- البحراني، الحدائق : 1 / 490 .
3- ما بين القوسين يمكن الاستغناء عنه .
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 148/1 كتاب الطهارة باب عدم نجاسة ماء الحمام.

وثانياً : أنّ هذا لا يتم فيما يكفي فيه غسلة واحدة ولم يكن هناك غسلتان حتى تقول: إنّ الغُسالة الأولى نجسة دون الثانية، والمنع لأجل الغالب من اختلاط الغسلتين، وعلى هذا الاحتمال لا بُدَّ أن يُراد من الماء الذي يُغتسل به من الجنابة هو ماء الغسل ومقدماته من تطهير البدن حتى يكون نجساً باعتبار غلبة إطلاق الغسل عليه ومقدماته، وذلك يصير قرينة لكون المراد به الأعم، ويكون حينئذ عدم جواز التوضؤ كناية عن النجاسة لا أنه مستعمل في النجاسة حتى يكون مجازاً.

إلا أنّ الغالب في موارد الكناية في الأخبار هو التعبير ب-« لا يتوضأ» لا ب- (لا يجوز)، ومع هذا يكون أظهر من إرادة المعنى الأعم من لا يجوز التوضؤ؛ لأنه ظاهر في الحرمة والمعنى الأعمّ أن يناسب لو عبر ب- (لا يتوضأ)، هذا حال دلالته.

وأمّا سنده ففي طريقه أحمد بن هلال العبرتائي، وهو ربّما يُنسب إلى الغلو(1)، وربّما نُسب إلى النصب (2) ، وورد فيه مذمة كثيرة (3)، حتى ورد في بعض الأخبار أنّه صوفي فلا رحمه الله(4)، وإن ورد فيه أيضاً أنه حج خمسين مرة بعضها ماشياً(5)؛ إلّا أنّه لا يعبأ به، إلّا أن تكون شواهد تدل على صدق رواية فيها رواية بني فصال عنه، وقد ورد في حقهم خذوا ما رووا وذروا ما رأوا » (6) حيث سُئِل عنهم ما يصنع بكتبهم و[وبيوتنا منها ملاء] وبمرئى منهم، حيث إنّ الظاهر مطلق الروايات التي في كتبهم سواءً كانت مع الواسطة أو بلا واسطة، ويمكن أن يدعى أن المراد هو الروايات التي وردت بلا واسطة عن المعصوم علیه السلام .

ص: 148


1- الطوسي، الرجال: 384؛ الفهرست : 83.
2- الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: 75.
3- النجاشي، رجال النجاشي: 83 برقم 199.
4- المجلسي، بحار الأنوار: 50 / 318 أبواب حياة الإمام الحادي عشر علیه السلام باب 4 ح15.
5- الطوسي، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 2/ 816 .
6- الطوسي، الغيبة: 390.

ومنها (1): رواية الحسن بن الصفار (2) عن احمد بن هلال، والحال أن الحسن رجل ممدوح في كتب الرجال غاية المدح حتى أنه لا يروي إلا عن الثقات ولا يروي إلّا الروايات الصحيحة، وذلك [ يدلّ] على صحة هذه الرواية.

ومنها: أنَّ أحمد بن هلال روى عن ابن محبوب؛ والظاهر أنّه أخذه من مشيخته وقالوا في حق مشيخته(3) : إنّه تؤخذ الروايات التي رويت عن مشيخته وإن كان الراوي [عنها ] ضعيفاً؛ ووجه هذا القول أحد وجهين:

[الأول]: إما أن روايات المشيخة معروفة عندهم لا يقدر أحد على الكذب على المشيخة.

[الثاني]: وأما كثرة رواة روايات المشيخة ويكون طرقها متعددة، فلا تطرح الروايات لكون أحد طرقها ضعيفاً، وبعد هذه المذكورات يحصل الاطمئنان بهذه الرواية.

و مما استدل به في هذا المقام رواية الكوز (4) التي مضت سابقاً، الآمرة في تطهيره بالصبّ فيه وتحريكه وإفراغه منه ثلاثاً ثمّ الحكم بالطهارة.

والاستدلال من جهة الأمر بالإفراغ ثانياً.

ثم قوله علیه السلام : «فقد طهر، حيث إنه يظهر منه أن الإفراغ معتبر في الطهارة، ويمكن أن يكون الأمر بالإفراغ في الأولى والثانية باعتبار أنّ الغسل لا يتحقق مع وجود الماء فيه فلم يدلّ مع الظاهر (5).

وأما الأمر بالإفراغ في المرتبة الثانية ومدخليته في الحكم بالطهارة يمكن أن يكون

ص: 149


1- أي من الشواهد على اعتبار هذه الرواية.
2- كذا في الأصل، والصحيح: (الحسن بن علي بن فضال).
3- ابن الغضائري، الرجال: 111.
4- هي رواية عمار بن موسى عن الصادق الا وقد تقدمت.
5- كذا في الأصل.

لنجاسته ولا تتحقق الطهارة إلّا بالإفراغ إلّا أنّه يمكن [ألا يكون] الأمر بالإفراغ للنجاسة بل من باب التعبد، أو لأنّ استعمال الكوز لا يمكن إلّا بإفراغه أو يكون غرضه وان هذا ... (1) فلا يميل له الطبع فلا يثمر، وقال بالإفراغ لمحض الإرشاد والنصيحة [ل] من باب الحكم والإلزام خصوصاً عدم قوله بالإراقة، وقوله علیه السلام: «بالإفراغ» حيث إنّ الإراقة ظاهرة في أنّ الماء نجس فلا يثمر في وجه دون الإفراغ.

والحاصل ان هذه الرواية لا تدل على المطلب؛ لأنّه يحتمل أن يكون الأمر بالإفراغ لكونه المتعارف في الغسل، وأيضاً يحتمل أن يكون الأمر بالإفراغ في المرتين الأوليين من باب عدم تحقق الغسل مع كونه فيه من باب أنّ الانفصال معتبر في مفهوم الغسل كما يقول به بعض (2) .

وأمّا لأنّ الماء الثاني لا يؤثر مع وجوده؛ بناءً على أنّ ماء الغُسالة لا يرفع حدثاً إجماعاً (3) حتى عند القائلين بالطهارة، ولا يرفع خبثاً كما يقول به بعض(4) على هذا القول.

أو لأنّ الأمر بالإفراغ من باب أن المستعمل في التطهير ولو كان طاهراً يستقذره الطباع.

وكيف كان فلا ظهور في الخبر في أنّ الإفراغ من باب النجاسة حتى يتمسك به ويدفع به الاحتمالات؛ فلا دلالة على المطلوب. هذا من أدلة القائلين بالنجاسة.

وأمّا أدلة القائلين بالطهارة

فمنها: الأصول، يعني : أصالة الطهارة في المياه، وأصالة الطهارة في الأشياء، واستصحاب الطهارة بناءً على عدم العموم في قاعدة الانفعال.

ص: 150


1- في الأصل بياض بمقدار ثلاث كلمات.
2- يُنظر : المحقق النراقي، مستند الشيعة: 1/ 268؛ النجفي، الجواهر : 6/ 144.
3- يُنظر: البحراني، الحدائق: 1/ 477 .
4- العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 1/ 238.

وأمّا أدلة القائلين بالطهارة

ومنها العمومات [التي] من جملتها : خلق الله الماء طهوراً (1) حيث دل على أنّ خلقة الماء على الطهارة، والماء بنفسه مقتض للطهارة، حتى يثبت المانع، وفي حال الشك يدفع بالأصل.

ومن جملتها قوله علیه السلام: لا ينجسه شيء إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه»(2) حيث دلت النكرة في سياق النفي على العموم في الأحوال والأفراد؛ لأنه لو نجس في حال الغسل لصدق أنه نجسه شيء، خرج من العموم المتغير وبقي الباقي تحت العموم.

وقوله علیه السلام: كل ما غلب على ريحه وطعمه ولونه فلا يتوضأ منه؛ حيث دل بالمفهوم (3).

ومنها: القواعد الثلاث وهي قاعدة النجس [ لا يطهر ] (4) وقاعدة أنّه ينجس ملاقیه (5):

وتقريب المدعى : أنّ ماء الغُسالة لو كان نجساً لا يفيد طهارة المحل، أو لم يؤثر في تطهير المحل، بناءً على شمولها للغسلة الأولى، فلا بُدَّ أن يكون طاهراً حتى يطهر المحل به .

ويمكن الخدشة فيه : بأنّ المراد بالنجس الذي لا يكون مطهراً، إما النجس السابق على الاستعمال وأما الأعم من السابق والنجس بالاستعمال. وإن كان المراد الأول:

ص: 151


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1 / 135 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 9 صدر الحديث.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 1/ 135 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 9 ذيل الحديث.
3- يُنظر : الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 137 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 1 ونصُّ الحديث: «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب، فإذا تغير الماء، وتغير الطعم، فلا تتوضأ منه ولا تشرب».
4- في الأصل بياض بمقدار كلمة وما اثبتناه سبق أن ذكره المقرّر في عنوان اشتراط ورود الماء القليل على النجس.
5- القاعدة الثالثة : وهي قاعدة : (أنّ النجس لا بُدَّ أن يكون له مطهر)، سيذكرها بعدحوالي صفحتين.

أ - فيكون عموم القاعدة مسلَّم ولا يكون لها مورد نقض إلا حجر الاستنجاء والأرض بناءً على عدم اشتراط الطهارة في مطهريته الذين لا يكونان مورد النقض حقيقة؛ لأنّ المقصود فيهما إزالة العين لا ذهاب القذارة بالمرة كما هو المقصود في الطهارة المائية.

ب - وإن كان العموم ولا يكون لها مورد نقض بالنسبة إلى موارد الغسل بالماء واتمام القليل النجس كراً ينجس من جهة مدخلية الاجتماع لا من جهة تأثير النجس. وإن كان المراد العموم فلا بُدَّ له من مدرك من لفظ أو عقل، ولا يوجد دليل لفظي له عموم بهذه المثابة.

وأما [الدليل] العقلي فغاية ما يمكن أن يقال فيه: إنّ الفاقد للوصف كيف يكون معطياً لغيره، ونِعمَ ما قيل:

ذات نا یافته هستی بخش *** کی تواند که شود هستی بخش(1)

والماء إذا كان نجساً ولم يكن طاهراً فكيف يطهر المحل؟

ويمكن دفعه بأنه يمكن أن نلتزم بطهارة المحل ونجاسة الماء في أول الملاقاة؛ لأنّ الطهارة في الحقيقة ليست إلّا إزالة النجاسة وليس من الأوصاف المتأصلة حتى يكون الشيء الآخر موجداً له، بل كأن ارتفاع النجاسة بمجرد وصول الماء إلى المحل يحصل قذارته فيه ويرتفع قذارته.

وعلى فرض النجاسة لم يطهر النجسُ المحلَّ بل طَهره الظاهرُ؛ لأنّ النجاسة بعد الملاقاة بواسطة اكتساب القذارة، فالطهارة حصلت عند الملاقاة إلّا أنّ هذا المطلب الذي ذكر لا يتم إلى المحل (2)الذي يصل إليه تدريجاً لينجس بالجزء الأول فيلاقي الأجزاء في حال النجاسة.

ص: 152


1- بیت شعر فارسي ترجمته بالعربية : من لم يأخذ حياته ووجوده من الموجد الحقيقي، كيف يمكن له أن يكون موجداً ومعطياً للحياة؟ يُنظر : ابن سينا، النجاة: 194؛ السيد علي البهبهاني، الفوائد العلية: 1/ 271.
2- كذا في الأصل.

فنقول: إنّ القذر الذي استفيد من الأدلة والإجماع هو عدم مطهرية النجس السابق لا النجس في حال الاستعمال.

إلا أن يقال: إنّ الماء في حال ملاقاته الأجزاء الأخر يكون نجساً سابقاً فلا يكون مطهراً.

وهو مدفوع: بأن العرف يعدّ مثل هذا ملاقاةً واحدة واستعمالاً واحداً، ولا يقيده بواسطة ملاقاة الجزء الأول من النجس السابق.

القاعدة الثانية:

فهي: أنّ النجس ينجس ،ملاقيه، وتقريبها أن يقال: إنّه لو كان الماء نجساً لنجس المحل به بواسطة الملاقاة فلا يكون طاهراً، ويمكن أن يقال في دفعها: انه على فرض كون انفصال الغُسالة معتبراً في طهارة المحل يكون الماء والمحل نجساً بنجاسة واحدة فيكون مجموعها بمنزلة النجس الواحد من سنخ واحد فلا يعقل تأثير بعضها في بعض؛ لأنه من المعلوم عدم تأثير الشيء الواحد بعضه في بعض.

وما يقال: إنّه لو كان كذلك فلا بُدَّ إلّا يؤثر البعض المنفصل عنه...(1) فيه ثانياً، بل لا يؤثر بواسطة ملاقاة النجاسة الخارجية، والحال أنّه يؤثر كل منهما فيه فلو كانت هذه الملاقاة في الغسلة الثانية فلا بُدَّ من الغسل مرتين لو اعتبر المرتان فيهما.

مدفوع: بأنّ مقتضى القاعدة عدم التأثير إلّا أنّ الإجماع على التأثير الجأنا إلى القول به ولا بالنسبة إلى ملاقاة النجاسة الخارجية ممزجتين فهو خارج عن محل الكلام؛ إذ الكلام في النجاسة الواحدة، وأما على القول بأنّ الغسل حصل أولاً بمجرد الملاقاة كما قلناه برد القاعدة الأولى وانفصال الغُسالة لنجاستها لا لتوقف الغسل عليها فلا بُدَّ إمّا القول بعدم تأثير هذا النجس الذي حصل من المحل في المحل فيلزم تخصيص قاعدة تأثير النجس في ملاقيه.

ص: 153


1- في الأصل بياض بمقدار كلمة.

ويقربه : أنه من المستبعد تأثير النجاسة التي كانت في المحل ثانياً فيه، والظاهر من تنجيس النجس لملاقيه هو التأثير فيه بنجاسة خارجة عن المحل.

وفيه: أنا لا نفرق بين كون النجاسة من المحل أو غيره في التأثير في الملاقي، فإنّ سبب التأثير هو الملاقاة، أو تخصيص قاعدة الانفعال والقول بالانفعال إلّا في ماء الغسالة.

والظاهر أنّ تخصيص القاعدة الأولى أهون من تخصيص هذه القاعدة؛ لاستنادها إلى الدليل اللفظي الذي يكون ظاهراً في العموم، والقاعدة الأولى مستندة إلى الموارد الجزئية والإجماع والعقل وليس فيها عموم أصلاً؛ ولأنَّ الغُسالة لو كانت طاهرة لجاز رفع الحدث بها كما يستفاد من إطلاق ما دلّ على جواز رفع الحدث بالماء الطاهر، ومع عدم الترجيح يخصص إحدى القاعدتين على الأخرى فالمرجع هو الأصل والعمومات الدالّة على عدم الانفعال.

القاعدة الثالثة:

قاعدة أنّ النجس لا بُدَّ أنْ يكون له مطهر.

وتقريبها : أنّ الماء المتخلف في المحل المغسول على القول بنجاسة الغُسالة، إما أن يكون نجساً مثل المنفصل ويكون عفواً وهو بعيد، ويلزم منه تخصيص كثير من الأدلّة والقواعد وتقييدها مثل : النجس لا يجوز في الصلاة، والنجس لا يجوز استعماله ولا أكله ولا شربه وغيرها.

وأما يكون طاهراً فيلزم كونه طاهراً بلا مطهر ، ويلزم التفكيك بين الماء الواحد بكون بعضه نجساً وبعضه طاهراً وكلاهما بعيدان غاية البعد ومخالفان للقواعد.

ويمكن دفعها بأن نقول بطهارته ولا يلزم المحذور، بالقول:

أولاً: بأنّه لا ضير في كون الماء المنفصل مطهراً للمتخلف والمحل، وأنه يطهر

ص: 154

المحل والمتخلف بمجرد انفصال الماء وليس بعادم النظير(1) في الشرع مثل: كون ذهاب الدم من رأس الذبيحة مطهراً لها وللدم المتخلف فيها مع اتصال الدم بعضه ببعض، ومثل كون ذهاب الثلثين مطهراً للباقي في العصير، ومثل كون نزح المقدر مطهراً للباقي على القول: بأنَّ النزح لنجاسة البئر لا للتعبد (2).

وثانياً أنّ المتخلف يطهر بتبعية المحل وقاعدة التبعية قاعدة مطردة في الفقه في مواردها، ونقول هنا أيضاً: إنَّ المتخلف تابع للمحل ويدلّ على طهارته ما دلّ على طهارة المحل. هذا كله [في] أدلّة القول بالطهارة.

[من أدلة القول بالنجاسة]

ويمكن أن يستند في النجاسة بإطلاق ما دلّ على جواز رفع الحدث بالماء الطاهر، خرج منه المتيقن وهو ماء الاستنجاء بواسطة الإجماع والدليل (3)) وبقي الباقي تحت الإطلاق وهو كون الماء طاهراً بناءً على إطلاق الدليل، فجاز رفع الحدث به، والحال أنّه لا يجوز رفع الحدث به إجماعاً فيلزم تقييد الإطلاق لو كان طاهراً فيكون نجساً؛ بل يمكن القول بكون إطلاقات انفعال الماء المتصل واقعاً؛ لأن النزاع هنا مع القائلين بانفعال الماء القليل في غير صورة التطهير فيسلم المقتضي للتنجيس، وهو كون الماء قليلاً؛ لأنّه يقول بانفعاله إذا كان في غير محل التطهير، وبانفعاله إذا كان المحل وارداً عليه، ففي الحقيقة يسلم المقتضي ويقول : ورود الماء للتطهير يكون مانعاً من انفعاله كما يشهد به استدلاله بالقواعد المذكورة وهو عدم كون النجس مؤثراً في ملاقيه، فيلزم نجاسة المحل بالماء لو كان الماء نجساً، إذا كان الشك من جهة وجود المانع، أما من جهة عدم المقتضي [فلا].

ص: 155


1- كذا في الأصل، والأنسب : (وليس هذا منعدم النظير).
2- الطوسي، المبسوط : 1 / 11.
3- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 90 .

والقول [ أن ] نقول: إنّ المانع الذي من جهته [ كان] مانعاً لا يكون مانعاً من اقتضاء المقتضي أولاً ، كما قلناه في رد القواعد أولاً، وتدفع بالأصل كونه مانعاً على فرض كون مانعيته مشكوكة فيتمسك بالإطلاقات الدالة على الاقتضاء فتكون الإطلاقات مقدّمة على القواعد وعلى العمومات الأولية الدالّة على طهارة الماء أيضاً؛ لأنا وخصمنا سلمنا خروج الماء القليل منها؛ من حيث كونه مقتضياً للتنجيس، غاية ما في الباب أنّ الخصم يقول: إنّ المقتضي لم يؤثر في المقام بواسطة اعتقاده وجود المانع بحيث لو فرض عدم مانعية ما اعتقده مانعا لقال بتأثير المقتضي.

ويمكن أنْ يُدعى في المقام أنّه على فرض تعارض إطلاقات الانفعال والقواعد وتسليم عدم الترجيح للإطلاقات بواسطة كونها من الأدلّة اللفظية والقواعد المستفادة الأدلة اللبية كون المرجع والقاعدة بعد التعارض أيضاً هو الانفعال؛ لأنه من المعلوم أنّ نظر الشارع في أمره بالغسل وحاله من الأمر بالغسل كحال أهل العرف ونظرهم في غسل المستقذرات العرفية بالماء من ارتفاع القذارة من المحل بالماء، وغلب الماء القذارة التي في المحل إلى نفسه، ومن هنا يستقذرون وتتنفر طباعهم عنه في الماء الذي لم يكن غالباً [ للقذارة ] عندهم، دون الماء الذي يكون غالباً عندهم، ويكون نظر الشارع ودواعيه أكثر إلى الأمر بالغسل بالماء هو جلب الماء القذارة إلى نفسه.

من هنا ترى أنّ الشارع أمر في بعض الموارد بالصب دون الغسل لأجل أنّ قذارة المحل ليست بحيث تؤثر في الماء بواسطة حصولها فيه ويصير مستقذراً، غاية ما في الباب أنّ الشارع حكم في بعض أفراد الماء بعدم انفعاله واستقذاره بواسطة وجود المانع عنده، من تأثير المقتضي مثل الكرية، وكونه جارياً، وباقي أفراد الماء باق على الاقتضاء الأولي يكون من جهة [جلب ] الماء القذارة إليه، فما لم يثبت المانع نحكم بتأثير المقتضي وانفعال الماء.

ففي الحقيقة لو فرض شك في هذا القسم من الماء بواسطة الشك في المانع كما يقول به الخصم حيث إنّه يقول: كونه مطهراً مانعاً من انفعاله بحيث لو ارتفع هذا

ص: 156

الشكّ من البين هو أيضاً يقول بالمقتضي، ونحن قد أثبتنا عدم مانعيته مع قطع النظر عن الأصل فكيف مع وجود الأصل فيها.

فتكون القاعدة عدم الانفعال لو سلمنا تعارض إطلاقات الانفعال مع القواعد وعدم قولنا بتقديمها عليها.

وما يقال : إنّ [ماء] الغُسالة على فرض نجاسته تكون كقذارة المحل بعينها، ولو عرض هذا المطلب على أهل العرف وقيل : إنّ ماء الغُسالة قذارته تكون كقذارة المحل بعينها بحيث تكون كل قطرة منه مثل قطرة منها، ويقولون بعدم انتقال القذارة إلى الماء وعدم كونه قذراً بهذه المثابة فكيف يمكن التمسك في هذا المطلب بالعرف؟!

مدفوع: بأنك إن أردت أنّ الغُسالة تكون مثل القذارة التي في المحل في مطلق القذارة فهو مسلّم، والعرف أيضاً يتمسكون بهذا.

وإن أردت أنها مثل نجاسة المحل في خصوصية القذارة؛ فهو غير مسلّم في الشرع كما أنّه ينكره أهل العرف فيمكن التمسك بطريقة أهل العرف فافهم.

ومن الأدلّة التي تمسك بها القائلون بطهارة الغُسالة طائفة من الأخبار:

منها: ما رود في ماء الاستنجاء في رواية الأحول المروية عن العيون، وفيها: فقلت جعلت فداك الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي يستنجي به؟ فقال: لا بأس به. فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به ؟ قلت: لا والله جعلت فداك. فقال: لأنّ الماء أكثر من (القذر»(1) .

وليس المراد بالأكثرية هو الأكثرية المقدارية ولو مع تغير الأوصاف؛ للإجماع على انفعال الماء المتغير حتى من القائلين بعدم انفعال الماء القليل فكيف من القائلين به؟ بل المراد بالأكثرية هو الاستهلاك، فعلى هذا دل التعليل على عدم انفعال الماء انفعال الماء بمجرد

ص: 157


1- الصدوق، علل الشرائع : 1/ 287 باب 207 ح 1 والرواية في العلل ولم أجدها في العيون كما ذكر المصنف .

استهلاك النجاسة، خرج منه الماء القليل الذي لم يكن في محل التطهير وبقي الباقي تحت عموم التعليل، فدل على عدم انفعال الماء، فدل عموم التعليل على طهارة ماء الغسالة.

وفيه: أنّه لا يمكن أن يقال : بعموم التعليل؛ لأنه لا يكفي في عدم تنجيس الماء بالملاقاة مجرد الأكثرية ولو كان الماء مورداً أو وارداً لغير مقام التطهير، ولا يقول بالعموم وكفاية مجرد الأكثرية المستدلُّ أيضاً. فلا بُدَّ من ارتكاب أحد الأمرين:

[ الأول]: إمّا حمله على العموم أو القول بالتخصيص بقدر المعلوم وبقاء الباقي تحت العموم، وهو يستلزم تخصيص الأكثر على أنّ القول بالتخصيص لا يناسب مقام التعليل؛ لأنّ مقام التعليل يناسب بيان أنّ تمام المناط والعلة في الحكم لا بيان جزء المناط، لأنّ المناط على القول بالتخصيص هو الأكثرية مع عدم التغير، إذ (1)مع عدم كون الماء موروداً وغير ذلك.

[الثاني]: أو حمله على التخصيص، بمعنى أنّ المراد من التعليل شيء لا نعلم إلّا ظاهره.

فيلزم حينئذ الحكم بالإجمال وعدم صحة التمسك به؛ لأنه يحتمل اعتبار خصوصية لا نعلمها، مثل الأكثرية مع كونه ماء الاستنجاء وغير ذلك، وذلك أظهر في مقام بيان التعليل؛ لأنّه بيّن حينئذٍ تمام المناط، إلّا أنا لا نفهم المراد، فلا بُدَّ من الإجمال حتى يظهر المراد.

نعم، خبر آخر في ماء الاستنجاء وهو رواية محمد بن النعمان عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له: استنجي، ثمّ يقع ثوبي فيه وأنا جُنب ؟ فقال علیه السلام : لا بأس به»(2)حيث إِنّ ذِكْرَ «وأنا جنب» يُبعدُ أن يكون السؤال عنه للحالة المعنوية، ويحتمله أنّ هذا مضر، بل الغرض هو بيان أن مخرجه مثلاً ملوث بالبول وبالمني وسأل عنه، بملاحظة كون

ص: 158


1- زائدة.
2- الطوسی، تهذیب الأحکام: 86/1 باب صفة الوضوء ح 76.

الغالب في الجنب تلوث مخرج البول بالمني، فَيُضمّن السؤال ماء الاستنجاء، وغير غُسالة الاستنجاء، فجوابه بنفي البأس يؤيد، بل يدلّ على طهارة الغسالة.

ومما يدلّ على طهارة الغُسالة الأخبار الواردة في الصب، حيث حكم فيها بطهارة المحل على الصب مع عدم الاستفصال عن ماء الغُسالة، مع أنّ المحل كثيراً ما يكون فيه ماء الغُسالة كثيراً ومع أنّ الصب بالماء يستلزم جريان الماء المنصب على غير محل النجاسة وعلى فرض نجاسته ينجس العضو الآخر.

وكذلك رواية الذنوب مشعرة بها؛ لأنّه على فرض نجاسة الغُسالة ينجس المحل الآخر من المسجد بواسطة جريان الماء عليه.

وكذلك ما يروى عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، أنه أمر بصب الماء على صدره لأجل وقوع البول على صدره، مع أنه لو كان الماء المنفصل نجساً لم يكتف بمجرد الصب؛ لأنه ينجس المحل الآخر بواسطة جريان الماء عليه.

إلا أنه يمكن القول: بأنّ الماء المنصب على المحل إن كان باقياً في محله ولم يقع في محل آخر كان حكمه حكم المتخلف في المحل في غير صورة الصب، وإن كان جارياً عن محله إلى آخر، فإنّ قلنا بعدم الفصل بين الماء المنصب وغيره من الغُسالة يشعر بالمطلوب.

وإن قلنا بالفصل فلم يدلّ على المطلب أصلاً؛ لأنه خرج بالدليل حينئذ. وإلا كان مقتضى القاعدة نجاسته أيضاً على أنا اخترنا سابقاً لزوم فصل إناء الصب فلا يَردُ هذا علينا؛ لأنّ مناط الاستدلال بها هو عدم لزوم الفصل في الصب والاكتفاء لمجرد الصب.

ولا يبعد أن يقال: كل من قال بنجاسة الغُسالة يعتبر الفصل في الصب، ومن لا يعتبر الفصل هو القائل بطهارة الغسالة.

مع أنه يمكن القول بخروج الصب بواسطة الدليل، وإلا كان مقتضى القاعدة نجاسته.

ص: 159

وأمّا روايات غُسالة الحمام (1) ، فلا تدل على ذلك؛ لأنها منزّلة على صورة عدم العلم بالنجاسة، وإلّا ففيها غُسالة نجس العين وهي نجسة يقيناً، فلا بُدَّ من تنزيل غُسالة الحمام المنفي البأس عنها على صورة عدم العلم بالنجاسة.

وأما رواية الذنوب فتقريبها من حيث إنّ الغُسالة لو كانت نجسة لتنجس ما جرى عليه الماء بعد إلقاء الذنوب على مكان النجس، وهو يستلزم تنجيس المسجد، وهو غير جائز ، فكيف يأمر به النبي صلی الله علیه وآله وسلم فلا بُدَّ من القول بطهارة الغسالة وفيه :

[أولاً] : أنّ الرواية ضعيفة السند كما هي عليه في المعتبر(2) .

وثانياً : أنها قضية في واقعة ولا نعلم كيفيتها، ويحتمل فيها احتمالات:

[الأول] يحتمل أن يكون الذنوب كثيراً فلا ينجس، أو كانت الأرض صلبة بحيث لا يتعدى فيها ماء الغسالة.

[الثاني]: أو كان محل النجس متصلاً بأرض خارج النص(3) فلا يلزم جريان ماء الغُسالة على أرض المسجد.

[ الثالث] أو كان محل النجس متصلاً ببالوعة المسجد بحيث ينقل الماء النجس اليها.

والحاصل أنّه يحتمل أن يكون هذا الحكم منه صلی الله علیه وآله وسلم بواسطة كيفية وخصوصية لا نعلمها.

وأما روايات الفرو والجلود حيث دلت على وجوب غسل موضع أصابه النجس والنضح في صورة عدم العلم، وتقريبها أنّ الغُسالة لو كانت نجسة لم يكن النضح احتياطا حيث استلزم التنجيس بعدم انفصال الغسالة.

ص: 160


1- يُنظر : الكليني، الكافي : 3 / 14 كتاب الطهارة باب الحمام والماء الذي تسخنه الشمس.
2- المحقق الحلي المعتبر : 1/ 448؛ ونقلها عن الخلاف : 494/12 وهي عن أبي هريرة.
3- كذا في الأصل والصحيح: (خارج المسجد).

وفيه: أنّ النضح لم يكن بواسطة الاحتياط حتى يقال : إنّ الاحتياط في خلافه، بل بواسطة حصول التنظيف الصوري، وهو حاصل بالنضح، كما في رش بيوت المجوس (1)، حيث إنّ الرش فيها للتنظيف الصوري.

[عدم تمامية أدلة طهارة ماء الغسالة]

فتحصل من جميع ما ذكرناه عدم دليل على طهارة الغُسالة، فتكون الأدلّة التي اقمناها على النجاسة سابقاً ناهضة على إثبات المطلوب وتكون بلا معارض خصوصاً أدلة انفعال القليل بالملاقاة بملاحظة ما ارتكز في الأذهان من تأثير النجس في ملاقيه من غير فرق لهم بين ملاقاة دون ملاقاة، سواء كانت الملاقاة من الفوق أومن التحت أو من أحد جانبيه، وسواءً كانت في مقام التطهير أو غيره، فيحتمل أو من الكلام الصادر عن المعصوم علیه السلام المسند فيه التنجيس إلى النجس على كون المسند إليه هو ما يكون معروفاً سببيته التنجيس وهي الملاقاة، كما في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ»(2) حيث يعلم عدم حرمة ذات الأمهات، بل قيل بالنسبة اليها: هو الوطء (3)، وههنا اسند التنجس إلى نفس النجس، والحال أنّ المسند إليه هو فعل من الأفعال كالملاقاة والمجاورة، فيؤخذ من العرف أنّه هو الملاقاة بأي نحو كانت، بل يمكن الاستناد في النجاسة إلى رجوع عرف المتشرعة، حيث تراهم بواسطة أنسهم بالشرع وكون ما بيدهم مأخوذاً من صاحب الشرع يداً بيد، يتحرزون عن الغسالة ومتفقون في ذلك، ولو لم يكن مأخوذاً من رئيسهم ما يتفقون(4) في ذلك، وإنكار بعض العلماء له بواسطة خلط أذهانهم بالشبهات؛ ولو خلت أذهانهم من الشبهات العلمية

ص: 161


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1 / 243 الصلاة في بيت المجوسي ح 730.
2- سورة النساء : 23.
3- يُنظر : المفيد، خلاصة الإيجاز : 31؛ الطوسي، المبسوط : 4 / 203؛ العلامة الحلي، المختلف: 23/7 .
4- كذا في الأصل، والانسب : (ما اتفقوا).

ورجعوا إلى وجدانهم وجدنا (1)تلك الدعوى صادقة.

ورواية العيص أيضاً لكن الاستناد إليه (2) ورواية عبد الله بن سنان بناءً على المقربات التي ذكرناها يمكن الاستدلال بها خصوصاً مع كون النجاسة [معروفةً](3) بين المتأخرين الذين كانوا أدق نظراً من المتقدمين، ولو لم يكن لنا أدلّة سوى ذهاب المتأخرين إليها لما تخطينا عنها وحكمنا على طبقها، فكيف مع قيام الأدلة عليها؟!.

[ماء الغسالة نجس مطلقاً]

فتحصل من جميع ما ذكرناه، نجاسة الغُسالة سواءً كانت في الغسلة الأولى أو الثانية وعدم التفصيل بين الغسلة الأولى والثانية لقيام المقتضي في الغسلة الثانية أيضاً و هی الملاقاة، وعدم صلاحية المانع الذي ذكره المفصل للمانعية، وهو التنافي بين طهر المحل وكون الماء نجساً في مثل نجاسة الثوب بعينها لو عرض هذان على العرف يفهمون [التنافي](4) بينهما، خصوصاً لو قيل لهم إنّ الماء يكون قذراً بمثل القذارة التي المحل بعينها لأنكروا طهارة المحل به والفرض أنهم مقطوعين (5) بواسطة الأدلّة على طهارة المحل في الثانية فلا تكون غسالتها نجسة؛ لأنّ نجاسة الغُسالة عمدة مدركها هو الأخذ من طريقة العرف، والعرف لا يساعد على النجاسة في الثانية، بل يقطعون بالطهارة مع ملاحظة طهر المحل.

وحاصل كلامه في أثناء المطلب : أنّ أدلة انفعال القليل لا يشمل ما يكون الملاقاة سبباً لزوال النجاسة كما هو الحال في الغسلة الثانية، بل الظاهر ما يكون نجساً حين

ص: 162


1- كذا في الأصل، والمناسب: (لوجدوا).
2- كذا في الأصل، والمراد يمكن الاستناد اليه.
3- في الأصل بياض بمقدار كلمة واحدة وما اثبتناه يقتضيه السياق.
4- في الأصل تلف وما اثبتناه يوافق السياق.
5- كذا في الأصل، والصحيح: (قاطعون).

الملاقاة وبعد الملاقاة. ويرد عليه وجوه:

الأول : أنّك تقول بنجاسة الغسلة المزيلة والحال أنّ التنافي الذي ذكرت موجود، فما يكون الغسل الواحد فيه كافياً فلا بُدَّ أن لا تحكم بالنجاسة، والحال أنك تحكم بالنجاسة.

والثاني: أنّ مرادك بالملاقاة التي تكون سبباً لزوال [النجاسة]، أهي الملاقاة المقتضية، أو الملاقاة العرفية؟

ولو كان الأول فهو خلاف مذهبك؛ لأنك ترى العصر معتبراً في زوال النجاسة، وقبل العصر لا تقول بالطهارة، فكيف [تكون] الملاقاة سبباً لزوال النجاسة؟

ولو كان الثاني ولو بعد العصر ، فنقول : يشكل حينئذ فرض كون الشيء نجساً حين الملاقاة وبعدها أو قبل تحقق العصر لا يبقى ماء ولا تكون الملاقاة، إلّا أن يفرض ذلك في القطرات العالقة على المحل المشرفة على الهبوط والسقوط.

ففيه: أنها تكون تابعة للمحل ولا يلزم انفصالها حقيقة ونظير ما يتخلف في المحل بل هي بعينها، ولا يجري الكلام في الغُسالة فيها.

والثالث: أنّ التنافي... (1) فإنما هو باعتبار كون نجاسة الماء كنجاسة المحل بعينها ونحن لا نسلمه، بل نقول بمطلق القذارة، ولا يكون التنافي بينه وبين طهر المحل وحال العرف بالنسبة إلى قذارتهم العرفية أيضاً كذلك، حيث يحكمون بنظافة المحل ويستقذرون عن الماء المزيل للقذارة بها، ولو كانت نجاسته هي بعينها نجاسة المحل فلا بُدَّ أن لا يختلفوا في ماء الغُسالة والحال أنّهم مختلفون فيها؛ هذا تمام الكلام في نجاسته.

وأما على تقدير(2) كونها نجسة أفهل يكون حكمها حكم المحل قبل الغسل

ص: 163


1- في الأصل بياض بمقدار كلمة واحدة فقط.
2- لعله من باب التنزل، وإلا فهو حكم بنجاسة ماء الغسالة مطلقاً.

مطلقاً أو يكون حكمها حكم المحل قبل تلك الغسالة؛ حتى لو كانت من الغسلة الثانية يكفي فيها الغسل الواحد أو المحل بعدها؟ احتمالات بل أقوال ويحتمل أيضاً الاكتفاء بمطلق الغسل فيها بناء على إطلاقات الغسل.

ومستند الأول: أنّ الغُسالة ليس لها عنوان في الشريعة بحيث يكون في عرض سائر النجاسات، بل هي تابعة لنجاسة المحل، فيكون حكمها حكمه، فإنّ كانت النجاسة نجاسة يكتفى فيها بالغسل الواحد يكفي فيها أيضاً، وإن كانت يلزم فيها مرتين بناءً على الاستصحاب، إذ لا يعتبر أزيد من مرتين فيها إجماعاً، والاستناد فيها إلى أن الغُسالة فرع نجاسة المحل، والفرع لا يزيد على الأصل لا يخلو من ضعف؛ إذ يتم بناءً على كون تعدد الغسل من باب كون نجاسة المحل في مرتبة تزول بواسطة الغسل مرتين.

أما لو كان الاكتفاء فيها من باب الحرج والعسر فلا يجري في الغُسالة، إذ لا حرج في اعتبار أزيد من المرتين فيه، بل الوجه ما قلناه من عدم القول بالأزيد منهما، والمرتين من باب الاستصحاب.

فصل في التيمّم

وهو المسمى بالطهارة الترابية، مقابل الطهارة المائية، وهو الوضوء والغسل، وقد يعبر عنه بالطهارة الاضطرارية مقابل الطهارة ،الاختيارية وهي الوضوء والغسل حيث إنّ كلاً منهما طهارة واقعية غاية الأمر كون أحدهما اختيارية ومشروع في حال الاختيار، وهو حال التمكّن من الماء واستعماله. وثانيهما: اضطرارية مشروع عند عدم التمكن من الماء والوصلة إليه.

والتيمم في اللغة القصد (1)، وفي الشرع هو فرد من أفراد الطهارة التي هي استعمال [ طهور ] مشروط بالنية(2)، على التفصيل الذي ذكر في أول الباب.

ص: 164


1- الجوهري، الصحاح : 5/ 2064 .
2- ينظر: الشهيد الأول، اللمعة الدمشقية 15 .

والنظر فيه في أركان :

الأول: في الحال المسوغ فيه التيمم.

والثاني : فيما به يُتَيمم.

والثالث: في كيفية التيمم.

والرابع: فيما يستباح به الدخول فيه.

والخامس: في بعض أحكامه الآتية إن شاء الله تعالى.

[الأسباب المسوغة للتيمم ]

أمّا الأول: فهو الحال المسوغ ، فعنوانه العام بحيث يشمل جميع الحالات هو: حال بقاء تكليف الصلاة وسقوط الوضوء، إمّا لعدم الماء أو لعدم إمكان التوصل إليه أو لخوف عطش على نفسه أو على رفيقه، أو عدم وجدان ثمن الماء أو ضيق الوقت أو الخوف من استعماله لبرد أو جراحة على محل الوضوء، وله جامع أخص منه، وهو ذكره الفقهاء هو : عدم الماء أو عدم الوصلة إليه أو المانع من استعماله شرعاً أو عقلاً (1) .

ونحن نتكلم أولاً في عدم الماء، ونقول: إنَّ ملاك إثبات مسوغية هذا الحال للتيمم شيئان:

الأول: الأدلّة الدالّة على وجوب الوضوء للصلاة.

والثاني: أخبار الباب والآية الشريفة.

أمّا الكلام في الوجه الأول فنقول:

قد دلت الأدلّة على اشتراط الوضوء في الصلاة (2)؛ فيكون من مقدمات الواجب المطلق ومقتضى الأدلّة العقلية والنقلية وجوب الوضوء في حال وجوب الصلاة فيلزم

ص: 165


1- الفاضل الهندي، كشف اللثام : 2/ 433 ؛ البحراني، الحدائق: 4 / 248 .
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1/ 58 فيمن ترك الوضوء ح 129 ونصُّ الحديث: عن أبي جعفر علیه السلام : «لا صلاة إلا بطهور».

الإتيان به ما دام كون المكلف قادراً عليها، ومقتضاه لزوم تحصيل الماء، ولو كان في مائة فرسخ بحيث لا يفوت فعل الصلاة؛ لأنّ مطلوبيته لأجلها وبعد فوتها لا مطلوبية.

والحال بحكم العقل يلزم الطلب بشرط ان لا يكون مانع عقلي أو شرعي.

فتحصل أنّ القدرة شرط في الوضوء فيلزم تحصيلها بالطلب لو عَلِمَ بالقدرة، فلو شك في قدرته على استعمال الماء وتحصيله، فهل يعتبر الطلب إلى أن يعلم بعدم الماء واليأس عنه بالكلية، أو يكفي الظن به؟

مقتضى ثبوت التكليف مع القدرة عدم ارتفاعه إلّا بعد عدم القدرة وإحرازه بالعلم لزوم (1) العلم ، ولكن الظاهر كفاية الظن بعدمه لاكتفاء العقلاء بالظن في عدم القدرة، ويقولون: [هو ] ليس بقادر على الماء.

ثم إنّه هل يمكن التمسك بأصل عدم القدرة في ارتفاع التكليف بالوضوء وثبوت التكليف بالتيمم؟

الظاهر العدم؛ لتخلّفه غالباً في هذه الموارد عن الواقع كما يعلم من ملاحظة العرف، مثلاً الطبيب لو قال للمريض : اشرب الدواء الفلاني. لا يمكن له التمسك بالأصل؛ لأنّ الغالب وجوده فيكون السبب في عدم اعتباره هو غلبة مخالفة الواقع فلو ظن بالعدم فالظاهر جريان الأصل لعدم السبب الذي يكون سبباً في عدم اعتباره من وجود الظن بسبب الفحص.

سبب الفحص سامان ثم إذا تعذر العلم أو اجراء الأصل بناءً على اعتباره لو كان في الواقع قادراً لوجود الماء وعدم مدخلية العلم والجهل في القدرة وعدمها؛ لأنّ القدرة دائرة مدار وجود الماء وعدمه، فهل يكون الجهل عذراً رافعاً لتنجز التكليف أو يكون رافعاً لأصل التكليف بناءً على القول بأنه ] لم يكن قادراً حقيقة؛ لعدم تمكنه. والقدرة هو التمكن؟

الظاهر كون الجهل عذراً ويكون سبباً لعدم تنجز التكليف، وإجزاء تيمّمه عن

ص: 166


1- متعلق ب- ( مقتضى ثبوت التكليف).

الواقع مبني على مسألة الإجزاء.

ومحصل ما ذكر : أنّ مقتضى شرطية القدرة للوضوء هو وجوب تحصيلها لمقدميتها له وإحرازها، فيجب الطلب إلى أن يثبت له مانع شرعي أو عقلي فيرتفع التكليف بالوضوء ويثبت التكليف بالتيمم ؛ هذا كله في إثبات مسوغية هذا الحال للتيمم من أدلة الوضوء.

وحاصل الكلام ومجمله : أنّ الصلاة عُلقت على الوضوء، فمقتضى الدليل الشرعي والعقلي هو والعقلي هو الإتيان بالوضوء عند وجوب الصلاة عند القدرة عليه وهي وجود الماء مثلاً، ويسقط وجوبه في حال عدم التمكن منه وعدم وجود الماء، ففي حال العلم بوجود الماء لا بُدَّ منه، وعند الشك في وجود الماء والقدرة على الوضوء؛ فالظاهر عدم جواز إجراء الأصل وإثبات التيمم بالأصل؛ لتخلفه غالباً، لا أنَّ عدم جريان الأصل من جهة عدم كون القدرة شرطاً، بل التكليف ثابت به والعجز مانع، وهو وجودي ولا يمكن جريان الأصل فيه:

أولاً: لأنّ القدرة شرط في التكليف لا أنّ العجز مانع، فيمكن استصحاب عدم القدرة.

وثانياً: أنه لو سلَّمنا عدم شرطية القدرة وإنّما يكون العجز مانعاً فإنّما يكون مانعية العجز من حيث جهة نفيه وهو عدم القدرة، أما من جهة ثبوته فيمكن اجراء الأصل فيه، بل المانع هو وقوع التخلف كثيراً، ومقتضى هذا التعليل جواز إجراء الأصل مع ظن العدم بعدم وجود العلة.

فعلى ما ذكرنا يلزم الطلب والفحص ، فهل يكون المسقط هو العلم واليأس من وجود الماء، أو يكفي الطلب حتى يحصل الظن؟

مقتضى القاعدة هو لزوم الطلب حتى يحصل العلم؛ لأنّ التكليف بالوضوء معلق على الواجد وهو لا يعلم بكونه موضوعاً للحكم، فلا بُدَّ من إحرازه حتى يعلم بعدم العقاب.

ص: 167

ومن هنا ظهر أنه لا يمكن إجراء أصل البراءة بالنسبة إلى تكليف الوضوء؛ لأنّ الشك في الدخول في الموضوع لا الشك في التكليف حتى يدفع بالأصل، إلّا أنّ العقلاء يكتفون بالظن [ في المقام] فيكون حجة.

ثم إنّ الظاهر أنّ الطلب لإحراز الواقع حتى لو علم بعدم وجود الماء؛ لا يجب الطلب ولا يكون الطلب له موضوعية كي يلزم حتى في صورة العلم بالعدم.

ثم إنّ مقتضى ما ذكرنا من وجوب الوضوء حال القدرة ووجود الماء - أنه لو لم يعلم به بعد الطلب وكان في الواقع موجودا - ثبوت التكليف في الوضوء، غايته كون الجهل عذراً رافعاً لتنجز التكليف ؛ فظهر أنّ مقتضى القاعدة ثبوت الطلب حتى يجيء المسقط الشرعي - وهو العلم أو الظن - وإنّ حال تسويغ التيمم هو حال العلم أو الظن بعدم وجود الماء.

[ الكلام في الوجه الثاني]

أمّا لو جعلنا ملاك هذا المطلب ومناطه هو أدلّة هذا الباب فنقول :

[ أما الآية ] [ف]قد علق التيمم في الآية الشريفة على عدم وجدان الماء، فإنّ كان المراد بقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ﴾ (1)لم تتمكنوا كما فسّره بعض المفسرين(2)، وإن كان المراد بعدم التمكن هو [عدم] التمكن الفعلي؛ يكون مطابقاً للقاعدة الأولية.

وإن كان المراد به عدم التمكن العرفي؛ فحينئذ يكون مخالفاً؛ لأنّ عدم التمكن العرفي يحصل بأقل منه ، وهو عدم الماء عنده وما حوله.

وإن كان المراد بعدم الوجدان هو ما يستفاد من اللفظ فالظاهر أن مفاد اللفظ هو عدم الدرك لا عدم الوجود كما نص عليه صاحب القاموس(3) ويظهر

ص: 168


1- سورة النساء: 43 .
2- يُنظر : الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن : 513 ؛ الفيض الكاشاني، التفسير الصافي: 1/ 454.
3- الفيروز آبادي، القاموس : 343/1.

من الصحاح(1) أيضاً والعرف أيضاً شاهد عليه(2)، فإن كان عدم الوجدان والدرك معتبراً من حيث الطريقية إلى الواقع وهو عدم الوجود، ففي الحقيقة المعتبر في التيمم هو عدم الوجود الواقعي، وعدم الوجدان طريق إليه، ويكون التكليف دائراً مدار وجود الماء في الواقع، فلو طلب الماء ولم يجد وفي الواقع كان الماء موجوداً لم يسقط تكليفه الواقعي، بل يكون معذوراً ، وإن كان معتبراً من حيث الموضوعية، فحينئذ إما أن يكون المراد عدم الدرك والطلب بقدر الإمكان؛ فحينئذٍ يكون مطابقاً لما يستفاد من الأول وتكون أدلة الطلب مخصصة له، ويكون المراد هو عدم الوجدان بحسب العرف فحينئذٍ إن كان عدم الوجدان ظاهراً في قدر يحمل عليه كما ادعاه بعض (3) وقال : إنّ المراد هو المعنى الظاهر منه بحسب العرف وهو عدم الوجدان عنده وما حوله. لكن هذا الظهور لم نتحققه وحينئذ يكون دائرته أوسع من المستفاد من أدلة الطلب. وكأنَّ هذا هو الوجه في حمل بعض أدلة الطلب على الاستحباب(4)، كالأردبيلي قدس سره حيث رأى ضعف سند دليل الطلب بواسطة السكوني فيقصر عن مفاد الآية فيحمل على الاستحباب.

وإن كان العُرف مضطرباً - كما هو الظاهر - يمكن أن يكون أدلة الطلب مبيناً للمعنى العرفي المراد، فيلزم حينئذٍ تخصيص أدلة الطلب بما يحكم به العقل، وهو لزوم الطلب حتى يحصل المسقط وهو العلم ، بمعنى ارتفاع أدلة الطلب موضوع الحكم العقلي وهو وجوب الوضوء فإذا ارتفع الوضوء بهذا القدر يرتفع طلبه أيضاً لا

ص: 169


1- الجوهري، الصحاح: 547/2 .
2- ذكر المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (يكون الطلب داخلاً في مفهوم عدم الوجدان بخلاف الأول فإنّ الطلب طريق إليه، فافهم).
3- الأردبيلي مجمع الفائدة :217.1.
4- الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 217.

التخصيص الحقيقي؛ لأنّ الحكم العقلي ليس مقابلاً للتخصيص فافهم)(1)، والمستفاد من هذا كفاية الطلب بهذا المقدار وإن لم يحصل المسقط.

[وجوب الطلب تعبدي لا شرطي]

ثم إنّ الظاهر أنّ وجوب الطلب ليس وجوباً شرطياً؛ لأنه يستلزم عدم التكليف في الواقع بالوضوء والتيمّم لو ترك الطلب ولم يكن الماء موجوداً في الواقع، وهو مستبعد، بل وجوبه تعبدي لا يلزم لإحراز الواقع.

[ وجوب الطلب بمقدار غلوة سهمين في الأرض السهلة وغلوة سهم في الأرض الحزنة ]

ثم إنّ القدر الذي يعتبر الطلب فيه هو ما يستفاد من خبر السكوني(2)؛ لأنه منجبر ضعفه لو كان بعمل الأصحاب(3) به فيكون حجة ، فما صدر من مثل المحقق(4) من الطعن فيه وطرحه لضعف سنده بواسطة السكوني - مع قوله بانجبار السند بالعمل والفتوى بعيدٌ؛ على أنّه في المسائل العَزية (5) حكم بتوثيقه وإن كان فاسد المذهب، - وكأنَّ نظره قدس سره إلى إطلاق الأمر بالوضوء وإطلاقات أدلة الطلب في هذا الباب، وظاهر قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ﴾ (6) [ بادعاء ظهوره ](7) في الطلب بقدر العلم وإلا لم

ص: 170


1- حاشية من المقرر وهذا موضعها .
2- ) الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 202، ح 586 عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي علیهما السلام أنه قال: يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة سهم، وإن كانت سهولة فغلوتين، لا يطلب أكثر من ذلك».
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 47 ؛ الطباطبائي، رياض المسائل: 33/2.
4- المحقق الحلي المعتبر : 393/1 .
5- المحقق الحلي، المسائل العزية: ص 64 .
6- سورة النساء : 43 .
7- في الأصل بياض وما أثبتناه يقتضيه السياق.

يصدق عدم الوجدان، وقوله علیه السلام في رواية زرارة : فليطلب ما دام في الوقت»(1).

وبعدما عرفت انجبار الرواية بالعمل كما لو كان فيه ضعف، مع أنه حكم بتوثيقه جماعة(2) فيكون حجّة خصوصاً مع عدم معارض ظاهر له؛ لأنّ إطلاق دليل الوضوء لم يقل به أحد؛ لأنّ مقتضى إطلاقه وجوب الوضوء وطلب الماء في الوقت إلى أن يتصل(3) بل في خارج الوقت أيضاً، وأما قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا فالمراد به عدم الوجدان العرفي، أما عدم الوجدان العقلي فهو مطابق لرواية السكوني أو مقارب له.

وإطلاقات الطلب واسعة(4) لإثبات شرعية الطلب ، وروايته(5) محمول على خلاف ظاهرها؛ لأنه موجب العسر والحرج، إما بأنّ المراد فلينظر ما يكون الوقت باقياً ولم يتضيق، واستعمل فليطلب في الانتظار لمشاركة كل منهما في رجاء وجود الماء.

أو يكون المراد أن الطلب لا بُدَّ أن يكون في الوقت لا خارج الوقت ولا قبل الوقت.

فكيف كان فالرواية حجّة وكان المقدار المذكور فيها لبيان المعنى العرفي المراد لكون العرف مضطرته(6) .

والحاصل : أنّ ما يحصل من الأدلّة كون التيمم مشروطاً بعدم الوجدان المعتبر

ص: 171


1- الكليني، الكافي : 63/3 ؛ الطوسي، تهذيب الأحكام 1921 .
2- منهم البهبهاني، الحاشية على المدارك : 3 / 409 ، ونقل استفادة البعض ذلك ايضا من قول الشيخ قدس سره قلت له : ان الامامية مجمعة على العمل برواية السكوني وعمار ومن ماثلهما من الثقات يُنظر البهبهاني الفوائد الرجالية : 55 .
3- كذا في الأصل، والأصح: (الى أن يتضيق).
4- كذا في الأصل، والأنسب : (وافية).
5- أي رواية زرارة وهي: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب مادام في الوقت. الكليني، الكافي: 63/3؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 192.
6- كذا في الأصل، والصحيح: (مضطرباً).

هو أيضاً من حيث الطريقية إلى عدم الوجود لا من حيث الموضوعية، فلو تيمم مع رجاء حصول الماء وعدم الطلب يكون التيمم باطلاً لقضاء التعليق بعدم الوجدان به، مضافاً إلى الإجماع (1) على الشرطية (2) وأنّ الطلب أيضاً في صورة احتمال وجود الماء فلا يجب الطلب؛ لأن وجوبه لإحراز الواقع، والحال أنّه معلوم [العدم] فكيف يطلب؛ فما صدر أيضاً من الأردبيلي قدس سره(3) من حمل أدلة الطلب على الاستحباب ليس في محلّه؛ لعدم ما يوجب الحمل على خلاف الظاهر، وكان نظره إلى إطلاق بدلية التيمم ورواية نافية لوجوب الطلب(4) ، وهو فاسد ؛ لأنّ الإطلاق في مقام شرطية التيمم وهو عدم الوجدان، وقبل الطلب لا يتحقق عدم الوجدان.

و[أما] الرواية [ففيها]:

أولاً : [أنها] ضعيفة السند كما صرح به جماعة (5).

وثانياً : أنّها منزّلة على صورة الخوف كما هو الظاهر منه، كما يشهد به قوله علیه السلام بعضها: «إنّي أخاف أن يأكلك السبع» (6).

[ يجب الطلب في جميع الجهات المحتملة]

ثم إنّه على تقدير وجوب المقدار الذي دل عليه خبر السكوني -وهو غلوة سهمين في الأرض السهلة وغلوة سهم في الأرض السهلة وغلوة الحزنة، وهي الرمية المعتدلة

ص: 172


1- يُنظر : الفاضل الهندي، كشف اللثام 435/2 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 335.
2- أي شرطية الطلب.
3- الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 217 .
4- هي رواية علي بن سالم، تهذيب الأحكام: 1/ 202 .
5- المحقق الحلي، المعتبر ج 1، ص 392 الوحيد البهبهاني الحاشية على مدارك الأحكام: 2/ 90؛ النجفي، الجواهر : 79/5.
6- الكليني، الكافي: 64/3 .

رام معتدل بسهم بسهم معتدل في هواء معتدل، كما ذكره جماعة(1) وبعضهم(2) قال : بأنها عشر ثلث الفرسخ، وبعض(3) بأنه جزء من خمس وعشرين جزء من الفرسخ- فهل يطلب بهذا المقدار في جميع الجوانب المحتملة، أو يكفي الجهة الواحدة بناءً على إطلاق أدلة الطلب وإطلاق هذه الرواية، فيصدق الطلب بالمقدار بطلبه في جهة واحدة؟

الظاهر وجوب الطلب في جميع الجوانب المحتملة من جهة عدم صدق عدم الوجدان مع الطلب في بعض الجهات مع الاحتمال في الجهات الأخر.

واستفادة القيود(4) من الرواية؛ إما من جهة الترجيح بلا مرجّح أو دليل الحكمة بأنّ يقال: لا يمكن أن يراد الجهة الواحدة المعيّنة لعدم المعيّن، والواحدة غير المعينة أيضاً غير مفيدة؛ لأنّ الغرض من الطلب هو إحراز عدم الماء وهو لا يتحقق مع الطلب في الجهة الواحدة، فلا بُدَّ أن يُحمل على العموم الاستغراقي وجميع الجوانب. وفيه:

أولاً: أنّ دليل الحكمة في الامتنان، والمقام ليس منه.

وثانياً: أنّ استفادة العموم الاستغراقي من دليل الحكمة موقوفة على عدم الحمل على العموم البدلي، لعدم فائدته كما في «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ»(5) و«أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا »(6) ، وفي هذا المقام يمكن الحمل على العموم البدلي والحكم بالتخيير بين الجهات الأربع بناءً على صدق عدم الوجدان بمجرد ذلك.

أو بأنّ يقال: إنّ الغرض منها تحديد مقدار الطلب في كل موضع يجب الطلب

ص: 173


1- يُنظر : الشهيد الثاني المسالك : 1/ 109 ؛ الطباطبائي، رياض المسائل: 330/2؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 339/4 .
2- نقله الفاضل الهندي في كشف اللثام : 4352 ، بأنّ الميل عشرة غلاء والفرسخ ثلاثة أميال.
3- الفاضل الهندي، كشف اللثام 2 435 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 4/ 339 .
4- كذا في الأصل، ولعلّه (استفادة العموم).
5- سورة البقرة : 275 .
6- سورة الفرقان: 48 .

فيه، وهو الجانب المحتمل، إن كان الجميع فالجميع، وإن كان البعض فالبعض.

[ ما هو المناط في وجوب التيمم ؟]

ثم إنّ الظاهر أنّ المناط في وجوب التيمم هو عدم وجود الماء مع الطلب بأنّ يكون اعتباره من باب الطريقية إلى عدم الوجود، فلا يختص بحال دون حال سواءً كان ذلك في السفر أو الحضر، فالتقييد بالسفر في الآية باعتبار كون الغالب فيه عدم الماء، لا أنّ التيمّم مشروع في السفر .

لكن الظاهر من التحديد الوارد في خبر السكوني في الغَلوة والغلوتين كونه في السفر، لكن لا يختص بالسفر الشرعي الموجب للقصر، بل المراد به مطلق الخروج من البلد، ولو كان في البادية فيكون التحديد المذكور مختصاً بالبر.

وأما البلد فطلبه بمقتضى القاعدة من الطلب حتى يحصل اليأس ويتضيق الوقت، والظاهر أنّ الطلب المعتبر في عدم الوجدان لا يكون من باب التعبد المحض(1) حتى يجب حتى في صورة العلم بالعدم، بل من باب إحراز عدم الوجود به وكونه طريقاً إليه، ففي الحقيقة وجوب التيمم معلق على عدم الوجود الواقعي الذي لك إليه طريق سواءً كان الطريق هو الطلب أو العلم أو شهادة العدلين فالتخصيص بالطلب من باب كونه في الغالب طريقاً، فلو علم بعدم وجود الماء لم يلزم عليه الطلب؛ لانتفاء فائدة الطلب، وليس للطلب موضوعية حتى يلزم في صورة العلم أيضاً خلافاً للشهيد رحمه الله (2) حيث زعم كون الطلب تعبّدياً ويلزم في صورة العلم أيضاً، أو لإنتفاء الدليل على الطلب حينئذ، حيث إنّ أدلة الطلب في صورة الاحتمال لا في صورة الجزم بالعدم، فهل يكفي الظنّ بالعدم في سقوط الطلب، إذا لم يستند إلى سبب شرعي ؟

ص: 174


1- سبق من المصنف أن التزم بكون الطلب تعبدياً فلاحظ .
2- قال الشهيد الأول في الذكرى: 1/ 182): (لو تيقن عدمه سقط الطلب)، ونحوه في الدروس: 1/ 131 ، والبيان : 84 ، ولاحظ اللمعة : 23 ، والألفية: 46 ، فيظهر منها خلاف ما استفاده المقرر.

الظاهر عدم الكفاية؛ لعدم صدق عدم الوجدان ، ولأنّ الظاهر من اعتبار الطلب أنّه لدفع الاحتمال وإحراز عدم الوجود الواقعي، وهو قائم في صورة الظن، نعم، لو كان الظن بمرتبة يكون متاخماً للعلم بحيث يحصل اليأس فيه لا يبعد اعتباره؛ لأنّ العقل يصير مطمئناً به ولا يحكم بوجوب الطلب ويصدق عدم الوجدان.

وأما إذا استند الظن إلى سبب شرعي يكون معتبراً من جانب الشرع على سبيل العموم فالظاهر كفايته؛ لأنّه حكم بترتيب آثار الواقع عليه، فالحكم معلق على عدم الماء الذي لك إليه طريق، وبعد شهادة العدلين به يثبت عدم الوجود، وقام عليه طريق وهو إخبار العدلين فيكون الحكم مرتباً عليه.

[فى جريان الاستصحاب ]

ثم إنّه هل يكفي الاستصحاب هنا لو علم في زمان سابق بعدم وجود الماء واحتمل بعده وجوده أو لا يكفي؟

الظاهر من كلمات بعض(1) عدم الاعتناء بالاستصحاب ولزوم الطلب لو احتمل وجود الماء، ولعلّ وجهه إما من باب عدم صدق عدم الوجدان إذا احتمل، أو لعدم جريان الاستصحاب حينئذ ؛ لأنّ أدلة الاستصحاب تحكم بترتب آثار الواقع على المشكوك، وههنا ليس للواقع بمجرده حكم، بل الحكم للواقع مع قيام الطريق عليه، ولكنا حققنا في الأصول قيام الأصول مقام العلم(2) فلو كان معتبراً في الموضوع على وجه الطريقية، لأنا قلنا إنّ مفاد أدلة الاستصحاب هو ترتيب آثار المتيقن على المشكوك سواءً كانت الآثار للواقع مع قطع النظر عن اليقين، أو للواقع مع اليقين، والحكم هنا وارد على الواقع الذي قام عليه الطريق، وبعد الاستصحاب ثبت الواقع وقام عليه الطريق وهو الاستصحاب، وبعد هذا ظهر صدق عدم الوجدان حينئذ، فعدم اعتباره

ص: 175


1- النجفي، الجواهر : 84/5 .
2- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: 4 / 184 .

من باب استلزامه المخالفة الكثيرة في أمثال المورد.

فالحق بناءً على هذا التفصيلُ بين مضي زمان كثير من حين العلم بحيث يستلزم اعتباره المخالفة الكثيرة وعدم مضي الزمان الطويل، بل مضي زمان قليل بحيث لم يستلزم إجراؤه المخالفة الكثيرة، فيكون حجّة في الثاني دون الأول، فافهم.

وهذا الاحتمال الذي ذكرنا هو أحد الاحتمالات المتصورة، ويبعده قولهم بصحة تيمم من طلب الماء ولم يجده ، وكان في الواقع موجوداً، وهو لم يظفر عليه، بل ادعى بعض - كالعلّامة(1) - عليه الإجماع، وهو ينافي الطريقية المحضة؛ لأنه كان في الواقع موجوداً، ومقتضاه عدم صحة التيمم حينئذ.

إلا أنه يمكن أن يقال: إنّ حكمهم بهذا من باب الإجزاء واعتقادهم به، وليس من باب أنّ الطلب له موضوعية، والحكم على الطلب بشرط التيمم، فيكون صحيحاً، بل لقولهم بالإجزاء، وبعد تسليم الإجزاء يمكن الحكم بالفساد وقيام الإجماع عليه بواسطة مثل الإجزاء ونحوه، وحكم بواسطة هذه الأدلّة لا أنّ الحكم مسلّم عندهم ووصل اليهم يداً بيد، فالمستند حقيقةً هو إرسالهم، وحينئذ لا يمكن الحكم بعدم الحكم بواسطة حال هذه الأدلّة؛ إذ المستند حقيقة هو كونه مسلّماً عند العلماء، وهذه لتقريب المطلب ولا نسلّم أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل، إلّا أنّه يصعب القول به مع ذهاب المشهور (2) إلى الصحة .

والاحتمال الثاني هو أنّ المسوّغ عدم الإدراك وعدم الظفر عليه، سواءً كان مستحباً كما يقول به الأردبيلي قدس سره(3) أو يكون واجباً آخر بمقتضى أدلة الطلب، لا أن يكون معتبراً على وجه الشرطية، وكونه فاسداً مع الإخلال بالطلب لو فرض تصوّر

ص: 176


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 124.
2- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 345.
3- الأردبيلي، مجمع الفائدة: 217.1 .

قصد القربة.

ويبعده كونه خلاف الظاهر من عدم الوجدان؛ لأنّ الظاهر منه عدم الوجود مع الطلب، فيكون الأمر معلّقاً على الطلب وخلاف الظاهر من كلماتهم لحكمهم بعدم صحة التيمم لو أخل بالطلب ولو فرض تصور قصد القربة.

ويبعد الأول أيضاً لزوم تحصيل مقدّمة الواجب المطلق وهو الوضوء.

والثالث: أن يكون الطلب مأخوذاً على وجه الموضوعية، فبدونه لا يصح التيمم كما هو الظاهر من الآية، وهذا على إطلاقه أيضاً مشكل؛ إذ يلزم في صورة العلم عدم صحة التيمّم أيضاً، مع أنّ الظاهر أنهم مطبقون(1) على نفي اعتباره في حال العلم وصحته بدونه مع أنّ الظاهر من المحقق والعلّامة(2) هو كون الطلب طريقاً والمناط عدم الوجود، كما يشهد به العبارة المنقولة عن محكي المعتبر(3) وهي: (إنّ عدم الوجود غير متحقق مع الإمكان فيجب الطلب؛ لأن الطلب وسيلة إليه).

والرابع: كون الشرط أحد الأمرين : إما عدم الوجود واقعاً ولو مع عدم الطلب، إذا لم يحصل الإخلال بالنسبة إلى نية القربة مثلاً في حال الغفلة عن الطلب واعتقد الفحص، والحال أنه لم يتفحص عنه.

أو عدم الإدراك في حال الطلب ويُثمر التعميم في مورد الغفلة وفي حال النسيان مع عدم الوجود في الواقع.

أمّا إثبات الأول فيمكن من فهم بعض المحققين ذلك كالمحقق والعلّامة، كما يشهد به بعض عباراتهم ، ومن أنّ المناط حقيقةً هو عدم وجود الماء؛ لأنّ التيمم بدل عن الوضوء والوضوء ثابت في حال وجود الماء بحكم العقل، ومع عدمه يسقط التكليف

ص: 177


1- یُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 335 .
2- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 392؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 47 .
3- حكاه عن المعتبر جمع ، منهم البحراني، الحدائق: 4 / 258 .

بالوضوء، ولو لم يكن التيمم ثابتاً أيضاً يلزم سقوط التكليف رأساً، وكونه كفاقد الطهورين، ولا يُعلم التزامهم بهذا المطلب.

والعمدة في ذلك إطلاقات التيمم مثل قوله علیه السلام : «التيمم أحد الطهورين»(1) .

وقوله علیه السلام في آخر: «ربُّ الماء هو ربُّ الصعيد»(2).

وقوله علیه السلام: «يكفيك الصعيد عشرَ سِنين»(3).

وقوله علیه السلام: «فإن فاتك الماء لم تَفتُكَ الأَرضُ»(4).

وأمثال ذلك مما يدلّ على مشروعية التيمّم على الإطلاق خصوصاً قوله علیه السلام: «التيمم أحد الطهورين»(5)؛ حيث يدلّ على أنّ التراب طهور مثل الماء، والتيمم طهارة مثل طهارة الماء، خصوصاً بملاحظة استشهادات الإمام علیه السلام في الموارد، مثلاً يقول علیه السلام: لا تطلب فإنّ «التيمم أحد الطهورين»، «رب الماء و رب الصعيد واحد»(6) يعني: أنّ الذي جعل الماء طهوراً جعل التراب أيضاً طهوراً ، فلا فرق بينهما، بل يمكن التمسك بالإطلاقات في صورة عدم اليأس من وجود [الماء] والالتفات إلى الطلب ووجود الماء في الواقع، فكيف في صورة عدم وجوده، بل يمكن التمسك بالإطلاقات مطلقاً، خرج منه صورة وجود الماء فعلاً، وبقي الباقي تحت الإطلاق، كما نفى عنه البعد جمال الملة والدين في شرحه على اللّمعة(7).

وما يقال: من أنّ هذه الأخبار ليست في مقام الإطلاق، وكونه طهوراً مطلقاً،

ص: 178


1- الكليني، الكافي : 3 / 64 الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1 / 105 .
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 371 أبواب التيمم باب: 14 ح 17 .
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 3 / 369 أبواب التيمم باب: 14 ح12 .
4- الكليني، الكافي: 63/3؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 203.
5- الكليني، الكافي : 64/3 الصدوق، من لا يحضر الفقيه : 1 / 105 .
6- الكليني، الكافي : 65/3 ؛ الطوسي، الاستبصار : 128/1 .
7- جمال الدين الخونساري، حاشية على اللمعة (ط.ح): 398.

بل في مقام الحكم بطهوريته في حال تسويغه وساكتة عن بيان حال مسوغيته وكيفيته.

مدفوعٌ: بأنها مطلقةً يفهم الإطلاق من بعضها، بحكم مثل: «التيمم أحد الطهورين» ومن ملاحظة استشهادات المعصوم علیه السلام وليس لها مانع إلّا ما يظهر في بادئ الرأي من الآية، حيث علّق فيها الحكم بالتيمم على عدم الوجدان، وهو ظاهر في عدم الوجود مع الطلب.

وظاهرُ التعليق هي السببية المنحصرة ، فيُفهم منها أنّ السبب هو هذا لا غيره فتقيّد الإطلاقات.

وهو مدفوع :

أولاً : بأنّ الظاهر منها هو صورة احتمال وجود الشخص الماء والتفاته إلى الطلب، فيكون مفادها أنّ الشرط في هذه الحالة هو عدم الوجود بعد الطلب، وأما كونه شرطاً مطلقاًحتى في صورة الغفلة، بمعنى بطلان التيمم لو التفت فلا يدل عليه.

وثانياً : أنّ الشرط وارد مورد الغالب فلا يكون له مفهوم؛ لأنّ عدم الوجود لا يؤثر إلّا مع الطلب غالباً، ولا يتصور الفائدة في الغالب إلا بعد الطلب، وعدم الوجود الواقعي لا تفيد إلا في حال الغفلة والنسيان، وفي غيرهما لا يتميّز (1) بواسطة عدم إمكان قصد القربة؛ لأنّ مقدّمة الواجب المطلق وهي الوضوء واجبة، فيلزم تحصيلها، فلا يكون للشرط مفهوم حتى يقيد به الإطلاقات .

وثالثاً: لو سلّمنا عدم وروده مورد الغالب، لكن لا نُسلّم دخول الطلب في عدم الوجدان حتى يكون المفهوم أعمّ من عدم الوجود مع عدم الطلب، فتقيّد الإطلاقات.

وتفصيله : أنّه يُحتمل احتمالات في عدم الوجدان بالنسبة إلى الطلب:

الأول: أن يكون داخلاً في مفهوم عدم الوجدان ، بمعنى دخول الطلب في هذه

ص: 179


1- كذا في الأصل ولعلّ الصحيح: (لا يثمر).

المادة [ الخاصة ](1) فيكون معنى ( وجدَ) هو الوجود مع الطلب، وعدم الوجدان هو عدم الوجود مع الطلب.

والثاني: ان الطلب قيد مستفاد من التركيب، أي من النفي المضاف إلى عدم(2) الوجدان، فيكون قيد الطلب من خواص التركيب لا أن يكون مأخوذاً في مادة الكلمة.

ففي هذين الاحتمالين يكون المفهوم من الآية هو عدم التيمم عند عدم الوجدان، فيكون له فردان، بل أفراد وهي: عدم الوجود أو عدم الوجود مع عدم الطلب أو عدم الطلب مع الوجود، فيكون عدم الوجود داخلا في المفهوم، ومقتضى التعليق عدم ثبوت التيمم فيه، فيكون منافياً للإطلاقات؛ فتقيّد.

والثالث: أن يكون الوُجدان موضوعاً في اللغة لمعنى بسيط، وهو الفرد الخاص من عدم الوجود وهو عدم الوجود بعد الطلب، لا أن يكون التركيب معتبراً فيه كزيد الموضوع للفرد الخاص من الإنسان، وهو أيضاً موضوع للفرد الخاص من عدم

الوجود.

والرابع: أن يكون بمعنى عدم الإدراك فقط، فلا يكون الطلب قيداً في هذين الاحتمالين ويكون المعنى شيئاً بسيطاً فيكون المفهوم نفيه على الخصوص؛ لأنه يكون المفهوم من «فَلَمْ تَجِدُوا »، إن وجدتم أي إن لم تظفروا، وإن تظفروا، فيكون حال عدم الوجود خارجاً عن المفهوم والمنطوق فلا تُنا في الإطلاقات، لكن ذلك حقيقةً إنّما هو بعد الفراغ عن الطلب ووجوبه بمقتضى وجوب المقدّمة، والقاعدة العقلية المستفادة من الأمر بالوضوء عند إرادة الصلاة وكونه مقدّمة الواجب المطلق، فكان هذا الكلام بعد الفراغ المذكور بمنزلة قوله : أيها الطالب إن لم تُدرك الماء فتيمم، وإن أدركت الماء فتوضأ، وهذا المعنى الآخر هو الظاهر منه بحسب العرف واللغة.

ص: 180


1- في الأصل بياض بمقدار كلمة وما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- كذا في الأصل والصحيح رفع كلمة: (عدم).

ويساعد كون المراد عدم الإدراك لا غير. ما يظهر من بعض الأخبار الواردة في هذا الباب من كون التيمم معلّقاً على الإصابة ولها موضوعية بالنسبة إليه مثل قوله علیه السلام : «فإن أصابَ الماءَ بعد ما تيمّم» (1) فعلى هذا لا تنافي بين الآية والإطلاقات؛ لأنّ المفهوم هو الإصابة لا عدم الوجدان، فلا تكون صورة عدم الوجود داخلة أصلاً، فتكون الإطلاقات ناهضة بإثبات موضوعية عدم الوجود للتيمم وليس لها معارض إلّا ما يظهر من بعض الأخبار الدالّة على وجوب الطلب بعد عدم الوجود، مثل خبر زرارة: إذا لم يجد فليطلب حيث إنّ الظاهر منه عدم الاكتفاء بعدم الوجود ووجوب الطلب

على الإطلاق ،وغيره، ويحتمل فيه وجوه :

الأول: أنّ يكون المراد بعدم الوجدان هو عدم الوجدان عنده، ويكون الأمر بالطلب للوجوب، وقوله علیه السلام: ما دام في الوقت(2) بيان لوقت الطلب، يعني: إنّ الطلب الواجب وهو الغلوة أو الغلوتين في الوقت لا قبله مثلاً؛ لأنّ المراد وجوب الطلب ما دام الوقت باقياً.

إلا أنّ ظاهر قوله علیه السلام أخيراً : «فإذا خشي أن يفوته الوقت فليتيمم»(3) ينافي كون المراد بيان وقت الطلب؛ لأنّ ظاهره أنّه يلزم الطلب حتى إذا خاف فوت الوقت، وحينئذ لا يطلب بل يتيمم.

إلا أنه يمكن أن يقال: إنّ كون المراد بيان وقت الطلب مضروب للطلب فيه من أول الوقت إلى أن يضيق الوقت، فحينئذ ليس وقت الطلب بل فات وقته حينئذ.

والثاني: أن يكون الأمر للإرشاد إلى إحراز عدم الماء، يعني: أن طريقة الطلب(4). والثالث: أن يكون المراد بعدم الوجدان هو عدم الوجدان في مقدار الغلوة

ص: 181


1- يُنظر الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 193 باب التيمم ح 32 و 33 .
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 192 باب التيمم ح 29 .
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 192 باب التيمم ح 29 .
4- كذا في الأصل.

والغلوتين، وحينئذ يحمل الأمر بالطلب على الاستحباب ونقول: باستحباب الطلب إلى ضيق الوقت يكون (1) تناف بينه وبين الإطلاقات.

فثبت أنّ الشرط أحد الأمرين إما عدم الماء واقعاً أو عدم الظفر به؛ يكون الأول مستفاداً من الإطلاقات والثاني من الآية؛ لكن هذا إنّما يكون بعد الفراغ عن لزوم الطلب بمقتضى لزوم تحصيل مقدّمة الواجب المطلق، فكأنه يكون مدلول الآية: أيها الطالب للماء إن لم تجد الماء فتيمم وإن وجدت الماء فتوضأ .

ويُحتمل ضعيفاً أنّ المراد بعدم الوجدان هو السبب بانتفاء الموضوع، يعني: إن لم تجد الماء ولو بواسطة عدم الوجود.

وحاصله: إن لم يكن الماء [موجوداً] فيطابق الشرط الأول، لكن هذا ضعيف جداً مع أنه خلاف الظاهر إلا أنه بعد هذه التكلّفات لإثبات الشرط الأول لا يتم هذا الشرط؛ لأنّه لا يعلم عدم وجود الماء إلّا بعد الطلب، إلّا في حال الغفلة عن الطلب ولم يكن الماء موجوداً في الواقع؛ فيحكم بالصحة بعد الانكشاف، إلّا أنّ هذا الظاهر يمكن كونه من باب الإجزاء.

ثم إنّ الطلب شرط في التيمم إجماعاً (2) [و] واجب بمقتضى الأخبار(3) وبمقتضى وجوب تحصيل الواجب بإتيان مقدمته.

ثم إنّ شرطيته ليست تعبدية (4)، بل بواسطة إحراز عدم الماء، ففي حال العلم بعدم وجود الماء يسقط الطلب.

ص: 182


1- كذا في الأصل، والصحيح: (فلا يكون تناف).
2- العلامة الحلي، التذكرة: 2/ 150 .
3- الكليني، الكافي : 63/3 .
4- سبق من المصنف أنه اختار كونه تعبدياً. لاحظ : (وجوب الطلب تعبدي لا شرطي).

[جواز الاستنابة بالطلب بشرط حصول العلم بقول النائب ]

ثم إنّه هل يجوز الاستنابة في الطلب ويقبل قوله، ويسقط الطلب بقوله أم لا یقبل؟

فيه تفصيل: وهو أنّه إن حصل العلم بقوله يقبل، وإلا فلا دليل على اعتباره وسقوط الطلب بقوله، وإن كان يظهر قبول قوله ؛ لأنه حجّة شرعية بواسطة عمومات الوكالة ولأنّ النائب أمين، ومقتضى الأخبار عدم التهمة على الأمين، مثل قوله علیه السلام : «لا تتهم من ائتَمَنْتَ» (1) ومقتضى عدم التهمة قبول قوله.

وفيه: أنّ مقتضاها عدم تكذيبه، بل لو جعلت له أجرة يلزم إعطائها، بل ترتب الآثار التي بيدك، وأما قبول قوله في التكليف الإلهي فلا يلزم منها.

وأما قبول قول العدلين أيضاً فإنّما يتم بالنسبة إلى الشرط الأول وهو عدم الوجود بواسطة عموم الأدلة الدالة على قبول قولهما وترتب آثار الواقع عليهما.

وأما بالنسبة إلى الشرط الثاني فالظاهر عدم قبولهما، لأنّ عدم الإدراك فعل من أفعال الشخص نفسه ولا يتحقق بالنسبة إلى غيره وكذا حال الاستصحاب من التفصيل الذي ذكروا مضافاً إلى أن عدم الوجدان لا يكون سابقاً حتى يستصحب إلا أنّ الاستصحاب لا يجري بالنسبة إلى الشرط الأول أيضاً ؛ لاستلزامه المخالفة الكثيرة، وأمّا مع عدم الاستلزام فلا يبعد حُجيّته .

هذا كله إلا أنه لا يثمر إثبات هذا الشرط وهو عدم الوجود واقعاً؛ لأنّ غاية ثمرته في صورة الغفلة وصورة النسيان حتى يمكن قصد القربة فيصح التيمم فيها بناءً عليه لانعقاد الإجماع على الشرطية مطلقاً وعدم صحة التيمم بدون الطلب مطلقاً حتی في صورة الغفلة كما ادعاه جماعة (2) .

حتى

ص: 183


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 19/ 81 كتاب الوديعة باب ثبوت الضمان على المستودع مع التفريط ح9.
2- منهم : الفاضل الهندي كشف اللثام: 2/ 438.

وعلى تقدير ثبوت الإجماع على الشرطية حتى في صورة الغفلة يمكن في كون الحكم بالوجود(1) من باب الإجزاء لا من باب كون الشرط هو الأمر الواقعي.

ثم إنّ الإجماع قائم على شرطية الطلب للتيمّم وان لم تكن مستفادة من الآية وغيرها، فيكون التيمم بدون الطلب فاسداً، إلا في صورة العلم بعدم وجود الماء في موضع الطلب فإنّه ساقط حينئذ، لأنّ الطلب على تقدير الشرطية ليس له تعبدية حتى يلزم حينئذ، بل لإحراز عدم الوجود، ومع العلم يكون عدم الوجود حاصلاً وليس للطلب فائدة.

ثم إنّه لو علم وجود الماء في مكان أزيد من الغلوة والغلوتين فاللازم حينئذ طلبه؛ لقضاء إطلاق الأمر بالوضوء بذلك، ولزوم تحصيل مقدّمة الواجب المطلق وعدم صدق عدم الوجدان حينئذ، وإطلاق حسنة زرارة: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت(2) ولا ينافيه إلا خبر السكوني حيث نفى الطلب في أزيد من الغلوة والغلوتين، ويمكن دفعه أيضاً:

أولاً بأنّ الظاهر منه هو صورة الاحتمال كما يشهد به لفظ الطلب، وصورة العلم خارجة منه.

وثانياً : أنه ضعيف سنداً لا يقاوم الأدلّة العقلية وانجباره بعمل الأصحاب [إنما هو ] بالنسبة إلى لزوم الطلب في الغلوة والغلوتين، وأما بالنسبة إلى عدم لزوم الطلب في الأكثر في صورة العلم بوجوده في الأزيد فلا يثبت انجباره، بل العمل على خلافه.

وأما في صورة الظن بالوجود في الأزيد فالظاهر عدم لزوم الطلب - كما صرّح به بعضٌ(3) - لصدق عدم الوجدان وخبر السكوني ولعدم العلم بوجود الماء في الواقع

ص: 184


1- كذا في الأصل، والصحيح: (بالصحة).
2- الكليني، الكافي : 63/3 ؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 192.
3- البحراني، الحدائق : 4 / 251 .

حتى يجب عليه الصلاة مع الطهارة المائية فيلزم تحصيل مقدماته، إلا أنه لا يبعد الحكم بالوجوب في صورة حصول الاطمئنان بعدم [صدق] عدم الوجدان عرفاً حينئذ.

إنّه بناءً على الشرطية لو أخلّ بالطلب حتى ضاق الوقت عن الطلب حصول شرط الطلب وهو الرجاء وعدم المانع من الخوف ونحوه؛ أثم ويكون معاقباً، وصحّ تيممه وصلاته.

فهنا :مطلبان :

الأول: كونه آثماً بترك الطلب.

والثاني: صحّة التيمّم.

أمّا إثبات الأول فمن أحد وجهين:

الأول: أنّ مقتضى إطلاقات الأمر بالوضوء هو التكليف بالصلاة مع الطهارة المائية ما دام متمكنا منها ، والمكلف بواسطة ترك التكليف(1) يفوت هذا التكليف عن نفسه وإن تعلق عليه التكليف في الطهارة الترابية بعد ترك الطلب حتى يتضيق الوقت نظير ما لو أراق الماء الموجود مع علمه بعدم التمكن [من] الماء بعده إلا أنه يكون الفرق بين ما نحن فيه وبين إراقة الماء الموجود، حيث إنّ التكليف بالصلاة مع المائية منجز عليه في صورة الإراقة ؛ لأنّه كان متمكناً منه فيعادل (2) على ترك هذا التكليف بخلاف ما نحن فيه، حيث إنّه لا يعلم بتكليفه بالصلاة مع المائية لاحتمال عدم الماء، فيكون هذا التكليف دائراً مدار وجود الماء ،وعدمه، إلا أنّه يمكن الحكم بكونه آثماً مع ترك الطلب في الصورتين، أما في صورة وجود الماء في الواقع يكون معاقباً بواسطة [ تفويت] التكليف وأمّا في صورة عدم الماء أيضاً يكون معاقباً بواسطة التجري إن قلنا بكونه معصية أو في حكم المعصية كما هو المشهور (3)؛ لأنه يحتمل وجود الماء، فيلزم عليه

ص: 185


1- كذا في الأصل والصحيح: (ترك الطلب).
2- كذا في الأصل والصحيح: (فيعاقب).
3- يُنظر: الروزدري ، تقريرات المجدّد الشيرازي: 3/ 281.

الطلب للزوم تحصيل مقدّمة الواجب، فتجرّى ولم يطلب.

وأمّا الثاني: [ف]بواسطة أدلّة التيمم، حيث إنها دالة على وجوب الصلاة مع التيمم المسبوق بالطلب وبواسطة ترك الطلب يسقط هذا التكليف المقيّد، وإن كان التكليف بالطهارة المطلق(1) حينئذ ثابتاً عليه ففي الحقيقة يكون العقاب بواسطة تركه أحد التكليفين.

وأما صحّة التيمم فقد استدل عليه بوجوه:

الأول: الأصل، والمراد به أصل البراءة أو الاستصحاب، وكلاهما ليسا في محلّها. أمّا تقرير أصل البراءة فبأن يقال : بناءً على جريان البراءة في الأجزاء والشرائط المشكوكة، وهنا أيضاً يكون الشك في شرطية الطلب في صحة التيمم - حتى في صورة الضيق وعدمها ، ففي الحقيقة يكون الشك في شرط الصلاة؛ لأنّ التيمم شرط في الصلاة والطلب شرط فيه فيكون شرطاً فيها؛ لكون شرط الشرط شرطاً فالأصل عدم الشرطية حتى في هذه الحالة، ومرجعه إلى كون شرطيته شرطية مقيّدة لا مطلقة. وفيه أولاً : أنّه معارض باستصحاب الشرطية، وهو وارد عليه أو حاكم بناءً على كون [حجيته] من باب عدم البيان أو من باب الأخبار الدالة على أنّ كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي (2).

وثانياً أنّ الأصل في باب الطهارات منعكس، بل الأصل هو بل الأصل الاشتغال؛ لأنّ المطلوب فيها هو رفع حكم الحدث والطهارة وهذا مبين مفهوماً، والشك فيما يتحقق به، فيكون(3) من المبين المفهوم في المجمل المصداق فيجري الاشتغال؛ لأنّ الوضوء شيء

ص: 186


1- كذا في الأصل، ولعلّ الأنسب : ( وإن كان التكليف بالصلاة مع التيمم المطلق).
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1 / 317 .
3- ذكر المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (متعلقاً بالأفراد لا بالعنوان فإذا شك في كون الصلاة مع التيمم بغير الطلب صلاة مع غير الطهور فحينئذٍ نستكشف من عموم العام كونها مع الطهور؛ لأنها لو لم تكن مع الطهور يلزم المناقضة؛ لأنه بمنزلة ان يقول هذه الصلاة مع التيمّم بغير الطلب مطلوبة لتعلق العام بها وليست مطلوبة لتعلق الخاص بها بخصوصيتها فهو مناقضة بينة، فنقول: إنّ مقتضى عموم العام كونها الطهور لئلا يلزم المناقضة وهذا نظير قوله : (أكرم العلماء) باعتبار الأفراد يعني: زيد وعمر وبكر و ( لا تكرم الفساق بخصوصياتها؛ فإذا شك في كون زيد العالم فاسقاً أم لا؟ نقول: بعدم كونه فاسقاً لتعلق الأمر والنهي به وهو محال نعم لو كان المخصص ملحوظاً بعنوان الفاسق، فلو شك في كون زيد فاسقاً يكون من قبيل الشك في المصداق لأن المخصص ملحوظ بالعنوان وهو معلوم، فيكون الشك في الحقيقة. فلا يمكن التمسك بعموم العام لكن الإشكال في إثبات كون المخصص ملحوظاً بعنوان الخصوصيات لا بالعنوان لأن الظاهر أن المخرج هو عنوان فاقد الطهور لأن الألفاظ المأخوذة ظاهرة في العنوان فحينئذ الأولى أن نقول في مقام الاستدلال لهذه العمومات بما ذكرنا أولاً في التمسك بالاجماع. إنما يكون مع التيمم ويكون التيمم صحيحاً، والخصم يقول بعدم صحة التيمم مع فرض عدم الصلاة، وأما مع صحته ووجوبه فلابد أن نقول بصحته أيضاً وبعبارة أخرى المخصص على فرض التخصيص ليس ملحوظ بالخصوصيات وفي الحقيقة المخرج حالات خاصة مثل فاقد الماء والتراب وواجدهما مع تقدير استعمالهما ككون الماء مسخناً ولا يتمكن من استعماله مع فقد التراب وعدم التمكن من استعماله، والعام أيضاً يكون ملحوظاً بعنوان خصوصياته الأفراد فيكون معناها عدم السقوط في بيان الطلب وفي بيان عدم الطلب وفي حال المرض وعدمه وغيرها، فيكون كل من العام والخاص، لأنه بالطلب يحقق عدم الوجدان فلا ينافي تحققه بغيره أيضاً، وما يتمسك به في منع إطلاق الشرطية وهو أن الوجوب الشرطي المستفاد من قوله علیه السلام :« فليطلب» مقيداً بحالة الإمكان فيما لم يكن فيه الطلب متمكناً لم يكن واجباً فيه فلم يكن شرطاً حينئذ لأن الشرطية مستفادة من الأمر بالطلب. مدفوع بأن الشرطية حكم وصنف مستفاد من مقدمية الطلب لتحقق الماء، والمقدمية غير مقيدة بحالة الإمكان فالشرطية ثابتة لها والوجوب أيضاً تابع للشرطية ولا يلزم من عدم إمكان الطلب في حال عدم الإمكان تفيد منشأ الشرطية وأي المقدمية بل الطلب بصورة الإطلاق ومن تصور تعلق الطلب لغير المتمكن غير موجود في المقدمة بل ثابتة في حالة الإمكان وعدمه.

واجب بنفسه كما يرشد إليه تعبيرهم عن الوضوء بالتطهير ، وعن الغسل بالأطهار، وإن كان يظهر من بعض الأخبار كون الوضوء شيئاً مستقلاً يكون واجباً بنفسه مثل قوله علیه السلام : «إِنَّ الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه. وإن المؤمن لا ينجسه شيء، وإنّما يكفيه مثل الدهن» (1) إلا أنه يحتمل أن يكون المراد منه نفي وجوب جريان الماء؛ لأنّ الغرض منه ليس إزالة النجاسة حتى يلزم فيه جريان الماء؛ لأنه شيء واجب

ص: 187


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1 / 39 .

في حد ذاته، إما بغرض التطهير ورفع الحدث، فإذا كان المراد والمأمور به هو التطهير وإزالة حكم الحدث وذلك مبين ولو شك فيه يكون الشك إنما يتحقق به محلاً للاشتغال.

وثالثاً: أنّ الأصل من قبيل الأصل المثبت، به يثبت أصل التكليف بخلاف سائر الموارد، حيث إنّ التكليف فيها ،محقق، ويكون الشك في المكلف به، وهنا لم يعلم أصل التكليف بواسطة احتمال كون هذا الشرط شرطاً في الواقع؛ والوقت لا يسع الصلاة مع هذا الشرط، فيكون الشك في أصل التكليف، وهذا بخلاف الشك في شرطية الطلب في سعة الوقت فإنّ التكليف هناك محقق ، ولو كان هذا الشرط شرطاً لسعة الوقت للفعل هذا الشرط وهو الطلب فيكون المكلف متمكناً من الفعل، فيكون التكليف ثابتاً، وعلى تقدير كون الشرط شرطاً ففي الحقيقة يكون المقصود إثبات التكليف بالصلاة مع التيمم بغير الطلب.

وإن كان المراد بالأصل هو الاستصحاب أي استصحاب وجوب الصلاة ففيه :

أولاً : أنّه لا بُدَّ في الاستصحاب من إحراز الموضوع، وهنا لم يكن الموضوع محققاً، وأنه أيُّ شيء؛ ء؛ لاحتمال كون الواجب هي الصلاة مع التيمم المقيّدة بالطلب إلى آخر الوقت، فلا يكون الموضوع ثابتاً حتى يستصحب حكمه.

وثانياً: أنّه على فرض جريان الاستصحاب من جهة تسامح العرف في حكمهم ببقاء الموضوع ولا يعتدون بهذا المقدار من المخالفة فيثبت بالاستصحاب وجوب الصلاة مجملاً، وبواسطة شرطية الطهور في الصلاة نحكم بوجوب الصلاة مع التيمّم الذي فقد شرطه ، فهذا يكون من قبيل الأصل المثبت؛ لأنه إنما يتفرع على نفس الاستصحاب وجوب نفس الصلاة، وأمّا أنّه إذا كانت الصلاة واجباً فلا بُدَّ أن يكون واجباً مع هذا التيمّم فهو أمر آخر يستفاد من شيء آخر، ففي الحقيقة يكون الدليل مركباً من جزئين الاستصحاب، وقوله علیه السلام: «لا صلاة إلا بطهور» (1).

ص: 188


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1 / 58 .

والثاني من وجوه الاستدلال : هي العمومات الدالة على عدم سقوط الصلاة بحال (1) ، بناءً على ورودها في الشرائط والأجزاء المتعذرة جميعاً، حيث تدل على عدم سقوط الصلاة في حال من الأحوال، فكلما فقد شيء لا بُدَّ من الإتيان بالباقي، وههنا يكون التكليف بالصلاة المشروطة بالتيمم المشروط بالطلب، فإذا تعذر الشرط وهو الطلب فمقتضى العمومات عدم سقوط الصلاة وثبوت الصلاة، وهذا المقدار لا يكفي في إثبات صحة التيمّم ، بل مقتضاه ثبوت الصلاة بدون التيمم بواسطة فقدان شرطه فلا بُدَّ في إثبات صحة التيمم من أحد وجهين:

[ الأول]: إمّا القول بأنا وخصمنا معترفان بأنّه إذا وجبت الصلاة حينئذٍ لا بُدَّ من التيمم.

[الثاني]: وأما من باب أنّ مقتضى هذه العمومات وجوب الصلاة حتى على فاقد الطهورين إلا أن العمومات الدالة على شرطية الطهور في الصلاة حقيقتها(2) فيكون المراد منها بواسطة هذا التخصيص عدم سقوط الصلاة إلا في [حال] فقدان الماء والتراب وعدم سقوطها في غيره وههنا يكون التراب موجوداً، فلا بُدَّ من الصلاة مع التيمم إلا أنه يردُ الإشكال حينئذ أنّ العمومات خُصصت بمخصص مبين مفهوماً ومجمل مصداقاً؛ لأنّ الطهور هو ما يحصل به الطهارة والشك في أنّ التيمم الذي فقد شرطه هل هو مصداق لهذا المفهوم أم لا ؟ ففي الشبهة المصداقية لا یصح التمسک بالعمومات كما هو واضح.

إلا أنّه يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من عموم ) عدم سقوط الصلاة بحال؛ عدم سقوطه في الموارد الجزئية أي سواءً طلب أم لم يطلب وسواءً فرّط في الطلب أو لا.

فكأنه قال: المفرط في الطلب إلى تضيق الوقت لا يسقط عنه الصلاة.

ص: 189


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 2 / 605 باب 1 من أبواب الاستحاضة حديث 5 .
2- كذا في الأصل، والصحيح: (خصّصها).

فيستفاد منه و مما علم يقيناً من الشرع عدم الصلاة مع فقد الطهور أنّ طهوره هو هذا التيمم. ففي الحقيقة لا يكون تخصيصاً حتى يكون المخصص مجملاً مصداقياً، بل يستكشف من عدم سقوط الصلاة حتى في حال التفريط وعدم الصلاة مع فقد الطهور أن طهوره هو هذا.

والثالث: منع إطلاق الشرطية حتى في صورة الصلاة(1) مع التفريط بالطلب:

أولاً: بمنع إطلاق أدلّة الشرطية مثل : حسنة زرارة وخبر السكوني(2)) بأن يقال: أما حسنة زرارة فهي تدل على أنّ الطلب الذي هو شرط في مورده لا بُدَّ أن يكون في الوقت لا قبله.

وأما خبر السكوني فبأنّه مسوق لبيان مقدار الطلب في مقام يجب الطلب ونفي وجوب الزائد ويشهد له قوله علیه السلام : « لا يطلب أكثر من ذلك»(3) .

وثانياً : أنّه على فرض إطلاقها لا بُدَّ من تقييدها بصورة التمكن من الطلب؛ لأنّه لو لم يكن متمكناً من الطلب في الظاهر لا يكون الطلب حينئذ شرطاً إجماعاً.

فحينئذ إن كان المقيّد هو الإجماع فيقتصر على مورده ولا يثمر لنا.

وإن كان المقيّد هو ظاهر الآية؛ لأن المعلّق عليه التيمم هو عدم الوجدان وهو صادق مع عدم التمكن من الطلب فعلاً كما يشهد به تمسكهم لصدق عدم الوجدان هنا.

والظاهر صدق عدم الوجدان في المقام أيضاً؛ لأنّ عدم الوجدان مختلف باختلاف الموارد؛ لأنّ الظاهر من الآية عدم الوجدان مع عدم وجوب (4) الصلاة والتمكن منها لا عدم الوجدان ولو مع فوت الصلاة.

ص: 190


1- كذا في الأصل، والصحيح: (في صورة الضيق).
2- الطوسي، الاستبصار : 1 / 165 .
3- نفس المصدر.
4- كذا في الأصل، والصحيح: (فوت).

فيكون حاصله: وإن لم تجدوا ماءً متمكنون من فعل الصلاة معه بقرينة سياق الآية وسابقها فإذا قمتم إلى الصلاة وأردتم الصلاة فاغسلوا .

فالوضوء مطلوبٌ في حال التمكن من الصلاة فإذا كان المراد بعدم الوجدان هذا لا عدم وجدان الماء ولو مع فوت الصلاة فالظاهر صدق هذا مع التفريط بالطلب أيضاً ههنا؛ لأنّه بالطلب يحقق عدم الوجدان فلا ينافي تحققه بغيره أيضاً.

وما يتمسك في منع إطلاق الشرطية هو أنّ الوجوب الشرطي المستفاد من قوله علیه السلام : «فليطلب» مقيد بحالة الإمكان، فما لم يكن فيه الطلب ممكناً لم يكن واجباً فيه، فلم يكن شرطاً حينئذ لأنّ الشرطية مستفادة من الأمر بالطلب.

مدفوعٌ: بأنَّ الشرطية حكم وضعي مستفاد من مقدمية الطلب لتحصيل الماء والمقدمية غير مقيدة بحالة الإمكان، فالشرطية تابعة لها والوجوب أيضاً تابع للشرطية، ولا يلزم من عدم امكان الطلب في حال عدم الإمكان تقييد منشأ الشرطية، وهي المقدمية، بل تقييد الطلب بصورة الإمكان، وفي قصور تعلق الطلب بغير المتمكن وهو غير موجود في المقدمية بل ثابتة في حالة الإمكان وعدمه.

وإن كان المقصود من أخبار الطلب هو سياقها مع عدم الوجدان(1) وبيان ما يتحقق به عدم الوجدان فلا تعارض.

وأما إذا كان المراد بها إثبات شيء آخر فيكون بين ظاهر الآية وظاهر الأخبار تنافياً، فلا بُدَّ أن ينظر أنّ التنافي بينها باعتبار الإطلاق والتقييد حتى يلزم تقيد الآية أو يكون التعارض بالعموم من وجه حتى يرجع إلى المرجح

والظاهر أنّ التعارض من قبيل الأول؛ لأنّ عدم الوجدان مطلق في حال التمكن من الطلب وعدمه إلا أن الأخبار لا تدلّ على عموم الشرطية، وليس لها إطلاق حتى يثبت به الشرطية في زمان عدم التمكن من الطلب.

ص: 191


1- كذا في الأصل ولعل الأنسب : (بيان معنى عدم الوجدان ).

والرابع : قوله علیه السلام في ذيل حسنة زرارة: «فإذا خاف أن يفوته فليتيمم وليصل(1) بناءً على أن التفريع ليس للطلب يعني إلى هذا الزمان بل يكون إما جملة مستقلة أو يكون التفريع باعتبار الوقت يعني: أنّ وقت الطلب الذي لا بُدَّ منه في محلّه إلى هذا الزمان، فإذا خاف فوت الوقت فقد مضى زمان الطلب المذكور.

أو يكون التفريع باعتبار الذكر كما هو متعارف من التفريع في مقام الذكر والاستدلال به يتم على هذه الاحتمالات؛ لأنه على هذه مطلق يعمّ ما نحن فيه، وإطلاقات بدلية التيمم أيضاً شاهدة على صحة التيمّم.

ومما ذكرنا يظهر ضعف مستمسك القائلين بعدم الصحة بدون الطلب، وهو الاشتغال واستصحاب الشرطية والأخبار وعدم صدق عدم الوجدان.

أما الاشتغال فلم يثبت حتى في محل النزاع.

وأما استصحاب الشرطية فلعدم إحراز الموضوع وهو الشرطية وكونها مطلقة أو مقيّدة؛ لأنّ ما دلّ على اعتبارها ليس لها إطلاق بل مقيّدة بصورة عدم الضيق.

وأمّا الأخبار فقد عرفت حالها.

وأما الآية فلما ذكرنا من صدق عدم الوجدان فيما نحن فيه؛ لأنّ المراد عدم وجدان الماء الذي يثمر للصلاة وعدم فوت الصلاة، وهو غير متحقق فيما نحن فيه؛ لأنّ عدم الوجدان يختلف باختلاف الموارد، ففي مورد السعة لا يصدق إلا مع الطلب، وفي مورد الضيق وعدم التمكن معه من فعل الصلاة يصدق بدون الطلب، ولذا قالوا(2) فيما لو لم يتمكن من الطلب من أول الوقت إلى آخره بصحة التيمم وصدق عدم الوجدان.

وفي صورة العلم بعدم وجود الماء في محل الطلب قالوا بعدم وجوب الطلب وصدقه بدونه فثبت صحة التيمّم والصلاة، ومقتضى صحة التيمم والصلاة عدم

ص: 192


1- الطوسي، الاستبصار : 1/ 165 .
2- ينظر: النجفي، الجواهر : 86/5.

وجوب الإعادة والقضاء لامتثال التكليف الواقعي الاضطراري، ولا يكون من التكليف الظاهري حتى يجري فيه الكلام بالإجزاء.

لأنّ التحقيق: أنّ الكلام في الإجزاء إنّما هو بالنسبة إلى الأوامر الظاهرية إما بالقياس إلى نفسها أو بالقياس إلى الأمر الواقعي، ولا يجري بالنسبة إلى الأوامر الظاهرية، لا بالقياس إلى نفسها أو بالقياس إلى الأمر الواقعي سواءً كان اختيارياً أو اضطرارياً؛ لأنّ احتمال عدم الإجزاء بواسطة حصول خللٍ عَرضَ في الأمر الظاهري وعدم مطابقته للأمر الواقعي المطلوب بنفسه وإن كان يظهر من بعض جريان الكلام بالنسبة إلى الواقعي الاضطراري، بل في الواقعي الاختياري كما قرّر في محلّه(1).

إلا أن يقال: إنّ هذا التيمم ليس من التكليف الواقعي البدلي حتى يقوم مقامه واقعاً وتترتب عليه آثاره، بل لمحض عدم إخلاء الزمان من التكليف، بل البدل المحقق هو التيمم مع الطلب.

إلّا أنّ هذا مدفوعٌ : باعتبار شمول إطلاقات بدلية التيمم له فيكون من التكليف البدلي ويترتب عليه آثاره وهو عدم الإعادة والقضاء.

إلا أنّه يظهر من جماعة من المحققين (2) وجوب الإعادة والقضاء وإن كانت أنه بعيد الإعادة لا تتصور؛ لأنا فرضنا في الضيق إلا باعتبار انكشاف الخلاف وهو مع يخرج عن محل الفرض؛ إذ الكلام في الضيق الواقعي واستندوا في ذلك إلى خبر أبي بصير وهو عن رجل كان في سفر ومعه ماء فنسيه وتيمّم وصلّى ثم ذكر الماء بعد خروج الوقت؟ قال علیه السلام : «عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة»(3) وهو مع عدم صحة سنده(4) ولا

ص: 193


1- العلّامة الأنصاري، مطارح الأنظار : 200؛ ينظر: الميرزا الاشتياني، بحر الفوائد: 178/2؛ علي القزويني، تعليقة على معالم الأصول: 365/7 .
2- يُنظر : البحراني، الحدائق : 4 / 256 ؛ البهبهاني، مصابيح الظلام: 4/ 264.
3- الكليني، الكافي : 3 / 65 ح 10 .
4- توقف البعض من جهة عثمان بن عيسى وبعضهم لاشتراك أبي بصير بين جماعة وللإضمار في الرواية.

يعلم خبره أيضاً؛ لاحتمال كون مرادهم ليس فيه دلالة على ما نحن فيه أبداً؛ إذ هو ظاهر في سعة الوقت وكلامنا في الضيق، وكلامنا في صورة الإخلال بالطلب ولم تدلّ عليه الرواية بل [هي] ظاهرة في وجود شرائط التيمم كلاً، إلا أنّ المانع منه نسيان الماء فلم نعلم أنّه كيف استندوا إليه في إثبات الحكم المخالف للقاعدة مع تصريح بعضهم مثل الشهيد(1) بكون الحكم مخالفاً إلا أنّ الخبر ألجأنا إلى القول بالإعادة. إلا أن يكون مراده بالخبر غير خبر أبي بصير وإلا فليس فيه دلالة على المدعى، مع أنه ضعيف، ولا يقول الشهيد بانجبار الخبر بالشهرة لو كانت (2).

فكيف كان القول بالإعادة لا يخلو من منع ؛ لاقتضاء الإجزاء عدمه.

ثم إنّ مقتضى الأصل في هذا الفرض مع قطع النظر عن قيام الأدلة هو الاحتياط بالإعادة والقضاء لو تصور الاحتياط؛ لأنّ التكليف ثابت يكون مردداً بين الإعادة والقضاء؛ لأنه يحتمل فوت التكليف عند ضيق الوقت بواسطة كون الطلب شرطاً على الإطلاق، حتى في صورة الضيق، فيكون التكليف بأصل الفعل حتى مع التيمم، غاية الأمركون وقت القضاء موسعاً لا بُدَّ من تحصيل الماء فيه وعدم الاكتفاء بالتيمم، بل لو أمكن تحصيل الماء حينئذ بحيث يمكن له استعماله يصح منه الفعل حينئذ، لكن قلنا إنّ مقتضى الأدلّة كون الفعل مردداً، وعدم شرطية الطلب حتى في الفرض المذكور، وقد عرفت أنّ الطلب شرط إلا في حال الضيق.

والطلب إنّما يتصور مع رجاء وجود الماء، فلو لم يرج وجود الماء في القدر الذي ذكر، وحينئذ بواسطة علمه بعدم الماء اعتقد عدم وجوب الطلب؛ لأنّ الطلب إنّما يكون مع رجاء الماء، فحينئذ إما أن يكون علمه هذا مطابقاً للواقع بأنّ لا يكون الماء في

ص: 194


1- لم أعثر على كلام الشهيد الأول ولكن الشهيد الثاني في روض الجنان : 1/ 343، قال: (وإنما قيدنا المسألة في الضيق تبعاً للرواية وفتوى الأصحاب).
2- لعله يريد الشهيد الثاني، فلاحظ المسالك : 2/ 156 ، الروضة البهية : 2/ 260 .

الوقت موجوداً، فحينئذ يصح التيمم بدون الطلب؛ لأنّ الطلب ليس تعبدياً محضاً(1)، بل لتحقق الماء، وحينئذ وإن قلنا بعدم صدق عدم الوجدان إلا أنه وجد شيء هو الغرض من شرطية عدم الوجدان وأعلى منه، وحصل أحد الشرطين اللذين ذكرناهما سابقاً وهو عدم الوجود.

ولو لم يكن علمه مطابقاً للواقع بأنّ كان الماء موجوداً في الواقع فالمكلف حينئذٍ بواسطة اعتقاده عدم الماء يعتقد عدم وجوب الطلب لعدم رجاء الماء عنده، فحينئذ فإنّ قلنا إنّ أدلّة وجوب الطلب مقيّدة بصورة الرجاء ويكون تقييداً لفظياً، بمعنى أن مفاد الدليل أنه يشترط الطلب في صورة الرجاء فلا بُدَّ من أنّ يقال بعدم وجوب الطلب وصحة التيمم للأمر بالتيمم حينئذٍ لعدم الشرطية حينئذٍ بمقتضى إطلاقات البدلية.

وإن قلنا إنّ هذا التقييد عقلي بمعنى أنّ أدلّة الطلب مطلقة، غاية الأمر أنّ العقل يحكم بعدم الطلب حين عدم الرجاء، فحينئذٍ يعتقد المكلف الأمر بالتيمم بواسطة اعتقاده عدم الماء وعدم الطلب، وفي الواقع كان الأمر بالطلب موجوداً وهو تخيل عدم الأمر لا وجود الأمر في الواقع، فلا يصح التيمم في الواقع فيجب عليه القضاء حين انكشاف الخلاف ،عليه فتدبر .

[ ا لو نسي الماء وتيمّم وصلّى مع السعة ]

ثم إنّه لو نسي الماء وتيمّم وصلّى مع السعة فالخبر المذكور سابقاً (2) يدلّ على وجوب الإعادة لو انكشف الخلاف، فلا يخلو إمّا أن يكون وقت التيمم هو ضيق الوقت وهو أتى به في السعة كما هو مقتضى الحكم بالإعادة فيكون الأمر بالإعادة والقضاء متجهاً؛ لعدم وقوع التيمّم فلا يكون الخبر حينئذ مخالفاً للقاعدة.

أو يكون وقته السعة مطلقاً سواءً كان مع عدم الرجاء أو مع الرجاء، حینئذٍ فلاحظ .

ص: 195


1- سبق من المصنف اختيار كون الطلب تعبدياً.
2- الكليني، الكافي : 3 / 65 ح 10 .

يشكل الحكم بالإعادة؛ إذ الظاهر من السؤال والجواب أنّ شرائط التيمم كلها موجودة سوى أنه نسي الماء، والمانع لو كان فهو منحصر في هذا.

ومقتضى القاعدة حينئذٍ صحة التيمّم وعدم الإعادة، فحينئذ لا بُدَّ من أحد الأمرين:

[ الأول] إمّا رد الخبر لضعفه وعدم الشهرة لجبره.

[الثاني]: أو القول بمقتضاه لورود الخبر على خلاف القاعدة- فنقتصر على مورده.

أو يكون وقت التيمم هو السعة مع عدم رجاء وجود الماء، فحينئذ هذا الشخص أيضاً لم يرجَ في وجود الماء بواسطة ما ذكرناه من انحصار المانع في المذكور، وعدم المانع من جهة أخرى، من جهة الطلب وغيره ويعتقد عدم الماء فيجري الكلام المتقدم سابقاً، فإنّ قلنا إنّ تقييد الطلب بالرجاء يكون لفظياً يصح التيمم؛ لأنه بواسطة نسيانه إنّما

اعتقد عدم وجود الماء ولم يرج وجود الماء.

ومحصل الكلام في هذا المقام أنّ الظاهر من العلماء عدم وجوب الطلب في صورة العلم بعدم وجود الماء...(1) وصحة التيمم بدونه حتى كأنه إجماعي، ولم يخالف فيه أحد إلا ما يحكى عن الشهيد(2) وعن بعض (3) [العامة] إما لانتفاء فائدة الطلب حينئذ أو لأن الطلب في صورة الرجاء والاحتمال .

وظاهرهم أيضاً الإجزاء في كل مورد يصح فيه التيمّم، فيكون التيمم في صورة العلم صحيحاً مجزياً فلا يكون الطلب شرطاً على الإطلاق في صحّة التيمّم؛ لعدم صدق هذا المفهوم في حقه؛ لما قلناه، حتى لو تفحص أيضاً لم يتحقق هذا المفهوم؛ لأنّه

ص: 196


1- في الأصل بياض بمقدار كلمة، ولكن مع ذلك العبارة مستقيمة.
2- قال الشهيد الأول في الذكرى: 1/ 182: (لو تيقن عدمه سقط الطلب)، ونحوه في الدروس: 1/ 131 ، والبيان : 84 ، ولاحظ اللمعة : 23 ، والالفية : 46 ، فيظهر منها خلاف ما ستفاده المقرر .
3- يُنظر العاملي، مفتاح الكرامة: 341/4 .

في صورة الاحتمال يقيناً فلا يتحقق هذا الشرط في صورة العلم فلا بُدَّ أن يكون للتيمم شرط آخر وهو إما العلم بنفيه أو عدم الماء الواقعي، ولازم الثاني عدم إجزاء التيمم في صورة عدم مصادفة العلم للواقع، وظاهرهم الإجزاء فيها بمقتضى ما يظهر منهم من إجزاء التيمم في كل ما يصح فيه التيمم ، فحينئذ نقول إنّ الشرط أحد الأمرين : إمّا الطلب وإمّا العلم من أي سبب حصل مطلقاً أو العلم مع الإحاطة؛ لأنه أقرب من معنى الطلب من غيره إلا أنّ الأصحاب لم يفصلوا بين العلم، ومقتضى عدم التفصيل اعتبار مطلق العلم، فيكون عدم الوجدان المذكور في الآية كناية عن العلم. هذا كله في صورة عدم وجود الماء.

[عدم جوز إراقة الماء في الوقت ]

وأما لو كان معه ماء فهل يجوز إراقته أم لا، مع العلم بعدم وجود الماء بعده؟

والكلام فيه تارة يكون في الوقت وتارة قبل الوقت.

ونتكلم أولاً في جواز إراقته في الوقت فنقول:

الظاهر عدم جواز الإراقة ويكون آثما بواسطة الاراقة؛ لأنّ التكليف بالوضوء مطلق فتجب مقدماته من التحفظ والتحصيل وغير ذلك، فإراقته تفويت لهذا التكليف، وان ترتب على فوته تكليف التيمم إلا أنه مطلق ترتب على عصيان التكليف الأول، وكذا الحال بالنسبة إلى سائر المقدمات، مثلاً يلزم إبقاء الصحة فلا يجوز تمريض [نفسه]، لأنّ مقتضى إطلاق الأمر وجوبه ما دام التمكن، فيجب تحصيل هذا الواجب ما دام تحقق القدرة عليه، بل مقتضاه لزوم رفع المرض لو كان قادراً على رفعه بأن يتمكن من تداوي [جرحه حتى] يندمل، ولم أر من الأصحاب من صرّح بلزوم التداوي إلا أنّ مقتضى القاعدة هو ذلک.

بل يلزم إيجاد الماء أيضاً بالمزج بأنّ يمزج الماء المطلق الذي لا يكفي الوضوء

ص: 197

بالمضاف بحيث لم يخرج عن الإطلاق كما صرح به جمع من الأصحاب(1)، أو حفر بئر أو بإعمال بعض الأشياء مثل خروج الماء من الحجر، إلا أنه لم يلتزم الأصحاب بالثالث وإنّما قاله بعض بالأولين(2) ، ولعلّ نظرهم في ذلك إلى أنّ الشرط في الواجب المطلق هو تحصيل الماء الموجود لا إيجاد الماء، وإنّما يكون الواجب بالنسبة إليه مشروطاً، ومن ذلك نفى بعض (3) وجوب المزج بالمضاف ، كما أنه يفهم من العرف أيضاً ذلك، ، مثل ما لو قال المولى لعبده: (أكرم العالم) وجوب إكرام العالم الموجود لا مطلوبية إكرام العالم ولو بتحصيل الموضوع، بأن يرى شخصاً فيعلمه حتى يصير عالماً ثمّ يكرمه إلّا أنّ هذا المطلب بالنسبة إلى الموارد مختلف، ففي بعض الموارد يفهم المطلوبية حتى بالنسبة إلى الإيجاد وفي بعض عدمه.

ويمكن أن يقال: إنّ الماء موجود في صورة المزج وإن قلنا بشرطية الوجود، وكذا في حفر البئر.

هذا كله إذا قلنا بكون الخطاب بالغسل مطلقاً شاملاً لجميع المكلفين أولاً ثمّ ورد

التقييد بعدم المرض مثلاً ، ولم يلاحظ في الخطاب أحوال المكلفين. وأما لو قلنا بأنّ الخطاب ليس فيه إطلاق بل يلاحظ فيه حال المكلفين فيكون .

الخطاب بالغسل شاملاً للأصحاء من حيث كونهم أصحاء فيكون التشريع (4) في التكليف من أول الأمر، فكأنه قال الأصحاء حكمهم كذا أو المرضى حكمهم كذا، وكذا الواجدون حكمهم كذا ، وغير الواجدين حكمهم كذا فيكون من قبيل الحاضر والمسافر، فيكون كل تكليف في عرض الآخر، فلا تكون الإراقة من الماء [إثماً] كما يجوز

ص: 198


1- الطوسي، المبسوط : 1/ 8؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام 1 65 ، منتهى المطلب: 1/ 5، نهاية الأحكام: 1/ 227 .
2- الشيخ جعفر الكبير، كشف الغطاء: 1/ 339.
3- المحقق الشيخ حسن المعالم (قسم الفقه) ج 2، ص 674 .
4- كذا في الأصل، والصحيح: (التنويع).

السفر بعد دخول الوقت فيستفاد من الخطاب التخيير بين كونه تحت هذا الموضوع أو ذلك إلا أنّ الظاهر هو استفادة ،الإطلاق، فيتفرع عليه ما فرعناه هذا بالنسبة إلى الوقت.

[كراهة إراقة الماء قبل الوقت ]

وأمّا بالنسبة إلى قبل الوقت ففيه أقوال:

قول بعدم الجواز مطلقاً (1) .

وقول بالجواز مطلقاً (2).

وقول بالتفصيل(3) بين ما يسع الوقت للفعل ومقدماته كما فيما نحن فيه فعدم الوجوب، وما لا يسع الوقت له ولمقدماته فوجوب تحصيل المقدمات وحفظها.

وقال المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح(4) بعدم جواز الإراقة قبل الوقت إذا علم بعدم وجود الماء بعده وكذا قال مع احتماله وكأن نظره إلى أن الوقت ليس من شرط الوجوب، بل الواجب مطلق بالنسبة [الى الوقت غايته كونه معلقاً بالنسبة إليه لا ،منجزاً، فيجب حفظ المقدمات وتحصيلها لكونها شرط الواجب المطلق المعلق، وكذا تمسك بوجوه ضعيفة إلا أن الفرق بين الواجب المشروط والمعلق أنّ الوقت يكون ظرفاً للفعل في الثاني وظرفاً للوجوب [ في الأول ] فرق لا محصل له؛ لأنا لم نجد فرقاً بينهما في عالم اللب والواقع من هذه الجهة بل الفرق بينهما إن كان فمن جهة اعتبار القدرة المطلقة في الثاني والقدرة الناقصة في الأول ، ومن المعلوم عدم اعتبار القدرة المطلقة بالنسبة إلى الوقت والصلاة بل المعتبر هي القدرة بالنسبة إلى الوقت، ولو فرضنا كون

ص: 199


1- المحقق ،القمّي ، غنائم الأيام (3591؛ يُنظر العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 464 .
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب : 53/3 ؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 223؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام : 2/ 485 .
3- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 469 - 470 .
4- البهبهاني، مصابيح الظلام: 331/4 .

الواجب مطلقاً يكون تعبدياً(1)بالنسبة إلى شرط الطهارة بأدلة خاصة مثل: «اذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة»(2) ومقتضاه عدم الوجوب قبل الوقت ولا يلزم مما ذكرنا من كون الوقت شرط الوجوب فلا يلزم تحصيل المقدمات قبله عدم وجوب إتيان المقدمات التي لا يسع الوقت لفعلها كمقدمات الحج كالسير إلى مكة وتعليم مسائله، لذا العقل يحكم بالقبح وبوجوب التحصيل فيه دون ما يسع الوقت هنا.

وكذا لا يلزم عدم وجوب التعلم بمعنى الفحص عن التكاليف الواقعية التي لا يعلمها المكلف ؛ إذ الفرق واضح بينها وبين ما نحن فيه؛ إذ التكاليف فيها ثابتة على المكلف في ظرف الواقع إلا أن تنجزها مشروط بالعلم بخلاف ما نحن فيه؛ حيث لا يكون التكليف ثابتاً في الواقع أصلاً فيكون العقل حاكماً بوجوب التعلم كما يشهد به الأخبار الواردة في لزوم التعلم.

وبعد ما ذكرناه ظهر جواز الإراقة قبل الوقت فما ورد في بعض الأخبار من النهي عن الإراقة (3) في أرض لا ماء فيها(4) محمول على الكراهة كما حمله عليه بعض الأصحاب كالعلّامة قدس سره في المنتهى(5) ويظهر من المحقق قدس سره(6) جواز الإراقة مطلقاً، لكن لا يخفى ما فيه بعد ما ذكرنا .

ص: 200


1- كذا في الأصل ولعل الأنسب: (مقيداً).
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1 / 33.
3- كذا في الأصل، والصحيح: (الإقامة في أرض لا ماء فيها).
4- الكليني، الكافي : 3/ 67 ؛ ويُنظر : الحر العاملي، الوسائل : 356/3 ، باب كراهة الإقامة على غير ماء.
5- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 122 .
6- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 336.

[ حكم ما لو أخلَّ المكلف باستعمال الماء حتى تضيق الوقت ]

مسألة:

لو كان الماء موجوداً وأخل باستعماله حتى ضاق الوقت بحيث تقضى الصلاة لو توضأ فهل يكون تكليفه حينئذ هو التيمّم والأداء أو عدم جواز التيمم بل الوضوء والقضاء؟

فالذي صرح به المحقق قدس سره في المعتبر (1) هو عدم جواز التيمم، وتبعه المحقق الثاني(2) فيما لو كان الماء عنده ، وأمّا لو كان الماء قريبا منه فلا يقول بعدم الجواز وان قال به المحقق في المعتبر وتمسك لذلك بأنّ التكليف بالتيمم مشروط بعدم الوجدان وهو واجد ولو مع فوات الصلاة.

ولو فرضنا كون المراد به هو الظاهر منه وهو مطلق عدم الإدراك وعدم الوجود لا عدم الإدراك بحيث يتمكن من الصلاة يفهم من حكمهم بجواز التيمم في صورة عدم الوصلة إلى الماء بأنّ كان الماء في بئر لا يمكن الوصول إليه بواسطة عدم وصول اليد إليه وعدم [وجود] حبل ولو كان بعده بمقدار شبر فيحكمون بصحة التيمم هنا أنّ الماء هنا أيضاً يكون موجوداً ، وهذا أيضاً يكون شاهداً على أنّ المراد هو المعنى الأول ويدلّ عليه إطلاقات التيمم مثل قوله علیه السلام: «يكفيك التراب عشر سنين» (3) حيث يدلّ على أنه لا يفوت الصلاة بواسطة التراب في المدة الطويلة، وكذا قوله علیه السلام : «التيمّم أحد الطهورين»(4) وغيرها.

هذا، لكن يظهر من الأخبار الواردة في الحائض التي انقطع حيضها في الوقت؛ حيث تدل على وجوب الصلاة عليها لو اتسع الوقت للفعل وإلا فلا تكون

ص: 201


1- المحقق الحلي المعتبر : 1/ 336 ، الفرع السادس.
2- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 468 .
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 2 / 984 ح 15.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 2 / 991 ح 1 .

مكلفةً بالصلاة وتكون ساقطة وإن وسع الوقت للصلاة مع التيمّم.

فيظهر هنا عدم مسوغية ضيق الوقت للتيمّم باعتبار الحكم فيها بعدم التكليف بالصلاة مع عدم سعة الوقت للفعل وإن وسع للتيمّم إلا أنّه لا بُدَّ - من جهة ما ذكرناه - من القول بكونه خارجاً عن القاعدة بمقتضى الدليل، فلا بُدَّ من تخصيصه بمورده فلا يتعدى منه فلا يكون شاهداً على خلاف المدعى.

[في المقصود من الضيق المسوغ للتيمم ]

ثم إنّ الضيق المسوغ للتيمّم هو الضيق عن إدراك تمام الصلاة مع الوضوء حتى لو أمكن إدراك ركعة من الصلاة مع الطهارة المائية أيضاً يكون محلاً للتيمم، أو المعتبر هو الضيق عن إدراك الركعة حتى لو أمكنه إدراك الركوع مع الوضوء يجب ولا يجوز الانتقال إلى التيمم؟ وجهان بل قولان:

[ الأول]: من أنَّ الصلاة لا بُدَّ أن تكون في الوقت وملاحظة الوقت أهم في نظر الشارع من الشرط (1) حتى انها تسقط عند الضيق فإذا خاف فوت الوقت ولو من بعض الصلاة يكون متعذراً من استعمال الماء فيكون تكليفه [ بالتيمم ] بدل الوضوء .

[الثاني]: ومن أنَّ الطهارة شرط فلا بُدَّ من تحققها فيها ومقتضى قوله علیه السلام: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(2) أن إدراك الركعة أيضاً مثل إدراك التمام فلا يفوت الوقت ولا يحصل التعذر حتى تكون ساقطة.

والحق هو الأول؛ لأنَّ قوله علیه السلام : «من أدرك» يحتمل وجوهاً ثلاثة:

الأول: أن يكون في مقام الترخيص ويكون مفاده أنّ الركعة في الوقت مُنَزَّلَة منزلَةَ تمام الصلاة فيكون بدلاً عنها مطلقاً ومقتضاه الرخصة في التأخير إلى بقاء الركعة.

والثاني: أن يكون في مقام دفع توهم الفوت إذا لم يبق من الوقت إلا هذا المقدار

ص: 202


1- يقصد شرطية الطهارة المائية.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة 4 /218 .

فكأنه يقول : لا يجوز ترك الصلاة في هذه الحالة ولا بُدَّ من فعلها لكونه بمنزلة إدراك التمام. فلا يدلّ على الترخيص في التأخير، بل يكون نظره فيه إلى الصلاة التي لم يبق من الوقت إلا هذا المقدار .

والثالث: أن يكون في مقام تشريع الوقت بأنّ يكون مراده أنّ الوقت في حق من ضاق وقته عن إدراك تمام الصلاة هو أزيد من المحدود في الشرع، فحينئذ يكون معارضاً مع أدلّة الوقت.

والظاهر منه هو الأول فلا يدلّ على جواز التأخير في هذه الصورة، بل نظره إلى مجرد رفع التوهم وعدم جواز الترك، فلا يدلّ على المطلب فيتعارض حينئذٍ فيما نحن فيه بين سقوط شرط الطهارة وسقوط الوقت وإتيان ما سوى الركعة في خارج الوقت ومقتضى التعارض هو الرجوع إلى الأهم.

والاهم في نظر الشارع هو إدراك الوقت؛ حتى أنه رفع اليد عن كثير من الشرائط عند خروج الوقت وفقدانها، مضافاً إلى أنه لو انتقل إلى التيمم واتى بتمام الصلاة في الوقت معه لانتفى الشرط بالمرة ويكون محصلاً للشرط وهي الطهارة غاية الأمر انتفاء المبدل والإتيان بالبدل بخلاف صورة ترك التيمم والإتيان بها مع الوضوء، فإنّه يفوت الوقت من بعض الصلاة لا تمامه.

وإن كان يمكن أن يناقش فيه : بأنه ربما يمكن كون المبدل أهم في نظر الشارع حتى لا يتدارك بالبدل فيكون ترك الشرط بالمرة أولى من تبديل الشرط بغيره.

إلا أنّه بعيد، خصوصاً بملاحظة ما فهمناه من طريقة الشارع من اهتمامه بالوقت وكونه أهم عنده من غيره [مطلقاً].

ثم إنّ الكلام المذكور هل يجري في سائر الشروط والأجزاء أم لا؟

مثلاً: يمكن درك تمام الصلاة مع عدم الساتر ودرك ركعة منها مع الساتر.

وكذلك من يمكنه درك تمام الصلاة مع ترك السورة ودرك ركعة مع السورة فنقول: إن مقتضى إطلاق أوامر الشروط والأجزاء هو عدم جواز تركها حتى في ضيق

ص: 203

الوقت، وليس للشرائط بدل مثل الصورة السابقة حتى يتدارك به، فيحصل التعارض بينها وبين شرطية الوقت ولزوم إتيانها فيه، فيحصل التزاحم، ومقتضى التزاحم هو الرجوع إلى الأهم لو كان.

ولا يتوهم أنه يمكن أن يكون شرطيتها مقيّدة بحال الإمكان، وهو سعة الوقت دون الضيق، لأنّ الطلب لا يمكن إلا في حال الإمكان ومختص بصورة الإمكان فلا يكون طلب الشرائط في صورة الضيق، فلا يكون من باب التزاحم؛ لأنا ذكرنا أنّ الشرطية مطلقة حتى في صورة عدم التمكن؛ لأنها من جهة المقدمية وهي مطلقة، واختصاص طلب الشارع بصورة الإمكان من باب القصور وعدم إمكان الطلب إلا فيه.

فثبت أنّ المرجع فيما نحن فيه هو باب التزاحم والرجوع إلى الأهم، وقد فهمنا من الشارع الأهمية بالنسبة إلى مقتضى الشرائط مثل طهارة البدن وطهارة اللباس والستر، وكون الوقت منها؛ لأنها تسقط عند فقدانها في الوقت، ولزوم إتيان الصلاة بدونها مثل الصلاة عارياً، والفقدان إنّما يكون بملاحظة الوقت وتعذره في الوقت لا التعذر مطلقاً - ولو مع قطع النظر عن الوقت - فيستكشف من ذلك كون الوقت أهم في نظر الشارع من غيره، حيث رفع اليد في صورة الفقد دون الوقت، ففي هذه الموارد لو تردد الأمر بين تحصيل هذه الشرائط وعدم إدراك الوقت إلا ركعة، وبين تركها وإدراك تمام الصلاة فنقول بأولوية الثاني بمقتضى المذكور، وأما في غيرها من الأجزاء والشرائط فيشكل الأمر.

ثم إنّه لا بُدَّ من إحراز الصلاة وأنها أي شيء، ولا يمكن لنا جعل البدل للصلاة حتى نقول: إنّ الصلاة الاختيارية مع الأجزاء والشرائط مقيدة(1) فيقوم مقامها بدلها الاضطراري وهو الصلاة بغير الأجزاء والشرائط المتعذرة فلا يمكن لنا الحكم بمجرد

ص: 204


1- كذا في الأصل والصحيح (متعذرة).

ضيق الوقت عن أداء تمام الصلاة مع الأجزاء والشرائط بوجوب الصلاة بغير الأجزاء؛ إذ لعلّ التكليف حينئذ هو إدراك الركعة فقط .

أو كان التكليف ساقطاً، بل لا بُدَّ من إحراز وجود الصلاة حينئذ وأنّه بغير الأجزاء والشرائط المتعذرة بملاحظة الوقت، فلا بُدَّ من الرجوع إلى الآثار والأخبار لإحراز هذا المطلب.

و مما يدلّ على أنّ الصلاة تكون ثابتةً حينئذ وأنّ التكليف بالصلاة بغير الأجزاء والشرائط المتعذرة ؛ قاعدة «الميسور لا يسقط بالمعسور»(1) ، و «ما لا يدرك كله لا يترك كله»(2)، وقاعدة (عدم سقوط الصلاة بحال) (3) ، وغيرها مما يدلّ على أنه لا تسقط الصلاة مع تعذر شرط أو جزء، ولا بُدَّ من الإتيان بالباقي وهو صلاة.

إلا أنّ هذه القواعد عامة في أغلب موارد التكاليف والعلماء حالهم مختلف في التمسك بها في الموارد، فقد تراهم يتمسكون بها في بعض الموارد دون بعض مثل قاعدة (أوفوا بالعقود) (4)، و «المؤمنون عند شروطهم » (5)) مع عموم هذه القواعد، ومقتضاه التمسك بها في جميع الموارد فلا يعلم ملاك التمسك بها.

فإن قلنا بعمومها والتمسك بعمومها حتى يظهر المخصص؛ يحصل فقه جديد. وإن قلنا إنّها مخصصة بمخصص ولا نعلمه؛ فيلزم إجمالها وعدم إمكان التمسك بها في الحال، مع أنهم يتمسكون بها. فحينئذٍ لا بُدَّ فيها من وجوه:

الأول : بأنها ضعيفة فالتمسك بها دائر مدار الخبر ففي كل مورد حصل لها جابر من الإجماع أو الشهرة أو غيرها فيتمسك بها فيه وإلا فلا .

ص: 205


1- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلي: 4 / 54 .
2- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلي: 4 / 54 .
3- قاعدة مستفادة من النصوص الشرعية والإجماعات. ينظر : النجفي، الجواهر: 5 / 7،86/ 350.
4- المستفادة من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ سورة المائدة: 1 .
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 7 / 371 ح 1503 .

وفيه: أنّ دلالتها تامة فليست ضعيفة من جهتها، بل لا بُدَّ كون الخبر [ ضعيفاً] وهو أيضاً لا يتم؛ لأنّ أكثر هذه القواعد لا احتياج لها إلى الجبر؛ لأنّ بعضها من الكتاب وبعضها من الأخبار المتواترة وهي صحيحة.

والثاني: التمسك بها ما لم يظهر لها موهن مثل الإجماع والشهرة.

وفيه: أنه مستلزم أيضاً لتحصيل فقه جديد.

والثالث: أن يقال: إنا نعلم إجمالاً بأنّ لها مخصص، وكذلك نعلم أنّ مخصصها في الغالب ليس الدليل اللفظي، وإلا لعلّمناه، بل هو الدليل اللبي، والعلماء لإحاطتهم بأقوال العلماء ومذاقهم فهموا المخصص في بعض الموارد، ونحن لما قصر باعنا عن تحصیل مذاق العلماء وأقوالهم حتى نطلع على المخصص فنقتصر في التمسك بها على علمنا بتمسك بعض فحول العلماء فيه بها بواسطة خروجه عن أطراف العلم الإجمالي؛ لأنّ تمسك هذا البعض يكشف عن عدم المخصص مثل الإجماع، فإذا كان كذلك فلا بُدَّ لنا من عدم التمسك بها في هذه الموارد لعدم معلومية تمسكهم بها فيها .

ويمكن أن يقال في إثبات هذا المطلب وهو ثبوت الصلاة في حال الضيق عن تحصيل الشرائط والأجزاء وأنها بدونها: إنّ الوقت سبب في الصلاة بمعنى أنه لا بُدَّ من إتيانها فيه وقد علمنا من أدلّة الاضطرار مثل قوله علیه السلام: « وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه»(1) وغيره أنّ الاضطرار سبب لإباحة ترك ما كان حراماً قبله، ومن المعلوم أنّ العاجز في تمام [الوقت] عن تحصيل الشرط والجزء يكون ساقطاً في حقه ويكون تكليفاً بدونه، وكذلك من كان عاجزاً في آخر الوقت، لا يكون الفرق بين العجز في نفسه أو العجز بالنظر إلى الوقت في سقوط ما يكون عاجزاً عنه، فيكون ضيق الوقت أيضاً موجباً لترك الأجزاء والشرائط المتعذرة في الصلاة مثل العجز النفسي؛ لأنه لا فرق بين الاضطرارين النفسي وبملاحظة الغير، والمناط هو عدم التمكن.

ص: 206


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 13 / 177 ح 397 .

إلا أنه يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من العجز هو في نفسه مع قطع النظر عن الوقت والقدرة والعجز إنّما يلاحظان بالنسبة إلى نفس المكلف لا بالوقت؛ لأنّه لا بُدَّ من وجود الموضوع قبل الحكم حتى يحكم عليه، فلا تكون حينئذٍ شاملةً لما نحن فيه بالنسبة إلى الوقت فالمدار في القدرة والعجز على ملاحظة حال نفس المكلف لا غيره، فالعاجز عن الشرط ما لم يتمكن عنه في نفسه بأنّ لا يتمكن من رفع العجز عنه، ومن كان قادرا على رفع العجز عن نفسه يكون قادراً، وفي ما نحن فيه العجز إنّما هو بملاحظة الوقت، فلا يكون مشمولاً لهذه الأخبار، إلا أنّ مقتضى ما ا عدم سقوط الشرط عمّن ، يتمكن فعلاً من تحصيل اللباس، ولكن يكون اللباس في منزله بحيث يخرج الوقت لو ذهب إلى منزله؛ لأنه ليس بمضطر ، لأنّ المدار في الاضطرار هو العجز في نفسه بأنّ لا يكون قادراً على اللباس أبداً، والحال أنّ الفتوى على خلافه، وكذلك يظهر من كلمات العلماء(1) أيضاً؛ هو كون القدرة والعجز أعمّ في نفسه أو بالنسبة إلى الوقت مثلاً، بل لم يتحقق إلا بالنسبة إلى الوقت وثبوت التكليف فيتحقق العجز والاضطرار بثبوت التكليف وتعيين الوقت وعدم التمكن من تحصيل الشرط فيه؛ لأنه لو لم يكن التكليف فيه ثابتاً لم يكن عاجزاً وكذا لو ثبت ولم يكن موقتاً لهذا الوقت، بل يكون وقته ما دام العمر لم يكن حينئذٍ مضطراً بل يصبر حتى يزول عذره.

ففي الحقيقة يتحقق الاضطرار بأن يكون التكليف ثابتاً عليه في هذا الخصوص، فيتحقق أنّ الاضطرار ليس ممتنعاً بالعجز في نفسه، فيشمله الأخبار الاضطرارية بالنسبة إلى الوقت أيضاً وعدم التمكن من تحصيل الشرط فيه، فيكون الشخص الذي يكون - فاقدا للستر مثلاً في الوقت- مضطراً بالنسبة إلى ترك الستر، فيكون حلالاً عليه بمقتضى الخبر السابق وغيره، بل ويظهر من بعض الأخبار صريحاً سقوط الشرط عن الفاقد مثل قوله: قوم قطعت عليهم السفينة فخرجوا وهم عراة فحضرت الصلاة؟ فحكم علیه السلام

ص: 207


1- نهاية الأحكام العلّامة الحلي : 1/ 442 ؛ حاشية شرائع الإسلام للشهيد الثاني: 508.

بالصلاة عارياً، والحال أنهم يمكنهم يقيناً تحصيل الشرط مع خروج الوقت، فقدم الوقت على الشرط فحكم بالصلاة، فيظهر من هذا وغيره أن ضيق الوقت يكون مسوغاً لترك الشرط.

فيستفاد مما ذكرنا قاعدة وهي: (سقوط الشرط والأجزاء عند الضيق) إلا أنها تكون مثل القواعد السابقة حيث يتمسكون بها بالإجماع وغيره من المخصص فلا ثمرة فيها إذ لا يمكن لنا إثبات الحكم بها مطلقاً بهذه.

فتحصل مما ذكرنا كله أنّ في المسألة قولين: قول بالسقوط.

وقول بعدم السقوط في صورة الضيق غاية الأمر وجوب الإعادة وجواز الفعل مع فقد الشرط، والعمدة في مستند القائلين بعدم السقوط إطلاق أدلّة الشرط حيث تشمل بإطلاقها لما نحن فيه فتكون الشرائط شرطاً حتى في حال الضيق، وانتفاء المشروط بانتفاء الشرط هو قضية الشرطية، وكذلك انتفاء المركب بانتفاء جزئه يدلّ على عدم السقوط.

والعمدة في مستند القائلين بالسقوط هو تعين الصلاة في حق الفاقد في هذا الحال وعدم تمكنه من تحصيل الشرط وعدم صحة الصلاة بغير الطهورين في خصوص الطهارة، فلا بُدَّ من سقوط الشرط في حقه.

وأمّا تعين الصلاة في حقه فيمكن استفادته من إطلاقات الصلاة مثل: ﴿أَقِيمُواْ الصَّلاةَ ﴾ (1)وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُونًا ﴾(2) حيث يكون الخطاب فيها لعامة المكلفين وفي جميع الأحوال أيضاً من جهة الإطلاق، ويكون الفاقد داخلاً في المؤمنين فالخطاب متعلق به حتى في هذه الحالة أيضاً بمقتضى الإطلاق. فحينئذ إن كان مكلفاً بالصلاة مع الشرط يكون مكلفاً بالمحال حيث لم يتمكن منه في

ص: 208


1- سورة الأنعام:72.
2- سورة النساء : 4 .

هذا الحال فلا بُدَّ أن يكون الخطاب بالصلاة مع انتفاء الشرط فثبت المطلوب، فيمكن رفع إجمال الصلاة بالنسبة إلى هذا الشرط بملاحظة تعلق الخطاب بالعاجز عنه في تمام الوقت ولا يمكن رفع الإجمال بملاحظة تعلق الخطاب لمن كان متمكناً من تحصيل الشرط وعدمه؛ إذ لعلّه كان التكليف متعلقاً مع هذا الشرط وكونه معتبراً فيه.

وغاية ما يقال في دفع هذا الإطلاق هو : أنّ التكاليف تكون مشروطة فتكون هذه العمومات والإطلاقات مخصصة ومقيّدة بالتمكن ؛ لعدم ثبوت التكليف لغير المتمكن والمكلف الفاقد العاجز عن الشرط لا يعلم كونه مصداقاً لهذا العنوان، ولا لعدم معلومية كون الشرط شرطاً مطلقاً حتى بالنسبة إلى ضيق الوقت، أو يكون الشرطية بملاحظة الوقت حتى يكون داخلاً في غير المتمكن ولا يمكن التمسك بعموم العام في المخصص المجمل المصداق.

ويمكن دفعه بأنّ التمكن ليس قيداً متصلاً بدليل التكليف معتبراً معه بهذا العنوان مثل: (أقيموا الصلاة إلا غير المتمكن، حتى يسري إجماله في عموم العام، بل يكون مأخوذاً مما في نفس المولى من اعتبار الأجزاء والشرائط بمعنى أنّ العقل يحكم بمطلوبية تحصيل هذا الشرط الذي شرطيته في صورة التمكن.

والحاصل أن العقل يحكم بثبوت هذا الشرط على المتمكن، فحكمه بهذا بعد ثبوت كل شرط وجزء من جانب المولى مثلاً يقول : الطهارة شرط في الصلاة، يحكم العقل أنّ الطهارة مطلوبة ما دام التمكن، وكذا غيره من الشرائط والأجزاء، فلا تكون هذه العمومات مخصصة بالمجمل المصداقي حتى لا يمكن التمسك بها.

إلا أنه لا بُدَّ من ملاحظة أدلّة الشرائط حتى يظهر مفادها من اعتبار الشرطية المطلقة أو الشرطية في حال التمكن.

وبعبارة أخرى كونها بالنسبة إلى المطلقات من قبيل الظاهر والأظهر والحاكم والمحكوم، حتى يكون المرجع هو أدلّة الشرائط أو يكون بينهما تعارض بالعموم من وجه والرجوع إلى المرجحات؟

ص: 209

فنقول: إنّ أدلّة الشرائط على قسمين:

قسم يكون من قبيل قوله علیه السلام : «لا صلاة إلا بطهور»(1) و «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»(2) وغير ذلك مما تنتفي الماهية بدون تلك الشروط.

وقسم يكون من قبيل (صلّ مستقبلاً) و (صلّ قائماً وغير ذلك مما أمر فيها بتحصيل الشرط واستفيد الشرطية من الأمر.

فنقول:

اما القسم الأول: فالظاهر حكومتها؛ إذ الظاهر كونها بياناً للمطلوب، وأنّ الصلاة التي تكون مأموراً بها لا بُدَّ أن يكون معها، ولأنّ الظاهر تقديم ظهور المسند على ظهور المسند إليه مثل قوله علیه السلام: « لا تنقض اليقين بالشك»(3) حيث إنّ الأمر دائر بين إبقاء اليقين على إطلاقه وعمومه بحيث يشمل القابل للنقض بالمعنى الظاهر منه وتصرف في النقض بحمله على مطلق الرفع أو حمل اليقين على القابل للنقض وإبقاء النقض على ظاهره ولا شك أنّ ظهور المسند مقدم؛ وظهوره يوجب التخصيص في المسند إليه كما في قول القائل: (لا تضرب أحداً) فإنّ الضرب قرينة على إرادة الأحياء من لفظ الأحد لا الأموات.

فكذا فيما نحن فيه يكون الأمر دائراً بين التخصيص في المسند إليه بأن يكون المتمكن متعلقاً للخطاب ولا يكون غير المتمكن متعلقاً للخطاب حتى يتمسك به على نفي الشرطية أو يكون الخطاب شاملاً للجميع ونتصرف في المسند والمكلّف به بأنّ يقال: (صلاة المتمكن لا تكون إلا مع الطهور دون غير المتمكن فإنّ صلاته تكون بدون الطهور ) مثل صدق الإكرام بقرص الشعير في حق غير المتمكن من غيره دون

ص: 210


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1 / 33؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 50 ، الاستبصار: 55/1 .
2- النوري، مستدرك الوسائل : 4 / 158 .
3- الطوسي، تهذيب الاحكام: 1/ 8.

غير المتمكن(1) من غيره ويكون غير المتمكن ممتثلاً بإعطاء قرص الشعير للأمر بإكرام من نزل [ بك] دون المتمكن.

ويحتمل في هذا القسم حصول التعارض بينه وبين المطلق بالعموم من وجه؛ حيث إنّ المطلقات تقول : بوجوب الصلاة على المتمكن وغير المتمكن بالنسبة إلى شرط الطهور وغيره من الشرائط، من حصول الصلاة بدونه في حقه.

و مفاد هذا الدليل عدم تحقق الصلاة بدونه ، ومحل افتراق المطلق هو غير المتمكن من غير هذا الشرط، ومحل افتراق هذا الدليل عن المطلق في المتمكن من هذا الشرط حيث يكون مفاده شرطيته والمطلق ساكت عن كونه شرطاً، وإنما يكون مفاده وجوب الصلاة في حقه، وأمّا أنّه شرط أم لا فيكون ساكتاً عنه فإذا كان بينهما التعارض؛ فلا بُدَّ من الرجوع إلى المرجحات والظاهر ترجيح المطلق بواسطة الشرط حيث إنّ المتشرعة كأنهم متفقون على ثبوت التكليف في صورة التعذر وقاطعون به، وإنّما شكّهم في كيفية أداء هذا التكليف ويسألون عنه وليس هذا إلا بملاحظة الإطلاق ويكون نظرهم إليه دون غيره لثبوت ذلك في صدر الإسلام ولا يكون في ذلك الزمان هذه الأخبار الواردة في بعض صور العجز إلا أنّ الظاهر حكومتها بالنسبة إلى المطلق أو يكون التعارض من قبیل تعارض الظاهر والأظهر فيكون دليل الشرط مقدماً .

وأما القسم الثاني: فيحتمل أن يكون الأمر فيه للإرشاد أو للوجوب الغيري؛ إذ لا معنى للحمل على الوجوب النفسي، وعلى التقدير الأول يكون مقدماً على دليل الإطلاق؛ إذ الأمر على هذا يكون إرشاداً إلى عدم تحقق الصلاة إلا باستقبال القبلة مثلاً مطلقاً.

وإن كان يحتمل بعيداً أن يكون إرشاداً إلى عدم تحقق المقيد بدونه وهو الصلاة في حق المتمكن لا الصلاة مطلقاً لتحققه بالنسبة إلى غيره مثل المثال الذي ذكرنا، إلا أنّه

ص: 211


1- كذا في الأصل، والصحيح: (دون المتمكن ).

بعيد غاية البعد لأنّ ظاهره عدم تحقق مطلق الصلاة بدونه، وإن كان الأمر للوجوب الغيري فيكون وجوبه وجوب المقدمي وهو تابع لوجوب ذي المقدمة، ووجوب المقدمة مختص بحال التمكن ففي غير حال التمكن منه لا يثبت وجوبه حتى تثبت الشرطية فيه، ويتمسك به لنفي الوجوب في المطلق على الإطلاق وعدم الصلاة بدونه.

إلا أنّ هذا الكلام مدفوع : بأنّ الأمر به من جهة الشرطية والمقدمية، وهما ليستا مختصتين بالتمكن وإنّما يكون الأمر به في حق المتمكن لا غير لأجل قصوره. وإنّما يكون الوجوب تابعاً للشرطية لا أنّ الشرطية تابعة للوجوب حتى يلزم من اختصاصه بصورة التمكن اختصاصها به فافهم.

والحاصل: تقديم أدلّة الشرائط على المطلق، ولا يمكن التمسك به في نفي الشرطية.

والحاصل من جميع ما ذكرنا : عدم ثبوت قاعدة أو دليل معتبر يدلّ على لزوم تقديم الوقت وكونه أهم في نظر الشارع؛ لأنها منحصرة في قاعدة الميسور، وما لا يدرك كله، وعدم سقوط الصلاة بحال، وقوله علیه السلام: «وليس شيء مما حرم»(1) وغير ذلك وقد الاول ذكرنا أن قاعدة الميسور والمعسور ، وما من حرام [إلا وقد أحله الله لمن اضطر إليه]، وأمثال ذلك يكون ظاهرها المعسور والمضطر في نفسه ولو بملاحظة الوقت بأن يكون فاقداً للستر أصلاً، وإنّما هو بملاحظة الوقت أمّا مع قطع النظر عن الوقت ولو بعد مدة طويلة يمكن له تحصيله، فالظاهر من المعسور بحسب وصف حاصل فيه؛ لأنّ العسر بمجرد ضيق الوقت وما نحن فيه من هذا القبيل.

ص: 212


1- الطوسي، تهذيب الاحكام: 13 / 177 ح 397 .

وأما قاعدة : (عدم سقوط الصلاة بحال) فلم نجد خبراً(1) على هذا الطبق حتى نسريه ونفهم مدلوله ونتكلم في دلالته وإنّما ذكره العلماء وأرسلوه إرسال المسلّمات، ولا يمكن التمسك به بمجرد ذلك بل لعله كان عن اجتهادهم لا من باب الرواية.

إلا أنهم قالوا في الستر : يكون الضيق مسوغاً للصلاة مع غير الستر ولو كان متمكناً من الستر في حد ذاته بأنّ كان واجداً له ولكن بتحصيله يفوت الوقت.

فالمانع نفس الوقت ويدلّ عليه الخبر المذكور سابقاً.

وكذا قالوا في سائر الموارد فيمكن منها تحصيل المناط في سقوط الشرط وهو ملاحظة الوقت وهو موجود فيما نحن فيه أيضاً من شرط الطهارة فما كان الضيق سبباً لعدم امكان تحصيلها بإمكان إنّما موجودان(2) ولكن باستعماله يفوت الوقت.

فالمحصل هو كون الضيق سبباً لسقوط هذا الشرط وقيام التيمم مقامه خصوصاً بملاحظة أخبار التيمم حيث شبه فيها التراب بالماء ومقتضى التشبيه هو كونه مثله في جميع الأحكام إلا ما خرج.

حكمه عدم فوت الصلاة مع التمكن منه فيثبت للتراب أيضاً خصوصاً بملاحظة قوله علیه السلام :«يكفيك التراب عشر سنين»(3)، حيث يدلّ على أنّ خاصية التراب هو الكفاية في هذه المدة بمعنى لا يفوت منك شيء مع وجوده لا أن مدلوله هو الكفاية للصلاة المتعددة بعد حصول التيمم بشرائطه؛ لأنه حينئذٍ يكون المناسب أن

ص: 213


1- هذا الكلام لا يخلو من غرابة، فقد وردت رواية معتبرة بقاعدة لا تدع الصلاة بحال)، يُنظر: الكليني، الكافي: 3 99 ؛ الطوسي، تهذيب الأحكام 1 / 174 ، وقال صاحب الجواهر : 5 / 86 : ( والعمومات الدالة على عدم سقوط الصلاة بحال) ، وادعى في الجزء 7 350 اجماع الفرقة المحقة عليها واستشهد بها كثيراً، يُنظر: الجواهر : 149/5 ، 151 ، 219 وغيرها كثير. وقال المحقق الهمداني في مصباح الفقيه : 47/10 فإن الصلاة لا تسقط بحال نصاً واجماعاً) وأيضاً استشهد بالقاعدة في موارد عديدة من مصباحه، ولاحظ أيضاً نهاية الاحكام: 1/ 441 .
2- كذا في الأصل.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 2 / 984 ح 15 .

يقول: (يكفيك التيمم الواحد)، وليس لها معارض إلا مفهوم قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً﴾ (1) لو كان له مفهوم.

وقد قلنا سابقاً بعدم ثبوت المفهوم لوروده مورد الغالب، وكذا إطلاق الغسل المستفاد من قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا﴾(2) إلا أنه مخصص بقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً﴾ ، ويحتمل أن يكون معناه: (إن لم تتمكنوا) كما ورد به التفسير (3)، وعدم التمكن ثابت هنا.

ويحتمل أن يكون المراد منه هو المعنى الظاهر منه وهو عدم الوجدان إلا أنّه بحيث يدرك معه الصلاة وهو غير موجود فيما نحن فيه، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

هذا كله بالنسبة إلى غير المتمكن من الشرائط من أول الوقت إلى آخره.

[حكم المتمكن من الشرائط في أول الوقت، العاجز عنها في آخره]

وأمّا ذو الحالتين بأنّ كان متمكناً من الشرط في أول الوقت ثم صار غير متمكن منه بالنسبة إلى الباقي، فإنّ كان التكليف بالصلاة في كل الوقت بمعنى تعلق الأمر الواحد بالنسبة إلى هذا الوقت ولم ينحل الأمر إلى أوامر متعددة بالنسبة إلى أجزاء الزمان، فالظاهر ثبوت التكليف مع الشرط ولا يمكن من تعلق التكليف بجعل هذا الغير المتمكن استكشاف كون المكلف به هو الصلاة بغير الشرط لصحة التكليف بالكلي مع التمكن من فرد منه وهو زمان التمكن، ولا يلزم القبح، لعدم التكليف بالمحال ؛ وأمّا لو انحلّ الأمر إلى أوامر متعددة بأنّ تعلق الأمر المتعلق بالصلاة في كل جزء من الوقت؛ فالظاهر جريان الكلام السابق فيه لعدم تأثير القدرة السابقة في الأمر

ص: 214


1- سورة النساء : 43 .
2- سورة المائدة : 6 .
3- الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 3/ 458 .

اللاحق، بل لا بُدَّ من التمكّن بالنسبة إليه فحينئذ يستكشف من تعلق الأمر به في زمان عدم التمكن؛ كون التكليف بغير الشرط. إلا أنّ هذا بعد تمامية هذا الكلام في غير المتمكن في الجميع، إلا أنك قد عرفت حكومة أدلّة الشرائط بالنسبة إلى المطلق.

ثم إنّا إذا بنينا على عدم سقوط التكليف في صورة الضيق بملاحظة استقراء موارد الشروط مثل الشروط العقلية وغير ذلك وعدم تسليم الإطلاق لأدلة الشرائط مطلقاً من باب الاستقراء وتنقيح المناط، فهل يكون التكليف حينئذ هو إتيان الركعة الواحدة مع الشرط أو تمام الصلاة في الوقت مع عدم الشرط؟

يظهر في بادي النظر التعارض بين أدلّة الشرائط، لخروج صورة منها: وهي عدم بقاء الوقت إلا لركعة مع غير الشرط - فيسقط فيها - وبقي الباقي تحت إطلاق ثبوت الشرطية. وبين أدلّة الوقت وحيث يحكم الأول بتعيين الركعة مع الشرط والثاني بتعيين التمام بغير الشرط بناءً على عدم دلالة قوله علیه السلام : «من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت»(1) على بدلية الركعة مطلقاً وجواز التأخير، بل في مقام دفع توهم سقوط الصلاة لو بقي هذا المقدار . إلا أنّ الظاهر من دليل الوقت أنّ الوقت له خصوصية بالنسبة إلى الشرائط فكأنه جزء من الفعل وورود الاختيار والاضطرار والعُسر واليسر على الفعل الخاص وهو الواقع في الوقت لا على الفعل ، ولو كان خارج الوقت وكون المقسم في الاختياري والاضطراري هي الصلاة الواقعة في الوقت. الصلاة الواقعة في الوقت.

ثمّ لو فرضنا عدم استفادتنا هذا المقدار من أدلّة الوقت فهل يكون حال الوقت مع الشرط من قبيل التعارض حتى يرجع إلى المرجّحات مثل ملاحظة سند دليلها وغيره أو من باب التزاحم؟

فالظاهر كون بابها التزاحم ؛ فلا بُدَّ من الرجوع إلى الأهم؛ لأنّ مقتضيهما في حد ذاتهما تامان وإنما المانع من امتثالهما هو عدم قدرة المكلّف كما في إنقاذ الغريقين، فلا بُدَّ

ص: 215


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة 4 / 217 . أبواب المواقيت باب 30.

من ملاحظة في أنّ أيهما أهم، والظاهر أنّ الوقت أهم وتقديم الصلاة مع ترك الشرط.

[مقتضى القاعدة والاحتياط هو تأخير الصلاة]

ثم إنه لو لم يكن لهما الترجيح فما هو مقتضى القاعدة والاحتياط، فهل يكون الاحتياط هو التأخير إلى أن يتضيّق الوقت بحيث لا يبقى إلا مقدار ركعة بغير الشرط لعدم تعيين واحد منهما ؟

فنقول: إنّ في غير الوضوء من سائر الشرائط لا يبعد تقديم الركعة مع الشرط على التمام لصحته يقيناً دون التمام؛ لأنّ الستر ليس إلا التوصلي ولا يحتاج صحته إلى الأمر بدرك الركعة مع الستر، غاية الأمر حصول المعصية الاحتمالية؛ لاحتمال كون المكلف به هو التام بغير الشرط.

وأمّا في مثل الوضوء مما يحتاج صحته إلى قصد التقرب والأمر بالصلاة معه فلا تحصل الإطاعة اليقينية بفعله مع درك الركعة لاحتمال عدم الأمر به بل الأمر بالتمام بغيره فيكون باطلا فلا يحصل الإطاعة بفعل واحد منهما .

نعم، يحصل الإطاعة اليقينية بالتأخير إلى ضيق الوقت بحيث لا يسع الوقت إلا لركعة مع التيمم لكن يحصل المعصية اليقينية للعلم الإجمالي بكون التكليف إما بالركعة مع الوضوء أو أربع ركعات مع التيمّم فتركها يكون معصية يقيناً.

نعم، يمكن تصوير حصول الإطاعة مع درك الركعة لو قلنا بعدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده حتى لا يكون فاسداً من جهة احتمال كون التكليف هو التمام، فالوضوء ضد له فيكون منهياً عنه فيكون فاسداً، والوضوء لغاية أخرى غير الصلاة لاحتمال عدم التكليف بالصلاة مع الوضوء فلا يصح لعدم الأمر، فيكون الوضوء صحيحاً بهاتين المقدمتين.

إلا أنّه مشكل فالقاعدة هو الإتيان بأحدهما ثمّ القضاء بعد الوقت لأصالة عدم إتيان المأمور به فيتعلق الأمر بالقضاء.

ص: 216

السبب الثاني من أسباب التيمم: هو عدم الوصلة إلى الماء

بأن كان الماء موجوداً ولكن يباع بثمن يكون متعذراً، أو لفقد الآلة التي يحتاج إليها في تحصيل الماء، أو لوجوده في محل يخاف مع السعي إليه من لص أو سبع أو على عرض أو نفس أو ذهاب عقل، وهو في الجملة إجماعي (1)، ويظهر من بعض(2) كونه مقابلاً لعدم الوجدان إلا أنّ بعضاً منهم (3) تمسك في بعض مصاديقه بعدم الوجدان فنحن نتكلم في الآية الشريفة وهي قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً ﴾(4) في المراد منه وأنّه يمكن التمسك بها لما نحن فيه بحيث لا يحتاج إلى دليل وإن كان الدليل لإثبات هذا السبب من الإجماع والأخبار موجوداً.

فنقول: التكلم فيه تارة في مدلوله اللفظي هل هو عدم الدرك أو عدم الوجود واقعاً؟ وقد تقدم.

وتارة يكون في المراد منه في الآية الشريفة ونحن الآن بصدده.

ويحتمل فيه وجوه ثلاثة

الأول: أن يكون بمعنى: (لم تتمكنوا) كما فسّره به جماعة(5) ووردت الرواية(6) بهذا التفسير ويحمل التمكن أيضاً على الأعم من الشرعي والعقلي فحينئذ يشمل جميع الأسباب فيكون دليلاً لإثبات جميع الأسباب؛ لأنّ بعضها غير متمكن معه معه عقلا من الوضوء لعدم الوجود أو فقد الثمن أو فقد الآلة، وبعضها شرعاً مثل الخوف [على] النفس وغير ذلك.

ص: 217


1- النجفي، الجواهر : 5 / 96 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 350.
2- الشهيد الأول، البيان: 83 .
3- منهم المحقق القمي غنائم الأيام: 1 / 324؛ المحقق النراقي، مستند الشيعة: 3/ 367.
4- سورة النساء : 43 .
5- الطوسي، الخلاف : 1/ 168 ؛ ابن زهرة غنية النزوع: 51 .
6- لم أعثر عليها.

والثاني: أن نبقي عدم الوجدان على ظاهره ونقيّد الماء بأنّ يقال : المراد (إن لم تجدوا ماءً تتمكنون معه من الوضوء) فحينئذٍ أيضاً يشمل جميع الأسباب وهو بقرينة المقام وأن هذا الشرط للتمكن من الوضوء معه لا مجرد وجود الماء ولو لم يتمكن من الوضوء وبقرينة الآية السابقة يفهم هذا، وأنّ الشرط ليس عدم وجود الماء المطلق بل الماء الذي يحصل معه المقصود.

والثالث: أن لا يتصرف فيه ولا يتقيّد الماء أيضاً بل يبقى على إطلاقه ونقول: إنّ الآية لبيان تعداد أسباب الوضوء [ و ] من جملتها المرض، حيث يفهم من ذكر المرض أنّ المراد المرض المضر معه استعمال الماء بقرينة المقام كما أنه يستفاد منه في قوله تعالى: «فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»(1) أنّ المراد المرض المضر به الصوم. ومن جملتها السفر وقيده بعدم الوجدان لكثرته فيه فذكر سببان، ويستفاد من سياق الآية ومن التعليل في الآية وهو: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج»(2) أَنْ الموجب للتيمم هو العجز وعدم التمكن مطلقاً؛ لأنّ الآية مسوقة لبيان عدم الكلفة على العباد والامتنان عليهم وعدم الحرج عليهم؛ فيفهم من التعليل أنّ التيمم لرفع الحرج وفي مقام عدم التمكن منه يعني: ليس حرج عليكم ان لم تكونوا متمكنين من الوضوء فتيمموا فعلم أنّ السبب المطلق هو العجز وذان فردان منه كونهما غالبيين.

ومن جملة أفراد عدم الوصلة هو: عدم الثمن

فإن لم يوجد الثمن أصلاً فلا إشكال في صحة التيمم؛ لعدم التمكن من تحصيل الماء ولو كان واجد الثمن فلا يصح التيمم للتمكن من الماء؛ ولأنه واجد كما قال الشهيد الثاني في الروض في مقام الرد على المحقق الثاني(3) حيث فرق بين كون الماء موجوداً

ص: 218


1- سورة البقرة : 148 .
2- سورة الحج : 78.
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 467 .

ولكن باستعماله يفوت الوقت فقال بعدم صحة التيمّم؛ لأنّه واجدٌ، وبين ما كان الماء قريباً منه ولكن بالسعي إليه يفوت فقال بصحة التيمم وعلّله بكونه غير واجد.

وقال الشهيد الثاني في مقام الرد عليه (1): إنّ الوجدان هو الأعم من الفعلي والشأني فلو كان الماء قريباً منه يكون واجداً قوةً ولو لم يكن واجداً فعلاً فلا يمكن من هذه الجهة الفرق بين الصورتين كما أنّ في صورة كون الماء موجوداً ولكن يحتاج إلى الثمن ويكون واجداً يقولون بكونه واجد الماء والحال أنّه لم يكن واجداً فعلاً.

هذا ما أفاده الشهيد، ويمكن التعميم في عدم الوجدان بحسب القوة والفعل ببقاء عدم الوجدان على ظاهره وهو الفعلي وعدم حمله على خلاف ظاهره بأن يقال: المراد عدم الوجدان فعلاً فيما يقدرون عليه ويستولون عليه وحينئذ يشمل القوة والفعل مع كونه باقياً على ظاهره ففي صورة كون الماء قريباً منه يكون واجداً فعلاً فيما يقدر عليه هذا.

[ لو وجد الماء وتعذر الثمن لشرائه صح التيمم ]

وإن كان الماء محتاجاً إلى الثمن ويكون متعذراً فلا شبهة في صحة التيمم. ولو كان واجد الثمن وكان يباع الماء بثمن المثل أو بأزيد منه يسيراً بحيث يتسامح به فلا شبهة في وجوب شرائه؛ لأنه متمكن منه .

ولو كان يباع بأزيد من ثمن المثل كثيراً فهل يجب شرائه أم لا؟

مقتضى وجوب تحصيل مقدّمة الواجب وجوب شرائه مطلقاً وكذلك غيره من سائر المقدمات مثل الستر مثلاً لو لم يكن له ولكن يباع بأزيد من ثمن المثل، لكن مقتضى أدلّة نفي الضرر عدم وجوبه.

وحاصل الكلام: في هذا المقام أنه لو كان الماء موجوداً ويباع بالثمن ولم يكن واجداً له فلا يجب تحصيله مطلقاً.

ص: 219


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: 1 / 344، 345 .

ولو كان الثمن أنقص من ثمن المثل وكذا لو كان واجداً له ويكون محتاجاً إليه بحيث يضره فوت الحاجة .

وأمّا لو بِيعَ بثمن المثل ولكن كان زائداً في حد ذاته مثلاً كان قيمة الماء في الغالب هو الدرهم للصاع منه فاتفق في برية أو غيرها كون الماء فيها [ب]مئة درهم بحيث يتداول بيعها فيها بهذه القيمة فلو كان اشتراؤه بهذه القيمة ضرراً في حد ذاته لكن كان ثمن مثله في مثل هذه المواضع بهذه [القيمة] فهل يحكم أدلّة نفي الضرر بعدم وجوب شرائه أو لا؟

فنقول: إنّ اعتبار أدلّة نفي الضرر يتصور على وجهين:

[الأول] تكون في عرض التكاليف بأنّ كانت التكاليف المالية كلها ضررية، ولكن كانت مجعولة في مقابل أدلّة نفي الضرر بأنّ كانت مخصصة لها، فحينئذ يكون إطلاق أدلّة التكاليف يحكم بلزوم الشراء؛ لأنّه لا يعارضه نفي الضرر؛ لأنّ دليل التكليف يكون حاكماً عليه، وإن كان يمكن القول بكون الإطلاق منصرفاً إلى المتعارف

لا إلى غير المتعارف فلا يلزم على هذا أيضاً وجوب الشراء بهذا المقدار من الثمن.

والثاني: أن يكون دليل نفي الضرر وارداً على أدلّة التكاليف بأن يكون مفاد دليل نفي الضرر هو أنّ التكاليف التي تثبت بادلتها لا ضرر فيها فحينئذ لا يبعد القول بعدم وجوب الشراء بهذا المقدار من ثمن المثل لمعارضة أدلّة نفي الضرر لها في القدر الزائد من طباعها لأنّ مفاد دليل نفي الضرر عدم جعل الضرر في التكاليف التي تثبت في الشرع فما هو ثابت في أصل هذه التكاليف في طبائعها فيلزم به بواسطة الدليل، فما هو زائد لا يؤخذ بمقتضى دليل نفي الضرر، وعلى هذا لا يمكن الحكم بإطلاق الدليل في وجوب تحصيل المقدمات بأي وجه يمكن.

ومجمل الكلام في هذه المسألة أنّ ما يمكن كونها ضرراً يحتمل فيها وجوه:

الأول: أن يباع الماء بثمن يكون متعارفاً شراؤه به ولم يكن زائداً في حد ذاته، ولكن كان محتاجاً إليه بحيث يضره فوته.

ص: 220

والثاني: أن يباع بثمن المثل، ولكن كان زائداً في نفسه بحيث يمكن القول بأنّ شراء الماء بهذه القيمة ضررٌ .

والثالث: أن يباع بأزيد من ثمن المثل ولكن لا يكون مضراً بحاله.

والرابع: أن يباع بثمن يكون مضراً بحسب حال المشتري أو بحسب زمان الحال لاحتمال كل منهما عبارة الفقهاء وهو عدم وجوبه ووجوب شرائه إذا كان مضراً بالحال إلا أن الظاهر أن مرادهم هو الضرر بحسب حال المشتري وجدَتِهِ لا الضرر الحالي مقابل الاستقبال لكون الضرر في الاستقبال أيضاً لا يجب التزامه بحيث يخاف الآن من احتياجه غداً إلى الثمن بحيث يضره فوت حاجته كما يقولون بعدم وجوب الوضوء من الماء الموجود لو خاف العطش(1)، والحال أنّ هنا أيضاً لم يكن العطش موجوداً بل حصل خوفه وبمجرد ذلك حكموا بعدم وجوب الوضوء، فههنا أيضاً مثله.

وبعضهم قال(2) : بأنّ مدار الضرر على الضرر في زمان الحال لا مكان تجدد الحال بعده إلا أنّ الظاهر منهم هو الأول ويشهد به أيضاً رواية(3) دالّة على وجوب الشراء بحسب جدته وأحواله.

وأما القسم الأول: من هذه الأقسام فلا شبهة في عدم وجوب الشراء معه، بل لا يجوز لانتفاء الأمر فيه.

وأما القسم الثاني: فالظاهر من العلماء(4)) هو وجوب الشراء له، ويحتمل بعيداً فيه وجوب الشراء الاحتمال الذي ذكرنا سابقاً.

أمّا [ القسم] الثالث: فالظاهر منه بين علمائنا هو وجوب الشراء إذا كان زائداً

ص: 221


1- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 352.
2- العلّامة الحلي القواعد: 1/ 237؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام : 2 / 444؛ يُنظر : البحراني، الحدائق: 372/4.
3- الكليني، الكافي : 74/3؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 406 .
4- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة: 4 / 365.

عن ثمن المثل وإن اختلف في الوجوب أيضاً أو في الزيادة اليسيرة(1)، وخالف فيه الشافعي(2) ، والنصوص أيضاً شاهدة بذلك، فيخرج عما دلّ على عدم الضرر، إلا أنّه يظهر من بعض كالشهيد(3) كون هذا الحكم على القاعدة؛ لا كونه على خلاف القاعدة لكونه ضرراً والنص ألجأنا إلى القول؛ لأنّ الشهيد علل وجوب الشراء بانتفاء الضرر لكنّ هذا الكلام محل تأمل؛ لأنهم حكموا بعدم وجوب طلب الماء لو خاف على ماله من اللص للأدلة الدالّة على وجوب حفظ المال وصيانتها وكونه ضرراً، فما الفرق بينه وبين ما نحن فيه حيث لا يكون بذل المال ضررا.

ولو قلت: إنّ الوجه في عدم وجوب الطلب هناك أنّ في تعريض المال للصوص غضاضة واستنفار(4) دون البذل وهو منشأ الحكم بعدم وجوب الطلب.

قلنا: لو سلمنا ذلك فلا يتم في صورة الخوف من ضياع ماله وفساده، لا من جهة أخذ اللص.

فههنا أيضاً حكموا بوجوب الحفظ وعدم جواز الطلب، والبذل ليس إلا الضرر وهو موجود فيما نحن فيه فيكون ضرراً. على أنه يمكن الإلزام في صورة أخرى وهي أنه لو لم يكن يعلم بقيمته فاشترى بالقيمة العالية باعتقاد انه قيمته السوقية ثم تبين بعد البيع أنّ قيمته أقل من هذا وهو مغبون فيحكمون بأنّ له الخيار بواسطة الضرر ولا يفرق بين كون شراءه ضرراً بين العلم به أو لا، فإنّ كانت الزيادة ضرراً كان في الصورتين وإلا فلا ، بل لو فرض عدم الماء غيره، هل يحكم ببطلان بيعه مع عدم العلم ثمّ إلزامه بشرائه بهذه القيمة لعدم كونه ضرراً دون الأول. إلا أنه يمكن الفرق بين ما نحن فيه وبين باب البيع والخيار بأنّ المقصود تارةً بالبيع والشراء -نفس الشيء لا

ص: 222


1- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 369، 370.
2- يُنظر : العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 13.
3- الشهيد الأول، الذكرى: 1/ 184 .
4- كذا في الأصل ولعلها (واستكراه).

القيمة-.

وتارةً يكون الغرض بالقيمة ، وإن كان الغرض بنفس الشيء لا يكون الضرر ولو اشترى بأضعاف قيمته بخلاف ما لو قصد القيمة فإنّه يكون ضرراً إن كان زائداً عن ثمن المثل، وما نحن فيه من قبيل الأول يكون المطلوب نفس الماء ووجوده فلا يكون ضرراً بعد وجوده.

وفي باب البيع يحكمون بالخيار في مقام يكون الغرض بالقيمة، فلا يكون الحكم بوجوب الشراء موافقاً للقاعدة، بل مخالف للقاعدة وكونه ضرراً، إلا أنّه ألجأنا إلى الحكم بواسطة النصوص الدالة على وجوب الاشتراء ولو كان (1).

ومحصّل الكلام في هذا المقام أنّ الأصحابَ حكموا بوجوب الشراء ولو كان الثمن زائداً عن ثمن المثل بأضعافه ما لم يضر به في الحال ولم يكن مجحفاً أيضاً، خلافاً لابن الجنيد حيث حكم بعدم وجوب الشراء حيث يكون الثمن غالياً، وللشافعي(2) أيضاً .

فأصل الحكم لا شبهة فيه بواسطة الإجماع والنصوص وغير ذلك، وإنما الكلام في أنّ هذا مخالف لقاعدة الضرر، وإنما أثبته النص والإجماع أو يكون موافقاً للقاعدة ولا يكون ضرراً؟

ويظهر من المحقّق (3) وجماعة، الأول في جواب الشافعي، لكن يظهر من الشهيد الثاني(4) تعليله الوجوب بانتفاء الضرر.

لكن هذا الكلام منقوض بصورة حكموا فيها بكون ذهاب هذا المقدار من المال

ص: 223


1- كذا في الأصل، ولعله يريد: (ولو كان الثمن زائداً عن ثمن المثل بأضعافه) بقرينة السياق ويؤيده ما بعده من الكلام.
2- حكاه المحقق الحلي في المعتبر : 1/ 369 عن (ابن الجنيد والشافعي).
3- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 369 .
4- الشهيد الثاني، المسالك: 1 /110.

ضرراً فلا فارق بين تلك الصورة وبين هذه الصورة فإنّ كان ذهاب هذا المقدار ضرراً يكون في الجميع وإلا فليس في شيء منها، فالتفرقة ليست في محلّها.

منها: صورة الخوف من اللص حيث حكموا بعدم وجوب تحصيل الماء لو حصل الخوف من ذهاب المال ولو كان قليلاً بحيث يعتنى به على المشهور (1) .

وبعضهم (2) قيّده بالكثير ، وعلى كل حال فالمنشأ فيه يكون الضرر.

وبعضهم (3) قالوا: إنّ المنشأ هو غضاضة النفس واستكراهها من تعريض المال للصوص فلا يصدر الإلزام من الشارع بخلاف ما نحن فيه فإنّ إعطاء المال وبذله ليس فيه غضاضة للنفس فلا يجب في الأول دون ما نحن فيه، لكن ذلك لا يتم في صورة النقض الأخرى:

[ منها] ما لو خاف من ضياع المال لو طلب الماء وهنا أيضاً قالوا بعدم الوجوب وليس هنا غضاضة.

وذكر بعض(4) في مقام بيان الفارق أنه ليس الفارق الغضاضة بل الفارق هي الأدلّة الدالّة على وجوب حفظ المال وصيانته وحرمة إضاعته وليس فيما نحن فيه إضاعة، وهذا الفرق يتم بالنسبة إلى هذين الموردين.

[منها] وهنا صورة أخرى وهو النقض بصورة عدم العلم بقيمة الماء واعتقاده أنّ قيمته هذا المقدار ثم تبين أن قيمته أنقص من هذا، فحكمه بمقتضى أدلّة نفي الضرر بالخيار وهذا يشكل؛ لأنّه إن كان هذا المقدار ضرراً لا يفرق فيه بين العلم وغيره ولا يتم الفرق المذكور هنا؛ لأنّ عدم الأخذ بمقتضى الخيار ليس إضاعة للمال بل إحسان.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ إطلاق دليل الوضوء يقتضي الوجوب ولو كان شراء

ص: 224


1- يُنظر : العلّامة الحلي التذكرة: 2/ 286 ؛ الفاضل الهندي، كشف اللّثام: 2/ 439.
2- الأردبيلي، مجمع الفائدة: 1/ 216 .
3- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 191.
4- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1 /ق 1، 94 .

الماء بألف ألف بقدر التمكن ولا يتم أيضاً ما قلنا من الانصراف إلى المتعارف؛ لأنّ المتعارف الذي يكون منشأ للظهور المطلق فيه غير موجود بل ذلك الانصراف مثل انصراف الإنسان إلى انسان ذي رأس واحد بحيث يكون ظاهراً في عدم إرادة غيره وذلك غير موجود، بل الانصراف إنّما يحصل لو علمنا بعدم الاهتمام في تكليف الوضوء مثل الاهتمام في عدم صرف المال، هذا مقتضى الإطلاق.

لكن شمول الإطلاق لمراتب التحصيل متعارفة(1) ففي بعضها بطريق النصوصية وفي بعضها بطريق الظهور وفي بعضها في غاية الخفاء، لكن مقتضى أدلّة الضرر نفي الظهور مطلقاً في جميع المراتب لكنّ مراتبه أيضاً مختلفة شمولها للمرتبة الأولى من الإطلاق بطريق الخفاء وعدم الأظهرية فلا بُدَّ من تقديم الإطلاق في المرتبة التي يكون فيها من قبيل النص؛ لأنه لا بُدَّ من تقديم الأظهر فكانت هذه المرتبة داخلة في طبع أصل التكليف، ولا يعارضه أدلّة الضرر في الضرر الطبعي؛ لأنّ دليل التكليف مخصص له بخلاف سائر المراتب؛ فإنّ أدلّة الضرر واردة عليها لأنّ شمول أدلّة الضرر لها أظهر من شمول الإطلاق، وحينئذ فالضرر الذي لا يكون مضراً بالحال من هذا القبيل فلا يكون مشمولاً لأدلة الضرر وإن كان ضرراً في نفسه .

ولا ينافي هذا كونه موجباً للخيار في صورة عدم العلم للضرر؛ لأنه لا ملازمة بين أن يقول المولى اعمل هذا العمل ولو صرفت فيه ألف دينار، وعدم ثبوت الخيار لك لو صرت مغبوناً في هذا المبلغ بأنّ اشتريت فرساً بألف وكانت قيمته خمسين، بل مدلول الإطلاق هو الصرف فيه لا الغبن فثبت أنّ صرف هذا المقدار يمكن عدم كونه ضرراً في صورة العلم لعدم شمول أدلته وضرراً في صورة عدم العلم، ويمكن الفرق أيضاً بين صرف المال مثلاً في شرائه وعدم وجوب تحصيل الماء لو ترتب على التحصيل فوات هذا المقدار من المال بذهابه للص أو إضاعته، وإن كان الإطلاق يشمل الصورتين

ص: 225


1- كذا في الأصل، والصحيح: (متفاوتة) .

بمعنى قضاء الإطلاق بوجوب تحصيل الماء ولو صرفت فيه الف دينار أو لا، وسواءً ترتب على تحصيله فوات المال أم لا، لكنّ شموله لصرف المال في التحصيل أظهر؛ لأنّه حقيقة مدلول الإطلاق والدليل؛ لأنّ مدلوله هو التحصيل وهو صرف في التحصيل دون ما يترتب على التحصيل ويلحق به ؛ فإنّه ليس شموله لهذا الظهور كما أشار إلى هذه الدقيقة المحقق الثانى(1)

ولكن الإنصاف أنّ الحكم مخالف للقاعدة وثبت بالنص وغيره كما أشار إليه جماعة.

وأما القسم الرابع: وهو الضرر الحالي فلا يجوز معه الشراء، بل يتيمم لشمول أدلّة الضرر والأصل والإجماع(2) المنقول، بل المحصل وكونه عسراً منفياً في الشريعة وغير ذلك، فيلاحظ في هذا الضرر حال كل شخص فربما كان شيء في حق شخص ضرراً بحسب حالته ولا يكون في حق غيره.

ويختلف بالغنى والفقر، وقسم من الضرر وهو الضرر المجحف وهو ذهاب معظم مال الشخص، وبهذه الجهة يفترق عن الضرر المالي، فإنّه ربّما يكون مال الشخص في درهم ويباع الماء أيضاً بهذه القيمة، وهذا يكون ضرراً مالياً ولكن في كونه ضرراً مجحفاً مشكل.

وكلمات الأصحاب (3) فيه مختلفة، فبعضهم سوغ فيه التيمم، وبعض الأصحاب(4) استشكل فيه للإطلاق وقضائه بوجوب الشراء مطلقاً .

والظاهر عدم الوجوب لأدلة الضرر والعسر والحرج.

ثم إنّ بعضاً من هذه الأقسام لها مراتب ، مثلاً ضرر فوت الحاجة له مراتب.

ص: 226


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد : 1/ 475 .
2- یُنظر : النجفي، الجواهر: 5 / 97.
3- نفس المصدر.
4- البحراني، الحدائق : 4 / 237 .

تارة تكون الحاجة بحيث لو لم يصرف في الحاجة يؤدي إلى هلاك النفس.

وتارة لا يؤدي إلى ذلك فبعض صوره لا كلام في مسوغيته، وإنّما الإشكال في بعضها الآخر، مثلاً الحطاب لو خرج من البلد فجمع الحطب وليس معه ماء فلو رجع إلى البلد يفوت حاجته.

ذكر المحقق رحمه الله(1) أنه يتيمّم لكونه ضرراً، وأنكر جماعة(2) عليه، وكأنَّ نظره إلى جمع الحطب عليه واجب لكون مؤنته منه، ولا يجب قبل الوقت تحصيل الشرط حتى يلزم عليه حمل الماء فيذهب بغير ماء فيكون بغير ماء فيتيمم؛ لكون رجوعه مفوتاً لحاجته التي مؤنته منه ، وهذا الخيال ضعيف غاية الضعف لو كان.

فالحقُّ عدم صحة التيمم بل المدار في اختلاف المراتب على تفاوت ظهور الإطلاق، وبالنسبة إلى مرتبة يكون الإطلاق قوياً ظاهراً غاية الظهور، فيكون شمول أدلّة الضرر لها ضعيفاً بحيث لا يعتبر بها في مقابل هذا الظهور مثل ثمن المثل، ، مثلاً لو كان كثيراً أو أزيد من ثمن المثل يسيراً، وبالنسبة إلى مرتبة يكون ظهور أدلّة الضرر قوياً ويكون الإطلاق ضعيفاً، فحينئذ فالإطلاق وإن كان يحكم بوجوب التحصيل إلا أنه ليس له ظهور بحيث يعارض أدلّة الضرر ويرفعها فتكون واردة عليه، فيحكم بعدم الوجوب بمقتضاها كالضرر المجحف أو الضرر الحالي.

وأما لو كانا متساويين في الظهور بحيث لم يكن ظهور أحدهما أقوى في النظر من الآخر وحصل الشك في التكليف فيكون التعارض بين دليل الوضوء وبين دليل نفي الضرر من باب تعارض الظاهرين فلا بُدَّ من الرجوع إلى المرجح لو كان، فإن لم يكن فيحكم بإجمالها والرجوع إلى القواعد ومقتضاها، فالقاعدة الجارية هي الاحتياط بأنّ يتوضأ ويتيمم.

ص: 227


1- المحقق الحلي المعتبر : 365/1 .
2- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد (ط . ق) : 1/ ق 1، 96 ، البحراني، الحدائق : 4 / 237 .

لكن يمكن أن يقال: بعد الحكم بالإجمال يرجع إلى الإطلاقات الدالة على التيمم كقوله علیه السلام: «يكفيك التراب عشر سنين» (1) وغيره مما يدلّ على أنّ التيمم أيضاً مثل الا الوضوء لكن فيه إشكال من شمول إطلاقها لهذا المورد ومن كون التيمم عند عدم التمكن من الوضوء وسقوط الوضوء وهنا يكون متمكنا منه بهذه المثابة.

ثم إن هنا فروعاً لا بأس بذكرها إجمالاً :

منها الاكتساب: بأنّ كان متمكناً من تحصيل الماء بالاكتساب فهل يلزم عليه الاكتساب أم لا؟

يظهر من جماعة(2) عدم الوجوب حتى أنه يظهر من بعض المحققين(3) أنّ عدم وجوبه مسلم، مثلاً يقول في مسألة الهبة والبذل: إنّه لا يجب القبول؛ لأنه نوع من الاكتساب وهو غير واجب. وكذلك يظهر من بعض (4) في مسألة الدين أنّه لا يجب الاكتساب في أداء الدين وإن كان إطلاق التكليف ووجوب المقدمة يقتضي الوجوب فيه وفيما نحن فيه، لأنهما من باب واحد، فوجه عدم الوجوب غير ظاهر.

إلا أنه يمكن أن يقال: إنّ مستندهم في باب الدين على عدم الوجوب بعض الأخبار الواردة فيه وحكموا أيضاً بعدم الوجوب فيما نحن فيه بواسطة الأولوية؛ لأنّه إذا لم يكن الاكتساب واجباً في أداء الدين مع أنه حق الناس فلا يجب فيما نحن فيه؛ لأنه حق الله تعالى. لكن المطلب في أصل أداء الدين غير تام؛ لعدم نهوض الأخبار لإثبات المطلب، وعلى فرض الثبوت يمكن منع الأولوية، فالاكتساب واجب إن لم يكن فيه مشقة وعسر شديد وأما معها فيسقط.

ومنها بذل الماء: فلو بذل الماء له باذل فهل يجب القبول أم لا، وكذا لو بذل له

ص: 228


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 2 / 984 ح 15 .
2- ادّعى الشهرة على ذلك البحراني، الحدائق 273/4 .
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 476 .
4- لمحقق الكركي، جامع المقاصد :475/1.

ثمنه؟

يظهر من بعض المحققين(1) الفرق بين صورة بذل الماء وبذل الثمن فيجب القبول في الأول دون الثاني، وعلّل بأنّ قبول الماء ليس فيه مِنّة وضرر فيجب القبول، بخلاف بذل الثمن فإنّ قبوله تحمّل مِنّة ؛ لأنّ جنسه من هذا القبيل فلا يجب القبول؛ لأنه تحمّل منة وإذلال للنفس وهو من أعظم الضرر على الاحرار.

لكن الفرق بين الصورتين والحكم مطلقاً في الأول وعدمه في الثاني مشكل، لأنَّ بذل الماء قد يكون فيه مِنّة في بعض الأحيان وقبول المنّة ضرر منفي في الشرع.

وقد لا يكون في بذل الثمن منة أصلاً فالفرق بالجنس ليس في محله بل الحكم دائر مدار حصول المنّة والضرر والإذلال فلا يجب - لأدلة الضرر - وعدم حصوله فتجب، سواءً كان في الماء أو في الثمن كما صرح به جماعة(2).

ومنها: ما لو كان الماء موجوداً ولكن وجب إنفاقه على من يجب نفقته على الشخص فهل يجب الوضوء حينئذٍ وعدم وجوب الإنفاق أم لا بل يجب الإنفاق؟

فنقول: إنّ واجب النفقة على قسمين:

[ الأول]: قسم يكون حقه مالي، بمعنى تعلّقه بالمال، بمعنى أنه يستحق هذا المقدار من المال كالزوجة فإنّها تستحق النفقة بمعنى استحقاقها هذا المقدار من المال، فحينئذ فلو كان الماء موجوداً ولكن تطلبه مع وجوده عندها أيضاً فالظاهر تقديمها على الوضوء؛ لأنّ ذاك حق الناس فيكون مقدماً ، لكنّ هذا مع فرض مطالبتها بعينه وعدم وجود ماء آخر أيضاً بالقيمة التي لا بُدَّ من الاشتراء معها.

[الثاني]: وأما لو كان واجب النفقة مثل الأقارب حيث يكون وجوب الإنفاق عليهم تكليفياً بحيث يسقط لو قام به شخص، وليس من باب حق الناس، فيشكل

ص: 229


1- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 370؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 476 .
2- المحقق الحلّي، المعتبر : 371/1؛ ينظر: البحراني، الحدائق: 273/4 .

الأمر لتعارض الواجبين.

ويظهر من بعض (1) في مسألة الفَلَس أنه بعد الحجر أيضاً ينفق عليهم من ماله إلى زمان القسمة وظاهره أنّ الإنفاق هنا أيضاً متعلق بالمال إلا أنّه ذهب إليه قليل بحيث لا يمكن الاعتماد عليهم، فيصير من باب التعارض، فالرجوع إلى المرجح إن كان وإلا فالتخيير، بمعنى التخيير في العمل لعدم إمكان الاحتياط؛ لكون الواجب أحدهما حينئذ فلا يعلم، ولا يمكن الاحتياط فيكون مخيراً فيختار أيهما شاء من الوضوء به أو التيمم والانفاق عليهم.

لكن يشكل من جهة أنّ صحة الوضوء كانت مشروطة بالأمر ولا يعلم حينئذ الأمر بالوضوء وكذلك التيمم بأصالة عدم وجوب الوضوء حينئذ فيجب التيمم؛ لأنه معارض بأصالة عدم صحة التيمم ومطهريته؛ ولأنّ وجوب الوضوء كما قلناه سابقاً ناشئ من المقدمية والتوقف فلا يمكن نفيه بالأصل؛ لأنه دائر مدارها.

بل الأظهر أنّ ما نحن فيه من باب تزاحم الواجبين فيرجع إلى الأهمية.

فربما يقال: إن الأهم هو الإنفاق لأنَّ الله تعالى أوجب الإنفاق بواسطة النسبة والقرابة التي بينه وبينهم فكأنهم بمنزلته ، فإذا دار الأمر بين الشرب منه والوضوء فالشرب مقدم فيكون الإنفاق مقدماً. لكن لو غفل ولم يعلم الأهم فمقتضى أصل عدم الأهم التخيير الواقعي ولا ينافي وجود الأهم في الواقع؛ لأنّ المناط في وجوب الأخذ

هو العلم بالأهم لا الأهم الواقعي وإن كان غير معلوم. فافهم.

والسبب الثالث من أسباب التيمّم هو : الخوف على النفس(2) أو العرض أو المالمن اللص والسبع أو خوف المرض الحاصل وغير ذلك من الخوف على نفس محترمة.

ص: 230


1- يُنظر : الطوسي، المبسوط : 2/ 275 .
2- لم يتعرض لهذا المورد في هذا الشرح.

أما الخوف على المال من اللص

فلا إشكال فيه من حيث الفتوى بل يمكن دعوى [ الاتفاق ](1) عليه، وإنما الكلام في مدركه هل هو النصُّ أو الإجماع أو أدلّة الضرر ؟

تمسك بعض(2) بالنصوص الواردة في هذا الباب، والظاهر عدم دلالة النصوص عليه إلا خبر يعقوب وهو أيضاً غير دال لعدم ذكر اللصّ فيها إلا فيه، وهو أيضاً بقرينة سابقة ظاهر في الخوف من اللص على النفس؛ لأنّ قوله الا علیه السلام: «لا آمره فيغرر بنفسه» (3) يشهد بأنَّ الخوف من اللص أيضاً على النفس ويؤيده ظهور كون مدخول (الباء) هو المخوف عليه والمغرور به وكذا تعقيبه بالسبع أيضاً يشهد بأنَّ الخوف من اللص أيضاً على النفس كما في السبع فلا دلالة في الأخبار على هذا المطلب.

لكن الظاهر أن المدرك هي أدلّة نفي الضرر والفارق بين ما نحن فيه ووجوب الشراء بالثمن الزائد عن ثمن المثل شيئان :

الأول: فهم الأصحاب وقولهم بعدم الوجوب.

والثاني: ما ذكرنا سابقاً من ظهور الإطلاق بالنسبة إلى ما يصرف في تحصيل الماء وعدم ظهوره فيما يترتب على التحصيل فيما نحن فيه، حيث إنّ المال هنا مترتب على ذهاب الشخص لتحصيل الماء فكأنه خارج عن الإطلاق؛ لأنّ الإطلاق بالنسبة إلى التحصيل.

ثم إنّه لا فرق بين المال المخوف عليه بين الكثير المضر بحال الشخص وبين القليل المعتد به بحيث لا يعد ضرراً في هذا المقام وفاقاً للمشهور(4)، حتى ادعي عليه

ص: 231


1- يُنظر العاملي، مفتاح الكرامة : 4/ 350 .
2- المحقق الكركي، جامع المقاصد : 1 471 ؛ الشهيد الثاني، المسالك: 1/ 111.
3- الكليني، الكافي : 3 / 65 ح 8 .
4- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 191.

الإجماع(1)، خلافاً لجماعة حيث خصوه بصورة الخوف من المال المجحف المتضرر، والظاهر عدم الفرق؛ لأدلة الضرر ووجوب حفظ المال(2) حيث إنّها شاملة للقليل أيضاً لكونه ضرراً فالمدرك في التعميم هي الأدلة والإجماع المنقول والشهرة المحصلة.

نعم، إذا كان الضرر قليلا بحيث لا يعتد به في هذا الباب وإن كان في باب الخيار ضرراً موجباً للخيار فالظاهر وجوب تحمله لعدم كونه ضرراً في هذا المقام لاختلاف الضرر بالنسبة إلى الموارد بل بالنسبة إلى الأشخاص أيضاً فربما لا يكون مقدار قليل من المال موجباً للضرر في مقام دون مقام آخر، مثلاً في باب الخيار الغرض المعاملة والمالية فلو بيع شيء يكون قيمته در هم بدرهمين يوجب الخيار ويكون ضرراً، بخلافه مثلاً في مسألة الحج لو ذهب إلى الحج يتضرر بدرهم أو درهمين ولم يقل أحد بكونه ضرراً وموجباً للسقوط، بل الضرر مختلف بالنسبة إلى الموارد، فلو خاف على ذهاب المال القليل غير المعتد به يلزم تحصيل الماء لإطلاق دليل الوضوء وظهوره بالنسبة إليه هذا كله في المال المخوف عليه.

وأمّا في العرض والاعتبار لو ذهب إلى تحصيل الماء يذهب عرضه واعتباره فالظاهر عدم وجوب الذهاب ؛ لأنّ ذهاب الاعتبار والعرض من أعظم المضار.

وأما الخوف على نفس محترمة

فهل يكون المراد بالمحترمة ما لا يكون دمه مهدوراً فيخرج الكافر الحربي ويدخل ما سواه ولو كان الكافر المعاهد ، أو يكون المراد بها النفس التي يجب حفظها دون ما لا يجب؟

الظاهر هو الثاني دون الأول؛ لأنّ الكافر الذمي والمعاهد لا يكون دمهما هدراً ولا يسقط الوضوء لو خاف عليها .

ص: 232


1- النجفي، الجواهر : 5 / 103 .
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 3 / 45 ح 2 .

نعم المعاهد المشروط لا يبعد كون حكمه حكم المسلم فيجب حفظ المسلم لو خاف عليه، وسقوط الوضوء؛ لثبوت وجوب حفظه من الشرع من الأخبار الواردة مثل قوله علیه السلام حرمة أخيك المسلم كحرمتك(1) ومن حق المسلم على المسلم أن يحفظه في غيبته(2) وغير ذلك مما ورد في باب المسلم لا بُدَّ أن يراعي فيه ما يراعي في النفس، لكنه مختص بالمسلم المؤمن وإلا فالمخالف لا حرمة له وليس بالأخ، ويظهر من بعض الأخبار أنه أسوء حالاً من الكافر(3). وكذا الحكم في الخوف على طرف المسلم.

وأمّا الحيوان

فيظهر من بعض(4) وجوب حفظه إلا الفواسق الخمس : كالكلب العقور والحية والعقرب وغير ذلك.

ويظهر من بعض(5) عدم الوجوب إلا المملوك.

والظاهر أن حكم] الحيوان أيضاً وجوب الحفظ إلا مثل السباع والحشرات والفواسق الخمس بملاحظة ما ورد في بعض الأخبار ، مثلاً ورد بإلقاء عابد في النار بواسطة عدم استخلاصه الديك من يد الصبي الذي يؤذيه . ومن حرمة زيادة الحمل في الدواب الأربع، ولزوم ردع من آذاها. وأن لكل كبد حرّاء أجر»(6) وغير ذلك مما يقف المتتبع عليه الذي يمكن حصول المظنة بل القطع باحترامها ووجوب حفظها سواءً كان ملوكاً للشخص أو لغيره؛ لأنّ كلامنا الآن ليس فيه من حيث كونه مملوكاً؛ لأنه قد مرَّ،

ص: 233


1- لم أعثر على الرواية بهذا اللفظ ، يُنظر : جامع أحاديث الشيعة: 16/ 148.
2- الكليني، الكافي: 171/2 .
3- الكليني، الكافي : 409/2 .
4- يُنظر : المحقق السبزواري ذخيرة المعاد: 1 ق 1 ، 94 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 354.
5- السيد العاملي، مدارك الاحكام 2 196 ؛ البحراني، الحدائق 4 / 290 .
6- الكليني، الكافي : 4 / 57 ح 2 ، 58 / 6 . وفيه : أفضل الصدقة ابراد كبد حرى»؛ وفي عوالي اللئالي: 95/1 ، حديث ، ولفظه: «على كل كبد حرى أجر » .

والآن الكلام في الحيوان من حيث كونه نفساً من النفوس، فالظاهر وجوب حفظها وترك الوضوء معها.

[ وجوب حفظ مال الغير ]

وأمّا الخوف على المال فإن كان ماله فقد مرَّ ، وأما مال غيره فالظاهر أنّه أيضاً يجب حفظه؛ لأنّ حرمة المسلم كحرمة النفس ، فكما أنّ مال الشخص واجب الحفظ فكذا مال المسلم، فلو مات المسلم ولم يكن وارثه حاضراً يجب على الحاكم حفظ ماله حتى يجيء الوارث وإن لم يكن فيجب على العدول من المؤمنين وإن لم يكونوا فعلى الفسّاق منهم، ويظهر من هذا ونحوه أنّ مال المسلم محترم فيسقط الوضوء لأجله.

ومن جملة الموانع لاستعمال الماء المرض

تارة يكون الكلام في المرض الحاصل ولكن يخاف من زيادة المرض أو بطء برئه وعسر علاجه بواسطة الاستعمال.

وتارة يكون في المرض غير الحاصل بل المتوقع باستعمال الماء فنتكلم في المقامين:

أمّا الأول فنقول: مسوغيته في الجملة إجماعي(1)، ومستفاد من الآية الشريفة: «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرِ»(2) و من المعلوم ضرورةً أنّ المرض الذي لا يضر به الماء لا يسوغ التيمم إجماعاً [و] لم يخالف فيه أحد إلا من العامة(3)، بل المسوغ هو المرضالمضربه الماء.

ويظهر من لفظ المرض مطلقاً أنّ المراد المرض المضر، لعدم الفرق بديهة بين هذا اللفظ المذكور في هذه الآية والمرض المذكور في آية الصوم: «فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»(4) وفي هذه يكون مقيداً بذلك لملاحظة الأخبار الواردة

ص: 234


1- المحقق الحلي، المعتبر : 1 365؛ النجفي، الجواهر: 5/ 104.
2- سورة المائدة : 6 .
3- الطبرسي، المؤتلف: 1/ 57 .
4- سورة البقرة : 184 .

فيه، فيكون المرض هو المرض المضر معه [ استعمال] الماء، فإذا كان كذلك فالمرض الذي يكون مضراً به الماء ضرراً معتداً به فلا شبهة في سقوط الوضوء معه.

وأما المرض المضر يسيراً بحيث لم يكن معتداً به

يظهرُ من بعض(1) مسوغيته أيضاً، لكنّ الإنصاف عدمه؛ لثبوت دليل الوضوء ولم يثبت مسوغية هذا القسم لعدم كونه عسراً وحرجاً ودليل الضرر يشمل المعتد به لا غير المعتد به فيكون إطلاق دليل الوضوء سليماً عن المعارض بخلاف ما لو كان الضرر معتدا به، ولو جعلنا عدم الوجدان المذكور في الآية بمعنى عدم التمكن وجعلناه قيداً للجميع فالأمر أوضح.

وأما المرض المتوقع باستعمال الماء

فالذي صرّح به جماعة(2) ، هو كفاية مطلق المرض الحاصل مطلقاً واستدلوا بالعسر والحرج وأدلّة نفي الضرر والقياس بالشين وهي: الخشونة التي تعلو البشرة، على ما صرّح به جماعة(3).

وقالوا: إنّ الشين مسوغ للتيمم في المشهور (4)، بل ادعي عليه الإجماع(5) مع عدم كونه مرضاً أو مرض معتد به. وأنت خبير بضعف هذه الأدلة لعدم كون مطلق المرض المتوقع والوضوء معه عسراً أو لا يكون ضرراً (6) لانصراف دليله إلى المتعارف والقياس على الشين فاسد؛ لأنا لا نسلم الحكم في المقيس عليه مطلقاً، بل المعتبر منه هو الخشونة

ص: 235


1- الشهيد الأول، الذكرى: 1/ 186 .
2- الشهيد الأول، الذكرى : 1 / 186 ؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 472 ؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 10 315 - 317 .
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد : 18 / 473 ؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 317 .
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 32.
5- النجفي، الجواهر : 5 / 113.
6- العبارة مشوشة ومراده: (عدم كون مطلق المرض مع الوضوء يسبب العسر أو الضرر).

التي توجب شقاق الجلد وخروج الدم لا مطلق الخشونة، لكون مستنده ليس شيئاً آخر غير الضرر وان ادعي عليه الإجماع، إلا أنا نعلم أنّ مدرك المجمعين ليس إلا هذا الدليل، وهو لا يكون دليلا على الإطلاق.

فالمرض المتوقع إن كان معتدّاً به في العرف بحيث يعد ضرراً وحرجاً يوجب التيمم وإلا فلا، فكذا الشين، مضافاً إلى أنّ مسوغية الشين لا يوجب مسوغية مطلق المرض المتوقع؛ لأنّ الوضوء مع الشين يكون عسراً بخلافه هنا.

[لا فرق في المرض المسوغ بين كونه في جميع البدن أو في بعضه]

ثم إنّه على الظاهر لا فرق في المرض المسوغ بين كونه في جميع البدن أو في بعض الأعضاء مثل أعضاء الوضوء - إذا كان الماء مضراً به - فيكون موجباً للتيمم، لكن كلام الأصحاب والأخبار هنا مختلفة، ففي باب التيمم (1) حكموا بالتيمم في المرض سواءً كان في البعض أو في الجميع، وفي باب الوضوء(1) فإنّه لو كان بعض الأعضاء به قرح أو جرح أو كسر بحيث لا يمكن غسلها لضرر فإنّ أمكن غسل الموضع غسل وإن لم يمكن غسله يغسل ما دونه ويمسح عليه مع وضع الخرقة، ولم يحكموا بالتيمم، فبين كلامهم هناك وفي هذا الموضع تهافت وتناقض، بل الأخبار أيضاً متعارضة، ففي بعضها(2) حكم بالتيمم في الجرح والكسر ، ومن به قروح وجروح في بعض أعضاء الوضوء وفي بعضها(3) حكم بالوضوء، في هذه المقامات وغسل العضو الذي به مرض إن أمكن وإلا يمسح على خرقة؛ ونحن نتكلم الآن في العمومات التي تدل على الحكم

ص: 236


1- الفاضل الهندي، كشف اللثام 578/1 ؛ النجفي، الجواهر : 2/ 300.
2- ينظر: الحر العاملي، وسائل الشيعة: 346/3 باب جواز التيمم مع عدم تمكن استعمال الماء لمرض ح5 .
3- ینظر: الحر العاملي وسائل الشيعة: 463/1 باب: إجزاء المسح على الجبائر في الوضوء.

في هذه الموارد ومن جملتها الآية الشريفة: «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا»(1) ويمكن استفادة الحكم منها بأحد وجهين:

الأول: من قوله تعالى: «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا» بناءً على كون المرض عاماً يشمل المرض المزاجي بحيث يكون الشخص مريضا مزاجاً وطبيعة كما هو المتبادر من لفظ المرض ويشمل المرض العضوي، بحيث يشمل مثل الكسر والجرح ومن به قروح أو جروح. وكون فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً قيداً للمرض أيضاً وبمعنى: (لم يتمكنوا) وحاصله : إن كنتم مرضى ولم تتمكنوا بالنحو الذي قرّر في صدر الآية من غسل جميع الأعضاء أي الوضوء الكامل، فتيمموا، ويكون قوله تعالى: «فَلَمْ تَجِدُوا» قيداً للسفر فقط ويستفاد من قوله تعالى:«وَإِن كُنتُم مَّرْضَى »المرض المقيد أي المضر به استعمال الماء كما يستفاد منه بقرينة المقام في قوله تعالى: «فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا»(2) في الصوم المرض المضرّ به الصوم.

والثاني: استفادة الحكم من التعليل الوارد في عجز الآية، وهي: «مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَج»(3) حيث يستفاد منه عدم إرادة الله تعالى الحرج والمشقة وكون سبب شرعية التيمّم الحرج والمشقة وإن كل مورد يكون في الوضوء حرج ومشقة يكون التكليف هو التيمّم لا الوضوء فيشمل ما نحن فيه.

ولكن الانصاف أنّه لا يتم كل من الوجهين.

أما الأول فلابتنائه على عموم المرض بحيث يشمل الكسر والجرح وغيرهما وهو ممنوع، ولو كان عاماً بحسب أصل اللغة يكون منصرفاً إلى غير المذكورات بحسب

ص: 237


1- سورة المائدة: 5 .
2- سورة البقرة : 82 .
3- سورة المائدة : 6 .

العرف.

وأمّا الثاني فلأن المستفاد من التعليل هو عدم إرادته تعالى الحرج والمشقة وهو لا يثبت التيمم؛ لأنّ عدم الحرج والمشقة كما يحصل بالتيمم يحصل أيضاً بالوضوء مع عدم غسل الموضع الذي به مرض بل المسح عليه بخرقة، فعدم إرادته الحرج لا يستلزم التيمم، هذا في الآية.

ومن جملة العمومات التي في المقام هي العمومات الدالة على عدم سقوط الميسور بتعذر المعسور، وعلى عدم سقوط الكل بواسطة عدم إدراك البعض وغيرهما، وهي بعد الغض عن سندها وضعفها من جهة جبرها بالشهرة بين العلماء لو كان فيها ضعف - تدل بظاهرها على عدم ثبوت التيمم بمجرد الجرح والقرح في العضو وعدم سقوط الميسور في الأعضاء بواسطة انتفاء المعسور منها وثبوت الوضوء غاية ما في الباب عدم غسل الموضع المقروح وأنّ هذا الوضوء بهذه الكيفية بدل من الوضوء الكامل، وحينئذ [يقع] التعارض بينها وبين ما دلّ على بدلية التيمم من الوضوء، ونعلم قطعاً عدم التكليف بهما جميعاً، وحينئذ يقع التعارض بينهما فلا بد من الرجوع إلى المرجح.

هذا ولكن قد يدعى حكومة هذه العمومات على أدلّة التكاليف وبيان المراد بأحد وجهين:

الأول: أن يدَّعى أنّ مفادها ان تلك التكاليف لا ترتفع بواسطة سقوط البعض وأنّ البعض منها والميسور منها عين الجميع لا مجرد استفادة البدلية منها، وأنّ البعض منها بدل عن الجميع؛ لأنه حينئذٍ يقع التعارض بينها وبين ما دلّ على بدلية التيمم، ومن المعلوم عدم ثبوت بدلين للشيء في حال الاجتماع ، فلا بُدَّ من ثبوت أحدهما، بل يدعى أنّ المستفاد منها أنّ المراد من التكاليف والمطلوب منها ليس المجموع من حيث هو على الاجتماع، بل المطلوب غسل هذه الأعضاء ولو كان على الأنفراد وأنّ البعض الذي ثبت في هذه الحالة هو عين ما ثبت أولاً مع قطع النظر عن هذه الحالة، وحينئذ لا يعارضها أدلّة التيمّم لكون مفادها كون التيمم بدلاً عن الوضوء، ومن المعلوم عدم

ص: 238

ثبوت البدل مع قيام المبدل وثبوته، والمفروض استفادة العينية من الأدلّة.

والثاني – من وجهي تقرير الحكومة : أن يدعى أنّ ظاهر أدلّة التكليف بالمركب هو مطلوبية المجموع على الاجتماع دون الانفراد والاستقلال حتى لو انتفى غسل بعض الأجزاء انتفى الوضوء مثلاً، إلا أن أدلّة الميسور دلت على أنّ المطلوب من التكاليف

ليس هو ظاهر ظاهر الأدلّة من مطلوبية الاجتماع ،والانضمام بل يكون غسل الأعضاء مطلوباً ولو كانت منفردة، وحينئذ بملاحظة أدلّة الميسور فهمنا كون المراد من الدليل هو وجوب غسل الأعضاء ولو انتفى بعضها، وحينئذ يدلّ قوله تعالى: «فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ»(1)على أنه إذا لم يتمكنوا من استعمال الماء بهذه الكيفية المذكورة - بمعنى عدم التمكن من الغسل ولو في بعض الأعضاء وفي شيء منها - فيجب التيمم دون غيره من الموارد التي يتمكن منها من غسل الجميع أو تمكن من غسل البعض فليس فيها التيمم.

لكن يرد على ما ذكر أنّ هذا الكشف لا يكون من جهة مطلوبية [الميسور] مع تعذر المعسور فيستكشف منه أنّ المطلوب ليس شيئاً واحداً وهو المركب المجتمع، بل كل من الأعضاء مطلوب، أو من جهة لفظ الاسقاط هذا بناءً على أنّ لفظ الاسقاط إنّما يستعمل في مورد يكون له شأنية الثبوت والدوام، وإلا لو لم يكن له شأنية الثبوت أصلاً لا يتوهم الثبوت أصلاً ، فكيف يحكم بعدم السقوط وكلاهما غير مفيدين.

أما الأول فلأنّ مطلوبية الميسور لا يدلّ على تعدد المطلوب، كيف ولو كان كذلك؛ لكان الأمر بالقضاء كاشفاً عن تعدد المطلوب وأنّ المطلوب شيئان، شيء هو الفعل مطلقاً ومطلوباً إيجاده في الوقت كما نقل عن شريف العلماء(2): أنه كلما ورد دليل على القضاء نستكشف من ذلك الدليل أنّ المطلوب متعددٌ لا متحد.

لكن هذا خلاف الأدلّة؛ لأنه لا يفوت الفعل حينئذ أبداً، بل الفائت هو الإيجاد

ص: 239


1- سورة المائدة: 6 .
2- ينظر : القزويني، ضوابط الأصول : 1 / ق1 / 521 .

في الوقت، والحال أنّ الأمر بالقضاء معلق على الفوت ويلزم أن يكون القضاء بالأمر الأول ومخالف لظاهر القضاء، حيث إنّه التدارك لا الأصل، فثبت أنّ مجرد المطلوبية لا يدلّ على تعدد المطلوب لعدم دلالة مطلوبية عنوان عند فقد عنوان آخر لا يدلّ على ثبوته في الأول، ولو سلمنا فإنما يدلّ على كون المطلوب في عالم اللب ونفس المولى كذا.

وأمّا [الثاني] أنّ المراد من اللفظ والمستفاد من لفظ الإسقاط على تقدير التسليم هو شأنية الثبوت وهو لا يدلّ على الثبوت حتى استقلالاً لأنّ ثبوت البعض كان غيرياً وفي ضمن الباقي فلا يدلّ على الثبوت حتى استقلالاً وبدون الباقي.

وكيف كان، فلا يتم هذا التقرير لحكومة أدلّة الميسور على دليل التيمم و الآية الشريفة.

وأمّا التقرير الأول فهو لا يبتني على كشفه عن عدم كون المطلوب من الدليل هو المجموع باعتبار الانضمام بل لو كان المطلوب هو المجموع من حيث هو، لكن فهمنا بأدلة الميسور أنّ الباقي عين المجموع بحيث يكون جميع خاصياته فيه، ومن جملة خواصه عدم الانتقال مع إمكانه إلى التيمم وهو ثابت فيه، ودليل التيمم إنّما يحكم بكونه بدلاً عن هذا الشيء وهو يتوقف على انتفاء المبدل، وقد فرضنا كون البعض هو المبدل فلا بُدَّ من انتفائه، لكنّ هذا الادعاء إنّما يتم بدفع منعين يردان هنا:

الأول: منع أنّ المستفاد من أدلّة الميسور ذلك، بل إنّما يدلّ على ثبوت الميسور، وأمّا أنّ الميسور عين المعسور فلا يدلّ عليه أصلاً .

والثاني: أنّه على فرض تسليم ذلك يقال: إنّ دليل التيمم معلق على عدم التمكن من الوضوء الكامل بشهادة قوله تعالى: «فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءاً» أي: لم تتمكنوا مما ذكر في صدر الآية وهي الغسلتان والمسحتان، وهو الوضوء الكامل.

لكن يمكن دفع المنع الأول: بأنّه يستفاد منه حقيقة أنّ الميسور والمعسور من شيء واحد وأنّ للوضوء فردين فرد اختياري وفرد اضطراري والميسور ليس عنوان آخر غير الوضوء بل هو الوضوء وهو منه.

ص: 240

وأمّا دفع [المنع] الثاني فلأن دليل التيمم وارد على تعذر الوضوء لا على الكامل بل على الوضوء وما في حكمه ؛ لكنّ الدعويين مشكلان فالحكومة مشكل، بل يكون بينهما وبين دليل التيمم تعارض من قبيل العموم من وجه، ولا بُدَّ من الرجوع إلى المرجح وإلا فإلى الأصول.

لكن قد يُدّعى أنّ المرجح لدليل التيمم - وهي الآية - هو العمومات الدالة على التيمم؛ حيث تدل على كفاية التيمم للشخص وعدم احتياجه إلى شيء آخر عند فقد الوضوء الكامل.

لكن هذا أيضاً مشكل لدلالتها على الكفاية في مقام ثبوتها وهو التعذر عن الوضوء وبعد ثبوت الوضوء لا مورد لدليل التيمّم.

فحاصل الكلام في هذا المقام : هو أنّه هل يكون لنا عمومات يستفاد منها الحكم أعم من أنّ يكون الوضوء الناقص أو التيمم في الأعذار والأمراض التي تكون في بعض أعضاء الوضوء مما لم يرد عليه نص خاص - ثبوت الوضوء فيه أو التيمم - في كون التكليف هو الوضوء مع عدم غسل موضع المرض أو التيمم مع قيام الإجماع على عدم ثبوتهما جميعاً.

وأمّا الكلام في ثبوت الوضوء مع المسح بالخرقة أو غسل الموضع بدون وضع شيء مما هو مذكور في مسألة الجبيرة فخارج عن محل كلامنا الآن، بل الكلام في مجرد دوران الأمر بين الوضوء بدون غسل الموضع والتيمم؟

والظاهر إجمال الآية وعدم دلالتها على التيمم لكونه موقوفاً على ثبوت الإطلاق للمرض وهو محل تأمل، وعلى تقدير كون «فَلَمْ تَجِدُواْ» قيداً إما للجميع وكونه كناية عن عدم التمكن من الاستعمال أو يكون بمعناه ولا يكون كناية ويكون قيداً للسفر مجردا وكلاهما بعيدان.

أمّا الأول فلأنّه وإن كان يقرّبه كون المجموع المذكور في الآية على نسق واحد والقيد الوارد ظاهر في رجوعه إلى الجميع إلا أنه [ يبعده] أنّ عدم الوجدان لا يكون

ص: 241

غالباً في حق المريض كما أنّه في السفر كذلك حتى يقال : إنّ المراد عدم التمكن و [ التعبير ] بعدم الوجدان لكونه هو الغالب.

وأما الثاني يبعده ما ذكرناه من كون الظاهر رجوعه إلى الجميع، فالظاهر كون عدم الوجدان بمعناه، وقيداً للجميع، فلا يكون حينئذٍ دليلاً لإثبات التيمم في صورة تضرر الاستعمال.

وحاصل الكلام أنّ أدلّة الميسور وقوله علیه السلام: «وما أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم»(1) وغيرها ليس فيها حكومة بشرح الآية؛ لأنّ قاعدة الميسور غاية ما يستفاد منها مطلوبية الميسور عند تعذر المعسور وهو لا يستلزم أن يكون المراد من «اغْسِلُوا» مطلق الغسل غير المقيد بعدم تعسر البعض الآخر؛ لأنه لا امتناع في أن يكون المطلوب هو البعض أيضاً مع تعسر البعض الآخر لكن أدي المجموع بعبارة وهي الآية، وأدي هذا المطلوب بمثل قاعدة الميسور مثلاً لا على كون (لا يسقط) إخباراً في مقام الإنشاء حتى يكون الزام البعض بهذا اللفظ أو يكون إخباراً عن المطلوبية الواقعية.

ثم إنه على تقدير كون مفادها هذا لا الحكومة بشرح الدليل وبيان أنّ مراد الأمر منه هو التقييد والارتباط في صورة تعسر الكل وعدم التقييد في صورة تعسر البعض، فيشكل حينئذٍ تعين تقديم البعض أو التيمّم؛ حيث إنّ دليل التيمم وهو قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ظاهره ترتبه على المجموع بمعنى أنه إذا لم يتمكن من العمل الذي ذكر وهو الوضوء التام - لا الناقص - فيكون التكليف هو التيمم ومقتضى التيمم ومقتضى قوله علیه السلام: الميسور لا يسقط بالمعسور هو قيام البعض مقام الكل عند تعذر الكل، ولكن لا يبعد تقديم الميسور وقيام البعض مقام الكل؛ لأنّ التيمم حقيقة مرتب على انتفاء المطلوب الأول وعدم التمكن من الوضوء ودليل الميسور يقول ببقاء المطلوب الأول وثبوت الوضوء مع تعذر الكل، مضافاً إلى أنّ أدلّة الميسور مفادها أنّ الميسور ميسور

ص: 242


1- ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي : 54/4 .

من التكليف الأول وجزؤه، فكأن البعض جزؤه فيكون مقدماً على شيء آخر لا ربط له بالمطلوب الأول.

وأما قوله علیه السلام: «وما أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم»(1) وإن كان ظاهره :

النظر إلى أوامر المركبات وشرحها وأنّ المراد منها الإتيان بالمستطاع لا الكل مطلقاً وبيان طريق امتثالها إلا أنّه يحتمل فيه وجوه أخر:

منها : أن يكون الأمر وهو قوله علیه السلام «فاتوا» يكون المراد به الإلزام والإيجاب حتى يكون إيجاب البعض بواسطة هذا الأمر والأمر بالمركبات يكون المراد به هو المجموع ويكون مفاد هذا الدليل تنزيل المستطاع منزلة الجميع.

و[ منها ] يحتمل أنّ الأمر فيه للإرشاد:

إمّا أن يكون إرشاداً إلى المطلوب من الأوامر بالمركبات وهذا هو إطاعة الحكومة المصطلح ويكون المراد منه الإعلام بأنّ المطلوب بالأوامر ليس ظاهرها، وهو الارتباط والتقييد، بل يكون ارتباطها في حال الاستطاعة دون غيرها.

أو بأنّ يكون إرشاداً إلى المطلوبية الواقعية وأنّ المراد في الواقع وعالم النفس كما أنه يكون مدلول الأوامر وهو المجموع على سبيل الانضمام، فكذلك البعض أيضاً يكون مطلوباً على تقدير انتفاء البعض.

أو بأنّ يكون إرشاداً إلى لزوم الانقياد والاطاعة في مقام الأمر، بمعنى أنه إذا أمرتكم بشيء فلا بُدَّ من الحرص في انقياده وإظهار النفس في مقام الانقياد بأي قدر ممكن.

وبهذا الوجه يمكن إثبات الفروع التي ذكرها بعض الأصحاب(2) من جلوس الحائض في مصلاها والاشتغال بالمقدمات [ل] من لم يتمكن من إتيان الواجب، فيكون

ص: 243


1- ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي 54/4 .
2- يُنظر : الشهيد الأول، البيان: 209؛ المحقق القمي، غنائم الأيام: 1/ 316.

المراد أنّ المطلوب إظهار الانقياد ولو لم يكن في نفس فعل البعض مطلوبية، بل المطلوبية في الكل إلا أنّ الانقياد مطلوب بالقدر الذي يمكن.

إلا أنّ هذا خلاف الظاهر منه والاظهر من الاحتمالات هو الاحتمال الأول، وهو كون الأمر للإيجاب أو يكون للإرشاد إلى المطلوبية الواقعية، لأن غاية ما يستفاد منه كون المستطاع مطلوباً، ولا بُدَّ من إتيانه ولا يسقط بعدم الاستطاعة من البعض، فلا يكون فيها حكومة بشرح الدليل حتى يكون المراد من «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم »(1) في الآية هو عدم التقييد في حال عدم الاستطاعة، ويفهم منه أنّ البعض يكون مطلوباً مع عدم الاستطاعة من البعض الآخر، فيجيء الكلام الذي ذكر سابقاً من تقديم التيمم أو البعض وسيجيئ أيضاً الكلام الذي ذكرنا سابقاً في مقام دفعه وتقديم البعض؛ لأنّ ظاهره أنّ البعض بعض منه والمستطاع منه لا أمر خارجي، والتيمم ميسور على تقدير انتفائه.

ثم إنّه على تقدير الحكومة وتقديم هذه الأدلة على دليل التيمم وهي الآية يكون العمل بهذه القاعدة من قاعدة الميسور وأمثالها وإن لم نقل بثبوت الضعف فيها من جهة السند والدلالة بواسطة عمل الأصحاب بها حتى صارت من المتواترات، وصراحتها في الدلالة على العموم حتى بالنسبة إلى الأجزاء والقيود إلا أنا قد أشرنا سابقاً أنّ العمل بها دائر مدار عمل بعض العلماء به في الفرع الذي يكون محل الكلام ونظائره حتى يستكشف فيه عدم المخصص حتى يخرج المورد من أطراف العلم الإجمالي؛ لأنا نعلم إجمإلا أن هذه القواعد ورد عليها مخصص مثل الإجماع وأمثال الإجماع في بعض الموارد بمعنى أنّه لا يمكن التمسك بها في بعض الموارد بواسطة ثبوت الإجماع على خلافها، فلا بُدَّ حينئذٍ من إخراج المورد من أطراف العلم الإجمالي حتى تكون الشبهة بدوية، والخروج موقوف على عمل البعض من العلماء الذي يكون من المحققين والمطلعين

ص: 244


1- سورة المائدة: 6 .

على كلمات الأصحاب، والعمل أيضاً لا بُدَّ أن يكون في الفرع وما يضاهيه لا في كل الباب مثل التمسك بها في باب التيمم ولو في فرع لا يكون له مناسبة في المقام؛ لأنه يلزم حينئذ خلاف الإجماع؛ لأنا نعلم إجماعاً وضرورة سقوط الوضوء بالمرة [فيما](1) لا يكفي الماء لغسل جميع الأجزاء، وهنا يكون الوضوء ساقطاً ومقتضى القاعدة عدم السقوط، فحينئذ يدور الأمر مدار العمل في الفرع وما يضاهيه ولم يعلم استدلالهم بها فيما نحن فيه ونظائره، فلا يمكن العمل بهذه القاعدة، فلا بد من الرجوع إلى] الأخبار الواردة في هذا الباب من الطرفين ويفهم أنها هل تكون متعارضة أو لا؟ وعلى فرض التعارض ونظائره فلا يمكن العمل بهذه القاعدة ما يكون(2) تعارضها على أي قسم هل يكون بنحو العموم المطلق أو العموم من وجه أو بنحو التباين بالمرة فنقول وبالله

المستعان :

إنّ هنا ثلاثة أقسام من الأخبار :

[قسمٌ ] منها يختص بذي الجبيرة وقد حكم فيه بالوضوء مع المسح على الجبيرة.

وقسمان منها مطلقّان يكون أعم من ذي الجبيرة وغيرها بحيث يشمل الجرح والقرح المكشوفين ومع الجبيرة فيكون القسم الأول خاصاً بالنسبة اليهما بواسطة اتفاق الأصحاب على الوضوء مع المسح في صورة الجبيرة وكلامهم مختلف في القرح والجرح والكسر المجردات.

هذان القسمان في أحدهما حكم بالوضوء والاكتفاء بغسل ما دون القرح والجرح، وبه خبران ظاهرا الدلالة وخبر يشعر به، وقسم منها حكم فيه بالتيمم ، لكنّ أخبار التيمم كلها مختصة بالجنب والغسل إلا واحد منها يعم الغسل والوضوء، حيث يكون السؤال فيه عن الغسل والوضوء وغسل الجمعة فأجاب بالتيمم.

ص: 245


1- في الأصل بياض بمقدار كلمة وما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- كذا في الأصل، والصحيح: (ما لم يُعلم تعارضها).

والقسم الأول من هذه الأقسام يكون خاصاً بالنسبة إليهما ويكون حكمهما خارجاً بالاتفاق فلا يكون تعارض بينه وبينها، فالكلام حقيقة في المجرد عن الجبيرة ويكون التعارض بين القسمين فيه.

وذكروا [وجوهاً] للجمع بينها:

الأول: حمل أخبار التيمم على الغسل والأخبار الدالّة على الاكتفاء بغسل ما دون القرح بالوضوء بمعنى: أنّ الجنب الذي يكون به القرح والجرح المجردان يتيمم، وغير الجنب تمن به قرح أو جرح يتوضأ، ويكتفي بغسل ما دونها، وهذا الجمع وإن كان يقربه كون أخبار التيمم مختص بالجنب إلّا أنّه بعيد.

أمّا :أولاً : فلأنَّ من أخبار التيمم ما يعم الغسل والوضوء وغسل الجمعة، وهذا قرينة على أنها ليست مختصة بالغسل فلا يكون خاصة بالنسبة إلى الأخبار الدالّة على الغسل.

وثانياً : أنّه لا يكون السؤال في هذه الأخبار من حيث الجنابة والغسل بل السؤال حقيقة يكون عن حكم القرح والجرح وأنّه كيف يصنع بهما صاحبهما؟ فليست حيثية الجنابة منظورة في السؤال، بل جعل السؤال عن حكم القرح والجرح، فمناط السؤال في كل واحد من الخبرين متحد، وإنّما التخصيص بالجنابة والغسل من باب أحد الأفراد لا من باب الخصوصية.

الثاني: حمل أخبار التيمّم على المستوعب وحمل أخبار [غير] التيمم على غير المستوعب ويشهد له بعض أخبار التيمم أيضاً؛ لأنّ السؤال فيه عن الذي يكون القروح والجروح في جسده ، وهذا ظاهر في المستوعب وأخبار الوضوء نص في غير المستوعب ؛ لحكمه فيها بالغسل، ومن المعلوم عدم إمكان الغسل مع الاستيعاب فيكون أخبار الوضوء خاصة بغير المستوعب وأخبار التيمم عامة بالنسبة إلى المستوعب وغيره فيكونان من قبيل العام والخاص المطلقين، فلا بُدَّ من حمل العام على الخاص؛ لكون الخاص أظهر بالنسبة إليه، فيكون مقدماً فيقدم الوضوء على التيمم في غير المستوعب.

ص: 246

اولو كان الجرح في بعض الأعضاء مستوعباً بحيث يكون مستوعباً للبعض، وهو وإن كان خلاف الظاهر من أخبار الوضوء؛ حيث تدل على الاكتفاء بغسل ما حول الجراحة وهو ظاهر(1) في عدم استيعاب العضو بل صريح فيه؛ لعدم إمكان غسل ما حوله مع الاستيعاب لعدم ثبوت (الماحول) له لكن بقرينة فتوى المشهور (2) بل عدم الخلاف في ثبوت الوضوء هنا، وظهور بعض أخبار التيمم في استيعاب الجميع كالسؤال عن الكسر، والكسر ظاهر في كسر جميع الأعضاء كالمتردي من السطح وغيره وكلها قرينة على أنّ ذكر (ما حول والاكتفاء به من باب الفرد الغالب وأنّ الغالب كون القرح والجرح في بعض العضو لا لخصوصية فيه بحيث يكون الحكم مختصاً به وعدم ثبوته في استيعاب العضو الواحد.

وهذا الوجه لا ضير فيه إلّا أنه يستلزم تخصيص الأخبار الكثيرة الواردة في التيمم بصورة الفرد النادر وهو المستوعب لجميع أعضاء الوضوء في الوضوء واستيعاب جميع الجسد في الغسل وفيه بعد.

لكن يمكن إدخال صورة تضرر أعضاء الصحيح بواسطة الغسل، مثلاً في بعض الأعضاء يكون القرح وبعض الآخر صحيحاً لكن بحيث لو غسل لكان الغسل مضراً أما بالقرح أو بسبب مرض آخر، ومن المعلوم عدم ثبوت الغسل هنا للضرر وعدم ثبوت المسح حينئذ، لعدم القول بالمسح في الجرح والقرح المجردين في بعض العضو عند بعض(3) فكيف بالمسح في جميع الأعضاء ولا يكون فيه مخالفاً فيكون التكليف هو التيمم بمقتضى هذا، هذه الأخبار وغيرها من أخبار التيمم، فيكون أخبار التيمم شاملة لصورتين:

ص: 247


1- هذا خبر قوله : (وهو وإن كان...) مع إسقاط كلمة (هو) قبله.
2- العاملي، مفتاح الكرامة: 2/ 532 .
3- النجفي، الجواهر : 304/2 .

إحداهما: الاستيعاب.

وثانيتهما: تضرر الأعضاء الصحيحة فلا يكون في هذا الجمع من هذه الجهة بعد، وهذا يكون من أحد الجموع بين الأخبار - كما اختاره بعض المحققين (1) - بحمل أخبار التيمم على صورة تضرر الأعضاء الصحيحة وحمل أخبار الوضوء على صورة عدم التضرر، ويشهد لهذا الجمع أيضاً بعضُ أخبار التيمم، حيث قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم في بعضها: «قتلوه قتلهم الله» (2) وغيره.

الثالث (3): الجمع بينها بحمل أخبار التيمم على [غير] ذي الجبيرة وأخبار الوضوء على ذي الجبيرة بأنّ يقال: إنّ الأخبار الدالّة على الجبيرة خاصة بالنسبة إلى هذين المطلقين وهما عامان بالنسبة إليه، فلا بُدَّ من حمل العام على الخاص، فيخصص بها أولاً أخبار التيمم على غير ذي الجبيرة فيكون أخبار التيمم خاصة بالنسبة إلى ما دلّ على الوضوء والاكتفاء بغسل ما حول وهو مطلق عام بالنسبة إلى ذي الجبيرة وغيره، فيخصص بها فيكون مطابقاً لأخبار الجبيرة، ولا يمكن القول بعدم إمكان التخصيص بأخبار التيمم بعدم كونها خاصة ذاتاً، بل بواسطة تخصيصها، وهو ليس بمعتبر؛ لأنّ المناط في التخصيص هي أقليته، فكل ما يكون أقل الأفراد يكون أظهر بالنسبة إلى أكثرها كما حقق في محلّه.

ولا يمكن العكس بأنّ تخصص أولاً أخبار الوضوء والاكتفاء بغسل (ما حول)أولاً أخبار بالأخبار الدالّة على الجبيرة، ثمّ يخصص أخبار التيمم بها بأن يحمل أولاً الأخبار الدالة على غسل (ما حول) على غير ذي الجبيرة ثم حمل أخبار التيمم على الجبيرة، فخروج ذي الجبيرة قطعي فلا يكون التعارض فيه، وإنّما الكلام في غيره.

ص: 248


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 473 .
2- الكليني، الكافي: 3/ 68 .
3- في الأصل الرابع.

ومقتضى العكس، إما بقاء أخبار التيمم بلا مورد أو تخصيص أخبار ذي الجبيرة بها فيلزم تخصيص الخاص بالعام فيلزم بقائها بلا مورد.

هذا كله إن لم نقل بدلالة الأخبار الدالّة على الغسل في ما حول القرح على الاكتفاء به من دون المسح على القرح وإن كان لها ظهور فيه ، ولكن ليس بحدّ الدلالة.

وأما لو قلنا بالدلالة فتكون مخالفة لأخبار الجبيرة وتكون خاصة لخروج ذي الجبيرة قطعاً لثبوت المسح فيها، فلا بد من حملها على غير ذي الجبيرة فتكون خاصة فيكون ذو الجبيرة خارجاً، فيبقى هذان القسمان متعارضان في مورد واحد وهو غير ذي الجبيرة فيكونان متباينين.

لكن يمكن حمل أخبار الغسل بذي الجبيرة وتخصيصها به ونرتكب خلاف الظاهر فيها بأن نقول : بأنها تدل على مجرد غسل (ماحول) من دون الدلالة على الاكتفاء به فنرتكب فيها خلاف ظاهرين

أحدهما: التخصيص.

وثانيها: حمل غسل (الماحول) على عدم الاكتفاء به بل هو مع المسح على الموضع المقروح والمجروح ويكون هذا [أولى من سائره ](1)؛ للزوم قلة المورد أو غيرها.

وقال بعضٌ (2) بالتخيير، لكنّ هذا التخيير هل التخيير بين الدليلين أو يكون تخييراً في مقام الجمع؟

بأن يقال: مدلول كل من الدليلين هو الوجوب معيناً ورفع اليد عن التعيين في كلّ منها لكنّ هذا الجمع بعيد ؛ لأنه رفع اليد عن كلّ من الدليلين وليس هذا من الجمع العرفي بل الأظهر في مقام الجمع هذا أن يقال : هو أنّ أخبار الجبيرة خاصة فيخصص بها أخبار التيمم؛ فينحصر موردها في غير الجبيرة فيخصص بها الأخبار الأخر الواردة

ص: 249


1- في الأصل بياض بمقدار كلمتين وما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- يُنظر : النجفي، الجواهر : 2/ 308 .

في لزوم غسل ما حول الجرح بأنّ يحملها على الغسل مع المسح فيكون مورد أخبار التيمم هو الجرح والقرح المكشوفان اللذان لا يمكن المسح عليهما، وهذا الجمع أقرب ؛ لكون أخبار التيمّم نصاً بالنسبة إلى الآخر ولو من حيث الحكم؛ لعدم الاحتمال فيها بخلاف مقابلها فإنّها تحتمل الغسل فقط والغسل مع المسح، خصوصاً بقرينة الخبر الآخر الدال على غسل ما يستطيع غسله وترك غسل ما لا يستطيع غسله، حيث إنّ الظاهر منه ترك الغسل [ في الجملة ] لا ترك الغسل [بالجملة]، مع دلالته على أنّ العلة في ترك الغسل هو عدم استطاعة الغسل ولو كان في بيان مطلق الواجب، بل يقول بما لا يستطيع غسله ولا مسحه، وبقرينة أنّ مشهور العلماء (1) لم يقولوا بالتيمم مع إمكان المسح فيحمل أيضاً على النصّ ونصوصيتها ولو بالنسبة إلى الحكم والموضوع يكفي في صرف الظاهر وحمله عليه فحينئذ يدخل في أخبار التيمم ما لا يمكن المسح على الخرقة في التيمم وكذا الجرح المستوعب وكذا تضرر الأعضاء الصحيحة بالغسل فلا يكون مورد التيمم نادراً، وهذا الجمع أجود الجموع؛ لكون الشاهد اللفظي عليه دون غيره.

هذا لكنّ كلمات العلماء في هذا المقام مختلفة(2) ربما يكتفي بعضهم بالغسل فقط دون المسح، وبعضهم يلزم المسح، وبعضهم يلزم المسح على الخرقة، ويظهر من بعضهم ثبوت التيمّم(3) .

لكن لا يظهر أنّ هذا الحكم بعد عدم إمكان المسح أو قبله لكنّ المشهور(4) عدم الحكم بالتيمم مع إمكان المسح وكذا يدخل في أخبار التيمم صورة عدم إمكان المسح على الجبيرة في مورد الخرقة، ولكن هذا كله - مع اضطراب كلمات الفقهاء فيه - في القرح والجرح والكسر منصوصة.

ص: 250


1- البحراني الحدائق 2/ 377 .
2- العاملي ، مدارك الأحكام: 2/ 238 ، وقد وصف كلمات العلماء بالمجملة في المقام.
3- يُنظر : البحراني، الحدائق : 2 377 ، فقد تعرض لجميع هذه الأقوال.
4- البحراني الحدائق : 2/ 377 .

وأمّا بالنسبة إلى غير المنصوص مما يكون في بعض أعضاء الوضوء مثل الرمد ووجع الضرس ووجع المفاصل مما يتضرر بغسلها فهل يكون الحكم فيها التيمم أو يكون الحكم غسل ما حول الموضع أو الوضع على الموضع خرقة فيمسح عليها؟ يظهر من جماعة(1) الحكم بالتيمم بواسطة الضرر وبواسطة دخولها في الآية الشريفة: ﴿وَإن كُنتُم مَّرْضَى ﴾ (2) بناءً على شمول المرض لمثلها أو يكون من باب التعليل الوارد في الآية وهو الحرج عن الوضوء الكامل.

ولكن الانصاف الحكم بالتيمم دون الغسل مطلقاً مع التضرر به؛ لاختصاص الأخبار بموردها وهو القرح والجرح والكسر ، ودلالة أدلّة نفي الضرر والعسر والحرج مع الآية الشريفة إما من باب دخولها في المرض وأما من باب التعليل؛ ولفحوى ثبوته في الشين المحكوم به فيه بين الأصحاب وكون الحكم مشهوراً بين الأصحاب خصوصاً بالنسبة إلى بعض أفرادها مثل الرمد مثلاً مع عدم ثبوت نص خاص فيه فيكون المدرك فيها متحداً وعدم التمسك بقاعدة الميسور والمعسور في هذه الموارد.

وحاصل الكلام في هذا المقام أن يقال: ليست هنا قاعدة يرجع إليها عند الشك سوى الاحتياط (3) لعدم إمكان التمسك بقاعدة الميسور ضرورة؛ لما عرفت غير مرة؛ لأنّ العلم الإجمالي ثابت بورود مخصصات عليها غالباً في غالب الموارد فلا بُدَّ من البحث عنها حتى يمكن التمسك بها حتى يخرج عن أطراف العلم الإجمالي فنقتصر في مورد التمسك بها على مورد تمسك فيه بها بعض العلماء؛ لخروج المورد بواسطته عن أطراف العلم الإجمالي، لأنّ العلم كان في الأول بحيث لو كان المخصص لكان من قبيل الأشياء التي يعرفها الاجلاء كالإجماع.

ص: 251


1- البحراني، الحدائق : 4 / 285؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 2 / 542 ؛ النجفي، الجواهر : 5 / 112.
2- سورة المائدة : 6 .
3- ولذا احتاط الشيخ الطوسي في المقام، يُنظر : المبسوط : 1 35؛ الخلاف : 1/ 154 ، كما نبه على ذلك الشهيد الأول في الذكرى : 1 / 185 .

وأما الآية أيضاً لا يتمسك بها؛ لأنّ التمسك بها إما من جهة لفظ المرض وعمومه وقد قلنا سابقاً إنّ لشمولها لمرض العضو من القرح والجرح محل تأمل؛ بل الظاهر منها هو مرض تمام البدن ولا يبعد شمولها لبعض ما نحن فيه مثل المجدور أو المقروح الذي تعم القرحة جميع بدنه.

وأما من جهة التعليل الوارد في الآية حيث يمكن الاستفادة منه أنّ الحرج موجب للتيمم ومسوع له وأن أصل شرعية التيمم لإسقاط الحرج، فيثبت في كلّ موضع يكون الحرج في الطهارة المائية لكن ذكرنا سابقاً أن مفاده مجرد رفع الحرج لا إثبات التيمم أيضاً، إذ الواسطة موجودة في الوضوء الناقص، فليس [هنا] قاعدة تكون المرجع عند الشك إلّا قاعدة الاحتياط لكن يكون بعض الفروع - مما نحن فيه - خارجة قطعا .

فتفصيل الكلام أن يقال: إنّ الكسر مع الجبيرة يكون خارجاً عنه ويكون حكمه حكم الوضوء مع المسح على الجبيرة وكذا القرحة والجرح المعصبان؛ لأنّ التعصيب بحكم الجبيرة وإن لم يدخل فيه موضوعاً كما ادعاه بعضُ(1)، وادعى الإجماع(2) على كونه بحكمها لكون أخبارها خاصة وأخبار التيمم والاكتفاء بغسل (الماحول) عامتان، ومقتضى القاعدة تخصيصها بها فتكون خارجة.

وأما الكسر المجرد عن الجبيرة فالظاهر كون حكمه التيمم بمقتضى أخبار التيمّم مثل الكسير يتیمّم(3) .

ص: 252


1- ينظر: ابن الشهيد الثاني استقصاء الاعتبار: 495/1 ؛ البهبهاني، مصابيح الظلام: 434/3 .
2- الطوسي، الخلاف: 1/ 159 .
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1 ، 107 ، وفيه وقال الصادق علیه السلام : «المبطون والكسير يؤممان ولا يغسلان».

[حكم الجبيرة النجسة]

وأمّا الجبيرة النجسة فاختلفت كلمات الأصحاب فيها، بعضٌ (1) حكم بالوضوء مع وضع خرقة طاهرة عليها والمسح عليها لظهور أخبار الجبيرة في المسح عليها فإذا لم يمكن المسح على نفس الجبيرة يمسح على الخرقة لصدق المسح على الجبيرة؛ ولأنّه أقرب إليه من عدم المسح بالمرة؛ لعدم إمكان [المسح ] على نفسها لنجاستها وشرطية الطهارة في محل الوضوء.

وبعضهم(2) حكم بالوضوء مع المسح على نفس الجبيرة النجسة لسقوط الشرطية عند التعذر.

وبعضهم(3) حكم بالاكتفاء بغسل ما حولها بمقتضى أخبار أخر.

ولكن القائل لم يُعْرَف إلّا أن العلامة(4) حكم في البشرة النجسة بالتيمم ومقتضاه حكمه هنا أيضاً بالتيمم. لكن يمكن القول بالتيمم إن لم يكن مخالفاً بالإجماع بمقتضى [ ما تقدم ] (5).

لكن الظاهر وضع خرقة طاهرة والمسح عليها؛ لأنها حينئذٍ تكون في حكم الجبيرة ومن أجزائها، ولظاهر خبر الحلبي: «فيعصبها فيمسح عليها» (6) حيث إنّه ظاهر في أنّ التعصيب لإرادة الوضوء لا للضرورة في نفسه.

ص: 253


1- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 2/ 534 .
2- في مشارق الشموس للمحقق الخوانساري : 153 ، جعلها إحدى صور الاحتياط.
3- الشهيد الأول، الذكرى: 2/ 198.
4- العلّامة الحلي، نهاية الأحكام: 1/ 196.
5- في الأصل بياض بمقدار كلمة ولعل المناسب ما أثبتناه.
6- الكليني، الكافي : 3 / 33 ح 3 .

[حكم الجرح والقرح المكشوفين]

وأما الجرح والقرح المكشوفان، فالظاهر فيها عدم وجوب التيمم بل الغسل ثابت بمقتضى الخبرين اللذين يدلان على غسل ما حول القرح والجرح؛ لحملهما المشهور على القرح والجرح المكشوفين وإن حملناهما سابقاً على ذي الجبيرة بمقتضى جمعنا السابق بينها وبين أخبار التيمم إلّا أن المشهور لمّا حملوها على المكشوف بقرينة أمره بغسل ما حول القرح والجرح ، وغسل الماحول) لا يمكن في المشدود وبقرينة السؤال عن الجرح في الخبر الآخر بعد بيان القرحة وهو ظاهر في السؤال عن الجرح المكشوف لا المشدود ولوضوح كون حكم الجرح والقرح المشدودين متحداً، ومع ذلك سأل عن الجرح بعد بيان حكم القرحة، فيعلم أن سؤاله عن الجرح المكشوف. فبملاحظة قول المشهور بحملها [على] المكشوف فيكون الحكم فيها هو الغسل وأما كون الحكم مجرد غسل (الماحول دون المسح لظهورها في الاكتفاء بغسل الماحول) دون شيء آخر أو يكون الحكم هو الغسل مع المسح لكون المقصود مجرد نفي الغسل عن محل الجرح لا عدم شيء ء آخر أصلاً خصوصاً بقرينة الخبر الآخر حيث إنّه ظاهر في عدم لزوم غسل (الماحول) لا عدم المسح حيث يقول علیه السلام: «يدع ما سوى ذلك» مما لا يستطيع غسله. هذا كلّه في المنصوص.

أمّا مرض العضو الذي لا يكون منصوصاً؛ فالمشهور(1) حكموا فيه بالتيمم، خصوصاً في مثل الرمد حيث صُرّح فيه بالتيمم ، لكنّه مشكل لعدم دليل عليه؛ لما أشكلنا من شمول الآية الشريفة لمثل هذا القبيل من الأمراض ، لكن يمكن الحكم بالتيمم من باب تنقيح المناط؛ لعدم خصوصية في القروح والجروح في التيمم. وبمقتضى قوله علیه السلام بالتيمم في المجدور(2)، والمجدور له فردان فرد يعمّ جميع البدن وفرد يختص بالعضو لكنّ الحكم بأمثال ذلك لا يخلو

ص: 254


1- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 356 .
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 184 - 185 .

عن إشكال فمقتضى القاعدة هو الاحتياط بالجمع بين الوضوء والتيمم.

لكن المشهور ذهبوا إلى التيمم بملاحظة أدلّة الحرج ونفي العسر ولا ضرر ولا ضرار، وبملاحظة سقوط الصلاة والصوم بمقتضى الأخبار في الأمراض والضرر الذي لا يتحمل عادة. مثلاً ذو العطاش حكم بسقوط الصوم عنه، وليس المراد بذي العطاش من كان عطشه بحيث يهلك لو ترك شرب الماء، بل المراد به من لا يتحمل عادة ترك الشرب ويكون فيه مشقة عليه مع كون الطهارة لها بدل شرعاً بخلاف الصوم والصلاة.

والظاهر كون الإجماع على التيمم ولا فرق فيه بين كون الضرر الحاصل شديداً من جنس ما فيه من المرض أو غيره، إلّا المرض اليسير فإنّه لا يكون مسوغاً للتيمم؛ لانتفاء الأدلّة وعدم شمول الآية له بناءً على شمولها لمرض العضو.

نعم، لو كان انضمامه للمرض الحاصل شديداً لا يتحمل عادة لا يبعد الحكم بالتيمم، هذا فيما إذا خاف حصول الضرر بحيث لا يتحمل عادة، وأما إذا حصل باستعمال الماء مجرد التألم مع أمن العاقبة بحيث لا يتحمل عادة مثل البرد الشديد؟

فالظاهر فيه أيضاً الحكم بالتيمم؛ للأدلة المذكورة ولفحوى حكمهم في الشين وترك الاستفصال في أخبار القروح والجروح والحكاية الإجماع عليه من الغنية(1) خلافاً لبعض مثل العلّامة في القواعد(2) والشهيد في الذكرى(3) وغيرهما، لكن في المنتهى(4) حكم بالتيمم وإن أوهم خلافه أيضاً إلّا أنّه احتمال مرجوح.

و خصوص خبر البزنطي وابن سرحان في خصوص البرد على احتمال فيهما، وأمّا خبر داوود بن سرحان، وهو روي عن أبي عبد الله علیه السلام: عن الرجل يصيبه الجنابة وبه

ص: 255


1- ابن زهرة غنية النزوع : 1 / 64 .
2- العلّامة الحلي، القواعد: 1/ 237.
3- الشهيد الأول، الذكرى: 1/ 186 .
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب : 3/ 31 .

قروح وجروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ قال: لا يغتسل ويتيمم» (1).

وروى ابن أبي نصر في الصحيح عن مولانا الرضا علیه السلام: «عن الرجل يصيبه الجنابة وبه قروح وجروح أو يخاف على نفسه البرد؟ قال: لا يغتسل يتيمم»(2).

وهذان الخبران ظاهران في التيمم لو كان الخوف من مجرد البرد مع أمن العاقبة، حيث إنّه فرقٌ بين أن يقال: (يخاف على نفسه) مجرداً فيكون ظاهراً في ذهاب النفس وتضررها به وبين أن يقال : يخاف على نفسه من البرد، حيث إنّه ظاهر في كون المخوف عليه هو مجرد البرد، خصوصا قوله : يخاف على نفسه البرد بدون (من) من حيث إنّه فيه كمال الظهور في أنّ المخوف منه هو مجرد البرد دون شيء آخر من ضرر أو غيره فليس في المسألة مخالف إلّا بعض (3)، وكلامهم أيضاً ليس صريحاً في المخالفة لاحتمال كون مرادهم هو التألم الذي يتحمل عادةً لا ما لا يتحمل عادةً، خصوصاً مع دعوى العلّامة الإجماع عليه في المنتهى.

لكن هنا أخبار أخر بعضها صحاح يدلّ على الغسل مطلقاً وبعضها غير صحاح بل مرفوعة يفصل بين المتعمد على الجنابة فالغسل وغيره فالتيمّم.

أما الأول فروايتان أحداهما في الصحيح عن الصادق علیه السلام: «أنه سُئِل عن رجل كان في أرض باردة فيخاف إن هو اغتسل أن يصيبه عنتُ من الغسل كيف يصنع هو ؟ قال علیه السلام : يغتسل وان أصابه ما أصابه.

قال: وذكر علیه السلام : أنّه كان وجعاً شديد الوجع فأصابه جنابة وكان في مكان بارد فی ليلة شديدة الريح باردة، فدعوت الغلمة، فقلت لهم احملوني فاغسلوني فقالوا: إنّا نخاف عليك، فقلت: ليس بد فحملوني ووضعوني على خشبات ثمّ صبوا عليَّ الماء

ص: 256


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة (ط الإسلامية) : 968/2 .
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة (ط) الإسلامية) : 968/2 .
3- تقدّم في أول المطلب.

فغسلوني»(1).

و [ ثانيتهما]: صحيح ابن مسلم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء، وعسى أن يكون الماء جامداً قال: يغتسل على ما كان حدثه انه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد قال : اغتسل على ما كان فإنّه لا بُدَّ من ،الغسل، وذكر أبو عبد الله علیه السلام أنه اضطر إليه وهو مريض فأتوه به مسخناً فاغتسل به وقال: لا بُدَّ من الغسل»(2).

وهذان الخبران بظاهر هما يدلان على الغسل مطلقاً حتى إذا خيف على النفس ولم يقل به أحد على الإطلاق حتى في غير المتعمد، نعم، نقل في المتعمد أقوال:

منها: القول بالغسل مطلقاً وهو المنقول عن المفيد(3) ، وربما نسب إلى الشيخ(4) أيضاً القول به.

ومنها: القول بالعدم مطلقا وهو المشهور§ُینظر: المحقق الحلي، الشرائع: 1/ 49 ، المعتبر: 110؛ العلامة الحلي، المختلف: 1/ 437، منتهى المطلب: 1 / 153 ؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 71؛ وصرح المحقق النراقي في المستند: 1/ 231 بجواز تعمد الجنابة مع تعذر استعمال الماء. (5)البحراني، الحدائق : 4 / 281 .


1- الطوسي، الاستبصار: 1/ 162.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 198.
3- المفيد المقنعة: 60 .
4- الطوسي، الخلاف : 1 / 156 . وذهب إلى خلافه في المبسوط : 1/ 30 ، وكذا في بقية كتبه كما نبَّه على ذلك المحقق البحراني في الحدائق: 4 / 278.
5- . و[ منها ] قول بالتفصيل بين الضرر ومجرد البرد بالتيمم في الأول دون الثاني، وهو الظاهر من كلام صاحب الحدائق رحمه الله

المرفوعتين ليستا بمعتبرتين خصوصاً في مثل هذه المسألة، فلا يمكن الاستناد اليهما في مثل هذا الحكم.

وأما الصحيحتان فهما لا يمكن التمسك بهما بواسطة قاعدة نفي الحرج المستندة إلى قوله تعالى: «مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَج»(1) بواسطة تأييدها بالعقل والنقل والإجماع وبناء العلماء على عدم تخصيصها ولورودها في مقام الامتنان، والتخصيص ينافيه، ويؤيدها قواعد أخر وأخبار أخر حتى صارت كأنها ناصة على الحكم في كلّ مورد ولا يعارضها هذه الأخبار وإن كانت صحاحاً، بل على تقدير كونها نصوصاً. لأنه ربما يطرح النصوص بواسطة مخالفتها القواعد المتيقنة حتى صار من المثل: نص مخالف للقاعدة فمطروح.

لا يقال : مقتضى القاعدة في الجمع والترجيح هو تقديم الترجيح بحسب الدلالة على المرجّح المعنوي وهذه القاعدة يكون مضمونها مرجّحاً بواسطة هذه المؤيدات لكن تكون الصحاح أرجح منها بحسب الدلالة؛ لأنها تكون نصوصاً بالنسبة إلى مدرك القاعدة، لكونها عامةً ولا أقل من كونها أظهر من هذا، ومقتضى القاعدة حمل الظاهر على الأظهر وعلى النصّ إذا صارا متعارضين، وإن كان مضمون الظاهر أرجح.

لأنّا نقول: هذه القاعدة وإن كانت عامة إلّا أنها تكون في بعض الأفراد كالنص؛ لإمكان كون العام نصاً في بعض الأفراد وظاهراً في البعض الآخر وهذه القاعدة كأنها ناصة بالنسبة إلى كلّ مورد بواسطة المؤيدات المذكورة خصوصاً في هذا المورد بالنسبة إلى التلف، بل لا يبعد دعوى القطع مع أنّه لو كان الحكم كذا لا بُدَّ من تحريم جنابة النفس؛ لأن تلف النفس حرام وسبب الحرام حرام، مع دعوى الإجماع على الجواز والأخبار شاهدة على هذا من عمومات إتيان الحرث متى شاء(2)، قاضية به مع أنّه لم

ص: 258


1- سورة المائدة : 6 .
2- إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ . سورة البقرة: 223.

يقل أحد بالحرمة حتى القائل المذكور.

وإذا كان هذا العمل جائزاً لِمَ يوجب العقوبة لمثل هذا؛ لأنه في الحقيقة عقوبة لهذا العمل وإلا يكون النفس محترماً على كل حال، مع أنّ الصحيحين لا بُدَّ فيهما من التأويل حتى على مذهب هذا القائل؛ لإطلاقهما في المتعمّد [وغيره] ولم يقل به فلا بُدَّ من حملها أو تخصيصهما ، وليس التخصيص أولى من الحمل، فيحمل على صورة المشقة التي تتحمل عادة، فيكون الحكم في غير المتحمل سليماً عن المعارض حتى في صورة مجرد البرد الذي لا يتحمل عادة بواسطة الحرج وبواسطة فحوى أخبار القروح والجروح وفحوى الحكم في الشَين والأخبار الخاصة، وإن كان الاحتياط في هذا المورد في محلّه بواسطة الصحيحين المذكورين.

[ خوف فوت الحاجة التي لا يتضرر بها ]

هذا كله وأما لو كان في تحصيل الوضوء خوف فوت الحاجة التي لا يتضرر بها فالمحقق في المعتبر(1) حكم بمسوغية التيمم.

لكنّ إثبات هذا الحكم مشكل؛ لعدم دليل عليه ومن هنا أعرض عنه كل من [تأخر عنه] وردّ عليه ولم يتأملوا فيه. فثبت أنّ الحكم في موارد الضرر هو التيمم.

[ما هو المدار في كون الوضوء ضرياً ؟]

ثم إنّ المدار في ثبوت الضرر وكون الوضوء ضرراً هل يكون على العلم فقط أو الظن أو على مجرد الخوف ولو حصل من أي سبب ولو بواسطة الشك أو الوهم لتعليق الحكم في الأخبار غالباً على الخوف فلا بُدَّ من ملاحظة إنه في أي مورد حصل ؟

ولا شك أنه حاصل مع العلم وكذا الظن ولو كان الظن حاصلاً من قول الفاسق وغيره بل في صورة الشك أيضاً، بل مع الاحتمال المرجوح الذي يكون احتمالاً عقلائياً

ص: 259


1- المحقق، المعتبر : 1 365؛ ويُنظر : المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 466 .

لا الاحتمال غير العقلائي، فهذا على تقدير كون الحكم بالتيمم معلّقاً على الخوف.

وأما على تقدير كونه معلّقاً على الضرر الواقعي لا الضرر المعلوم فيجري في صورة العلم بل في صورة الظن أيضاً؛ لأنّ الظاهر شمول الدليل له؛ لكونه بحكم العلم في كثير من الأحكام ولوجوب دفع الضرر المظنون عقلاً. وإن كان يمكن الخدشة في الأمر بأنّ حكم العقل بالوجوب تعليقي حتى في صورة العلم بالضرر ويكون معلّقاً على عدم ورود دليل عليه من الشارع فكيف في المظنون لثبوت الضرر المتيقن في الجهاد

وأمثاله.

لكن في صورة الشك يمكن المنع بواسطة إجراء أصل عدم الضرر وإحرازه عدم الضرر فيكون الوضوء ثابتاً.

لكن يمكن أن يقال بالمنع بواسطة ملاحظة الأدلة الواردة في وجوب الحفظ من التلف، حيث إنّ مفادها [لو سُلم](1) حفظ النفس عن التلف بحسب اللغة، لكن مفادها بحسب العرف هو الاحتياط في حفظها بأنّ يتحرز عن الموارد المتخيلة والمشكوكة وعدم إلقائها في مقام احتمال التلف، حتى لو احتمل في مورد كون الوضوء أو غيره موجباً لإتلافه والضرر عليه لا بُدَّ من عدم وقوعها فيه، مثلاً قوله علیه السلام: «لا آمره أن يُغرّر بنفسه»(2) ، ظاهر في احتمال الضرر والهلاكة، وكذا قوله تعالى: «وَلاً تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ »(3)، يمكن دعوى ظهورها في عدم الإلقاء في مظان الهلاكة ومواردها فيصدق مع الشك.

والحاصل : أنّ مقتضاها الاحتياط فيها بالتجنب عن الموارد المشكوكة والمتخيلة، فإذا كان مفادها ذلك لا يمكن إجراء أصل السلامة ولا ينفع جريانه؛ لأنه لا يرفع

ص: 260


1- في الأصل بياض بمقدار كلمة وما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 148 .
3- سورة البقرة : 195 .

الاحتمال ومقتضى الاحتياط سد باب الاحتمال. وحينئذ يقع التعارض بينها وبين أدلّة الوضوء حيث إنّه يُحكم بعدم الوضوء، في صورة الاحتمال والشك بمقتضى الاحتياط، ومفاد أدلّة الوضوء هو وجوبه مطلقاً إلّا في صورة الضرر وأنّ الضرر مانع عن الوضوء بناءً على كون المانع هو الضرر الواقعي لا المعلوم وإلا يكون أدلّة الوضوء(1) فحينئذ في صورة العلم بعدم الضرر يكون الوضوء ثابتاً .

وأما في صورة الشك فلا يمكن إحراز عدم الضرر بواسطة إجراء أصل عدم الضرر ، لأنّ مفاد أدلّة حفظ النفس هو الاحتياط وعدم إجراء الأصول، وحينئذ يكون الشكّ في ثبوت المانع وعدمه، ولا يمكن إحراز عدمه أيضاً فلا يجزي الوضوء، بل يكون الحكم هو التيمم، لكن هذا بناءً على ما قلنا وكون مفادها الاحتياط وعدم إمكان إجراء الأصل وعدم نفعه.

وأما على تقدير جريان الأصل ونفعه وعدم كون مفادها الاحتياط يمكن الحكم بالوضوء في صورة الشك، ونظير هذا الكلام من كون مفاد الأدلّة هو الاحتياط يجري في مسألة وجوب حفظ الوقت عن الخروج، ويكون مفاده أيضاً الاحتياط فيه وعدم جريان الأصل فيه، هذا على تقدير كون الحكم معلّقاً على الضرر لا الخوف.

وأما على تقديره فالأمر سهل كما ذكرناه من ثبوت الخوف مع الشك بل مع الوهم أيضاً ، فحينئذ يكون التيمم ثابتاً في جميع الصور ولا يختص بصورة العلم أو الظن.

لكن بقي هنا شيئان:

الأول : أنّه إذا كانت الحالة السابقة ضرراً، والآن يظن في ثبوت الضرر، فهل يمكن جريان الأصل والحكم بثبوت الضرر والتيمم أم لا لعدم ثبوت الخوف؟

فإن كان الحكم معلقاً على نفس الضرر من حيث هو، فلا يبعد ثبوت الحكم، وإن كان التعليق على الضرر ليس من حيث نفسه بل من حيث إنّه ملازم لحالة الخوف

ص: 261


1- كذا في الأصل.

غالباً ففي الحقيقة يكون الحكم معلقاً على الخوف، فليس هنا خوف، فلا يثبت الحكم.

وإن كان شاكاً فلا ريب في ثبوت التيمم لوجود المسوغين وهما الضرر والخوف هنا.

الثاني: انه إذا كانت الحالة السابقة هي عدم الضرر ، والآن يشك فيه فهل يمكن القول بثبوت عدم التيمّم بواسطة إجراء أصالة السلامة وظنها، بمعنى أنه وإن كان شاكاً بحسب ذاته ومقتضاه ثبوت الخوف المسوّغ إلّا أنّه يرتفع خوفه بواسطة أصالة السلامة، بحيث لم يكن خائفاً، فالظاهر عدمه؛ لأنّ أصالة السلامة حجيتها واعتبارها من باب الظن النوعي، وكذلك كل الأصول فلا يرتفع الشك بسببه فيحصل الخوف؛ لأنّه ملازم للشك.

ثم إنّ المدار في الخوف وعدمه على الأسباب التي يحصل الخوف عندها لمتعارف الناس والعقلاء دون المجانين والأشخاص الذين يكونون خارجين عن المتعارف بحيث يحصل الخوف له بمجرد احتمال لا يعتنى به أبداً عند العقلاء إلّا أن يحصل لهم الجبن وهو أيضاً ضررٌ ومسوّج ويكون غير الخوف من الضرر ولا يلازم الخوف الجبن وكذلك لو لم يحصل الخوف من الأسباب المتعارفة للخوف، لشخص منها بحيث لا يبالي أبداً والظاهر ثبوت الحكم له أيضاً ولو لم يكن خائفاً؛ لأنّ ثبوت الحكم عند الخوف من باب مطلوبية حفظ النفس وعدم إيقاعها في موارد احتمال الهلكة .

[ لو خالف وتطهر مع سقوط الطهارة بحقه ]

هذا كله . لكن لو خالف في مقام يكون الطهارة ساقطة وتطهر فهل تكون الطهارة باطلة أم لا؟

فيه تفصيل: وهو أنه إن كان النهي متعلقاً بمقدمات الوضوء مثل شراء الماء وتحصيله بالتكسب وتحمل المنّة والذهاب إلى الماء مع خوف اللص؛ فالظاهر صحّة الوضوء بعد المخالفة وتحصيل الماء لصدق الوجدان حينئذ وكون سقوط الوضوء

ص: 262

لأجل عدم الماء بواسطة هذه الأمور. وأمّا إذا كان الماء حاصلاً فلا يكون مانع منه.

وأما لو تعلّق النهي بنفس العمل كموارد الضرر بالنفس بالاستعمال بأنّ كان استعمال الماء نفسه ضرراً ولو لمجرد التألم فيكون على قسمين بواسطة اختلاف مفاد الدليل قسم يكون مفاده المنع والحرمة عند حصول الضرر كما في موارد حصول الضرر وقسم يكون مفاده مجرد الرخصة كما في مورد التألم الذي لا يتحمل عادة مع عدم الضرر.

أما الأول الذي يكون مفاده المنع والحرمة، وهو أيضاً على قسمين: قسم: يكون من قبيل أدلّة نفي الضرر مما يكون مفادها الحكومة على أدلّة التكاليف.

وقسم يكون بالنسبة إلى أدلّة الوضوء من قبيل المعارض لا من قبيل الحاكم، مثل أدلّة حفظ النفس، مثل قوله تعالى: «وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» (1) «وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ» (2).

فنقول: أما في صورة التعمد بفعل الوضوء في صورة الضرر بالاستعمال يكون الوضوء باطلاً لوجود النهي عن الاستعمال أما بناءً على أدلّة نفي الضرر والنهي عنه؛ فلكونها حاكمة بالنسبة إلى أدلّة التكاليف ومبينة للمراد منها؛ لأنّ مفاد (لا ضرر» (3) هو أنّ في التكاليف التي ثبتت في الشريعة ليس [فيها] ضرر زائد على طباعها فتكون مقدّمة على دليل الوضوء فيثبت النهي دون الأمر.

وأما بناءً على غيرها مثل: «وَلاَ تُلْقُوا» وغيرها مما لم يكن مفادها الحكومة فلاجتماع الأمر والنهي، وهو غير جائز.

ص: 263


1- سورة البقرة : 195.
2- سورة النساء : 29.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام147/7.

وأمّا في صورة الخطأ والغفلة وجهل الموضوع بأنّ اعتقد عدم الضرر وكان في الواقع ضرر فيمكن الحكم بالصحة؛ لأنّ مفاد أدلّة نفي الضرر هو ارتفاع الضرر بسبب الامتنان، فَعِلَّةُ نفى الضرر هو الامتنان على العباد فكأنه قال: لا ضرر في مورد يكون عدم الضرر امتناناً، وعدم الوضوء امتنان وفي حق الجاهل والغافل ليس عدم الوضوء امتناناً؛ لأنه بجهله يحصل الوضوء فيكون الضرر حينئذ امتناناً عليه لاستلزام رفع الضرر منه تكليفه ثانياً بالتيمم بخلاف العامد غير الجاهل بالموضوع؛ فإنّه لما كان عَالِمَاً بثبوت الضرر ويمكنه ترك الوضوء وتعمد في فعله له ان ترك (1) الضرر بنفسه فيكون عدم ثبوت الوضوء عليه امتناناً عليه؛ لعدم حصول الضرر عليه بخلاف الجاهل فإنّه يحصل الضرر عليه بواسطة غفلته، فمقتضى الامتنان هو الاكتفاء به والحكم بصحته فتكون أدلّة نفي الضرر مقيّدة بقيد عقلي؛ وهو كون عدم الضرر امتناناً، ففي صورة عدم كون الضرر امتناناً يثبت أمر الوضوء بحاله فيصح.

وأمّا صحة وضوء الغافل وغيره بناءً على كون أدلة نفي الضرر وهي مثل: « وَلاَ تُلْقُوا» ، «وَلَا تَقْتُلُوا » مما يكون متعارضاً مع أدلة الوضوء فلجواز اجتماع الأمر والنهي في حق الغافل والناسي، وإن لم يكن جائزاً في صورة التعمّد؛ لأنّ المانع من الاجتماع كما حققناه في الأصول(2) ليس إلّا التحريكين الفعليين من الأمر لقبحه عنه لاجتماع المصلحة والمفسدة والمحبوبية والمبغوضية في شيء واحد من جهتين؛ مثلاً شرب الدواء يكون فيه المحبوبية باعتبار دفعه المرض والمحبوبية(3) لعدم قبوله طبعاً، فالمانع من الاجتماع هو التحريك الفعلي، والتحريك الفعلي غير موجود في حق الجاهل والناسي فيصح الاجتماع فتصح عبادتهم.

ص: 264


1- كذا في الأصل.
2- الروزدري ، تقريرات المجدد الشيرازي: 3 / 20 .
3- كذا في الأصل، والصحيح: (المبغوضية).

أما القسم الثاني مما يكون مفادها مجرد الرخصة في ترك الوضوء مثل دليل نفي الحرج والعسر في مورد التألم، الذي لا يتحقق(1) عادة فيمكن الحكم بصحة الوضوء في مورد مثل التألم لأنّ مفاد الدليل مجرد رفع الإلزام بناءً على عدم جريانه في المندوبات كما هو الظاهر؛ لأنّ مفادها رفع الحرج والعسر ؛ والعسر والحرج يكونان في الوجوب دون الندب الجواز تركه ولا يتحقق العسر ، فرفع الإلزام لا ينا في الصحة لبقاء المطلوبية والحسن فيه من جهة استفادتها من الأخبار، ومن الأوامر الواردة في مقام استحبابه في نفسه فحينئذ يمكن القول بصحته واستحبابه، فهل يكون حينئذ مستحباً محضاً مسقطاً للواجب وهو التيمم أو يكون واجباً مخيراً بينه وبين التيمم لعدم منافاة الوجوب التخييري أيضاً مع عدم الحرج لعدم الحرج فيه لمكان المندوحة فيه.

والحاصل : أنّه هل يكون التيمم أصلاً والوضوء مستحباً مسقطاً عنه أو يكونان في عرض واحد؟ ولا يبعد القول بالوجوب التخييري لكونه أقرب إلى مفاد الأمر بحسب الظاهر من الاستحباب؛ ولأنّ مفاد أدلة نفي الحرج هو مجرد رفع الحرج، والحرج ليس إلّا في الوجوب التعييني دون التخييري، لكن يشكل أنّ الوجوب التخييري أيضاً قد يرجع إلى الوجوب التعييني بالعرض بواسطة الانحصار فهو أيضاً يوجب العسر لكن يمكن دفعه بأنّ مفاد الدليل إذا كان نفي الحرج الحاصل بسبب التعيين فيرفع التعيين في كل موضع حصل سواءً كان التعيين بالذات أو بالعرض ولو بواسطة الانحصار؛ لأن الحكم الفعلي ثابت في كل مورد ، لكن يمكن منع تحقق التعيين فيما نحن فيه لعدم الانحصار، لثبوت البدل إلا مع عدم وجود البدل وعدم إمكانه، لعدم وجود التراب مثلاً، ويمكن القول بثبوت الاستحباب الشرعي للوضوء لثبوت الرجحان الذاتي له مطلقاً؛ لكونه أفضل الطهورين وثبوت الأمر به أيضاً في الواقع لكونه راجحاً وللأوامر الدالّة على استحبابه في نفسه، ولا يدفعه لزوم [سقوط ] طلب التيمم بعد الوضوء

ص: 265


1- كذا في الأصل، والصحيح: (لا يتحمل ).

لحصول [المسقط] لأنّ التيمم مقيّد بعدم إتيان الوضوء؛ لأنه مسقط له والتكاليف المطلقة التي يكون لها مسقط كلها مقيدة بعدم حصول المسقط، فالتيمم أيضاً مقيد بعدم حصول المسقط له وهو الوضوء.

وبعبارة أخرى وتقرير آخر : إنّ موضوع التيمم هو المحدث، فكأنه قال: المحدث يتيمّم فإذا حصل الوضوء ارتفع الحدث فارتفع موضوعه فيرتفع التيمم بواسطة ارتفاع موضوعه، فلا يلزم ثبوت التيمم بعد الوضوء بخلاف العكس، فإنّ الحدث لا يرتفع بالتيمم فموضوع الوضوء باق فيثبت الوضوء بعد التيمم مستحباً بواسطة رجحانه الذاتي ومطلوبيته على كل حال .

[ ضيق الوقت عن إدراك ركعة ]

ثم إنه قد ذكرنا سابقاً أن ضيق الوقت عن درك الركعة مع الوضوء بخلافه مع التيمم أنّه مسوغ للتيمم ولا يثبت الوضوء حينئذ، فلو خالف وتوضأ مع هذا الحال هل يكون وضوؤه صحيحاً فيمكن الدخول معه في عبادة مشروطة بالطهارة أو لا؟

فالكلام فيه تارة في العالم بالضيق المذكور وتارة يكون في الشاك به.

أمّا الأول: فإنّ قلنا إنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، يكون الوضوء حينئذ ضداً للصلاة ويكون الوضوء فاسداً لتعلق النهي به سواءً أتى به لهذه الصلاة أو لغيرها، وكذا إن قلنا إنّ الأمر بالشيء يقتضي عدم الأمر بضده لامتناع الأمر بالمتضادين لأنّ الصحة موقوفة على الأمر وهو منتف.

وأما لو لم نقل بها بل قلنا بأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده ولا عدم الأمر بضده فحينئذ إن أتى به لغير هذه الغاية من الغايات الأخر - التي تكون مشروطة [بالطهارة ] - فيمكن الحكم بصحته.

وإن أتى به لهذه الصلاة يشكل حينئذ ؛ لأنّه إما أن يقصد الأداء أو القضاء أو أحد الأمرين؟

ص: 266

[فأمّا] قصد الأداء [ف] لا يمكن لعلمه بعدم إمكان تحصيله لفوت الوقت، وقصد القضاء أيضاً لا يمكن لعدم الأمر به حينئذ ؛ لأنه معلق على الفوت ولم يفت الآن، وقصد أحد الأمرين أيضاً لا يمكن لعدم إمكان كل منهما جميعاً فلا يمكن الحكم بالصحة حينئذٍ إلّا أن يأتي به لأجل استحبابه في نفسه للكون على الطهارة مثلاً .

وأمّا الثاني وهو الشاك في ضيق الوقت بمعنى أنه يكون شاكاً في إدراك الركعة مع هذا الوضوء أم لا؟ فهل يكون الوضوء حينئذ صحيحاً بناءً على استصحاب الوقت بناءً على عدم الفهم من دليل حفظ الوقت الاحتياط ؟ أو أنّ مفاده هو الوجوب التكليفي - وهو حرمة التأخير - لا الوضعي وهو كون الوضوء فاسداً، وعدم صحته بناءً على عدم القول بالضد، فحينئذ، إن كان الوقت باقياً في الواقع وانكشف بقائه يكون الوضوء صحيحاً لوجود الأمر حينئذ وكذا لو لم ينكشف ثبوت الأمر بواسطة الاستصحاب.

وأمّا في صورة انكشاف عدم بقاء الوقت والقول بعدم الإجزاء في الطريق الظاهري مع الانكشاف؛ فحينئذ إما أن يقصد الأمر الواقعي فيكون باطلاً؛ لعدم الأمر لعدم الوقت.

وأما أن يقصد الأمر الظاهري فكذلك؛ لعدم الإجزاء فيه مع انكشاف الخلاف مضافاً إلى أنّ الأمر الظاهري هو طريق إلى الأمر الواقعي فليس الأمر به شيء آخر وراءه.

إلّا أن نقول بكفاية قصد القربة في الوضوء إذا وقع في المحل، بمعنى أنّه إذا أوقعه المحدث يكون صحيحاً ولو لم يطابق الأمر أصلاً، نظير ما يقال في الوضوء التجديدي: إنّه يرفع الحدث لو كان الشخص في الواقع محدثاً ولكن استصحب الطهارة فأوقع الوضوء ،التجديدي، والأمر التجديدي أيضاً لم يكن في الواقع والأمر الواقعي برفع الحدث لم يقصد، وفي ذلك يقولون برفع الحدث لوقوعه في محلّه ولو لم يطابق.

وكلامهم في تصحيح هذا المطلب مختلف:

ص: 267

[ الأول]: بعضهم (1) يقول بوقوع القصد التقديري، بمعنى القصد التقديري، بمعنى أن المتوضيء يقصد رفع الحدث لو كان في الواقع موجوداً مع قصد التجديد، فوقع الوضوء مع قصد رفع الحدث فيرتفع الحدث.

والثاني(2): أنّ الوضوء التجديدي والوضوء الرافع نور، غايته أنّ الوضوء التجديدي نور على نور، فوقع الخطأ في قصده لأنّ قصده واقعاً إيقاع الوضوء لكونه نوراً على نور والنور حصل ولم يحصل نور فوق نور.

وثالث (3) يقول : بأنّ الوضوء التجديدي احتياط من الشارع في حق المكلف لإحراز الوضوء الواقعي له، فالأمر التجديدي يكون ناظراً إلى رفع الحدث، فيكون مقصود المكلف أيضاً بالتبع.

والرابع(4): أنّ الوضوء التجديدي احتياط من المكلف لإحراز الطهارة الواقعية. والأظهر هو ما قلنا من كفاية قصد القربة مع الإيقاع في المحل.

ويمكن أن يقال بالصحة أيضاً فيما نحن فيه بواسطة قصده الأوامر الدالّة على استحبابه النفسي، فيكون حينئذ صحيحاً، ويصح معه إتيان الأفعال التي تكون مشروطة بالطهارة.

وبالجملة إنّ الوضوء في صحته يكفي مجرد رجحانه ذاتاً بأن تكون هذه الأفعال راجحة ومطلوبة، فمجرد الرجحان كافٍ في صحة الوضوء ومن دون حاجة إلى ورود الأمر المقدم عليه. وبهذا أيضاً يدفع الإشكال الوارد في باب الوضوء وهو ان الوضوء إنّما يتعلق به الأمر ويكون واجباً بعد تعلق الأمر المقدمي به من باب الأمر بالصلاة، والأمر المقدمي لا يتعلق إلا بعد إحراز موضوعه، وهو ثبوت كون الشيء مقدّمة قبل

ص: 268


1- المحقق القمي، غنائم الأيام: 79/1 .
2- الشهيد الأول، الذكرى 2/ 195 .
3- النجفي، الجواهر : 93/2 .
4- العلّامة الأنصاري، كتاب الصلاة : 2/ 365، كتاب الطهارة: 2/ 88.

تعلق الأمر ؛ لأنّ الوجوب إنّما يتعلق بالمقدمة من حيث كونها مقدّمة للفعل، ومقدمية الوضوء للصلاة لا تكون إلّا برفعه الحدث، فالمطلوب حقيقة هو رفع الحدث، ورفع الحدث لا يحصل إلا بقصد القربة إجماعاً (1)، وقصد القربة لا يمكن إلّا بالأمر، فلو كان قصد القربة متوقفاً على الأمر المقدمي يلزم الدور لتوقف تعلق ذلك الأمر على قصد القربة، وقصد التقرب موقوف على هذا الأمر؛ إذ لا أمر غيره، ويرد هذا الإشكال في التيمم وقد ذكر في رفعه وجوه:

الأول: أنّ الوضوء فيه رجحان ذاتي ومطلوبية ذاتية كما يعلم من الأخبار (2)، وكونه أفضل الطهورين (3)، والأمر بوضوء الحائض(4) وغير ذلك، مما يفهم منها أنّ للوضوء محبوبية ذاتية ورجحان ذاتي يكفي في [تحقق] قصد القربة ولا يتوقف على أمر آخر.

وبعبارة أخرى: الوضوء له عناوين وله عنوان وهو ملازم لقصد القربة، بمعنى أنّه علّة لإمكان التقرب كلما قصد هذا العنوان يحصل القرب، فحينئذ لا يتوقف قصد القربة فيه على الأمر المقدمي.

إلا أنّه يرد عليه : أنّه يلزم أن يكفي قصد ذلك العنوان ولو كان مجهولاً بأن يقصد التوضؤ لأجل ذلك العنوان الذي ثبت في الوضوء وحصول التقرب معه.

والحال أنهم لا يقولون بكفاية قصد العنوان المجهول ولو لم يقصد أمراً أصلاً. والثاني: أن يقال: إنّ الوضوء له مطلوبية ورجحان لا لنفس هذه الأفعال، بل هي من قبيل الأسباب، فالمطلوب حقيقة هو رفع الحدث، كما يستفاد من الأخبار

ص: 269


1- الطوسي، الخلاف : 71/1.
2- الحر العاملي وسائل الشيعة: 1/ 375 باب استحباب تجديد الوضوء، باب استحباب النوم على طهارة.
3- يُنظر : الكاشاني، الوافي: 545/6 .
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة : 1 / 386 باب استحباب وضوء الحائض.

الكثيرة أنّ الغرض من الوضوء هو حصول النظافة المعنوية مثل الغسل حيث يقصد به الطهارة الظاهرية، كقوله علیه السلام: تطهر أو إذا فعلت كذا تحصل الطهارة، ومن قبيل قوله : كان أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذا بالوا توضأ وا أو تيمموا مخافة أن تدركهم الساعة» (1).

ومن الأمر بوضوء النائم(2) والميت (3) وغيرها مما يدلّ على أنّ المطلوب بالأفعال رفع الحدث وليس لها مطلوبية، بل الرجحان الذاتي ثابت لنفس تلك الحالة، وهذه الأفعال سبب لها لها ومقدمة لها، فتكون تلك الحالة نفسها مطلوبة والأمر بنفسها، فيلزم حينئذ الأمر بالأفعال لتحصيلها، فتكون مقدّمة لهذه الحالة النفسانية، فيكون مأموراً به من باب الأمر المقدمي وكونه مقدّمة لتحصيل تلك الحالة، فلا يتوقف قصد القربة فيه على تعلق الأمر المقدمي به من الصلاة؛ لكون الحالة مطلوبة والوضوء مطلوب مقدّمة له.

لكن يرد عليه أصل الإشكال؛ لأنّ هذا الأمر المقدمي أيضاً لا يتعلق به إلّا بعد إحراز ،مقدميته، وهو يتوقف على صحة قصد القربة وهو يتوقف على هذا الأمر، فيكون دوراً باطلاً.

والثالث: أنّا نستكشف من أمر الشارع بالصلاة على الإطلاق لا مشروطاً بحصول المقدمة بل مطلقاً، والحال أنا لم نكن متمكنين منها إلّا بالأمر، وليس الأمر باختيارنا بل بيده ولم يكن موجوداً فيلزم في الواقع التكليف المحال، فيلزم عليه من أمر به لنتمكن من إتيان مقدّمة الصلاة وهو الوضوء مع قصد القربة، وقصد الأمر، فيكون الأمر بالصلاة معرفاً وكاشفاً عنه، فيلزم منه كونه واجباً نفسياً عند إرادة الصلاة لا غيرها، لعدم الداعي إلى الالتزام بأزيد من هذا، بل هذا القدر كافٍ لنا، فيكون أمره

ص: 270


1- النوري، مستدرك الوسائل : 1 / 298 ، الباب 11 من أبواب الوضوء ، ح 2 .
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 378/1 باب 9 استحباب النوم على طهارة.
3- الظاهر أنه يريد الوضوء للميت مضافاً إلى غسله على قول.

الواقعي مقصوراً على مورد ثبوت الكاشف عنه، وهو الأمر بالصلاة ولا يرد حينئذ عدم قصده واللازم قصده في القربة ، بل المقصود في الوضوء هو قصد الأمر بالصلاة؛ لأنّ القصد الإجمالي بذلك الأمر كافٍ في قصد القربة، ولو لم يحصل قصد تفصيلي به؛ لأنّه قصد المقدمة للصلاة، والمقدمة ليست إلّا بواسطة الأمر فقصد هذا العنوان قصد له نظير قصدِ عنوان المأمور به، فإنّه قصد للأمر، وههنا أيضاً قصد المقدمة قصد للأمر ؛ العدم كونه مقدّمة إلّا بالأمر.

أو يقال : في قصد القربة قصد للأمر مطلقاً ولو قصد الأمر المقدمي؛ لعدم لزوم قصد الأمر الذي به صار مقدّمة، بل يقصد الأمر الوارد عليها، وبما قلنا يدفع الإشكال عن التيمم؛ لأنا نقول: كلما أمر الشارع بالصلاة ولا يمكن الوضوء فحينئذ نستكشف من تعلق الأمر بالصلاة تعلق أمر بالتيمم ؛ ليمكننا الشارع من تحصيل المقدمة.

والرابع: أن يقال: إنّ مطلوبية الوضوء لتحصيل حالة معنوية يكون الشخص بها قابلاً لمناجاة الرب وحضوره عنده، وفي الوضوء يقصد إلى تلك الحالة وقصد حصول تلك الحالة الموجبة لحصول القابلية للعبد معها كاف في قصد القربة؛ لأنه قصد للتقرب إلى المولى، لأنه قصد حقيقة حصول حالة القرب معها إلى الرب، ولا يلزم قصد الأمر في القربة بل قصد حصول تلك الحالة هو قصد إلى قرب المولى، نظير بعض العبادات التي تكون نفسها عبادة من غير ملاحظة للأمر أصلاً مثل الذكر، إذ لا يلزم كونه بقصد الأمر بالذكر بل نقول بكفاية هذا العنوان في الصلاة والصوم، مثلاً يقصد في الصلاة العنوان الذي أمر الشارع بها بسبب العنوان مثلاً، كعنوان كونه ناهياً عن الفحشاء والمنكر، وهذا تقرب إلى المولى. فقصد حصول الحالة التي يكون العبد قابلاً لحضور مجلس الرب تقرب إليه ولا يكون مخالفاً للإجماع أيضاً؛ لوقوع الإجماع(1) على لزوم قصد القربة في الوضوء. وأمّا قصد الأمر فلم يقم عليه إجماع، ولو ثبت إجماع على

ص: 271


1- العلّامة الحلّي، المختلف: 1 / 274 .

لزوم قصد الأمر في الوضوء فلا يضر لأنّ غرضنا تصحيح المقدمة بدون الأمر ودفع الدور، وهو مرتفع به؛ لعدم توقف كونه مقدّمة على الأمر بل قصد العنوان كافٍ في إمكان التقرب الثابت في المقدمة، غاية ما في الباب أنّه يلزم في العمل قصد آخر على فرض لزومه، وإلا نقول بعدم لزومه لكنّ هذا لا يتم في التيمم، لأنّ التيمم لا يرفع الحدث إجماعاً(1) فلا يمكن فيه قصد حصول تلك الحالة، إلا أن يقال: إنّه وإن لم يحصل عه رفع الحدث، لكن يحصل به أيضاً حالة معنوية ما دون رفع الحدث، كما يشهد به الخبر المذكور في محلّه، وهو أنّ: «أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا بالوا توضأوا أو تيمموا مخافة أن تدركهم الساعة (2) ويظهر منه أنّ بالتيمم أيضاً يحصل حالة نظافة، ولو لم تبلغ رفع الحدث، بل رفع الحدث لو جعلنا قوله تعالى: «لِيُطَهِّرَكُمْ »(3) علّة غائية للتيمم والوضوء كما هو المناسب لسياق الآية.

والخامس : أنّ يقال: إنّه يتعلق أمرٌ غيري بذات الوضوء وهو يكون مصححاً للقربة وأمر آخر غيري بإتيانه بداعي القربة، فحينئذ يمكن إحراز مقدمية الوضوء من دون توقف على الأمر الغيري المتعلق بإتيانه للتوصل إلى ذي المقدمة لصحة مقدميته بالأمر المتعلق بنفس الوضوء، والأمر الثاني لأجل لزوم إتيان هذه العبادات بداعي

القربة.

لكن يرد عليه إشكال وهو : أنّ الأمرين يكونان متساويين في المرتبة لانتزاعهما من الأمر بذي المقدمة من باب كونهما مقدّمة، والحال أنّ الأمر الأول لا بُدَّ من قيد فيه(4)؛ لأنّ به يتحقق موضوع الأمر الثاني وهو الإتيان بداعي القربة، فلا بد من إحراز القربة أولاً.

ص: 272


1- المحقق الحلّي، المعتبر: 1/ 394 .
2- النوري، مستدرك الوسائل: 1 / 298 ، الباب 11 من أبواب الوضوء، ح 2.
3- سورة المائدة : 6 .
4- کذا في الأصل، ولعلّ الأنسب : (لا بدّ من تقدمه)

ويمكن دفعه بأنه يمكن أن يكون المراد بإتيانه بداعي القربة المطلقة لا بالقربة الحاصلة من الأمر بنفس الوضوء حتى يلزم تقدمه، وإنّما يكون الأمر الأول محققاً لهذا الموضوع في الخارج ومصداقاً له.

لكن الكلام في تصحيح هذين الأمرين؛ لأنّ الأمر الغيري لا يتعلق إلّا بذي(1) المقدمة والمقدمة الفعلية هي المجموع المركب من إتيانه بداعي القربة وهو الفعل مع قصد القربة، وليست الأجزاء مقدّمة حتى يتعلق الأمر بها، فلا يمكن تعلق الأمر بالوضوء.

ويمكن دفعه بأنها لا أقل من كونها مقدّمة شأنية بحيث لو انضم إلى باقي الأجزاء لكان مقدّمة فعلية، وهذا القدر يكفي على أنّ المقدمة ليست إلّا المتوقف عليه ذو المقدمة، وهذا المعنى موجود في أجزاء المركب فعلاً لا شأناً غاية الأمر عدم كونها العلة التامة.

ثم إنّه يرد إشكال يدفع هذا الجواب وغيره وهو: إنْ كان ذو المقدمة يتوقف على التمكن من مقدمته والتمكن من المقدمة في هذا المقام غير حاصل إلا بتوسط الأمر بها والأمر ليس باختيار المكلف بل بيد الشارع فتكون غير مقدورة فلا يكون ذو المقدمة مقدوراً، والأوامر كلها مشروطة بالقدرة ، فيكون الأمر مشروطاً لا مطلقاً حتى تجب مقدمته، ويتعلق الأمر بالمقدمة من جهة الأمر بذي المقدمة، فلا يمكن تصحيح المقدمة إلّا بالأمر الغيري؛ لكونه موقوفاً على إطلاق ذي المقدمة، والمفروض عدمه، ولا الأمر النفسي من جهة الاستكشاف؛ لأنّه أيضاً موقوف على إطلاق الأمر، فلا يمكن دفع الإشكال الوارد على أصل المسألة إلّا بناءً على ما ذكرناه سابقاً من الاستحباب النفسي والرجحان الذاتي للوضوء؛ لكنّ هذا إنّما يمكن في الوضوء ولا يمكن في التيمم لعدم ثبوت الاستحباب النفسي له.

ص: 273


1- كذا في الأصل، ولعل الصحيح: إسقاط (ذي).

إلا أن يقال: إنّه لا يتوقف قصد القربة على الأمر، بل الإتيان بالفعل بقصد الإتيان بالواجب وبمطلوب المولى نوع من التقرب إليه، فحينئذ لا تتوقف مقدميته على أمر حتى يلزم الدور المذكور، وهو جار في الوضوء والتيمم جميعاً، وحاصله عدم تسليم لزوم تعلق الأمر بالمقدمة أولاً حتى يصير مقدمته، ثمّ يتعلق الأمر الغيري بها.

الكلام فيما يتيمّم به

ثم إنّ الكلام في بيان ما يتيمم به وهو الصعيد بمقتضى الآية الشريفة(1)، لكنّ الكلام في تشخيص معنى الصعيد والمراد منه في الآية هل هو مطلق وجه الأرض، تراباً كان أو غيره أو التراب خاصة؟

واعلم أنّ كلمات أهل اللغة مختلفة، وتكون أقوالهم متعارضة، [ف]بعضهم(2) فسره بمطلق وجه الأرض.

وبعضهم(3) فسّره بكليهما .

وبعضهم(4) فسّره بالتراب الخالص من الرمل والسبخ .

وبعضهم(5) فسّره بتراب الحرث وهو التراب غير المنحدر .

ويمكن الحمل في كل منها، مثلاً بحمل قول من فسّره بوجه الأرض على أنّ التعبير به من باب انصرافه إلى الفرد الغالب وهو التراب، فمعنى الصعيد هو التراب، والتعبير في وجه الأرض من هذه الجهة.

وكذلك يمكن حمل التفسير الآخر وهو التراب على أنّ مراده مطلق وجه الأرض،

ص: 274


1- سورة النساء : 43 .
2- الخليل، العين: 1 / 290 .
3- ابن ،فارس، معجم مقاييس اللغة: 3/ 287 .
4- ابن الأنباري، الزاهر : 453؛ الجوهري، الصحاح: 2/ 498.
5- المحقق الحلي المعتبر : 1 / 376، نقله عن ابن عباس.

والتعبير به من باب التعبير بالفرد الشائع.

ولكن الظاهر هنا خلاف ذلك فتكون أقوالهم متعارضة.

وإذ قد أثبتنا في الأصول أنّ قولهم حجّة من باب الطريقية وليست مشروطة بالظن الفعلي فيرجع في مقام التعارض إلى المرجحات(1).

وقد يقال: إنّ الترجيح لقول مفسريه بالأرض للأكثرية لكونهم أكثر واعلم، هذا من المرجحات الداخلية، وكذلك بالنسبة إلى المرجحات الخارجية من قبيل استعمال الصعيد كثيراً في الأرض في الشرع والعرف وفي كلمات الفقهاء مثل قوله تعالى: «صَعِيدًا زَلَقًا» (2) أي : أرضُ ملساء ،مزلقة ، وكذا قوله صلی الله علیه وآله : ( يحشر الناس حفاة عراة على صعيد واحد»(3) أي أرض واحدة، ومثل عموم الحكم لغير التراب ولو في حال الاضطرار، وعموم التعليل الوارد في قوله علیه السلام في السؤال عن أرض الجص والنورة قبل الإحراق: «لأنه لم يخرج عن الأرض» (4) .

لكن يشكل الحكم بظاهره؛ إذ ظاهره أنّ المناط هو الخروج عن الأرض وهو مخالف للإجماع في مثل الشجر والنبات والفلزات إلّا أنّ المراد هنا بالخروج عن الأرض هو الإشارة إلى المناسبة الحاصلة بالتراب بالنسبة إلى المعنى الوضعي للصعيد وهو الصعودة والتراب أيضاً بعضُ أجزاءه يصعد ويخرج من البعض الآخر، والتراب يخرج من الأرض ويصعد من الأرض لكون بعضها تحتاً وبعضها فوقه فيخرج التحت من الفوق، وكذلك مؤيدة بالأخبار الدالّة بظاهرها على طهورية الأرض مثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «جعلت لي الأرضُ مسجداً وطهوراً»(5).

ص: 275


1- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: 1 / 24 .
2- سورة الكهف : 40 .
3- لم نعثر عليه في الكتب الروائية. ينظر : المحقق الحلّي، المعتبر : 1/ 373.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 190.
5- الصدوق، الأمالي : 285 ، الخصال: 292 ، من لا يحضره الفقيه : 1 / 240 .

276

ومثل: إنَّ رب الماء رب الأرض»(1).

ومثل: «فإنّ فاتك الماء لم تفتك الأرض (2) وعدم ظهور ما دلّ على التراب في الخصوصية، أما مثل قوله علیه السلام: «الطين هو الصعيد »(3) فلا يدلّ على المطلوب لعدم كون الطين هو التراب، وكذلك ما ورد في صحيح زرارة: «أهوى بيده إلى الأرض فوضعهما على الصعيد» (4)؛ لعدم كونه في بيان ما يتيمم به، بل في بيان الكيفية أولاً.

وثانياً: لم يظهر أنه هل وضع على التراب أو الأرض.

صَلَّى اللهُ وثالثاً: أن مجرد وضع يده على التراب لا يدلّ على خصوصية، وكذلك قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «جعلتْ لي الأرضُ مسجداً وترابها طهوراً» (5)، وإن كان ظاهرها أنّ التراب هو الطهور لا الأرض خصوصاً بقرينة كون المقام مقام بيان امتنان الله تعالى على النبي صلی الله علیه وآله وسلم ولو كانت الأرض طهوراً فلا بُدَّ في مقام بيان الامتنان عدم الاقتصار على التراب للإخلال بالمقصود خصوصاً بملاحظة عدوله من الأرض إلى التراب، ولا بُدَّ فيه من نكتة مصححة للعدول وليست إلّا كون التراب خصوصاً طهوراً لا الأرض.

لكن يمكن أن يقال:

أولاً : أنّ هذه الرواية واردة بغير لفظ التراب(6) .

وثانياً: أنّه يمكن كون العدول لأجل أنّ المراد بالأرض هنا ليست هذه البسيطة بل مطلق المكان والفضاء؛ لأجل التفاخر على المشركين، حيث إنّ مكان صلاتهم مختص

صَةَ الله

بموضع خاص و غرضه صلی الله علیه وآله وسلم بيان الامتنان لجعل الله تعالى مطلق المكان مسجداً له صلی الله علیه وآله وسلم

ص: 276


1- الكليني، الكافي : 3 / 64 .
2- الكليني، الكافي : 63/3 .
3- لطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 190.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 12 / 57 ح 212 .
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 118/5.
6- الصدوق، الأمالي : 285 ؛ الخصال: 292؛ من لا يحضره الفقيه : 1 / 240 .

ا

ولأمته والتعبير عن الأرض باعتبار مكانيته لا باعتبار هذه البسيطة، فلا بُدَّ حينئذ من ذكر لفظ التراب لظهور أنّ تراب المكان طهور لا نفس المكان وهو لفضاء.

وأمّا قرينة وروده في مقام بيان الامتنان فالمناسب حينئذ خصوصية التراب، فهو مشترك الورود، إذ بناءً على كون الصعيد [هو] التراب الخالص يجوز التيمم بالحجر إجماعاً؛ فلا بد من ذكره بواسطة مقام الامتنان مضافاً إلى أنه يمكن أن يقال: إنّ إرادة القدر المشترك من الأرض أولى، دفعا للمجاز أو الاشتراك، وكلاهما خلاف الظاهر.

فيظهر من ذلك كله رجحان كون الصعيد هو الأرض، على كونه بمعنى التراب. ولكن الإنصاف أنّ الأظهر كونه بمعنى التراب، كما صرح به جمع من أهل اللغة، بل أعاظمهم (1)، حتى أنهم صرحوا بذلك.

وظاهر بعض آخر كصاحب القاموس (2)، حيث ذكر التراب أولاً ثم ذكر وجه الأرض؛ حيث إنّ دأبهم تقديم المعنى الحقيقي؛ والمناسب ذكر الخاص عقيب العام خصوصاً بملاحظة كون ذكرهم الأرض من باب الفرد الغالب كما هو الشائع خصوصاً بملاحظة دعوى بعضهم الإجماع وعدم العلم بالخلاف بين أهل اللغة في كون معنى الصعيد هو الأرض مثل الزجاج(3) مع بعد هذا المطلب منه مع هذه المخالفة الكثيرة بين أهل اللغة، فيعلم بهذه الملاحظة أنّ مراده من الأرض هو التراب، ودعوى السيد(4) كون التراب معروفاً بين أهل اللغة خصوصاً قوله علیه السلام: «الطين هو الصعيد»(5) حيث يدلّ بمقتضى الحصر [على] عدم [كون] الحجر والمدر وغيرهما من الصعيد، والطين هو التراب المبتل، وعدم الإطلاق فيما دلّ على الأرض وعلى تقدير الإطلاق ينصرف

(1) (2)

(3)

(4)

(5)

ص: 277


1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: 2873؛ الجوهري، الصحاح: 2/ 498.
2- الفيروز آبادي، القاموس : 1/ 307 .
3- ابن فارس معجم مقاييس اللغة : 3/ 287 ، نقله عن الزجاج.
4- السيد المرتضى الناصريات: 151 .
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 190.

إلى الفرد الغالب وهو التراب، مضافاً إلى بعد إرادة القدر المشترك من التراب لندرة الاستعمال في القدر المشترك بخلاف العكس بحمل ما دلّ على الأرض على التراب ؛ فإنّه شائع معروف وكذلك يبعد كون مراد من فسر الصعيد بالتراب هو التراب باعتبار الأرضية لا باعتبار الخصوصية؛ إذ الظاهر من أهل اللغة حيث يقولون : إنّ اللّفظ موضوع للمعنى الفلاني هو الخصوصية، واستعمال اللفظ في القدر المشترك شيء على تقدیر تسليمه يكون جارياً في المحاورات لا عند أهل اللغة.

ومما يمكن أن يستفاد منه كون الصعيد هو التراب هو أنّ الصعيد بمقتضى معناه اللغوي الأولي هو الصعود والارتفاع وهو يناسب التراب؛ إذ فيه صعود بخلاف الحجر، والمعتبر في النقل والمناسب في النقل هو ملاحظة المعنى الوضعي في المعنى الإسمي كما هو متعارف في النقل، وذلك موجود في التراب، على أن الغالب في النقل هو نقل العام إلى الخاص، فإذا دار الأمر بين النقل إلى العام أو الخاص فلا شك أنّ الغالب هو النقل إلى الخاص فهذه الغلبة حجّة عند العرف فيحمل المشكوك على الغالب فتأمل.

[إذا كان معنى الصعيد مجملا]

ثم على تقدير إجمال الصعيد عندنا فهل يكون الحكم خاصاً بالتراب كما هو مقتضى الاشتغال اليقيني، أو يكون الحكم جارياً في مطلق وجه الأرض من حيث الأخبار؟ فنقول : لا شك في ورودها بلفظ الأرض والتراب، وما ورد بلفظ التراب بعضها ظاهر في الخصوصية وأنّه الطهور بخصوصه، وبعضه ليس له ظهور في الخصوصية بحيث يمكن حمله على الأرض، فتكون أخبار الأرض بالنسبة إليه مطلقة .

ومقتضى القاعدة في المطلق والمقيّد هو حمل المطلق على المقيد إذا ثبت التنافي بينهما، وذلك بأن يعلم وحدة التكليف حتى يحصل التنافي، ففي الطلبيات لما يفهم الوحدة في العرف من نفس الأمر والطلب بالمطلق والمقيد، ولا يحتاج إلى إحرازه من الخارج فيحمل المطلق على المقيد.

ص: 278

وأمّا في الوضعيات فإن فهم الاتحاد فيحمل وإلا فلا ففي هذا المقام يمكن استفادة اتحاد الحكم الوضعي من نفس الأخبار وأنّ الطهور هو أحدهما بملاحظة بعض الأخبار، حيث يدلّ على أنّ الطهور هو خصوصية التراب لا التراب من حيث الأرضية، حيث يظهر من نفس قوله صلی الله علیه وآله وسلم:« وترابها طهوراً»(1) هي خصوصيته، خصوصاً بملاحظة العدول عن الأرض، وخصوصاً بملاحظة الامتنان، فيحمل المطلق وهو الأرض على المقيّد وهو التراب، على تقدير فهم الإطلاق من الأرض، خصوصاً بملاحظة بعض الأخبار مثل هذا الخبر: إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه فان ذلك توسيع من الله عزّ وجلّ»(2) فإنّ فيه شواهد على أنّ الطهور هو التراب :

الأول: ملاحظة السؤال حيث إنّه يكون عند السائل كأنه مسلم أنّ الطهور هو التراب والماء [وإنّما] تحير بواسطة فقدهما، ولو كانت الأرض طهوراً مطلقاً لا يحصل له التحير؛ لوجود الحجر، والأرض المبتلة أيضاً أحد أفراد الأرض.

وثانيا: جوابه علیه السلام بطلب الأجف وعدم أمره بالتيمم على الحجر وعلى الأرض المبتلة، ولو كانت الأرض طهوراً، يجيبه بالتيمم على وجه الأرض مطلقاً.

والثالث: قوله علیه السلام : «فإنّ ذلك توسيع من الله عزّ وجلّ».

حيث يدلّ على أن جواز التيمم بالموضع الأجفٌ وِسْعَةٌ وهذا الترخيص وِسْعَةٌ لا أنَّ الوِسْعَةَ في أصل الطهور أولاً ، ولو كان الطهور مطلق الأرض لم يكن هذا توسيعاً بل التوسيع حاصل أولا، وهذه الرواية كادت أن تكون صريحة في خصوصية التراب، ومثل الروايات الأخر المصرحة بأنّ التراب طهور، مضافاً إلى ظهور الآية فيه، خصوصاً بعد الصحيح الوارد في تفسيرها عن الباقر علیه السلام حيث يظهر منه كون التيمّم

ص: 279


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 5 / 118.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام 190/1 .

هو التراب، حيث قال تعالى: «فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ »(1) فظاهر كلمة (من) هو التبعيض، حتى صرّح صاحب الكشاف(2) : أنّ حمل كلمة (من) على الابتداء بعيد مخالف للمتداول في اللغة.

وهذا يظهر من تفسير الإمام علیه السلام حيث يقول: إنّه تعالى لما وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً - أي بالمسح - «لأنه قال: بِوُجُوهِكُمْ » - حيث إن ظاهر (الباء) للتبعيض - ثمّ وصل بها «وَأَيْدِيكُم مِنْهُ » أي : من ذلك التيمم» (3).

فإنّ الظاهر أنّ مراده علیه السلام بالتيمم هو المتيمم به ثم ذكر علیه السلام لأنه جمع لم يجر على الوجه، لأنّه يعلق الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضه الآخر، فإنّ الظاهر أن قوله : (لم يجر على الوجه تعليل للمسح ببعض المتيمم به بناءً على حمل ( من ) على التبعيض، وهذا صريح في كون المتيمم به هو التراب وكذا لو جعلنا قوله علیه السلام تعليلاً لإثبات الله تعالى بعض الغسل مسحاً يعني: لم يثبت بعض الغسل بطريق المسح؛ لأنه تعالى يعلم أنّ المتيمم به لا يجري على تمام الوجه لعدم علوق التراب بتمام اليد بل يعلق على بعضها، فلا يمكن مسح تمام الوجه، إلا أنّ هذه الرواية بظاهرها تدل على اعتبار العلوق ولزوم كون المسح بالتراب بل لا بُدَّ من بقاء التراب على اليد، وكلاهما خلاف المشهور (4) بين الأصحاب، بل الإجماع بالنسبة إلى الثاني فلا بُدَّ إما من حمل قوله علیه السلام على بيان أن حكمة إثبات بعض المسح هذا، فحينئذ لا يلزم ،إطرادها ، وذكر هذه الحكمة المختصة بالتراب باعتبار الغالب وكون التيمم بالتراب، إلّا أنّ هذا يدلّ على المطلوب؛ إذ لو لم يكن التراب معتبراً لما يجري هذه الحكمة، ويمكن أن تكون هذه نكتة لإيراد لفظ (من) دون (الباء) مثلا يعني : أنه تعالى لم قال : «مِنْهُ » دون (به) مع كون من لابتداء الغاية؛

ص: 280


1- سورة المائدة 6 .
2- الزمخشري الكشاف: 529 .
3- الكليني، الكافي: 30/3 .
4- يُنظر : الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع : 1 62 البحراني، الحدائق : 4 / 334 .

لأنّه تعالى إذا قال: (فامسحوا به) يكون ظاهراً في أنّ المسح لا بُدَّ أن يكون شيئاً منه، بخلاف لفظ (من) فهذه الرواية لا يكون فيها ظهور في المطلوب.

وبعد هذا كله لا يمكن الحكم بكون الصعيد هو التراب بواسطة كون الشهرة على خلافها وكون أكثر أهل اللغة على خلافه حتى أنّه نقل عن الزجاج أنّه قال: لا نعرف مخالفاً في كون الصعيد هو وجه الأرض(1) .

وبواسطة الأخبار الكثيرة الآمرة بالتيمم من الأرض، ولا يوجد أخبار واردة بالأمر بالتيمم [بالتراب ] حتى تكون مقيدة للأولى، ولو فرض وجود خبر أيضاً فليس في مقام بيان ما يتيمّم به.

وأمّا الأخبار الواردة في طهورية التراب [ف] ليس فيها ظهور في الخصوصية بعد الغض عما فيها من الاختلاف في رواية النبوي صلی اله علیه وآله وسلم(2)، و عدم وجوده في كتب الأخبار .

وأما صحيحة رفاعة عن الأرض المبتلة ليس فيها تراب ولا ماء؟ فانظر إلى أجفّ موضع تجده فتيمّم(3) .

ففيه إشكال؛ لأنه إن كان المراد بالأرض المبتلة هي الأرض التي تكون طيناً يعني : إذا لم يوجد التراب والماء بل وجد الطين فلينظر أجفّ موضع؛ يكون فيه إشكال من وجهين

الأول: عدم ذكر فقد الحجر والحال أنّ الحجر أيضاً مقدم عليه.

والثاني: ذكر الطين في الفقرة الثالثة فلا معنى لذكر الطين ثانياً إلّا أن يحمل الأول على الطين مع وجود الأجف والغبار مثلاً، والثاني على موضع لا يجد إلّا الطين، كما هو ظاهره إلّا أنّ هذا الحمل بعيد فلا يكون مراداً؛ وإن كان المراد بها هو التراب المبلول

ص: 281


1- الفيروز آبادي، القاموس : 1/ 307 .
2- لأنها وردت بدون لفظ التراب كما تقدم من المصنف قبل صفحتين فلاحظ.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 189 وما في المتن يختلف قليلاً عما في التهذيب.

بحيث لم يخرج عن حدّ الترابية فالمراد بقوله: «ليس فيها تراب» هو التراب الجاف، فالأمر بالأجف مع فقد الجاف مشكل؛ لأنّ مفهومه عدم جواز التيمم بالتراب المبلول مع وجود الجاف، وهذا لا يبعد كونه مخالفاً للإجماع؛ لأنه يجوز التيمم بالتراب المبلول مع وجود الجاف إجماعاً (1)؛ فحينئذ، فلا بُدَّ من حمل الأمر على الاستحباب كما يظهر ذلک من الشهيد رحمه الله في الذكرى(2) ولا يبعد حملها على الأرض التي تكون ظاهرها الله رطبة بحيث لم يكن فيها تراب ولا تكون من الطين فكأنَّ نظره في هذا الكلام إلى مجرد الجفاف والرطوبة، يعني: عند كون الأرض رطبة وليس فيها تراب أي ليس موضع جاف، فحينئذ لا تكون دالة على كون المعتبر هو التراب.

ومع هذا كله لو سلمنا كون الصعيد مخصوصاً بالتراب ؛ [لكن] يجوز التيمّم بغيره بمقتضى الأخبار مثل الأخبار الدالّة على التيمم بالأرض، ومثل الخبر الدال على جواز التيمم بأرض الجص والنورة مع كونهما من الحجر ، ومثل الخبر الدال على التيمم بحائط لبن مع عدم كونه من التراب كما ادعاه بعض(3) وإن كان يمكن أن يقال: إنّ مراد القائلين بالتراب هو التراب المنفصل، بل يعم التراب المستمسك كما ادعى إطلاقه في المنتهى (4) أنه تراب استمسك.

وكيف كان فالظاهر جواز التيمم بالحجر في حال الاختيار اما من جهة كون الصعيد عاما، وإمّا من جهة الأخبار .

وأما في حال الاضطرار فالجواز على مذهب من عمّم الصعيد واضح؛ وأما على مذهب من خصّ الصعيد بالتراب؛ فكأنه إجماعي بين من عم الصعيد بالتراب ومن خصّه .

ص: 282


1- العاملي مفتاح الكرامة : 4 / 387 .
2- الشهيد الأول، الذكرى: 1/ 178 .
3- الطباطبائي، رياض المسائل : 302/2.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 58 .

إلّا أنّه يمكن أن يقال: بعدم وجود الإجماع في الحقيقة؛ لأنّ من يدّعي عموم الصعيد يدّعي جواز التيمم بالحجر من حيث إنّه صعيد ومن حيث إنّه حجر، ومن يدعي بطلان قول من عمّم الصعيد فلا يمكن له التمسّك بقول من عمّم؛ لأنّ قوله مستند إلى دليل يعلم بطلانه بحيث لو اطلع المدعي للجواز ببطلان دليله لرجع عنه.

بقي الكلام في الأشياء المختلف فيها

[جواز التيمم بأرض النورة والجص]

أما أرض النورة والجص ؛ فالظاهر أنّه لا إشكال في جواز التيمم بها لكونها حجراً ومن وجه الأرض، واحتمال المعدنية ضعيف بعد صدق اسم الأرض عليها كما هو المناط فيما نحن فيه ويمكن التمسك بالأولوية المستفادة من رواية الجص والنورة الدالة على جواز التيمم بالجص والنورة مع الإشكال في صدق الأرض عليها إن عملنا بالرواية فيهما كما هو الظاهر.

والظاهر عدم الخلاف في جواز التيمم بهما إجماعاً (1)، بل المشهور نقلاً(2) وتحصيلاً على الجواز في حال الاختيار، ولم يكن مخالف سوى ما نقل عن الشيخ في نهايته(3)، من اشتراط فقد التراب .

[جواز التيمم بالجص والنورة]

وأمّا الجص والنورة ففيهما ،خلاف، فالمشهور فيهما على عدم الجواز لخروجهما عن اسم الأرض بالطبخ(4).

ص: 283


1- یُنظر : النجفي، الجواهر : 5 / 123 ، فقد ادعي الإجماع باعتبارها من مصاديق الأرض؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 391 ، فقد ادعي الإجماع باعتبارها حجراً.
2- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 394/4 .
3- الطوسي، النهاية: 1/ 199.
4- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1 /ق 1 ، 98 .

ولكن الأظهر جوازه للرواية الدالة على الجواز(1) وللاستصحاب؛ للشك في خروجهما عن الأرضية بالطبخ فنستصحب ؛ لظهور كون موضوع التيمم هو اسم الأرض فبسبب الطبخ شك في صدق اسم الأرض عليه فيحكم بالاستصحاب ببقائه فيجوز التيمّم به.

والقول بأنّ الاستصحاب معارض باستصحاب الاشتغال فيتوقف على يقين البراءة ولا يحصل بالتيمّم به.

مدفوع: بأنّ استصحاب الأرضية حاكم على أصالة الشغل [ومقدم عليها](2)؛ نعم، لا يمكن الاستصحاب لو لم يكن الموضوع معلوماً هل هو حقيقة الأرضية أو مجرد صدق اسم الأرض عليها بأنّ يقال: كان في هذا الشيء قبل الطبخ شيء يجوز التيمم به وبعد الطبخ نشك في ارتفاعه فيستصحب، ويقال: بأنّ الموضوع هو الباقي فيجوز التيمم به لكون الأصل مثبتاً وليس بحجّة.

[حكم التيمّم بالرماد]

وأمّا التيمّم بالرماد فإنّ كانّ من الشجر فلا شبهة في عدم جواز التيمّم به لعدم صدق الأرض عليه وللرواية (3).

وإن كان من الأرض بحيث احترقت الأرض وصارت رماداً فإن خرج عن اسم حيث احترقت الا الأرض بحيث لم يطلق عليه اسم الأرض بل يطلق عليه الرماد؛ فلا يجوز التيمم به.

ولا يمكن التمسك بالاستصحاب لعدم الشك. ولو أطلق عليه اسم الأرض فالظاهر جواز التيمم به؛ لظهور تحقق الموضوع. والرواية ظاهرة في رماد غير الأرض.

ص: 284


1- هي رواية السكوني التي نقلها المحقق في المعتبر : 1/ 376.
2- في الأصل بياض بمقدار كلمتين وما أضفناه لعلّه الأوفق بالسياق.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 187.

[عدم جواز التيمم بالمعادن]

وأما المعادن فلا يجوز التيمم بها مطلقاً إجماعاً(1) منقولاً إن لم يكن محصلاً؛ [ولا اعتناء](2) بخلاف ابن أبي عقيل في جواز التيمّم بالأرض وبكل ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ، وكأنَّ نظره إلى مفهوم قوله علیه السلام في الرماد: بأنه «لم يخرج من الأرض» (3) وهو ضعيف :

أولاً: بأنّ الرواية ضعيفة(4)، ولا جابر لها في المقام.

وثانياً: لعدم صدق الأرض عليها.

وليعلم أنّ المعدن هنا غير المعدن في باب الخمس؛ لأنّ المعدن هناك يراد به أعمّ من الأرض وغيره، حتى أنه يشمل مثل الجص والنورة مما يكون أرضاً، بل الظاهر أنّ المراد به هناك كل ما يكون فيه منفعة وخاصية سواءً خرج عن اسم الأرض أو لا.

[ جواز التيمّم بالخزف ]

وأما الخزف ففيه إشكال؛ من حيث جواز التيمم به مع كون الظاهر أنّ المنع من حيث الخروج عن الأرضية، ومن الاستصحاب والمنع من عدم جواز السجود عليه؛ فالظاهر جواز التيمم به كما صرح به جماعة (5)، لكن توقف الشهيد في الدروس(6) واستشكله في المنتهى(7) .

ص: 285


1- ابن زهرة غنية النزوع : 51 ؛ ويُنظر : العلّامة الحلي، التذكرة: 2/ 174 .
2- في الأصل بياض بمقدار كلمتين وما أضفناه اقتضاه السياق.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 187 .
4- ضعيفة بالسكوني، وقد تقدم من المصنف عدم الاعتماد عليه.
5- العلّامة الحلي، القواعد: 1/ 238 ، نهاية الأحكام: 1/ 198؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 68.
6- الشهيد الأول، الدروس: 1 / 130 .
7- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 61 .

[ جواز التيمّم بالتراب المستعمل في التيمم ]

وأمّا التراب المستعمل في التيمم؛ فالظاهر جواز التيمم به، وقياسه على الماء المستعمل في رفع الحدث قياس مع الفارق لو مسلم الحكم في المقيس عليه؛ لأنّ الماء يرفع الحدث؛ فلا يجوز رفع الحدث به ثانياً بخلاف التراب [هذا] أولاً .

وثانياً: أنه قياس، ولا نقول به.

والظاهر أنّ المراد بالمستعمل هو التراب الممسوح به لا المضروب عليه والمنفوض بعد الضرب قبل المسح لعدم صدق الاستعمال عليه؛ لأنه كالاغتراف من الإناء ولو قلنا بجزئية الضرب للتيمم ، بل الظاهر من المستعمل هو المنفوض من محل المسح.

وكذا يجوز التيمّم بتراب القبور، وهو الملاصق ببدن الميت إذا لم يتنجس بواسطة وصول الدم إليه ونحو ذلك، ولو شك فالأصل عدمه.

وأمّا الامتثال بالضرب لعدم خروجه عن اسم الأرض بالخلط، خلافاً لبعض(1) فمنع منه مع الاستهلاك.

وإن لم يستهلكه التراب سواءً كانا متساويين أو كان التراب مُستَهلَكاً فالظاهر عدم جواز التيمم خصوصاً في الثاني؛ لعدم صدق الأرض عليه، أما في الثاني فواضح، وأما في الأول فلعدم صدق التراب عليه، بل يقال عليه الممتزج، وهو غير الآخر، بل ماهية ثالثة، خصوصاً لو كان الخليط مما لم يكن متميزاً(2).

[ جواز التيمم بالغبار والطين بعد فقد التراب والحجر ]

بقي الكلام في أنه لو فقد التراب والحجر بجميع أصنافها فهل يجوز التيمم بالغبار والطين أو لا؟ وبيان ترتيبها(3).

ص: 286


1- يُنظر : النجفي، الجواهر : 5 / 137.
2- يُنظر : النجفي، الجواهر : 5 / 137.
3- يُنظر : العلامة الحلي، المختلف: 1/ 421، وما بعدها؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 484، وما بعدها؛ السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 207.

فنقول: أما التيمّم بالغبار فالظاهر جوازه بمقتضى الأخبار الواردة فيه(1) سواءً كان الغبار في الثوب أو في لبد السرج، وليعلم أنّ الغبار على أقسام:

منها: ما يكون بحيث يكون بعد النفض كثيراً بحيث يصدق عليه التراب، فالظاهر كونه مثل التراب؛ لأنّه تراب فلا يكون مؤخراً عن التراب والحجر بل في مرتبتهما .

ومنها: ما يكون قابلاً للنفض ولا يكون كثيراً بحيث يصدق عليه التراب.

ومنها: ما لا يكون قابلاً للنفض بل يكون كائناً في الشيء بحيث إذا ضرب اليد عليه يرتفع الغبار منه، ولكن ليس بحيث يظهر في وجه الثوب، وهما متأخران عن مرتبة التراب بالإجماع.

لكن الكلام في أنّ التيمم منه هل لا بُدَّ أن ينفض حتى يظهر في وجه الثوب ثمّ يتمم به أو لا يلزم النفض بل يكفي التيمم بالثوب؟

والأخبار مختلفة، بعضها دال على التيمّم باللبد(2) والبرذعة(3) وبعضها مقيّد بالنفض ، ومقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد فيما يمكن فيه النفض .

وأما ما لا يمكن نفضه فهل هو مقدم على الطين أو متأخر عنه ؟

ويظهر من بعض الأخبار تأخر الطين عن جميع أفراد الغبار مثل قوله: فإنّ كان في حال لا يجد إلا الطين فيتيمم به(4).

لكن يظهر من بعض آخر تقدم الطين مثل خبر زرارة بعد أن سأل عن رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع ؟ قال علیه السلام : يتيمم فإنّه الصعيد،

ص: 287


1- الكليني، الكافي: 459/3؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1 / 466؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 188 /1 .
2- اللبد : الأصل الشعر المتراكب على كتفي الأسد ومنه ما يوضع حول رقبة الفرس.الصحاح : 533/2 .
3- البرذعة : الحلس الذي يكون تحت رحل الفرس الصحاح : 3 / 1184 .
4- العلَّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 68، وقال فيه: مسألة: ولو لم يجد إلا الوحل تيمّم منه.

قلت: فإنّه راكب ولا يمكنه النزول من خوف، وليس هو على وضوء؟ قال علیه السلام: إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد والبرذعة ويتيمم ويصلي »(1) حيث إنّ ظاهره أنه إن أمكنه النزول يتيمم بالطين ولا يتيمم بالغبار. وكذلك غيره من الأخبار التي تكون أصرح منه، ولا يبعد حملها على الغبار الذي يكون كامناً ولا يمكن نفضه، والسابق على الذي يمكن نفضه، وكذلك الظاهر عدم الترتيب بين غبار الثوب وغبار اللبد والبرذعة.

[حكم التيمّم بالتراب المغصوب]

وأما التراب المغصوب فإنّ كان الضرب داخلاً في التيمم أو يكون شرطاً يعتبر فيه النية فلا يجوز؛ لاجتماع الأمر والنهي، وأما لو كان خارجاً عنه فالظاهر جوازه.

وأمّا لو كان المكان مغصوباً فيحتمل الجواز بناءً على أنّ الكون ليس جزءًا من التيمم بل من ضروريات الجسم، لكنّ الأقوى عدم الجواز. أما على تقدير كون الضرب جزءاً للتيمّم فظاهر؛ لأنّ الضرب يستلزم الحركة والسكون وهما حرامان وواجبان. وكذلك لو لم يكن الضرب داخلاً في التيمم ؛ لأنّه يكون المسح داخلاً فيه وهو يستلزم إمرار اليد وهو تصرف منهي عنه.

إلا أن يقال: إنّ التيمم هو الأثر الحاصل من المسح وهو الانمساح؛ إلا أنه بعيد.

وكيف كان ففساده دائر مدار النهي الفعلي فيصح في حق الجاهل والغافل.

وأما لو كان محل التراب مغصوباً فالظاهر بطلان التيمم أيضاً بناءً على كون الضرب داخلاً في التيمم، فحصول التصرف فيه بواسطة الضرب نظير ما لو كان الماء في الآنية المغصوبة؛ لأنّ الضرب وإن كان على التراب إلّا أنّه يستلزم الاعتماد على [محل] الضرب.

ص: 288


1- الطوسي، الإستبصار : 1/ 157.

[ صحة تيمّم المحبوس في المكان المغصوب]

وأمّا لو كان الشخص محبوساً في المكان المغصوب فهل يصح التيمم فيه أم لا؟

يمكن القول بالصحة بناءً على أنّ الحرج ولزوم التكليف بما لا يطاق رفع عنه الحرمة في الكون وليس بين الأكوان ترجيح فلا بُدَّ أن تكون جميع الأكوان مباحةً.

أو يقال : إنّه يشغل فضاء المكان بقدر جسمه فيكون هذا الفضاء مباحاً، ففي جميع الأكوان والأحوال لا يشغل أزيد من ذلك، سواءً كان في حال الصلاة أو غيرها.

إلا أن يقال: إنّه يعدّ في العرف الكون الحاصل في الصلاة تصرفاً زائداً على الكون الذي من ضروريات الجسم فيكون منهياً عنه فكذلك التيمم، لكن الظاهر صحته؛ إذ كونه في هذا المكان مباحاً بمقتضى استحالة التكليف بما لا يطاق والالتزام بكون خاص مثل القعود وإنما يتعذر فلا يكون ترجيح في البين فيكون الجميع مباحاً.

[عدم جواز التيمّم بالثلج ]

أمّا الثلج فالظاهر عدم جواز التيمّم به؛ لعدم كونه من الأرض وعدم الدليل، وإن كان يمكن الغسل به مع الجريان بالإذابة وغيرها ويكون مقدماً على التراب والتيمم للقدرة على الوضوء. وإن لم يمكن به الغسل فلا دليل على صحة التيمم به مطلقا، هذا كله فيما يتيمم به .

[كيفية التيمّم، وحكمه قبل الوقت ]

وأمّا كيفية التيمم وبيان اعتبار الضيق فيه وعدمه، فنتكلم أولاً في الثاني.

فنقول: لا يجوز التيمم قبل الوقت، وادعي عليه الإجماع(1) بحد التواتر والاستفاضة، والظاهر من كلماتهم أن مورد الإجماع هو التيمم لذات الوقت، وأمّا التيمّم لغايات أُخر يجوز لها التيمم فالظاهر أنه ليس محل الكلام.

ص: 289


1- المحقق الحلي، المعتبر : 1/ 381؛ ويُنظر : النجفي، الجواهر : 154/5 .

وكذلك يظهر من كلمات بعضهم(1) أنّ هذا الحكم مختص بالطهارة الترابية دون المائية فيجوز الوضوء قبل الوقت، وبه صار الوضوء مفترقاً عن التيمم.

لكن الكلام في تحقيق ذلك و[أنّه ] أي وضوء يصح قبل الوقت الذي لا يصح قيام التيمّم مقامه ؟

فنقول: أمّا الوضوء للغايات فيصح قبل الوقت، وكذلك التيمم أيضاً قبل الوقت للغايات المشروع لها التيمم.

وأما الوضوء للكون على الطهارة، فالظاهر قيام التيمم مقامه وصحة التيمم له كما تشهد به الرواية، وهي أنّه «كان أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا بالوا توضأوا، أو (2) تيمموا، مخافة أن تدركهم الساعة». ويدلّ عليه أيضاً عموم المنزلة الذي يستفاد من الأخبار مثل: «التراب بمنزلة الماء» وغيره(3) مثل ما ذكره بعض وهو الوضوء للتأهب للصلاة، وهذا وإن أنكره في کشف اللثام وقال: ليس هو إلّا الوضوء للكون على الطهارة(4).

لكن يمكن أن يقال: إنّ الوضوء للكون على الطهارة هو ما يكون المطلوب منه مجرد الكون على الطهارة لا شيئاً آخر، ووضوء التأهب هو ما يكون المطلوب حصول الطهارة؛ لأجل عدم انتظار وقت الصلاة، وفي الحقيقة المطلوب هو عدم الحالة المنتظرة للشخص، وهو يستلزم حصول الطهارة، ولا يلزم من حصولها مع التأهب عدم كون المطلوب إلّا إيّاه.

والظاهر من كلمات بعض عدم الوجوب - لا للوضوء ولا للتيمم - قبل الوقت وثبوت الجواز للوضوء دون التيمّم قبله، لكنّ الكلام في إثبات شرعية الوضوء؛

ص: 290


1- المحقق الحلّي، المعتبر: 382/1.
2- النوري، مستدرك الوسائل : 1 / 298 ، الباب 11 من أبواب الوضوء ح 2.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 10 / 184 ح 13170 .
4- الفاضل الهندي، كشف اللثام : 1/ 125 .

لأنّه يتوقف على الأمر وعدم الأمر قبل الوقت لا الوجوبي ولا الاستحبابي؛ لأنّ أمر الوضوء ينشأ من الأمر بذي المقدمة وهنا يكون الأمر بالصلاة مقيداً بالوقت؛ لأنه مشروط، ومقتضاه عدم ثبوته قبل [الوقت ] حتى يتحقق الأمر بالوضوء من جهة قبل الوقت لعدم تصور الوجوب التكليفي هنا قبل الوقت للصلاة، للعلم بعدم مطلوبية الصلاة إلّا في الوقت لا قبله ولأنّ مقتضى قوله علیه السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة(1) عدم الأمر قبل الوقت، ولأنه لو ثبت الأمر قبل الوقت يكون وجوبياً لا ندبياً وهو خلاف ما ذكره، فلا بُدَّ من إثبات الأمر الاستحبابي بالوضوء قبل الوقت، حتى يكون الوضوء مشروعاً قبل الوقت.

ومما يمكن أن يستدل به لذلك وجوه:

الأول]: الأخبار الدالّة على استحباب الصلاة في أول الوقت(2) إذ الظاهر أنّ المراد هو أول الوقت حقيقة، لا الأول بعد إتيان المقدمات ولو بعد مضي ساعتين من أول الوقت، ومقتضى إطلاقها استحبابها في حق الواجد للشرائط في أول الوقت وفاقدها، ولو لم يكن الوضوء مشروعاً قبل الوقت لم تبق هذه الإطلاقات على إطلاقها، بل تكون مقيّدة، فلا بُدَّ أن يكون الوضوء مشروعاً قبله.

وليس المراد بالاستحباب في أول الوقت هو مجرد الفضيلة والرجحان نظير أفضل فردي الواجب المخيّر بحيث لم يكن استحباباً اصطلاحياً بل مجرد الفضيلة؛ لأنّ تلك الفضيلة متقوّمة بالوجوب وليس أمراً على حدة، بل تأكد الرجحان ومقتضى اشتراط الوجوب بالوقت انتفاؤه قبل الوقت، فتنتفي تلك الفضيلة أيضاً؛ لأنها متقوّمةٌ بالوجوب، ولا يكون أمراً على حدة غير الأمر الوجوبي بالفعل في أول الوقت بحيث يكون الفعل في أول الوقت مأموراً به بأمرين؛ لاجتماع حكمين في الشيء الواحد، وهو

ص: 291


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 140.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 2 / 41 ح 131 .

ممتنع كما قُرِّر في مبحث اجتماع الأمر والنهي إلّا أن يتصور كما يتصور في الواجب المخيّر الذي يكون أفضل الأفراد بحيث يكون مستحباً مع كونه واجباً بأن يقال: إنّ موضوع الوجوب هو ذات الواجب وموضوع الاستحباب هو الواجب مع صفة الوجوب، ففي هذا الإطعام الذي يكون واجباً أو العتق أفعله ويكون مستحباً، ولا يردُ أنَّ الإطعام مثلاً له بدل وهو العتق، فكيف يمكن الحكم باستحبابه مع أنّ المستحب ما يجوز تركه من غير البدل لأنّ هذا البدل إنّما هو ثابت له في مقام الذات من دون صفة الوجوب، وهذه المطلوبية لها بدل ولا يكون البدل في مرتبة الواجب مع صفة المطلوبية الزائدة، وفي هذا المقام أيضاً يقال: إنّ هذا التصوير مشكل.

ويمكن أن يقال: إنّه بمقتضى أدلّة استحباب الصلاة مثل قوله : « فما أُحبّ أن يصعد عمل أول من عملي»(1)وغيره من الأخبار الدالة على استحباب الصلاة في أول الوقت، ومثل الأوامر الدالّة على المسارعة في الخيرات والمغفرة(2) بناءً على دلالتها على المسارعة في الخير الذي يتحقق بعد دخول الوقت ولم تكن خاصة بالمسارعة إلى الخير الذي تحقق حين الأمر، ويثبت جهة استحباب في الصلاة في أول الوقت مقتضية للأمر الاستحبابي بها إلّا أنّه لما كان هناك مانع من الأمر الاستحبابي لاجتماع الواجب والمستحب لم يؤمر به بالأمر الاستحبابي، وهذه الجهة مطلوبة للشارع في أول الوقت فلا بُدَّ ان تكون الصلاة في أول الوقت مطلوبة له قبل الوقت حتى ينتزع منها مطلوبية الوضوء قبل الوقت حتى يكون الوضوء مشروعاً قبل الوقت حتى يكون المكلّف في فسحة من امتثال هذا التكليف - وهو الصلاة في أول الوقت - ، ومجرد المطلوبية كافية في صحة الوضوء.

والثاني: ممّا يمكن أن يستدل به على استحباب الوضوء قبل الوقت قوله علیه السلام :

ص: 292


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 12 / 41 ح 131 .
2- إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة: 148 «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللهُ »و «وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ » سورة آل عمران: 133 .

ما وقّر الصلاة من أخر الطهارة إلى أن يدخل وقت الصلاة».

والثالث: أدلّة المسارعة في الخير والمغفرة بناءً على دلالته على المسارعة ولو قبل تحقق صفة الوجوب للواجب والخير، فيدلّ على مشروعية الوضوء قبل وقت الواجب حتى يمكن فعل الصلاة في أول الوقت بناءً على أنّه أيضاً مسارعة، وفرد من أفراد المسارعة فثبت من هذه الكلمات مشروعية الوضوء قبل الوقت.

[هل يكون الوضوء قبل الوقت غيرياً أو نفسياً ]

ثم إنّه هل يكون هذا الوضوء غيرياً فلا بُدَّ أن يُؤتى به بقصد الصلاة وتكون هي الغاية في فعله.

أو يكون نفسياً بمعنى أنّه يُؤتى به بقصد الكون على الطهارة، وإن كان غاية الغاية لا بُدَّ أن تكون هي الصلاة ولا بُدَّ من قصد الصلاة في أول الوقت أيضاً؛ لأن مطلوبيته إنّما كانت من أجل مطلوبية الصلاة في أول الوقت فلا يكون مطلوباً مع عدمه؟

مقتضى كلمات الأصحاب (1) أنه يستحب الوضوء للتأهب وهي المطلوبية النفسية؛ لأنّ معنی التأهب هو قصد حصول الطهارة؛ لأجل عدم حصول حالة منتظرة في أول الوقت فغاية الوضوء هو حصول الطهارة وإن كان إتيان الصلاة في أول الوقت غاية لهذه الغاية خصوصاً بمقتضى تقسيمهم الوضوء وأنه يجب للواجب ويستحب للمندوب، والحال أنّ هذا الوضوء لا يجب بالعرض؛ لكونه في خارج الوقت، ولا يجب إلّا بعد الوقت ولا يكون مستحباً لعدم كون الصلاة مستحبة بل تكون واجبة.

فالوضوء الذي للغير، تابع للغير إن كان واجباً فواجب وإن كان مستحباً فمستحب.

والحال أنّ الصلاة في أول الوقت لا تكون واجبة قبل الوقت ولا تكون مستحبة

ص: 293


1- النجفي، الجواهر : 154/5 .

لعدم الأمر الاستحبابي بها؛ لاجتماع المتضادين بل فيه جهة الاستحباب.

وأمّا قوله علیه السلام : «ما وَقَرَ فلا يدلّ على أحد الأمرين، بل يدلّ على استحباب الوضوء مطلقاً.

وأمّا الإطلاقات أيضاً تدل على استحباب الوضوء قبل الوقت.

أمّا كونه لأجل الصلاة أو لغيره من الكون على الطهارة فلا يدل.

ثم إنّه لو قلنا بثبوت خاصية الطهارة للوضوء كيفما وقع فلا إشكال في صحة الوضوء أي غاية قصد.

وأما لو شككنا في حصول الخاصية له مطلقاً، فمقتضى أصالة عدم التأثير عدم الصحّة، إلا مع قصد غاية تحصل معها الطهارة بقصدها؛ لأنّه من المعلوم من الأدلّة عدم مطلوبية الوضوء إلّا للطهارة وحصولها.

فالتكليف بشيء معيّن مفهوماً وإنّما الشك في المحصل فلا بُدَّ من البناء على الاشتغال وقصد الغاية التي تحصل الطهارة بقصدها إلّا أنا أثبتنا في موضعه ان كل وضوء صدر من أهله - بمعنى أنّه لا يكون أنه لا يكون محدثاً بالحدث الأكبر - ووقع في محله - بمعنى أنه يكون محدثاً بالحدث الأصغر - يرتفع الحدث فتحصل الطهارة به مع إتيانه بداعي الأمر.

وأما لو شككنا في محل هذا الوضوء بمعنى أنه يشترط أن يكون متصلاً بأول الوقت، بحيث يكون مقارناً لأول الوقت أو يكفي إتيانه ولو قبل الوقت بمقدار ساعة أو ساعتين ومرجع الشك إلى الشك في الاشتراط، فمقتضى الأصل البراءة.

ولا يرد ما ذكرنا من كون الشك في المحصل ولا بُدَّ من الاحتياط؛ لأنّ الإتيان في الوقت الخاص دون وقت لا مدخلية له في حصول الطهارة، وإنّما المؤثر هو هذه الأفعال مع القصد إلى غاية بداعي الأمر.

هذا كله فيما لو لم يعلم بعدم وجود التراب في الوقت وغيره؛ وأما لو علم بعدم إمكان التيمم في الوقت أو الاختياري منه:

ص: 294

فعن بعض الفقهاء كالمحقق البهبهاني، ذكر في شرح المفاتيح كما حكي عنه- وفي حاشية المدارك(1) بوجوب التيمّم حينئذٍ لأدلة لا يخلو أكثرها من ضعف، مثل الرواية الدالة على عدم الذهاب إلى الأرض التي لا يوجد فيها الماء، الظاهر في الكراهة. ومثل وجوب مقدّمة الواجب في مثل هذا المقام نظير وجوب مقدّمات الحج قبل زمان ذي الحجة مثلاً فكأنه فهم الوجوب التعليقي قبل الوقت.

لكن لا يخفى ما فيه، إذ يدفعه عموم المفهوم في قوله علیه السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة»(2) بناءً على شمول الطهور للتيمم، وكذا لو لم يشمل أيضاً لعدم ثبوت التيمم في موضع لا يثبت فيه الوضوء، وهذا الوجوب التعليقي إنّما يتم لو فهمنا مطلوبية الفعل قبل الوقت كما في الحج وغسل الجنابة قبل الصبح في شهر رمضان ولم يثبت ذلك في الصلاة.

[ هل يعتبر الضيق في التيمم بعد دخول الوقت؟]

وأمّا الكلام في التيمّم بعد الوقت وأنّه هل يعتبر فيه الضيق حتى لو علم بعدم وجود الماء في تمام الوقت أو لا يعتبر الضيق ؟

فبيانه يحتاج إلى التكلم في أمور:

وأما الكلام في مقدار الضيق، هل هو عدم زيادة الوقت عن إتيان الصلاة مع جميع مقدماتها وجميع أجزاءها من الواجبات والمستحبات، أو عدم زيادة الوقت عن مقدار أقل الواجب؟

مبني على كون المدرك في الضيق هل هو إطلاقات الوضوء فمقتضاها الاقتصار على أقلّ الواجب؛ لأنّ مقتضى الإطلاق وجوبه إلا مع عدم التمكن فينتقل إلى البدل وليس إلّا في آخر الوقت حقيقةً.

ص: 295


1- الحاشية على المدارك: 2/ 116 .
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 33/1.

لكن يمكن أن يقال: إن ذلك منفي بأدلة الحرج.

وإن كان المدرك هي الأدلة الخاصة فلا يبعد الاكتفاء بالأعم من الواجب والمستحب، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

[ مقتضى الأصول العملية ]

وأمّا الكلام في أصل المطلب؛ فنقول: لا بُدَّ أولاً بيان الأصول العملية التي يرجع إليها عند الشك.

فنقول : الشك في التيمم وكونه في آخر الوقت إن كان من حيث نفسه بمعنى أن يكون الشك في أنّ آخر الوقت هل هو شرط فيه أم لا؟

فمقتضى الأصل فيه وإن كان هو البراءة، لكونها هي المرجع عند الشك في الأجزاء والشرائط، لكن يثبت شرطية الطهارة للصلاة التي تكون مبينة بحسب المفهوم ومجملة بحسب المصداق فيكون الشك في أنّ التيمم في سعة الوقت هو مصداق ومحقق للطهارة فمقتضاه الاشتغال فيثبت كون الأصل هو الاشتغال إن كان الشك فيه من حيث نفسه.

وإن كان الشك فيه مسيّاً عن الشك في الصلاة، وأنّه هل يجوز فعلها في سعة الوقت مع التيمم أو لا؟

فمرجع الشك فيها إلى التعيين والتخيير ، فالأصل فالأصل براءة الذمة من تعيين الصلاة في آخر الوقت، فمقتضى الأصل بناءً على الأول هو الاشتغال.

وبناءً على الثاني هو البراءة، لكن لو كان الشك في التيمم من قبيل الشك السببي؛ لا يبعد عدم جريان الأصل في التيمم نفسه بعد جريان الأصل في الصلاة لعدم جريان الأصل في المسبّب بعد جريانه في السبب، لأرتفاع الشك حينئذ كما حقق في الأصول(1).

وأما لو كان كل شك فيها على حدة، ليس أحدها ناشئاً عن الآخر، كما يظهر من

ص: 296


1- الروزدري، تقريرات المجدد الشيرازي: 43/1 ؛ الرشتي، بدائع الأفكار : 68 .

كلمات بعض(1) حيث يقول: بجواز الصلاة في أول الوقت لو تيمم لصلاة أخرى في آخر وقتها مع قوله بعدم جواز التيمم إلا في آخر الوقت؛ فحينئذ يتعارض الأصلان؛ فمقتضى أصالة البراءة هي براءة الذمة بالصلاة مع التيمم في سعة الوقت ومقتضى الأصل في التيمم هو اشتغال الذمة بالصلاة وعدم أرتفاع التكليف في سعة الوقت.

ولا يبعد تحكيم الأصل الثاني على الأول بمقتضى الاستصحاب وقاعدة الشغل؛ لأنّ الصلاة مشروطة بالطهور فلا بُدَّ من إحرازه ولا يترتب على أصل البراءة حصول الطهور وإنّما يترتب عليه عدم العقاب؛ لأنّ شرطية الطهارة للصلاة ثابتة فلا بُدَّ إحرازها حتى يتحقق الامتثال فيستصحب تكليف الصلاة إلى أن يعلم بحصول الشرط، هذا حال الأصول العملية.

[مقتضى الأصول اللّفظية]

وأمّا الأصول اللفظية : أمّا العمومات الدالّة على المنع فهي إطلاقات الوضوء حيث تدلّ بإطلاقها على الغسل (2) سواءً تمكّن المكلف منه في أول الوقت أم لا، فهذا يتم في صورة العلم بوجود الماء في آخر الوقت.

وأما لو شكّ في وجوده في آخر الوقت فيشكل التمسك بها إذ لا بُدَّ من إحراز الموضوع حتى يتمسّك بالإطلاق، والموضوع - وهو واجد الماء بقرينة المقابلة بالتيمم- مشكوك إلّا أن يكون أصل ثابت هناك، هذا لو كان الموضوع هو واجد الماء المتمكن منه .

وأما لو كان الموضوع في قوله تعالى: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ »(3) مطلق المكلّفين يعني: أيها المكلفون إذا قمتم إلى الصلاة توضأوا، فحينئذ لا مانع من التمسك بها للمنع

ص: 297


1- المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 1/ 46 .
2- كذا في الأصل والصحيح: (الوضوء).
3- سورة المائدة : 6 .

قبل الضيق، لكون التكليف بالطهارة المائية، فلا يسقط إلّا عند العجز عنها، وهو عند الضيق.

وهذا واضح لو قلنا إنّ العجز مانع عن التكاليف، لا أنّ القدرة شرط فيها حتى يلزم إحرازها.

وإن قلنا إنّ القدرة شرط فيها ، فكأنه قال : توضأ إذا تمكنت منها .

لكن [ يمكن ] أن يقال: إنّ هذا التكليف ناشئ من المقدمية الواقعية فهي ثابتة إلى زمان العجز فقبل زمان العجز يكون التكليف ثابتاً.

لكنّ الكلام في إثبات ذلك وأنّ المقدمية ثابتة إلى زمان العجز أو أنّ المقدمية ما دام وجود الماء فعلاً لكن مقتضى الأمر بالوضوء هو التأخر إلى زمان انقضاء المقدّمة وسقوطها وهو عند الضيق.

وأمّا العمومات الدالة على الجواز فوجوه :

منها: ما دلّ على توسعة الوقت؛ لأنّ مقتضاه ثبوت التكليف بالصلاة في جميع الوقت، فلو كانت صحة التيمّم مشروطة بآخر الوقت لم يكن التكليف بالصلاة ثابتاً في أول الوقت، لكون المفروض عدم وجود الماء فيه وعدم التيمم وبطلان الصلاة بدون الطهارة، فيلزم عدم جواز الصلاة إلّا أنّ أدلّة الوقت ساكتةٌ عن الشرائط فنظرها إلى أنّ الصلاة مع الشرائط المقرّرة لها في الوقت فهي إنّما لبيان الوقت بأصل الشرع.

إلّا أن يقال : بأنها كذلك بالنسبة إلى سائر الشرائط غير الوقت.

وأمّا بالنسبة إلى هذا الشرط فلا تكون ساكتة بالنسبة إليه فيدلّ على ثبوت الصلاة في مجموع هذا الوقت، لكنّ هذا إنّما يدلّ على أنّ هذا الوقت وقت الصلاة فلو صليت فيه تكون صحيحة ولا منافاة بين كون الوقت وقت الصلاة وعدم جواز التيمم إلّا في آخره؛ لأنّ مفاد كون الوقت وقت الصلاة أنّه إذا اجتمعت شرائطها يمكن إتيانها في تمام الوقت.

ومنها: الأدلّة الدالّة على استحباب الصلاة في أول الوقت، لكونها مطلقة بالنسبة

ص: 298

إلى الواجد للماء وفاقده، فتكون الصلاة مستحبة في حق الفاقد، فلا بُدَّ أن يكون التيمم مشروعاً في أول الوقت بل وقبله لو لم يثبت الإجماع على خلافه للزوم تكليف ما لا يطاق فلا بُدَّ أن يكون الفاقد متمكناً من الشرط والصلاة حتى يتحقق التكليف الاستحبابي في حقّه.

لكن يمكن أن يقال إنّ الإطلاقات مخصصة بالمجمل المصداقي، وهو المتمكّن.

ووجدان الطهور بمقتضى لا صلاة إلّا بطهور» فلا يمكن التمسك بها، لعدم العلم بكون هذا الشخص مع التيمم متمكناً من الطهور؛ لإمكان كون طهوره هو التيمم في آخر الوقت.

ومنها: الآية الشريفة: «فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ»(1) حيث إنّ ظاهرها كون قوله تعالى: «فَلَمْ تَجِدُوا» معطوفاً على الشرط السابق، فيكون المفاد حينئذ: أنكم إذا أردتم القيام إلى الصلاة إن كنتم واجدين للماء توضأوا، وإن لم تكونوا واجدين للماء فتيمموا، فيدلّ على العموم في جميع الوقت.

ص: 299


1- سورة المائدة: 5 .

بسم الله الرحمن الرحيم

[كيفية التيمّم ]

في كيفية التيمّم ، ولا بُدَّ(1) فيه من النية بمقتضى الأخبار التي دلت على عدم صحة الفعل بدون النية (2)، والإجماع(3) (4)، وعدم حصول الامتثال بدون النية بمقتضى العقل، ويعتبر قصد التقرب فيها، كما هو المعتبر في جميع العبادات(5).

واعلم أنّ القيود الواردة على الفعل مختلفة(6) ، بعضها يكون مشخّصاً لشخص الفعل لا نوعه(7) ، وبعضها مشخصاً لنوعه؛ ولا يلزم قصد الأول مثلاً قصد الصلاة مع السورة الفلانية؛ لأنّ كون الصلاة مع هذه السورة ليس من مشخصات طبيعة (8) الصلاة، والأمر وارد على الطبيعة مع السورة، فحينئذ(9) فلو قصد من أول الأمر الصلاة مع السورة الخاصة لم يلزم (10) الإتيان بهذه السورة ، بل يجوز له قراءة السورة مطلقاً(11)،

ص: 300


1- من هنا تبدأ نسخة مكتبة مروي التي رمزنا لها بحرف (م).
2- يُنظر : الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 84 4 / 186 ؛ الحر العاملي، الوسائل: 1/ 46 .
3- المحقق الحلي المعتبر : 1/ 390؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 420 ؛ النجفي، جواهر الكلام 5 / 169 .
4- في (م) : (مسألة: لابد في التيمم من النية لما دل على عدم صحة الفعل بدون النية من الأخبار والإجماع) بدلاً من ( في كيفية التيمم ... والإجماع).
5- في (م): (وقصد التقرب لكونه في العبادة) بدلاً من (كما هو المعتبر في جميع العبادات).
6- (مختلفة) لم ترد في (م).
7- (الفعل لا نوعه) لم ترد في (م) .
8- في (م): ( فإن كونها معها ليس من مشخصات طبيعتها بدلاً من لأنّ كون الصلاة مع هذه السورة ( ليس من مشخصات طبيعة ) .
9- ( فحينئذ) لم ترد في (م).
10- في (م): (لا يصير لازماً عليه) بدلاً من (لم يلزم).
11- في :(م) بل يجوز له العدول مطلقاً) بدلاً من ( بل يجوز له قراءة السورة مطلقاً). والصحيح ما في (م).

وما يتراءى من قولهم بعدم جواز العدول فيما لو شرع (1) في البسملة بقصد سورة إلى غير هذه السورة(2)، فإنّما هو لعدم الإتيان بسورة تامة؛ لأنّ البسملة وإن كانت متحدة صورة لكن حقيقتها مختلفة، فحقيقة البسملة في سورة غيرها في سورة أخرى(3)، ولذا لو قرأ سورة أخرى مع البسملة يجوز.

وأما مشخصات النوع فيلزم قصدها، مثل القصر (4) والاتمام بناء(5) على أنهما حقيقتان مختلفتان، وكذا الأداء والقضاء.

وأما قصد الوجوب والندب فلا يلزم قصدهما ؛ لأنهما من عوارض الفعل بعد الأمر، فلا يكونان داخلين في حقيقة الفعل(6) .

[عدم كفاية القصد الإجمالي]

ثم إنه هل يكفي قصد الأمر الفعلي إجمالاً لا تفصيلاً أو لا؟

مبني على كفاية الامتثال الإجمالي أو لا بُدَّ من التفصيلي.

والظاهر عدم كفاية الإجمالي (7) ؛ لأنا قد حققنا في الأصول (8) (9) أنه لو علم المأمور به

ص: 301


1- في (م) (متى ما شرع) بدلاً من (فيما لو شرع).
2- ( بقصد سورة إلى غير هذه السورة) لم ترد في (م).
3- في (م): (فهي في كل سورة غيرها في الأخرى) بدلاً من فحقيقة البسملة في سورة غيرها في سورة أخرى).
4- في (م) (كالقصر وأخيه).
5- في :(م) (بناءً على اختلاف حقيقتها).
6- في (م): (لا الوجوب والندب لأنهما من عوارض الفعل بعد الأمر فلا يدخلان في حقيقته بدلاً من ( وأما قصد الوجوب والندب ... حقيقة الفعل).
7- (الإجمالي) لم ترد في (م).
8- الروزدري ، تقريرات المجدّد الشيرازي: 316/3 .
9- في (م): (لما قرر في محله) بدلاً من (لأنا قد حققنا في الأصول).

وحصل الشك في مسقطه عن رقبة (1) المكلف يحكم العقل بالاشتغال ولا يجري الأصل نظير: (أزل الصفراء)، وفيما نحن فيه أيضاً المأمور به هو تحصيل الطهارة(2) والاباحة، فالشك فيما تتحقق به فلا بُدَّ من الاحتياط بالإتيان بكل ما نشك في مدخليته في حصول الطهارة والإباحة (3)، على أنّ قصد الأمر الفعلي إجمالاً قد لا يلازم(4) العنوان الواقعي كالأمر بالاستهزاء، فإنّه لا يحصل الاستهزاء بمجرد صدور الفعل بقصد الأمر به.

وبالجملة، الأصل في باب الطهارة منقلب ليس مثل الشك في الشرطية والجزئية في غيرها(5).

ثم إنّه لا يلزم قصد رفع الحدث في التيمم، بل لا يجوز قصده (6)؛ لأنّ الحدث غير مرتفع إجماعاً(7)؛ لأنّ الحدث حالة(8) معنوية مانعة من الدخول معها في الصلاة، فإذا ارتفعت لا يعود إلّا بحدوث(9) سببها، وليست رؤية الماء الأسباب والأحداث، من والحال أنهم يقولون بانتقاض التيمم بوجود الماء، فلا بُدَّ من القول بعدم ارتفاع الحدث، بل يحصل حالة يستباح معها الدخول في الصلاة.

ص: 302


1- في (م): (ذمة).
2- في (م): (وهنا أيضاً المأمور به تحقق الطهارة) بدلاً من ( وفيما نحن فيه أيضاً المأمور به هو تحصيل الطهارة).
3- في :(م) (التطهير والإباحة بدلا من ( في حصول الطهارة والإباحة).
4- في :(م) (يلازم) بدون (لا) والصحيح ما في المتن.
5- في (م): (والشك في باب الطهارات ليس كالشك في باب الشرطية والجزئية) بدلاً من (وبالجملة الأصل .. والجزئية في غيرها).
6- في (م): (مسألة: لا يجب قصد رفع الحدث فيه بل لا يجوز) بدلاً من (ثم إنّه لا يلزم قصد .. بل لا يجوز قصده).
7- الطوسی، الخلاف: 1/ 172 .
8- في :(م): (فإنه حالة) بدلاً من ( لأنّ الحدث حالة).
9- (بحدوث) لم ترد في (م).

وأما قصد الاستباحة، فلا دليل أيضاً على اعتباره إلّا كون مقتضى الأصل المذكور اعتباره(1) .

وأما قصد البدلية (2) عن الوضوء أو الغسل فالظاهر لزومها؛ لأنّ مقتضى اختلاف آثارهما اختلاف حقيقتهما ، فلا بُدَّ من تمييزهما بالقصد، ومقتضى الأصل أيضاً ذلك، ومقتضى اختلاف الآثار كما يشاهد في ناسي الحدث الأكبر ويتيمم للحدث الأصغر، وكالتيمم في المستحاضة.

ثم إنّ وقت ابتداء النية أول الفعل لا غير، وإلا لبقي الفعل بلا نية.

[ هل التيمم هو الضرب أو المسح ؟]

والكلام في تشخيص أن التيمم هل هو الضرب(3) كما عليه الأكثر ، بل ربما يكون إجماعياً(4) أو المسح ؟

والضرب إما أن يكون كالاغتراف من الماء في الوضوء، أو يكون مقدّمة تعبدية توظيفية.

مقتضى(5) ظاهر الآية عدم دخوله فيه، لعدم ذكره في بيان كيفيته، ومقتضى بعض الأخبار أيضاً ذلك، ومن هنا جوز العلّامة في النهاية (6) تأخير النية إلى حين مسح الجبهة، لكنّ الأخبار متضافرة بذكر الضرب، حيث إنّ الإنسان بعد ملاحظتها يفهم

ص: 303


1- في (م) (وليس رؤية الماء منها مع أنه بوجود الماء ينتقض التيمم فلا يكون رافعاً للحدث، بل يحصل معه حالة يستباح معه الدخول في الصلاة، ولا دليل على لزوم قصد الإباحة إلا الوجه السابق) بدلاً من ( وليست رؤية الماء من الأسباب والأحداث... الأصل المذكور اعتباره.
2- في (م) :(ولا قصد البدلية).
3- في :(م) (مسألة: التيمم هل هو الضرب) بدلاً من (والكلام في تشخيص أنّ التيمم هل هو الضرب).
4- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 217 .
5- (مقتضى) لم ترد في (م).
6- العلّامة الحلي، نهاية الإحكام: 1/ 204.

اعتباره فيه(1).

وتظهر الثمرة في تخلل الحدث بينه وبين المسح وفي صحته لو وقع الضرب في الفضاء المغصوب والأرض المغصوبة، إلّا أنّه يمكن أن يقال(2) بكونه مقدّمة تعبدية خارجة عن التيمم مشروط بعدم وقوعها في هذه الحالة، فالمسألة محل توقف لو لم يقم إجماع على جزئيته؛ ويمكن استفادتها من عدم صحة مسح الرأس بالأرض بواسطة اليد(3)، وباستقبال العواصف، ومقتضى الأصل واضح.

ولا يقال إنّ الأصل لا مورد له بعد إطلاق الآية، لأنّا نقول: إنّه لا يمكن (4) التمسك بالإطلاق بناءً على المذهب (5) الصحيحي بل الأعمي، لكن لا يخفى عليك عدم وقع هذا الجواب(6) ، بل الجواب هو أنّ الشك ليس في الشرطية للمأمور به حتى يرجع إلى الإطلاق، بل الشك فيما به يتحقق ويحكم العقل(7) بلزوم فراغ الذمة.

[ لابد في التيمم من الضرب ولا يكفي الوضع]

ثم إنه بناءً على اعتبار الضرب الظاهر كونه باعتماد(8)؛ فلا یکفی مجرد(9) الوضع؛ لتصريح الأخبار بالضرب - وهو الوضع مع الاعتماد، وما ورد في بعض الأخبار من

ص: 304


1- (فيه) لم ترد في (م).
2- في :(م) (ويمكن القول) بدلاً من (إلّا أنه يمكن أن يقال).
3- (بواسطة اليد) لم ترد في (م) وهو الصحيح.
4- في (م): (لا يجوز) .
5- (بناءً على المذهب) لم ترد في (م).
6- في (م): ( وفيه نظر بل الجواب) بدلاً من ( لكن لا يخفى عليك عدم وقع هذا الجواب).
7- في (م): (والعقل حاكمٌ) .
8- في :(م) (مسألة: الظاهر اعتبار الاعتماد في الضرب) بدلاً من (ثم إنه بناءً على اعتبار الضرب الظاهر كونه باعتماد).
9- (مجرد) لم ترد في (م).

الوضع فلا بُدَّ من حمله على الضرب، من جهة أنّ الضرب خاص ومقيد والوضع مطلق فلا بد من حمل المطلق على المقيّد (1).

لكن يمكن أن يقال: إنهما متباينان(2)؛ لأنّ الوضع هو الوضع بغير الاعتماد لا مطلقاً. وفيه :

أولاً: أنه مجرد دعوى يكون خلاف ظاهر اللفظ (3).

وثانياً : أنّ الأمر دائر بين التصرف في كلام الإمام علیه السلام أو التصرف في كلام الراوي إذ الوضع واقع في كلام الراوي(4)، والثاني أولى(5).

[ وجوب الترتيب بين الضرب والمسح]

ثمّ إنّ الظاهر وجوب الترتيب بين الضرب والمسح بتقديم الأول بشهادة الأخبار الواردة في بيان التيمم، حيث إنّها كلها وردت بتقديم الضرب(6).

لا يقال: إنّ الفعل لا شهادة فيه؛ للزوم وقوعه على كيفية، وهذا من أحد الكيفيات، لا أنّه من باب الخصوصية.

لأنا نقول: ذكر الأفعال بهذا الترتيب في الأخبار الكثيرة بحيث لم يذكر خلافه في واحد منها يدلّ على وجوب الترتيب، مع أنّ التقدم في الذكر يحتاج إلى سبب ومرجح

ص: 305


1- في (م): ( ويحمل ما ورد بلفظ الوضع كونه خاصاً مقيداً والوضع مطلق ولابد من حمله على المقيد) بدلاً من (وما ورد في بعض الأخبار .. المطلق على المقيد).
2- في (م): ( ويحتمل كونهما متباينين) بدلاً من (لكن يمكن أن يقال: إنهما متباينان).
3- في (م): (بل هو خلاف ظاهر اللفظ ) بدلاً من ( يكون خلاف ظاهر اللّفظ).
4- (إذ الوضع واقع في كلام الراوي) لم ترد في (م).
5- في (م) زيادة : ( ويأتي تتمة الكلام إن شاء الله ).
6- في :(م) (مسألة: الظاهر وجوب الترتيب بين الضرب والمسح للأخبار التي وردت في بيان التيمم فإن كلها وردت بتقديم الضرب) بدلاً من (ثمّ إنّ الظاهر وجوب الترتيب... بتقديم الضرب).

وليس إلّا وجوبه؛ والعمدة(1) في إثبات وجوب الترتيب هو هذا مع أمر النبي صلي الله علیه وآله وسلم(2) بالفعل على الكيفية المذكورة.

ومن الكيفيات ترتيب الأفعال ؛ وقد استدل عليه بوجوه أخر ضعيفة(3):

منها: إنّ الواو في قوله تعالى: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ ﴾ (4) للترتيب(5) عند الفراء(6)، وهو ضعيف (7)؛ لأنّ الواو للجمع(8) .

ومنها: إنّ التقديم في الذكر يحتاج إلى سبب.

ومنها : إنّ التيمم بدل عن الوضوء وبمنزلته، فيجب فيه ما يجب فيه، إلّا أن يكون مراده الإجماع على الترتيب هنا كما في الوضوء.

[ وجوب الموالاة العرفية في التيمّم ]

ويجب في التيمم الموالاة العرفية(9) بحيث يُعدّ في العرف فاعل العمل واحداً. والمدرك فيه الإجماع (10) كما ادعاه العلّامة في المنتهى(11) على ما نسب

ص: 306


1- في (م): (وهذا هو الوجه) بدلاً من (العمدة).
2- في (م) زيادة: (مع أمره صلي الله علیه وآله وسلم).
3- في (م): (ومنها ترتيب الأفعال وقد تمسك بوجوه) بدلاً من (ومن الكيفيات ترتيب الأفعال؛ وقد من رومن استدل عليه بوجوه أخر ضعيفة) .
4- سورة المائدة: 6 .
5- في (م): (إن الواو للترتيب في قوله تعالى) بدلاً من أنّ الواو في قوله تعالى... للترتيب).
6- نسبه إليه الشهيد الأول، الذكرى: 161/2 وأيضاً نسبه إليه السيد العاملي، مدارك الأحكام: 227/2.
7- لم ترد في (م).
8- في (م): (وفيه إنه للجمع) بدلاً من (لأنّ الواو للجمع).
9- في (م): (مسألة ويجب فيه المولاة (العرفية بدلاً من ويجب في التيمم الموالاة العرفية).
10- في (م) : (للإجماع) بدلا من (والمدرك فيه الإجماع).
11- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ 108 .

إليه (1)، ولا يمكن إثباته بما ذكرناه في إثبات الترتيب؛ إذ الغالب في بيان العمل ولو لم يعتبر فيه الموالاة على التوالي في البيان؛ إذ يبعد بيان الجزء الأول ساعة ويبين جزؤه الآخر ساعة أخرى (2) ، فيمكن التمسك فيه بادعاء انصراف الإطلاق إلى الفرد الغالب(3)، وهو التوالي؛ إذ الغالب في إتيان الفعل هو إتيانه متوالياً، فالإطلاق منصرف إليه فلا يكون إطلاقاً بالنسبة إلى غير الغالب.

وأيضاً الظاهر من الأمر (4) بالفعل الواحد والعمل الوحداني هو اتصال الأفعال أجزائها في العرف، بحيث يخرج عن الوحدة عندهم عند التراخي بالزمان الطويل مثل أن يضرب في يوم ثمّ يمسح في اليوم الثاني والثالث(5)، فهذا خارج عندهم عن الوحدة.

وبالجملة (6)، فالظاهر عندهم من الأمر بالعمل المركب هو إتيانه في الزمان الواحد، ولا أقلّ من عدم تخلل الزمان الطويل بين أجزائه، فإذا ثبت مضرّة المقدار الطويل تثبت الموالاة المطلوبة، لعدم القول بالفصل.

ص: 307


1- (على ما نسب إليه) لم ترد في (م).
2- في (م): (لبعد بيان الجزء الأول ساعة والثاني في ساعة أخرى) بدلاً من (إذ يبعد بيان الجزء الأول ساعة ويبين جزؤه الآخر ساعة أخرى).
3- في (م): (ويمكن دعوى انصراف الإطلاق إلى الفرد الغالب) بدلاً من (فيمكن التمسك فيه بادعاء انصراف الإطلاق إلى الفرد الغالب).
4- في (م): (منصرف الإطلاق إليه فلا إطلاق لغيره وأيضاً الظاهر من الأمر) بدلاً من (فالإطلاق منصرف إليه فلا يكون إطلاقاً بالنسبة إلى غير الغالب، وأيضاً الظاهر من الأمر).
5- في (م): (كان يضرب اليوم ويمسح في الغد) بدلاً من (مثل أن يضرب في يوم ثم يمسح في اليوم الثاني والثالث).
6- (وبالجملة) لم ترد في (م).

و مما استدل عليه ما ذكره العلّامة في المنتهى(1) (2) هو : أنّ (الفاء) في قوله تعالى:« فَتَيَمَّمُواْ» (3) للترتيب بلا مهلة، فكأنه قال: يجب التيمم عند إرادة الصلاة فوراً، فإذا أمر بفورية المركب يدلّ على إتيان جميع أجزائه فوراً وغير متراخ(4)؛ لأنّه لا معنى لفورية المركب إلّا فورية أجزائه.

وفيه ضعف (5)؛ لأنه يتم لو كان المراد بالتيمم في الآية هو المعنى الشرعي، وهو تمام الأجزاء، وليس كذلك، بل المراد منه مجرد القصد إلى التراب أو كان (6) القصد مع الضرب بأن يكون كناية عنه.

ثم إنّه(7) لو سلمنا كون المراد به المعنى الاصطلاحي لا المعنى اللغوي(8) فلا نسلّم وجوب التيمّم عند إرادة الصلاة فوراً؛ لإمكان كون الإرادة مستمرة من أول الوقت إلى آخره، والحال انه لا يجب التيمم عند أول الإرادة، بل معنى الآية: لا تصلوا إلّا مع التيمّم.

وقد يستدل عليه ب- (الفاء) في قوله تعالى: «فَامْسَحُواْ»؛ حيث إنّه يدلّ(9) على تعقيب المسح بالضرب بلا مهلة وتثبت في اليد بعدم القول بالفصل بين الوجه واليد،

ص: 308


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب : 3/ 108.
2- في (م) واستدل العلّامة في المنتهى) بدلاً من ( و مما استدل عليه؛ ما ذكره العلّامة في المنتهى).
3- سورة المائدة : 6 .
4- (وغير متراخ) لم ترد في (م).
5- (ضعف) لم ترد في (م).
6- (كان) لم ترد في (م) .
7- (ثم إنّه) لم ترد في (م).
8- (لا المعنى اللغوي) لم ترد في (م).
9- في (م): (وقد يستند إلى الفاء في قوله فامسحوا فإنه يدل) بدلاً من (وقد يستدل عليه ب- (الفاء) في قوله تعالى: «فَامْسَحُواْ »؛ حيث إنّه يدلّ).

وهو إنّما يتم لو كان التيمم هو الضرب لا مجرد القصد إلى الصعيد، وهو خلاف الظاهر، مع أنّ (الفاء) فيه جزائية لا يفيد التعقيب.

[ وجوب المباشرة على المأمور نفسه ]

ثم إنّ مقتضى ظاهر الأمر يقتضي المباشرة (1) في نفسه، لأنّ الأمر طلب الفعل من المأمور بنفسه، مثلاً مفاد (اضرب): أطلب الضربَ منك، وتصدي المخاطب للضرب، وتقييد الطلب بمباشرة الفعل نفس الفاعل وليس تقييد الفعل بالفاعل ومباشرته له، مثل القيود المستفادة من الهيئة حتى لا يمكن تقييد المادة به (2) كقصد الأمر مثلاً، بل يكون من قيود المادة، فمقابل المباشرة شيئان:

أحدهما: التسبيب.

وثانيهما: الاستنابة.

وحينئذ فلو دل دليل على عدم اعتبار (3) المباشرة وسقوطها عند التعذر فلا بُدَّ من ارتكاب التجوّز في الأمر الأول.

أمّا على التسبيب فالتجوز في الإسناد، بمعنى كون النسبة إلى المسبب، وليس تجوزاً في الفاعل؛ إذ الفعل حقيقة مستند إلى المسبب، والفعل فعله، إلّا أنه اسناد إلى المسبب فيكون مجازاً عقلياً.

وأما على الاستنابة، فالتجوّز في الفاعل، بمعنى كون المراد من الفاعل أعمّ من الفاعل الحقيقي والتنزيلي بتنزيل الشارع غير منزلته (4) .

ص: 309


1- في (م): (مسألة: ظاهر الآية يقتضي المباشرة) بدلاً من (ثم إنّ مقتضى ظاهر الأمر يقتضي المباشرة) .
2- في :(م) (فالطلب مقيّد بمباشرة الفعل نفس الفاعل وليس تقييد الفعل بالفاعل ومباشرته له مثل القيود المستفادة من الهيئة لا يمكن تقييد المادة به بدلاً من (وتقييد الطلب بمباشرة... تقييد المادة به).
3- (اعتبار) لم ترد في (م).
4- في (م): ( بتنزيل الغير منزلته) بدلا من (بتنزيل الشارع غير منزلته ) .

والفرق بين التسبيب والاستنابة أنّ التسبيب لا بُدَّ من صدور النية من الشخص، ويتولى بنفسه النية دون الاستنابة فينوي المستنيب عنه، فإنّه لا بُدَّ من تنبيه الشخص وتوليته النية، ولا يلزم كون المستنيب عاقلاً وبالغاً، بل يجزي الصغير غير البالغ (1). فمقتضى ما ذكرنا من كون الأمر ظاهراً في صدور الفعل من نفس المأمور سقوط التكليف عند تعذر بعض الفعل منه، كما هو الحال في قيود الكلام عند تعذر بعضها، ويكون مقتضاه سقوط التكليف رأساً إلّا أنّه يمكن الفرق بين القيود المقومة للكلام بحيث لم يكن له قوام بدونها وبين غيرها؛ مثل الآلة والزمان والمكان، وكذلك القيود الثابتة من الخارج، إلّا أن تكون القيود الخارجة مقتضاها الشرطية المطلقة، فيكون مثل الأول؛ لسقوط الحكم عند تعذر بعضها في الأول؛ لعدم قوام للحكم والكلام بدونها حتى يمكن تحققها بدونه، دون الثاني فيمكن تحققه مع سقوطها؛ لأنّ الكلام متقوم مع قطع النظر عنها، فيثبت الحكم ويثمر في إجمال القيد فيؤخذ بالإطلاق في الثاني دون الأول.

وحينئذٍ فمقتضى القاعدة سقوط التيمم عمّن لم يتمكن من الضرب مثلاً؛ لعدم اليد له في مثل الكسير ،وغيره لكن ورد الدليل بثبوت التيمم وعدم سقوطه بقدر الإمكان (2) مثل : «الميسور لا يسقط بالمعسور » (3) ، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الا يمّموه » (4) في خبر المجدور والكسير ، وفي مثل الإجماع.

ص: 310


1- في (م) ( ويتولاه بنفسه وفي الاستنابة ينوي المستنيب عنه، والثمرة حصول الاستنابة مع الغفلة والنوم، ولزوم وجوب شرائط النيابة في المستنيب دون التسبيب. إذ لابد من نية الشخص وتوليه النية، ولا يجب بلوغ المستنيب وعقله، بل يجزي الصغير) بدلاً من ( يتولى بنفسه النية ... غير البالغ).
2- في (م): ( لكن ورد وثبوت التيمم عدم سقوطه بقدر الإمكان) بدلاً من (لكن ورد الدليل بثبوت التيمم وعدم سقوطه بقدر الإمكان).
3- ابن أبي جمهور، عوالي اللآلي: 4 / 54.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1/ 107 .

ويمكن الاستكشاف من مثل(1): «الميسور لا يسقط بالمعسور» ثبوت الأمر الأول المتعلق بالكل بأنّ يكون المطلوب في الواقع متعدداً. بأن يكون المطلوب من الأمر بالتيمم شيئين:

أحدهما: صدور هذا الفعل من هذا المخاطب.

وثانيهما: مطلوبية نفس الفعل ولو بنيابة الغير مثلاً، أو يكون نفس هذا الخبر مثلاً أمراً وإنشاء لحكم الباقي، والأمر الأول متعلق بالكل فقط.

[في مفاد أدلة عدم السقوط]

وحينئذ بعد ورود الدليل على عدم السقوط مع عدم إمكان المباشرة فلا بُدَّ من النظر في الأدلّة الدالّة على عدم السقوط هل تدل على الاستنابة أو التسبيب، والنظر في أظهرية أي المجازين اللذين يردان على الأمر بالتيمم هل يكون التجوز في الإسناد أظهر أو التجوز(2) في الفاعل؟

لا يبعد أن يقال بأظهرية الأول(3) ؛ لأنّ الفعل في التسبيب مستند إلى الفاعل فلا يحصل مخالفة الظاهر في الأمر الأول كثيراً، بخلاف الثاني، فإنّه يخالف إسناد الفعل إلى الفاعل كثيراً.

وأما الأدلّة فمقتضى ألا يمّموه، هو التسبيب؛ لأنّ يمّم مشتق جعلي من باب التفعيل من التيمم ) ؛ لأنّ التيمم اسم عين، وهي الأفعال الخاصة، وليس اسم معنى (4) حتى يمكن الاشتقاق منه، فيكون جعلياً ومسنداً إلى الغاسلين للمقتول، وطلب للتيمّم

ص: 311


1- من قوله : (مثل: «الميسور لا يسقط بالمعسور» وقوله صلی الله علیه واله وسلم : الا يمموه» في خبر المجدور والكسير وفي مثل الإجماع. ويمكن الاستكشاف من) لم يرد في (م).
2- (التجوز) لم ترد في (م).
3- في (م): (والمطلوب الأول).
4- (لأنّ يمّم مشتق جعلي من باب التفعيل من التيمّم) لم ترد في (م).

منهم عوض الغسل.

ومن المعلوم أنّ تيمّمه لم يكن واجباً عليهم، فيكون إرشاداً، وأسند التيمم إليهم يعني أنهم مطلوب منهم تيميمهم له فيكون لهم مدخلية في هذا التيمّم(1) ، فيدور الأمر حينئذ بين التسبيب والاستنابة؛ والاستنابة لا بُدَّ فيها من استنابتهم في النية، ولم يثبت هذا القدر من الخبر، وإنّما استفيد منه مدخليتهم مدخليتهم في تيميمه في الجملة، وهو يحصل بالتسبيب، فالزائد لا بد له من دليل وليس فليس.

وأما رواية الميسور فالظاهر منها أيضاً التسبيب؛ لأنّ مقتضاه سقوط ما لا يمكن حصوله منه وتعسره، وهو مباشرة الضرب لا النية؛ لإمكانها منه، وكذا رواية عبد الأعلى من قوله علیه السلام : «فامسح عليه»(2).

وأمّا الإجماع على عدم سقوط التيمم، فلما كان مجملاً فلا بُدَّ ، بناءً عليه من الأخذ بالقدر المتيقن وهو الجمع بين الخصوصيتين من خصوصية التسبيب والاستنابة من نيّة الشخص والضارب معاً، وهو مقتضى الأصل أيضاً، فحاصل ما ذكرنا هو ظهور التسبيب لا الاستنابة(3) بملاحظة الأمر الأولي بالفعل؛ لكون التجوز العقلي اللازم من الاسناد أقرب من التجوّز في الفاعل ، وظهور «ألا يمّموه» فيه أيضاً من جهة إطلاقه، فإنّه وإن كان وارداً في مقام الإرشاد إلى أنّ تيمّم ذلك الشخص لازم لا غسله إلّا أنّه مع ذلك يدلّ على أنّ اللازم على الغاسلين تيميمهم له، وفي مقام بيان التكليف ولو كان في النيّة أيضاً مدخلية لهم لا بُدَّ أن يبيّن ويقول: (ألا تيمموا عنه) فيكون مطلقاً

من هذه الجهة.

فيعلم أنّ النيّة ليست تكليفاً لهم، بل كان ثابتاً على نفس المريض، ويعلم ذلك من

ص: 312


1- ( في هذا التيمم) لم ترد في (م).
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 363 .
3- في :(م) : ( فتحصل أن الظاهر التسبيب لا الاستنابة) بدلاً من (فحاصل ما ذكرنا هو ظهور التسبيب لا الاستنابة).

رواية عبد الأعلى، حيث يدل على الارتفاع بالحرج ما يكون متعذراً؛ لأنّ الرواية هكذا ظاهراً: «إنّ هذا وأشباهه يعلم من كتاب الله، فامسح عليه» يعني: أنّ الحرج رفع مماسة اليد بالممسوح لا مطلق المسح.

ويدلّ على ذلك أيضاً رواية الميسور بناءً على جريانه فيما نحن فيه وعدم اختصاصه بالأجزاء الخارجية، ومن العجب ما في المدارك(1) حيث ذكر ما نحن فيه: أنّه ينوي العليل، وذكر في الوضوء : أنّه ينوي المباشر(2) ، ومن المعلوم عدم الفرق، هذا كله في النيّة (3).

[لزوم كون الضرب في التيمّم بيد العليل]

وأمّا في الضرب هل يكون بيد العليل أو بيد النائب؟(4)

والظاهر الإجماع(5) على لزوم كون الضرب بيد نفس العليل إن أمكن، ويدلّ عليه(6) سوى الإجماع قوله صلی الله علیه وآله وسلم: « ألا يمّموه» (7)، بناءً على كون الضرب جزءًا من التيمّم حيث ذكرنا أنه مشتق جعلي من التيمم الشرعي وهو(8) مجموع هذه الأفعال.

ويدلّ على تيميمهم له، بمعنى ايجادهم أفعال التيمم وأجزائه فيه، ومنه الضرب، ولا يتم بناءً على كون الضرب خارجاً عن التيمم ويكون مقدّمة له؛ لأنّ التيمم حينئذٍ

ص: 313


1- السيد العاملي، مدارك الاحكام: 1 / 240، 2 / 277 .
2- في (م) (وفي المدارك في المقام ينوي العليل، وفي الوضوء ينوي المباشر) بدلاً من (ومن العجب ما في المدارك .. المباشر).
3- (هذا كله في النية) لم ترد في (م).
4- في :(م) (مسألة هل الضرب بيد العليل أو النائب).
5- يُنظر : النجفي، الجواهر : 5 / 179.
6- كذا في الأصل، والانسب : ( يؤيده) بقرينة ما سوف يذكره.
7- في :(م) (والظاهر الإجماع على الأول مع الإمكان ويؤيده قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إلا يمّموه» .
8- في (م): (الذي هو).

عبارة عن المسح لا الضرب والمسح(1) .

نعم، يدلّ عليه رواية عبد الأعلى، حيث تدلّ على عدم سقوط غير المتعذر(2) الواجب على المكلّف سواءً كان جزءً أو شرطاً، فيضرب بيد العليل فيمسح على جبهته، نظير ما ذكره في وضوء العليل(3) أنّه يتولى الغاسل في الغسل لا في المسح فيمسح بيد العليل بواسطة ثبوت كون المسح ببلة اليد وكونه تعبدياً دون الغسل، فإنّ الغسل حقيقة هو جريان الماء على العضو، والزائد عنه توصلي يحصل بفعل الغير، دون المسح فإنّه تعبدي فلابد من فعل نفسه؛ وهذا الاستظهار من قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «يمّموه» حسن، إلا أنّ مثل هذا وارد في تيميم الميت الجنب، والظاهر منهم عدم التزامهم بضرب يدي الميت، وإن احتمله بعض عباراتهم(4)، فالأمر سهل بعد ثبوت الإجماع على ذلك.

بقي الكلام في أفعال التيمم ومنها الضرب، والكلام فيه في أمور (5):

[ هل يعتبر الضرب في التيمم أو يكفي الوضع ؟]

الأول في أنه هل يعتبر الضرب أو يكفي الوضع(6).

والفرق بينهما بعد اشتراكهما في الوضع مع اعتمادها لا مجرد الماسة هو كون الضرب بشدة في الموضع دون الوضع(7) وكلمات الأصحاب(8) فيه مختلفة كالأخبار،

ص: 314


1- في :(م): (ولا يتم بناءً عليه، بناءً على كونه خارجاً عنه ومقدمة له، فإنه حينئذٍ عبارة عن المسح الضرب والمسح) بدلا من ( ولا يتم بناءً على كون الضرب الضرب والمسح).
2- في :(م) (نعم يدل عليه خبر عبد الأعلى لدلالته على عدم سقوط غير المتعذر).
3- (العليل) لم يرد في (م).
4- المفيد، المقنعة : 63 ؛ ينظر : النجفي، الجواهر : 143/4.
5- قوله : (بقي الكلام في أفعال التيمم ومنها الضرب والكلام فيه في أمور) لم ترد في (م).
6- ورد في :(م) هكذا (مسألة قد مر وجوب الضرب لا الوضع).
7- كذا في الأصل، والصحيح: (الضرب بشدة في الضرب دون الوضع)، كما في (م).
8- يُنظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 4 429 ؛ النجفي، الجواهر : 5 / 18 .

ففي بعضها عبّر بلفظ الضرب، وهو الأكثر (1) ، وفي بعضها عبّر(2) بلفظ الوضع مثل : فأهوى بيده فوضعها على الأرض، فإن قلنا إنّ الوضع مطلق، والضرب مقيد؛ فيحمل المطلق على المقيّد(3) :

والمناقشة في عدم دلالة لفظ الوضع على الإطلاق؛ إذ هو حكاية عن فعل وقع في الخارج على أحد الكيفيتين بلفظ عام، ولا يستلزم صحة أفراده جميعاً، وليس في مقام البيان حتى يؤخذ بإطلاقه، مدفوعة بأنّ حكاية الفعل إذا وقع في غير كلام الإمام علیه السلاموفي غير بيان الحكم كذلك، وأما لو وقع في كلامه في بيان الحكم، ونقل الأعم ولم يقيّده، يفهم منه الإطلاق وصحة جميع الأفراد مطلقاً قطعاً (4) .

وأما لو قلنا بكون الوضع مبايناً للضرب، وأنّه الوضع بغير الشدة، فربّما يقال حينئذٍ : إنّ ظهور الضرب في الشدة أكثر من ظهور الوضع بغيرها.

ويمكن أن يقال في دفعه : إنّ هذا الظهور معارض بغلبة وجود الضرب في الخارج ولو لم يعتبر هو بخصوصه، فذكره من هذا الباب ولأجل كثرة وقوعه في الخارج، فالظهور المذكور لو سُلّم(5) معارض بهذا الظهور والغلبة، وحينئذٍ فما دل على الوضع نص في كفاية الوضع (6) ، وما دل على الضرب ظاهر في عدم الكفاية بسبب ظهور الأمر به في الوجوب التعييني، ويحتمل خلاف ظاهره من حمله على الاستحباب أو على كون المراد منه الوضع أيضاً، فمقتضى القاعدة حمل الظاهر على النص(7) وارتكاب خلاف

ص: 315


1- في (م) : ( والفتوى كالأخبار مختلفة والأكثر بلفظ الضرب) بدلاً من ( وكلمات الأصحاب.. الأكثر).
2- ( عبّر ) لم ترد في (م) .
3- في (م): ( فيحمل عليه) بدلاً من ( فيحمل المطلق على المقيّد ) .
4- (قطعاً) لم ترد في (م).
5- (لو سُلم) لم ترد في (م).
6- في (م): (نص في كفايته) بدلا من نص في كفاية الوضع.
7- في :(م) فلابد من حمل الظاهر على النص) بدلا من ( فمقتضى القاعدة حمل الظاهر على النص ) .

الظاهر فيه بحمله على الوجوب التخييري، والنكتة في التعبير عنه بلفظ الضرب كثرة وقوعه وشيوعه، ونقول حينئذ بكفاية الوضع لا القول(1) بالتخيير؛ لأنه فرع عدم الترجيح وإن كان محصل ما ذكرناه أيضاً هو التخيير فافهم.

ولا نبالي بذهاب المشهور إلى خلاف ذلك إذا ساعدنا الدليل (2) ؛ لأنّ الظاهر من الوضع كونه بياناً للضرب.

[كفاية الوضع عند تعذر الضرب]

ثم إنّه لو تعذر الضرب وتمكن من الوضع بناءً على اعتبار الضرب، فهل يكون التكليف الوضع أو سقوط التيمّم؟

الظاهر الأول ويدلّ عليه - مضافاً إلى الإجماع - رواية عبد الأعلى(3) لدلالتها على لزوم إتيان ما يمكن ويمكن الوضع وقلنا سابقاً: إنّ هذه الرواية وقاعدة الميسور وأمثالهما يعلم إجمالاً تخصيصها بالأدلة اللبية في بعض الموارد، فلا يمكن لنا التمسك بها في الموارد إلّا بعد أن نرى جماعة ذهبوا إلى الحكم المستفاد منها حتى يخرج المورد عن موارد العلم الإجمالي، وهذا الشرط موجود فيما نحن فيه(4) لذهاب جماعة من الفحول(5) بل المشهور إليه، ولا تجري قاعدة الميسور لما استظهرنا منها ثبوتها في الأجزاء الخارجية، وهما من الأجزاء التحليلية(6) .

ص: 316


1- (القول) لم ترد في (م).
2- في :(م) : (ولا بأس بخلاف المشهور إذا ساعدنا الدليل).
3- في (م): (مسألة لو تعذر الضرب بناء على اعتباره وأمكن الوضع فهل التكليف به، أو يسقط الوضع والضرب أو يسقط التيمم ؟ الظاهر الأول للإجماع وخبر عبد الأعلى).
4- (فيما نحن فيه) لم ترد في (م).
5- (من الفحول) لم ترد في (م).
6- في (م): (وهنا لا يكون كذلك) بدلاً من (وهما من الأجزاء التحليلية).

و مما ذكرنا يظهر فساد الاحتمالين الأخيرين(1)

وقد يتمسك لثبوت الوضع بإطلاق الأدلّة؛ لأنّ الأمر بالضرب مقيد بحالة الإمكان، فتقييد المطلق ثابت في حال الإمكان على الضرب بكون الأوامر مقيّدة بحال إرادة المطلق مطلقاً، وبعد ورود وبعد ورود المقيّد يرفع اليد عن الإطلاق بقدر المقيّد، والمقيّد هنا ثابت في حال الإمكان؛ لكون الأوامر مقيّدة بحال القدرة.

لكن هذا الاستدلال لا يتم فيما نحن فيه وهو كون المقيّد من مقومات الإطلاق بحيث يرتفع المطلق بارتفاعه نظير أن يقال : ( جئني بإنسان) وأريد منه زيد(2)، ولا معنى للقول بثبوت الإنسانية بعد ارتفاع الزيدية، وهو التشخص، نعم، يتم في مثل القيود الطارئة على الشيء مثل الآلة والزمان والمكان ،وغيرها، وحينئذ فلو شك في كون القيد مقوماً أو طارئاً فالأصل يقتضي الأخذ بالإطلاق عند ارتفاع القيد، لكن هذا إنّما يكون في القيد الثابت بدليل منفصل لا في المتصل، لانعقاد الظهور في الأول، فيرفع اليد عن الظهور الثابت بقدر التقييد دون المتصل ؛ لعدم انعقاد الظهور بدون القيد حتى يؤخذ به وبالإطلاق، بل بارتفاع القيد يرتفع الظهور رأساً.

ثم إنّ الظاهر(3) لزوم كون الضرب والمسح بالكف لا غيره؛ بمقتضى حمل المطلق على المقيّد، إذ ورد(4) بعض الأخبار بلفظ اليد وبعضها ورد بالكف، فيحمل المطلق،

ص: 317


1- في :(م) ( لأن الشدة المعتبرة في الضرب وعدمها لا يكونان من الاجزاء الخارجية بل من الاجزاء التحليلية فظهر فساد الاحتمالين الاخيرين).
2- في (م): (لأن تقييده بالضرب في حال الإمكان لأن الأمر بالضرب مقيد به فتقييد المطلق ثابت في حال الإمكان لتقييد الأوامر بحال ،القدرة، وفيه أن هذا يتم فيما لو كان المقيد من مقومات الإطلاق بحيث يرتفع المطلق بارتفاعه كأن يطلب (إنسان) وأراد به زيد) بدلاً من (لأنّ الأمر بالضرب.. وأريد منه زيد ).
3- في (م): (مسألة الظاهر).
4- في (م): (ففي) بدلا من (إذ ورد).

وهو اليد، على المقيد، وهو الكف(1) ، مضافاً إلى انصراف الكف منها.

[ وجوب كون الضرب بباطن الكف وعدم كفاية الظاهر ]

ثم إنّه هل يعتبر أن يكون الضرب بالباطن أو يكفي بالظاهر أيضاً؟

لا شبهة في ثبوت الأول؛ للإجماع (2) ، ولانصراف الضرب بالكف إلى باطنه(3)، فالمطلق منصرف إلى الفرد الغالب المتعارف ، وهو كونه بالباطن، ولأنا نقطع بصدور الضرب بالباطن منه، ولو كان صدر الضرب بالظاهر أيضاً منه لتعيّن كونه معتبراً؛ لأنه فرد غير متعارف، ولو كان غيره جائزاً لفعلوه ؛ لأنّه غير متعارف ولا يفهم من الإطلاق، ولوَصل إلينا ، [ ولكنه ] لم يصل إلينا(4) .

[فيما هو التكليف لو تعذر الضرب بباطن الكف]

ثم إنّه لو تعذر الضرب بالباطن(5) فهل يكون التكليف حينئذٍ الضرب بظاهر الكفين، أو التولية بأن يتولى (6) الغير ضرب يده أو يد نفسه أو مسح الوجه واليدين بالتراب؟ وجوه كلها مبنيّة على ثبوت الصلاة في هذه الحالة، وإلا فلا تجري الوجوه أصلاً، والظاهر ثبوتها(7)، بل المقطوع به، مضافاً إلى قولهم:(8) (الصلاة لا تسقط بحال).

ص: 318


1- ( فيحمل المطلق وهو اليد على المقيد وهو الكف) لم يرد في (م).
2- في (م): (ويعتبر كونه بالباطن للإجماع) بدلاً من (ثم إنه هل يعتبر ... للإجماع).
3- البهبهاني، مصابيح الظلام: 4 / 322.
4- في (م): (ولو وصل ولم يصل ) بدلاً من ولوَصل إلينا [ولكنه ] لم يصل إلينا).
5- في (م): (مسألة لو تعذر الضرب بالباطن) بدلاً من (ثم إنّه لو تعذر الضرب بالباطن).
6- (بأن يتولى) لم ترد في (م).
7- (ثبوتها) لم ترد في (م).
8- التعبير ب- ( قولهم) مشعر بنسبة هذه القاعدة إلى أقوال الفقهاء؛ لأنه لم يرتض كونها رواية كما تقدم منه، وقد علقنا عليه بما يناسبه في الموضع المشار إليه، والجدير بالذكر أنه في (م) ورد هكذا (قوله علیه السلام) .

وبعض الأصحاب حكموا بثبوت الضرب بالظهر(1)؛ لأنّ الإطلاق إنّما يكون منصرفاً (2) إلى الباطن في حال الاختيار، وأما في حال الاضطرار يكون الإطلاق سليماً عن المعارض، مضافاً إلى إطلاق الآية.

لكن أنت خبير بعدم تماميته (3)؛ لأنه(4) ليس لنا مطلق ومقيّد حتى نقول بأن تقييد المطلق بقدر المقيد، بل أمر واحد متعلّق بالكف المراد به الباطن بحكم الانصراف، على أنه كما ذكرنا آنفاً أنّه إذا كان القيد من قبيل العوارض له وجه، وأما لو كان من قبيل المشخّصات بحيث يكون المطلق مشخصاً به فلا نُسلّم ذلك.

وأما الآية فلا تدل على الضرب أصلاً، ولو سلمنا دِلالتها فليس في هذا المقام حتى يؤخذ بإطلاقه، وحينئذ لا بُدَّ من الاحتياط (5) بالجمع بين الضرب بالظهر والتولية.

لكن [لو] (6)دار الأمر بين الضرب بالظهر ومسح الجبهة بالأرض؟

فالظاهر كفاية الضرب بالظهر ومسحها به؛ لعدم خصوصية في مس- مسح الجبهة في الأرض والتولية(7)، بل لوصول التراب إليها، ويحصل بمسحها بالظهر، وحصل التكليف لو كان الضرب بالظهر متعيّناً.

وأمّا لو دار الأمر بين التولية والضرب بالظهر؛ فالظاهر أقربية التولية؛ لرواية عبد الأعلى، مضافاً إلى استفادته من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألا يمموه» وغيره؛ لأنه ثبت منه التولية والتسبب في الجملة، ويستفاد منه أنه لو لم يتمكن نفس الشخص يفعل به

ص: 319


1- يُنظر : الشهيد الثاني، روض الجنان : 125 ؛ البهبهاني، مصابيح الظلام: 4 / 328.
2- في :(م) : ( ينصرف) بدلاً من (إنّما يكون منصرفاً).
3- (لكن أنت خبير بعدم تماميته) لم ترد في (م).
4- في (م): (وفيه أنه) بدلاً من (لأنه).
5- في :(م): ( ويحتاط بالجمع) بدلاً من (لابد من الاحتياط).
6- لم ترد في النسختين وأضفناها لاقتضاء السياق.
7- (والتولية) لم ترد في (م).

التيمّم (1)؛ ولا يدلّ دليل الميسور وغيره على الضرب بالظهر؛ لأنّها تثبت الميسور من الثابت لا المباين ،له ومجرد الأقربية لا تدل عليه، نعم يمكن ثبوت الحكم بالظهر مع تعذر الباطن بقاعدة الميسور بناءً على تعميمه للميسور العرفي، وكون الظهر ميسوراً للواجب الأصلي، وهو في العرف باطن الكف، فيثبت بها كون الواجب حينئذٍ مسح الظهر، ولا يمكن إثباته من رواية عبد الأعلى(2) إذ الرواية تثبت الحكم لنفس الواجب مع الحائل مثلاً لا غير، مورد الواجب وإن لم يمكن التعميم في القاعدة، وقلنا باختصاصها في الميسور، نفس الواجب حقيقة، فيمكن الحكم بالتولية بناءً على الاستظهار المذكور وإن لم يتمكن منه أيضاً، فلا بُدَّ من الاحتياط بالجمع بين المحتملات مظنونة كانت أو مشكوكة بمقتضى (3) الأصل، فإن لم يمكن الاحتياط بلزوم العسر والحرج فيجري حينئذٍ دليل الانسداد في خصوص المسألة، فيعمل حينئذ بالمحتملات المظنونة دون المشكوكة والموهومة مع عدم قيام الإجماع، وإلا فهو المتّبع.

والقاعدة التي ذكرناها تجري في الفروع المتعلّقة في هذا الباب مثل كون اليد نجسة بالنجاسة ،الحاجبة فالحكم لزوم مسح الباطن لقاعدة الميسور ورواية عبد الأعلى، ومع عدم الحجب بطريق أولى. وكذا لو كان الحائل غير النجاسة.

ولو كانت النجاسة متعدية فالقاعدة تحكم بلزوم ضرب الظاهر بناءً على التعميم المذكور فيها، وكذا بدونه؛ لدوران الاحتمال بين مسح الرأس بالتراب أو مسحه بالظهر. وقد ذكرنا سابقاً أنّ المتعين حينئذ مسحه بالظهر؛ لعدم خصوصية في مسح الرأس بالتراب، بخلافه بالظهر.

ص: 320


1- أي: لو لم يتمكن نفس الشخص من التيمم تولى غيره ذلك.
2- في (م): (ولا يدل قاعدة الميسور بناءً على تعميمه للميسور العرفي، أو كون الظهر ميسوراً للواجب الأصلي - وهو باطن الكف - في العرف فثبت بها كون الواجب حينئذ مسح الظهر، ولا يمكن اثباته من رواية عبد الأعلى ) بدلاً من ( ولا يدل دليل الميسور .. رواية عبد الأعلی).
3- (بمقتضى) لم ترد في (م).

[اعتبار طهارة الماسح والممسوح اختياراً]

ثم إنّه هل يعتبر الطهارة في الماسح والممسوح اختياراً أو لا؟

الظاهر اعتبار الطهارة فيها، لدعوى بعضهم كالشهيد الأول رحمه الله، في حاشيته على الإرشاد (1) ، وفي شرح المفاتيح نسبته إلى الفقهاء (2) ، ودعوى الكركي القطع به(3)؛ ومقتضى إطلاق كلامهم اعتبارها في الماسح أيضاً ، مضافاً إلى علمنا(4) باعتبارها فيه؛ لدعوى جامع المقاصد القطع به، مع علمنا أنّ دعواه القطع إنّما هو لكون مذاق الفقهاء بيده، ولأنّ التيمم لرفع الحالة المعنوية، فكيف يحصل مع القذارة الظاهرية، ولعدم الدليل في الوضوء على اعتبار الطهارة فيه، مع قولهم باعتبار الطهارة في حال الوضوء لما ذكرنا ، ولولا قولهم يمكن القول بكون الغسل الواحد مطهر للحدث والخبث.

فالظاهر عدم الشبهة في ثبوت الحكم المذكور خصوصاً في الممسوح، وتمشك بعضهم (5) لعدم الاعتبار بالإطلاقات لا وجه له؛ لأنّ الإطلاقات في بيان(6) الأجزاء لا الشرائط، فلا يكون إطلاق، ومقتضى الأصل أيضاً اعتبار الطهارة.

ص: 321


1- نقله عنه العاملي في مفتاح الكرامة: 4/ 460 .
2- البهبهاني، مصابيح الظلام: 324/4 .
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 498 .
4- في (م): (قطعنا).
5- المحقق النراقي، المستند: 3/ 457 .
6- في (م): (إذ هي في بيان الأجزاء) بدلاً من (لأن الإطلاقات في بيان).

[هل العلوق معتبر أم لا؟]

ثم إنّه هل يعتبر العلوق(1) أم لا؟ وهنا مسألتان :

إحداهما: في اعتبار العلوق فيما يتيمم به بمعنی وجود(2) تراب فيه.

وثانيتهما: لزوم كون مسح الجبهة واليدين بالتراب في الجملة.

وإن نُفي اعتبار الأول نفي الثاني، وإن ثبت الأول يمكن التكلم في الثاني، فالكلام في الأول الآن.

فنقول: إنّه المشهور بين القدماء والمتأخرين(3) (4)، بل لم يظهر خلاف إلّا من بعض متأخري المتأخرين كصاحب الذخيرة والكفاية (5) والمدارك (6) وصاحب الحدائق (7)، ولم يظهر المخالف من القدماء والمتأخرين أيضاً صريحاً، وإن احتمل من كلام بعض (8)، ويرشد إليه قولهم بجواز التيمم بالحجر مطلقاً مع عدم اشتراط العلوق قول بعض ممن قال بكون المتيمّم به هو التراب، قال بعدم الفرق بين المدر وغيره، مع عدم وجود التراب في المدر ،غالباً، وكذلك قالوا بجواز التيمّم بالحجر(9)، سواءً كان في حال الاختيار مثل من يقول بكون الصعيد مطلق وجه الأرض، أو يقول به مع عدم التمكن من التراب، وهو أعم من عدم التمكن مطلقاً حتى الغبار ، بل يقول بالجواز مطلقاً حتى

ص: 322


1- في (م): (مسألة: هل يعتبر العلوق).
2- في (م): (وجوب).
3- يُنظر: البحراني، الحدائق: 4 / 332 .
4- (بين القدماء والمتأخرين) لم ترد في (م).
5- المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1/ ق1، 102.
6- السيد العاملي، مدارك الأحكام 218/2 .
7- البحراني، الحدائق 335/4 .
8- ( ولم يظهر المخالف من القدماء.. كلام بعض) لم ترد في (م).
9- النجفي، الجواهر : 191/5.

[مع] وجود الغبار(1) ومقتضى إطلاق كلامهم جواز التيمم بالحجر الأملس(2) الذي لا غبار عليه، وكذلك مقتضى (3) قولهم باستحباب النفض (4). كما أنه ادعي [الإجماع] على لسان جماعة كصريح جامع المقاصد(5) وظاهر العلّامة(6) وكنز العرفان(7) وصريح الفاضل (8) الجواد (9) في اليدين، ويرشد(10) إليه وجوه:

الأول: أنه لو كان معتبراً لما استُحبّ النفض مع منافاته للغرض من العلوق؛لشمول النفض لما لا يبقي الأثر بالمرة، بل لا بدَّ أن يحكم بعدم الاستحباب(11).

والثاني: الاكتفاء بالضربة الواحدة في الأخبار مع أنّ الغالب زوال الأجزاء الترابية بعد النفض ومسح الجبهة، فلا يبقى لليدين شيء.

والثالث: عدم تعرض الأخبار له وكلمات الفقهاء مع أنهم(12) بصدد بيان

ص: 323


1- في (م): (ويرشد إليه قولهم بجواز التيمم بالحجر سواء كان في حال الاختيار من قال بأن الصعيد مطلق وجه الأرض، أو قال به مع عدم التمكن من التراب وهو أعم من عدم التمكن مطلقاً حتى الغبار بل يقول بالجواز حتى مع وجود الغبار ) بدلا من (ويرشد إليه قولهم. ووجود الغبار).
2- في (م) (بالحجر اليابس).
3- في (م) : (إطلاق) بدلاً من (مقتضى).
4- في (م) زيادة: (الشامل للنفض الأكيد بحيث لم يبق فيه التراب أصلاً بل يمكن دعوى الإجماع على عدم اعتبار العلوق لقولهم باستحباب النفض).
5- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 483/1 - 493 .
6- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: 3/ : 3/ 55 ، نهاية الأحكام: 1/ 198.
7- المقداد السيوري كنز العرفان: 1/ 26-27 .
8- (الفاضل) لم ترد في (م).
9- الفاضل الجواد، مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: 67 .
10- في (م): ( ويؤيده وجوه).
11- (بل لا بُدَّ أن يحكم بعدم الاستحباب) لم ترد في (م).
12- (أنهم) لم ترد في (م).

الأحكام تفصيلاً، فالمعتمد هو الإجماع.

وذهب جمع إلى اعتباره(1) كما نسب إلى السيد(2) (3) ، وهو المنقول عن ابن الجنيد(4) ومن متأخري المتأخرين كصاحب الذخيرة والكفاية(5) والبهائي(6) والدرة(7) وصاحب الحدائق(8)، وكالشيخ سليمان البحراني(9) والمحقق البهبهاني(10)، ويدلّ عليه وجوه:

الأول: الأوامر الدالّة على النفض (11)؛ لأنها لم تقيّد بكون ما يتيمم به هو التراب، والاستحباب المطلق يقتضي كون ما يتيمّم به شيئاً (12) قابلاً للنفض مطلقاً، وإلا فلا تقييد الاستحباب بصورة وجود التراب، فعدم التقيّد كاشف عن كون المتيمم به شيئاً (13) فيه تراب يعلق باليد ولو كان حجراً، فالمتيمم به وإن كان مطلقاً إلّا أنّ هذا الحكم يقيّده.

ص: 324


1- في (م): ( وذهب جماعة إلى اعتباره لوجوه) بدلا من (وذهب جمع إلى اعتباره).
2- نسبه إلى السيد المرتضى الفيضُ الكاشاني في مفاتيح الشرائع: 1/ 62 .
3- (كما نسب إلى السيد... والمحقق البهبهاني) لم ترد في (م).
4- العلّامة الحلي، المختلف: 1 / 430 .
5- المحقق السبزواري ذخيرة المعاد 1 /ق 1 ، 102 .
6- البهائي، الحبل المتين : 88 ، مشرق الشمسين : 340 .
7- بحر العلوم، الدرة النجفية : 46 .
8- البحراني، الحدائق: 333/4 .
9- حكاه عنه البحراني في الحدائق : 4 / 333 .
10- البهبهاني، مصابيح الظلام: 4 / 301، حاشية مجمع الفائدة: 447 ، الحاشية على مدارك الأحكام: 2/ 100.
11- في (م): (ما دل على النفض ) بدلاً من (الأوامر الدالّة على النفض) .
12- في (م) : ( يقتضي كونه شيئاً) بدلاً من ( يقتضي كون ما يتيمم به شيئاً).
13- في (م): (كاشف عن كونه شيئاً) بدلاً من (كاشف عن كون المتيمم به شيئاً).

و[الثاني]: مما يدلّ أيضاً على اعتباره(1) قوله تعالى: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ﴾ (2)، وتقريبها أنّ كلمة (من) هنا للتبعيض لا للابتداء، ولا للسببية، ولا للبدلية؛ لظهورها فيه في مثل هذا التركيب، كما يقال : ( مسحت رأسي من هذا الشيء) يفهم أنّ المسح ببعض هذا الشيء، بل قال الزمخشري : ( بأنّه لا يفهم من العرب في هذه الأمثلة إلّا كون من للتبعيض ) (3) وهو مع كونه متعصباً في مذهبه خالف إمامه فيه(4)، سيما بعد صلاحية مدخولها لذلك، فتكون قرينة على إرادة ما يصلح من القصد(5)، وإن استلزم التجوز في لفظ الصعيد، لكن لا نُسَلّم استلزامه(6) مطلقاً؛ لأنه إن أريد به التراب كان من قبيل إطلاق العام وإرادة الخاص وهو لا يكون مجازاً، والظاهر ، عدم استلزامه(7)تخصيص الصعيد بالتراب على فرض كونه الصعيد؛ لأنه يمكن كون المتيمم به هو الحجر مع حصول العلوق أيضاً بوجود تراب يسير عليه.

ويرشد إلى كون من للتبعيض الرواية الصحيحة الواردة عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام بعد أن سئل أنّه من أين علمت أنّ المسح ببعض الرأس لا بتمامه وببعض اليدين ؟ قال علیه السلام: «فلما أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء فأثبت بعض الغسل مسحاً؛ لأنه قال: «بِوُجُوهِكُمْ» ثم وصل بها وأيديكم منه، أي من ذلك المتيمم؛ لأنه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه؛ لأنه يعلق الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها»(8).

ص: 325


1- (مما يدلّ أيضاً على اعتباره) لم يرد في (م).
2- سورة المائدة: 6 .
3- الزمخشري، الكشاف: 529.
4- في (م) : ( وقد خالف مع تعصبه إمامه فيه) بدلاً من (وهو مع كونه متعصباً في مذهبه خالف إمامه فيه).
5- في (م): (الصعيد).
6- (لكن لا نسلم استلزامه) لم ترد في (م).
7- عرّض المصنف بالمحقق السبزواري صاحب الكفاية، ينظر: النجفي، الجواهر : 189/5.
8- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 103/1 .

ووجه دلالته أنّ قوله علیه السلام «لأنه علم» إمّا أن يكون علة وبيان لحكمة شرع تعالى المسح ببعض الوجه فكأنه قال: (المسح ببعض الوجه) «لأنّه قال: ﴿ بِوُجُوهِكُمْ ﴾ لمكان الباء».

ثم إنّه علیه السلام في صدد بيان حكمته فقال: «لأنه علم، لكن هذا الاحتمال بعيد؛ لأنّ المناسب حينئذٍ أن يقول : لأنه علم أنّ ذلك لم يجر على الوجه كله وتمامه، لا أنّ كل ذلك لم يجر على الوجه كما يدلّ عليه تقديمه لفظ أجمع على الوجه، والمناسب تأخيره عنه حينئذ، ويقرب من ذلك كونه علّة لقول الله تعالى: «بِوُجُوهِكُمْ» وإتيان (الباء) التبعيضية، فيكون علة لكون المسح من بعض المتيمم به ، بناءً على كون التيمم في قوله: من ذلك التيمم هو المتيمم به ، بناءً على استعمال المصدر بمعنى المفعول، أو من قبيل(1) استعمال الحال في المحل على طريق الاستخدام (والظاهر كونه من باب استعمال الحال في المحل، حيث إنّ التيمم في زمان الإمام علیه السلام صار حقيقة في الأفعال المخصوصة) (2)، وقرينته التعليل، وليس في مقابل هذا الاحتمال أقوى؛ لأنّ حمله على المعنى الحقيقي - وهو القصد - لا يصح، فليس إلّا احتمال الضرب، وهو مع كونه غير مرتبط بالصلة لم يكن مذكوراً في السابق حتى يشير إليه بقوله : من ذلك التيمم؛ لعدم كون التيمم في قوله: فتيمموا مطلق القصد ؛ لأنّ الضرب مجاز فلا يصار إليه، ومنه استظهرنا عدم كون الضرب جزءًا من التيمّم(3).

وحاصل مفاد التعليل أنّه تعالى لما قال امسحوا بعض أيديكم ببعض الصعيد؛ لأنه يعلم أنّ المضروب عليه لا يجري تمامه على الوجه؛ لعلوقه ببعض الكف دون

ص: 326


1- في (م): (أو بمعنى) بدلاً من (من قبيل).
2- ما بين القوسين ذكره المقرر قدس سره في هامش الأصل وهذا موضعه المناسب بقرينة نسخة (م).
3- (العدم كون التيمم... جزءًا من التيمم) لم ترد في (م).

بعض، فدل الحديث (1) على اعتبار العلوق علوق اليد(2) - من المتيمّم به، وكون المسح به أيضاً، فتكون الآية حينئذ دليلاً كما أن الرواية دليل آخر؛ لأن الإمام علیه السلام ليس بصدد مجرد تفسير الآية، بل في مقام جواب سؤال السائل، فيجيبه ببيان المراد من الآية، وأنّ الحكم موافق لكتاب الله تعالى، ويرشد إليه أيضاً ما ارتكز في أذهان المتشرعة من كون التراب طهوراً كون استعماله طهوراً لا مجرد النظر إليه، وإلا يكتفى بمجرد مسح الجبهة من دون ضرب، كما أنّ المرتكز في الأذهان من كون الماء طهوراً أنّ استعماله طهور، ومن هنا يحكمون في الأقطع بمسح جبهته بالتراب وغير ذلك.

و[الثالث] يدلّ عليه أيضاً (3) عموم المنزلة؛ لأنّ الظاهر منه كون التراب بمنزلة الماء في كونه طهوراً مع كيفيته، ويرشد إلى كون المفهوم منه ذلك فهم عماره(4) - وهو من أهل اللسان ذلك حيث مرّغ نفسه في التراب ففهم من عموم المنزلة كيفية التطهير به؛ لأنّ الغسل لا بُدَّ فيه من وصول الماء إلى جميع البشرة، ففهم وصول التراب إليه أيضاً.

والإنصاف تماميتها لإثبات المطلوب بعد الأصل، والوجوه المذكورة في قبالها ضعيفة؛ أمّا الإجماع فالمحصل منه غير موجود مع كثرة المخالف من مثل هؤلاء الفضلاء، مع عدم تعرض الأكثر لهذه المسألة، سيّما مع ذهاب جماعة إلى عدم جواز التيمّم بالحجر أصلاً في حال الاختيار، فيحصل العلوق لا بدا(5)، فعدم تعرضهم له من هذه الجهة، وإن أمكن دعوى عدم التلازم، لكنّه بعيد.

وأمّا المنقول فهو موهون

ص: 327


1- في :(م) (الخبر).
2- (اليد) لم ترد في (م).
3- (يدلّ عليه أيضاً) لم ترد في (م).
4- في (م): (وقد فهم منه عمار رحمه الله ) بدلاً من (ويرشد إلى كون المفهوم منه ذلك فهم عمار رحمه الله) .
5- كذا في النسختين.

أولاً: بعلمنا بخلافه.

وثانياً: أنّ هذه الدعوى مستندة إلى أمور حدسية مثل قولهم باستحباب النفض، فتوهموا منه عدم اعتبارهم العلوق؛ لأنه ينافيه، مع أنّ الظاهر بل المحقق عدم التنافي(1)، ومثل قولهم بجواز التيمم بالحجر مطلقاً، ففهموا منه ذلك من جهة إطلاقهم الحجر، ومنه الأملس الذي لا غبار عليه.

والحال أن إطلاق كلامهم ممنوع أولاً (2)، وليس الإطلاق - على فرض التسليم في مقام بيانه. ثانياً: لأنّ قولهم بجواز التيمم بالحجر في رد من يقول بعدم الجواز به، فيكون دعوى الإجماع دعواه المستندة إلى الحدس فهو في نفسه ممنوع حجيّته على فرض حجيّته في الجملة سيما إذا علمنا بفساد مستنده.

وأما دعواهم منافاة استحباب النفض له [ف]ممنوعة: بأنّ النفض سواء كان بالحركة أو بالمسح أو بالنفخ إنّما يزيل المشوه للخلقة لا الأثر بالمرة، وأما قول بعض أنّه يشمل صورة النفض الأكيد فينافي؛ [ف] ممنوع (3) بأن هذا فرض نادر لا يشمله الإطلاق، بل علّلوا الاستحباب بعدم التشويه، فيعلم أن مرادهم ذلك لا ما ذكر.

وأما دعوى عدم الاكتفاء بالضربة الواحدة بناءً عليه (4) [ف]ممنوعة: بأنه من جهة كون الغالب بقاء الأمر عند مسح اليدين، فنظرهم إلى الغالب، فلو فرض نادراً ارتفاع الأثر بالمرة بالضرب ثانياً، ولا ينافيه الإطلاق بالضربة الواحدة؛ لانصرافه إلى الغالب؛ وأما عدم التعرض له في الأخبار، فمنعه واضح (5) بعدما ذكرنا، مع أنّه(6) من

ص: 328


1- في :(م) عدم حجية (الثاني) بدلاً من (عدم التنافي).
2- في (م): (الإطلاق ممنوع (أولاً) بدلاً من (والحال أنّ إطلاق كلامهم ممنوع أولاً).
3- في (م): (وشموله للنفض الأكيد ممنوع) بدلاً من (وأما قول بعض... ممنوع).
4- في (م): (الانصرافه إلى الغالب وعدم تعرضه في الأخبار ممنوع) بدلاً من (بناءً عليه).
5- (بأنّه من جهة كون الغالب بقاء الأمر .. فمنعه واضح) لم ترد في (م).
6- في (م) زيادة: (ويمكن كون عدم الذكر من باب الارتكاز المذكور أو يكون المتيمم به هو التراب وما ذكرنا هو السبب في عدم ذكر بعض الفقهاء مع أنه) .

باب عدم اتفاق التيمّم بالحجر الذي لا غبار عليه، فلا حاجة إلى ذكره غالباً، مع أنّه يلزم بناءً على عدم اعتبار العلوق جواز مسح الجبهة باليد المغسولة بعد الضرب مع أنّهم لا يلتزمون بذلك أصلاً (1)، بل يمكن دعوى بيان هذا المطلب في الأخبار وكلمات الأصحاب بواسطة ذكر النفض في الأخبار الكثيرة؛ لأنّه من المستبعد كون هذه الكثرة لمجرد بیان الاستحباب بل له ولبيان اعتبار العلوق

ودعوى أن ذكرها لأجل الغالب فينصرف إليه ممنوعة بسبب ما ذكر، مع أنه لا يجري في الباقي مثل الصحيحة، حيث إنها صريحة (2) في كون المسح ببعض ما تيمم به على التقريب الذي ذكر .

[ أدلة القول بعدم اعتبار العلوق]

هذا ولكن السيد الأستاذ أدام الله أيامه رجّح القول بعدم اعتبار العلوق، وردَّ الأدلّة المذكورة بدعوى القطع بذلك الحاصل من أمور(3).

منها : الأخبار الدالّة (4) على جواز التيمّم بأرض الجص والنورة (5)، فإنّها أحد المدركين في جواز التيمم بالحجر ، والحال أنّ أرض الجص والنورة لا غبار عليها قطعاً(6) .

ص: 329


1- في (م): (ولا يلتزم به أحد) بدلاً من (مع أنهم لا يلتزمون بذلك أصلاً).
2- في (م): (كالصحيح لصراحته) بدلاً من (مثل الصحيحة، حيث إنها صريحة).
3- في (م) : (هذا غاية ما يمكن أن يقال لاعتبار العلوق لكن الحق عدم اعتباره لأمور) بدلاً من هذا ولكن السيد الأستاذ أدام الله أيامه رجّح القول بعدم اعتبار العلوق، وردَّ الأدلّة المذكورة بدعوى القطع بذلك الحاصل من أمور).
4- في (م): (ما دل بدلاً من الأخبار الدالّة).
5- النوري، مستدرك الوسائل: 532/2 .
6- في (م): ( وليس فيهما غبار أصلاً بدلاً من ( والحال أنّ أرض الجص والنورة لا غبار عليها قطعاً).

ودعوى لزوم وضع مقدار من التراب عليها بما يصدق العلوق(1) خلاف ظاهر الأخبار ؛ حيث إنّ ظاهرها التيمم بنفس الأرض، وبعد وضع التراب(2) عليها يكون المسح بالتراب.

ومنها : دعواهم الإجماع على جواز التيمم بالحجر مطلقاً، فيشمل الحجر الأملس الذي لا غبار عليه.

ومن دعوى المحققين الإجماع على ذلك مثل [صاحب] جامع المقاصد(3) الذي بیده مذاق الفقه والفقهاء (4) .

ومنها: عدم ذكر الفقهاء له مع كونهم بصدد بيان تفاصيل الأحكام.

ومنها: إرسالهم عدم الاشتراط إرسال المسلمات، ذكروا ذلك في مقابل الحنفي.

ومنها: كون لازم مذهبهم شيئاً لا يلتزمون به ، وكذا لازم أدلتهم هو كون مسح جميع الجبهة واليدين به(5)، كما يدلّ عليه عموم المنزلة وكون طهورية التراب مثل طهورية الماء، وكذا الآية تدل على مسح جميع الوجه واليدين ببعض المتيمم به ولازم ذلك تكرار المسح حتى يصل إلى الجميع(6).

وكذا استحباب النفض ينافي ذلك، ومما ذكرنا وغيره يمكن دعوى حصول القطع بعدم الاعتبار، فلا بُدَّ حينئذ من صرف الأدلّة إلى غير ظاهرها لو كان لها ظاهر.

ص: 330


1- في :(م) (البلوغ) بدلاً من (العلوق). وما في المتن هو الصحيح.
2- في (م) : ( لظهورها في التيمم بنفس الأرض ومع وضع التراب) بدلاً من (حيث إنّ ظاهرها التيمّم بنفس الأرض وبعد وضع التراب).
3- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 1/ 479 الشهيد الثاني، روض الجنان: 1/ 326، نسب فيه نقل الإجماع إلى المحقق الحلي في المعتبر.
4- (مثل [صاحب ] جامع المقاصد الذي بيده مذاق الفقه والفقهاء) لم ترد في (م).
5- في (م): (كون لازم مذهبهم وأدلتهم مسح جميع الجبهة واليدين به بدلاً من (كون لازم مذهبهم... والیدین به ).
6- في (م): (زيادة ولا يلتزمون به).

فنقول : أمّا الأخبار الدالّة على النفض ، فالظاهر (1) ورودها مورد الغالب من كون المتيمم به شيئاً مغبراً (2) وكون كلمة (من) في الآية لابتداء الغاية، والتعليل المذكور في الرواية حكمة غالبية؛ لكون المسح ببعض الوجه ولفظة (أجمع) يمكن كونه تأكيداً للوجه تقدم عليه، وهو وإن كان خلاف الظاهر لكنه لا بُدَّ من ارتكابه بعدما ذكر(3) .

وأمّا عموم المنزلة الدالة على كون طهورية التراب باستعماله فلا يدلّ على استعماله في الجميع، بل يكفي استعماله في الضرب عليه.

لكن الإنصاف ما ذكرنا.

ويظهر جواب هذه الوجوه مما ذكرنا، فالتعرض لدفعها تفصيلاً من سوء الأدب (4) .

[اعتبار كون الضرب بكلتا اليدين ولا يكفي الضرب باليد الواحدة ]

ثم إنّه هل يعتبر أن يكون الضرب باليدين أو يكفي مجرد الضرب ولو كان باليد الواحدة؟(5)

الظاهر عدم الإشكال في الأول ؛ لأنه وإن أطلق القصد إلى الصعيد في الآية وكذا في بعض الأخبار فوضع يده(6) ... الخ، لكن لا شبهة في اعتبار كون الضرب باليدين؛

ص: 331


1- في (م) : ( فلابد من صرف ما يدل على اعتباره عن ظاهره، أما ما دل على النفض فالظاهر) بدلاً من (فلا بُدَّ حينئذ من صرف الأدلّة... على النفض فالظاهر).
2- في (م): (له غبار).
3- (بعد ما ذكر) لم ترد في (م).
4- في (م): (وعموم المنزلة لا يدل على استعماله في الجميع بل يكفي استعماله الضرب عليه) بدلاً من (وأما عمومالمنزلة الدالّة على كون طهورية ... من سوء الأدب).
5- في (م) : (مسألة: هل يعتبر أن يكون الضرب باليدين أو يكفي باليد الواحدة) بدلاً من (ثم إنّه هل يعتبر أن يكون الضرب باليدين أو يكفي مجرد الضرب ولو كان باليد الواحدة؟).
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 208 ح 602 .

لأنّ الآية ليست بصدد بيان المضروب، بل لا يدلّ على الضرب، وكذا الأخبار (1)، ولو كان ذلك فالأخبار الأخر الدالّة على الضرب باليدين مقيّدة له.

[اعتبار كون الضرب باليدين دفعة ولا يكفي التعاقب]

ثم إنّه هل يعتبر أن يكون الضرب باليدين معاً أو يكفي على التعاقب؟

الظاهر نصاً وفتوى(2) هو الأول لا سيما من صرّح بالمعية حيث قال: يضرب باليدين معاً (3). ومراده بالمعية (4) إما أن يكون في مقابل الاكتفاء بالواحدة فحينئذ يكون تأكيداً لليدين لا تأسيساً .

ويحتمل أن يكون المراد به (5) هو ما ذكرنا من عدم الاجتزاء بالتعاقب.

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد به كونهما منضمين وملصقين في حال الضرب.

لكن الظاهر هو الاحتمال الثاني.

ويحتمل(6) من الأخبار أيضاً من قوله علیه السلام: «اضرب بكفيك»(7)، «تضرب بيديك» (8) وقوله: «فضرب بهما» ولا شبهة في كون ظاهرها ذلك، لكن لا بأس بفهم

ص: 332


1- (لكن لا شبهة في اعتبار كون الضرب باليدين؛ لأنّ الآية ليست بصدد بيان المضروب، بل لا يدلّ على الضرب، وكذا الأخبار) لم ترد في (م).
2- السيد العاملي، مدارك الأحكام 2 / 217 حيث ادعى أنه اجماعي.
3- الشهيد الأول الذكرى : 107 ؛ الشهيد الثاني، روض الجنان : 1/ 337 ابن الشهيد الثاني استقصاء الاعتبار: 3 131؛ المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 1 ق 1 / 103 ؛ البهبهاني، حاشية مجمع الفائدة: 228/1.
4- (حيث قال : يضرب باليدين معاً. ومراده بالمعية) لم ترد في (م).
5- (لا تأسيساً. ويحتمل أن يكون المراد به) لم ترد في (م).
6- في (م) : ( ويظهر) وهو الصحيح.
7- النوري، مستدرك الوسائل : 2 / 535 ، أحكام التيمم ب 9 ح 1 .
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 210 ح 611 .

مدرك هذا الظاهر عند العرف.

ويمكن أن يقال(1) : إنّ مدركه أنه لو استند الفعل الواحد إلى آلة (2) فلا بُدَّ من اتحاد الآلة وكون المجموع شيئاً واحداً ومعاً لا المتعاقب، كما أنّ وضع التثنية أيضاً للمجموع بمعنى أنّ اليدين) موضوع للمجموع؛ لأنه بمنزلة أن يقال : يد ويد، وعبّر باليدين لمجرد الاختصار، فحينئذ يكون الظاهر أنّ المجموع آلة واحدة، وهو لا يتحقق مع التعاقب، إذ حينئذ تكون الآلة متعددة، والفعل متعدداً وهو منافٍ للضرب الواحد المستفاد من الخبر، فلا بُدَّ من أن يكونا معاً ، لكن هذا اللازم باطل، وهو كون الضرب بهما منضمين لا منفردين ولو كانا معاً؛ لأنه على تقدير عدم الانضمام أيضاً يكون التعليل(3)3) متعدداً فيكون الضرب متعدداً، وذلك وهو كون الضرب باليدين منضمين، ولم يقل به أحد، فلا يصلح كون اسناد الفعل إلى الآلة مستنداً للمعية، مضافاً إلى منع(4) استفادة ذلك منه، إذ يختلف الحال باختلاف الأفعال، إذ مثل : (أكلت الرغيفين )(5) ليس المراد أكلهما دفعة واحدة.

وأما كون مدركه هي الأخبار الدالّة على لزوم الضربة الواحدة على كيفية من الاتصال أو التعاقب ؛ ويمكن أن يكون منشأ الظهور غلبة وجود الضرب باليدين في الخارج بوجودهما دفعة واحدة لا ،التعاقب، أو يكون سببه غلبة استعمال هذه القضية في

ص: 333


1- في :(م): (والظاهر) بدلاً من (ويمكن أن يقال).
2- في (م) زيادة : (كما يشعر به الباء في بكفيك وبيديك).
3- كذا في الأصل والصحيح: (الفعل). بقرينة نسخة (م) والسياق.
4- في (م): (بل يمكن منع بدلاً من مضافاً إلى منع).
5- لا يخفى ما في المثال من عدم المناسبة للاستشهاد به؛ لأن ما استفيد وهو (عدم أكلهما دفعة واحدة) إنما استفيد من مقدّمة خارجية عن اللفظ والتركيب وهي عدم القدرة - عادة على أكل الرغيفين دفعة واحدة، ولو أنّه استشهد بما يمكن أن يؤكل دفعة واحدة مثل التمر والعنب بقوله : (أكلت التمرتين) لكان أوفق وأحسن.

334

ذلك، أو يقال : إنا نفهم الظهور فيكون حجّة ولو لم نفهم سببه.

[ كفاية مسح الجبهة مع الجبينين بمجموع اليدين ]

ثمّ إنّه هل يلزم مسح تمام الجبهة، أو هي مع الجبينين بكل واحدة من اليدين، أو يكفي مسحهما بالمجموع وإن لم يصل كل واحدة منهما بالمجموع ؟

الظاهر عدم لزوم مسح الجميع بكل واحدة منها (1)؛ لأنّ الظاهر من مسح الجبهة بالمجموع كفاية مسحها بالمجموع، فالظاهر كون آلة المسح هو الأمر الواحد الذي هوالمجموع، لا المسح بكل واحد، مع أنه يلزم تكرار المسح على تقدير المسح بكل واحدة، إلّا أنّه ليس بشيء؛ إذ عدم تكرار المسح وعدم صحته على تقدير عدم الاستظهار(2) من الأدلّة وبعده لا يضر، وكذا ما يقال: من عدم حصوله إلّا على تقدير المسح بكل واحدة (3)، ومن هنا يمكن التأييد لما ذكرنا من ظهور الضرب باليدين في الدفعة.

[ هل يلزم استيعاب الوجه بالمسح أو يكفي البعض؟]

ثم إنه هل يلزم استيعاب الوجه أو يكفي البعض؟

فههنا :مقامان :

الأول: في كفاية البعض، ولا يلزم تمام الوجه(4).

الثاني: في تشخيص البعض، فنقدم الكلام في الثاني فنقول (5):

ص: 334


1- في :(م) (مسألة: هل يلزم مسح تمام الجبهة أو هي مع الجبينين بكل واحد من اليدين أو يكفي مسحها بالمجموع وإن لم يصل كل واحدة مع أنه يلزم تكرار المسح على تقدير المسح بكل واحدة منهما) بدلاً من ( ثمّ إنّه هل يلزم مسح تمام الجبهة... بكل واحدة منهما).
2- في (م): (على تقدير الاستظهار ) بدلاً من (على تقدير عدم الاستظهار).
3- في (م) زيادة : ( فالعمدة هو ظهور اسناد المسح إلى المجموع هو المسح به لا بكل واحدة).
4- (ولا يلزم تمام الوجه) لم ترد في (م).
5- في (م): (في تشخصه) بدلاً من ( في تشخيص البعض، فنقدم الكلام في الثاني فنقول).

أمّا الجبهة: وهي مقدم الرأس فوق الحاجبين إلى منبت الشعر؛ فلا شبهة في اعتبارها؛ لعدم الخلاف فيه، فكل من قال بمسح الحاجبين قال بها أيضاً، وإن عبر بعض العلماء بالجبين ولم يذكر الجبهة مثل الهداية والفقيه (1) ، لكن مرادهم ليس خصوص الجبين، ويدلّ عليه بعد الإجماع(2)؛ موثق زرارة عن أبي جعفر علیه السلام(3)، وإن روى في الكافي(4) هذه الرواية ولم يذكر لفظ الجبهة، لكن الخطب سهل(5) بعد الإجماع المنقول على لسان غير واحد(6) ، بل المحصل.

وأمّا الجبينان فالظاهر أيضاً دخولهما؛ لورودهما في الأخبار الكثيرة البيانية وغيرها من الصحيح والموثق والحسن (7) (8)؛ فتكون مقيدة لإطلاق الجبهة.

والجبين هو فوق الصدغ الذي ما بين لحظ العين وأصل الأذن، وهو المحيط بالجبهة.

لكن قد يُشكل لو كان المراد بالجبين هنا هو ما بين الأذن والجبهة كما هو الظاهر منه، مع عدم غسل المجموع في الوضوء، بل يغسل ما بين الإبهام والوسطى ولا يدخل المجموع فيما بينهما، فحينئذ يقع التعارض بين صحيح (9) زرارة الوارد في تفسير الآية

ص: 335


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 1 / 104 ، في ذيل حديث 213 ، الهداية : 188 .
2- المحقق النراقي، مستند الشيعة: 3/ 437 .
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 207 ح 601 .
4- الكليني، الكافي : 3 / 61 باب صفة التيمم ح 1 .
5- في :(م): (إلا أن الأمر سهل) بدلاً من لكن الخطب سهل .
6- منهم: النجفي، الجواهر : 5 / 196.
7- يُنظر : الحر العاملي الوسائل : 3/ 358 باب كيفية التيمم وجملة من أحكامه.
8- (من الصحيح والموثق والحسن) لم ترد في (م).
9- في(م): (خبر).

وقد نقلناه سابقاً (1) لمكان قوله علیه السلام : «اثبت بعض الغسل مسحاً»(2)، فيدلّ على وجوب مسح بعض محال الغسل لا غيرها. فالظاهر حينئذٍ تقديم الصحيح وعدم وجوب مسح جميع الجبين.

وأما المقام الأول: فالأخبار متضافرة(3) بمسح الوجه، والوجه اسم للمجموع، والمتبادر منه المجموع، ومن هنا فهم زرارة ذلك وسأل عنه الإمام علیه السلام في الصحيح(4) المذكور في باب الوضوء ومسح الرأس فيه : «من أين علمت وقلت: إنّ المسح ببعض الرأس » (5) والحال أنّ المسح متعلق بالرأس، والظاهر من تعلق المسح بالشيء الصغير هو مسح جميعه، وليس كذلك الكبير مثل : امسح) بالحائط، وليس الظاهر منه مسح جميعه فتكون هذه الأخبار ظاهرة في التمام والأخبار الأخر دالّة على عدم اللزوم سواءً كانت البيانية أو غيرها، ولا يمكن تقديم أخبار الجبين والجبهة عليها؛ من جهة كون أخبار الجبهة نصاً في الكفاية، وأخبار الوجه ظاهرة في عدم الكفاية (6)؛ لعدم صراحتها في كفاية الجبهة والجبين، فلعل المراد الجبهة مع انضمام سائر الوجه، بل يمكن تقديمها من جهة كون أخبار الجبين والجبهة أظهر في كفايتها بالنسبة إلى أخبار الوجه وغيرها من الآية والجبهة والجبين (7) .

ص: 336


1- (وقد نقلناه سابقاً) لم ترد في (م).
2- الكليني، الكافي : 30/3.
3- في (م) : (الإجماع والأخبار متضافرة) بدلاً من (فالأخبار متضافرة).
4- في (م): (الخبر).
5- الكليني، الكافي: 30/3.
6- في (م): (في عدمها) بدلاً من (في عدم الكفاية).
7- في (م) (بالنسبة إلى أخبار الوجه في عدم الكفاية وكذا الآية مع خبر زرارة مثل أخبار الجبهة والجبين فيلاحظ التعارض بين أخبار الوجه وغيرها من الآية والجبهة والجبين) بدلاً من (بالنسبة إلى أخبار الوجه وغيرها من الآية والجبهة والجبين).

وحاصل الكلام بعد عدم لزوم مسح تمام الوجه، بل يكفي بعضه (1) لما ذكرنا أنّ هناك أخباراً أخر كلها دالّة على مسح الجبين، أمّا موثق زرارة فإنّه مروي بثلاثة طرق في اثنين منها روي بلفظ الجبين خاصة (2)، وطريق الكافي(3) وطريق الشيخ(4) وطريق آخر (5) بلفظ (الجبهة)، وهو الطريق الذي يرويه الشيخ عن المفيد، فنحن نعلم إجمالا أنّ واحداً من هذين صحيح وحجّة.

وطريق الكافي أقرب؛ لأضبطية الكافي بالنسبة إلى الشيخ(6)، فالأمر دائر بين موهوم الحُجيّة ومظنونها، فيجب الأخذ بالمظنون (7) - وهو طريق الجبين(8) -، ولا يمكن ترجيح طريق الجبهة بسبب الشهرة(9) عليها ؛ لأنّ الشهرة والإجماع لا يصلحان لمرجحية السند؛ إذ لعلّ مستندهم غير هذا، فحينئذ هل يكون المراد بالجبين خصوص الجبهة بعلاقة المجاورة أو الجبهة والجبين واحتمال كون المراد به الجبين خاصة بعيد؛ لقيام الإجماع بل الضرورة على دخول الجبهة فتكون داخلة، فكلام بعض مثل ابن

ص: 337


1- (بل يكفي بعضه) لم ترد في (م).
2- الكليني، الكافي : 3 61 ، رواه عن ابن بكير عن زرارة، وفيها «مسح بها جبينيه».
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 211 ح 613 ، رواه عن المفيد عن ابن قولويه عن الكليني، وفيها «مسح بها جبينه».
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 207 ح 601 ، ولكن فيه «جبهته بدلاً عن (جبينه).
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 211 ح 6014 ، عن عمر بن أبي المقدام عن أبي عبد الله علیه السلام.
6- في (م): (لما مر أن هنا أخباراً تدل على مسح الجبين إلا موثق زرارة المروي بثلاثة طرق في اثنين منها بلفظ الجبين خاصة، وهو ما في الكافي وطريق آخر وطريق الشيخ بلفظ الجبهة، وأصل هذه الطرق صحيحة جداً، والكافي أضبط) بدلاً من (لما ذكرنا أنّ هناك أخباراً أخر ... لأضبطية الكافي بالنسبة إلى الشيخ.
7- في (م) : ( والأخذ بالأخير (واجب) بدلاً من (فيجب الأخذ بالمظنون).
8- (وهو طريق الجبين) لم ترد في (م) .
9- ادعاها الطباطبائي، رياض المسائل : 2/ 313؛ البحراني، الحدائق : 303/4 .

أبي عقيل(1) حيث يدعي تواتر أخبار الجبهة على ما حكي عنه(2) (3)، وكذا المحقق في النافع(4) حيث يقول: (إنّ رواية الجبهة أشهر الروايات) يؤيد كون المراد بالجبين الجبهة، إذ لم يرد في الجبهة غير أخبار الجبين حتى يدعى كونها متواترة أو أشهر.

ويؤيد ذلك أيضاً استعمال الجبين في الجبهة في بعض الأخبار مثل قوله: «لا صلاة لمن لا يرغم أنفه بالأرض(5) عند وضع الجبين على الأرض، ويمكن أن يكون مرادهم بالجبهة هو الجبين أو الأعم(6) ؛ لكثرة استعماله فيهما، واستعمل الجبين في الأخبار في الأعمّ لتسامح العرف في إطلاق الجبين على المجموع.

لكن لا يبعد أن يقال: إنّ التصرف في الجبين الوارد في الأخبار أولى بملاحظة بعض الأخبار المستعمل فيه الجبين في الجبهة(7) ، وقوله تعالى في حكاية إبراهيم علیه السلام «وَتَلَّهُ لِلْجَبين»(8) بناءً على أحد تفسيريه (9).

وبالجملة نقول: إنّ خبر الجبهة صريحٌ إلا أنه منحصر في موثق زرارة على طريق الشيخ (10) ، وإن قلنا بأرجحية طريق الكافي فليس في الجبهة خبر أصلاً، ولو قلنا بعدم

ص: 338


1- في (م): ( وكلام العماني) بدلاً من (فكلام بعض مثل ابن أبي عقيل).
2- (على ما حكي عنه) لم ترد في (م).
3- العلّامة الحلي، المختلف: 1/ 429 .
4- المحقق الحلي، المختصر النافع: 17 .
5- ينظر الصدوق، الهداية 173 ، الخصال: 349 .
6- (أو الأعم) لم ترد في (م).
7- في (م): (بملاحظة كثرة استعماله في الجبهة) بدلاً من ( بملاحظة بعض الأخبار المستعمل فيه الجبين في الجبهة).
8- سورة الصافات: 103 .
9- فقد روي أنه علیه السلام قال : «اذبحني وانا ساجد»، فيكون معنى الجبين هنا الجبهة. يُنظر : الطبرسي، مجمع البيان: 322/8 .
10- في (م) (وحاصل الكلام ان الخبر الصريح في الجبهة موثق زرارة على طريق الشيخ) بدلاً (وبالجملة نقول: إنّ خبر الجبهة صريح إلا أنه منحصر في موثق زرارة على طريق الشيخ).

[

ارجحيته بواسطة شهرة هذا الطريق فحينئذٍ يتعارض الطريقان(1)؛ لأنه في الواقع أحدهما إما بلفظ (الجبهة) أو (الجبين)، فيكون المرجح أخبار الجبين.

ويمكن أن يقال : إنّه يحتمل أن يكون هذا الاختلاف من جهة الراوي - وهو ابن بكير ، يعني: أنه نقل بالمعنى، يعني: أنّ زرارة قال له شيئاً وهو يعبر عنه تارة بالجبهة وتارة بالجبين بأن قال له: الجبهة مثلاً، فتارة نقل لفظ الجبهة، وتارة نقل الجبين المراد به الجبهة ، فحينئذ يكون الطريقان متحدين (2) ، لكن هذا بعيد؛ لأنّ الظاهر أنّ ابن بكير ينقل الألفاظ الصادرة من زرارة، وبعد تعارضها تبقى الأخبار الدالة على الجبين، فالجبهة أريدت من الجبين يقيناً بملاحظة الإجماع؛ لأنّ كلها حكاية عن فعل واحد (3)، فيدور الأمر حينئذ بين أن يكون المراد منه الجبهة خاصة بعلاقة المجاورة، وأن يكون المراد به الأعم منها ومن الجبين.

فنقول: إنّ الأول أولى لوجوه :

منها : فهمهم منها الجبهة؛ لقولهم بتواتر أخبار الجبهة واشهريتها، ولم نرَ خبراً فيها غير موثقة زرارة(4) وقد عرفت حالها، ولا بُدَّ أن يكون المراد بها هذه الأخبار.

ومنها: فهم أكثر المتأخرين الجبهة منها، بدليل عدم (5) ذكر بعضهم خلاف الجبين

ص: 339


1- في :(م): (وإن لم ترجح الشهرة بهذا الطريق فيتعارض الطريقان) بدلاً من (ولو قلنا بعدم ارجحيته بواسطة شهرة هذا الطريق فحينئذ يتعارض (الطريقان).
2- في (م): (فعبر عما قال له زرارة تارة بالجبهة وأخرى بالجبين فيتحد الطريقان) بدلاً من (يعني: أن زرارة قال له ... يكون الطريقان متحدين).
3- هي قصة عمار بن ياسر وتعليم الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم له كيفية التيمم.
4- في (م): (الموثق) بدلاً من (موثقة زرارة ).
5- في (م): (لعدم) بدلا من (بدليل عدم).

بل يقتصرون على ذكر الجبهة، مثل المحقق في المعتبر(1) والشهيد في الذكرى (2) .

ومن البعيد أن يكون مرادهم بالجبهة الأعم منها ومن الجبين؛ لعدم شيوع استعمال الجبهة في الأعم(3).

ومنها: بعد استعمال الجبين في المجموع، بل عدم وجود استعمال فيه(4)، ولو فرض استعماله في الأعمّ أيضاً نقول بالتجوز في الإسناد(5)، بمعنى أنه أسند المسح إلى الجبين باعتبار بعضه وهو الجبهة؛ بملاحظة بعض ما ذكرنا.

لكن هذا كله لو لم تكن الرواية (6) بلفظ الجبينين بالتثنية، وأما بناءً على ورودها، كما نُقل عن مستطرفات السرائر (7)، وإحدى نُسختي الفقيه في موثقة زرارة(8) فيكون الجبين داخلاً في المسح(9) ؛ لعدم جريان الحمل المذكور فيه.

لكن أنكره بعض من أهل التتبع(10) ، وقال بورود الجبين مفرداً.

فالظاهر عدم هذه الرواية(11)، فلو لم يرجّح من هذه الأخبار عدم اعتبار الجبين،

ص: 340


1- المحقق الحلي، المعتبر : 1 / 385 .
2- الشهيد الأول الذكرى : 2 / 360 .
3- في :(م) : (العدم شيوع استعماله) بدلاً من (العدم شيوع استعمال الجبهة في الأعمّ) .
4- في :(م) : (بل لم يعهد استعماله فيه ) بدلا من (بل عدم وجود استعمال فيه ) .
5- في (م): (فهو مجاز في الإسناد) بدلاً من (نقول بالتجوز في الإسناد).
6- في (م): (خبر زرارة).
7- ابن إدريس، مستطرفات السرائر باب نوادر البزنطي / 47 ، لكن في الرواية بجبينه لا بجبينيه.
8- یُنظر : النجفي، الجواهر : 197/5 ؛ البروجردي، جامع أحاديث الشيعة: 3 / 62، فقد أشار إلى اختلاف نسختي الفقيه.
9- في (م) : ( وعليه كما في مستطرقات السرائر وبعض نسخ الفقيه فيدخل الجبين في المسح) بدلاً من (وأما بناءً على ورودها... داخلاً في المسح).
10- البحراني، الحدائق : 343/4 .
11- في (م): (عدم وروده) بدلاً من (عدم هذه الرواية).

فإنّ قال بعض : يمكن التمسك(1) بأخبار الوجه للزوم مسح الجبين؛ لأنّ الوجه ظاهر في التمام.

فالإجماع قائم على ثبوت البعض دون الآخر، فنرفع اليد عن إطلاق الوجه، بقدر ثبوت المخصص والقدر المعلوم غير الجبهة والجبين، فالجبين مشكوك في خروجه، فالإطلاق بالنسبة إلى الباقي بحاله خرج ما خرج فبقي الباقي؛ أو لأنا نعلم أنّ المعنى الحقيقي للوجه غير مراد قطعاً، ونعلم بإرادة المعنى المجازي، فالأقرب إلى التمام هو الأكثر ، فيكون أقرب المجازات، فيكون مقدماً على غيره .

لكن كل منهما فاسد :

أمّا الأول(2): فلأنّه ليس هنا عام وخرج بعض الأفراد عنه، بعضها متيقن الخروج، وشك في الزائد، فيُرجع إلى عموم العام فيه، بل الوجه مطلق وقد خرج عنه بعضه ولا يُعلم ذلك البعض، فيكون من قبيل المجمل المصداقي.

وبعبارة أخرى: يكون واحداً من الأبعاض مراداً منه ولا يعلم ذلك، ولا يكون هنا قدر متيقن حتى يؤخذ به.

وأمّا الثاني فلأنّ المعتبر أقرب المجازات بحسب العُرف ومتفاهم العُرف، لا الأقربية المعنوية (3)، والوجه بالنسبة إلى كل واحد من الأبعاض على حد سواء، بل يمكن أن يقال بعدم المجازية حتى يلاحظ(4) الأقربية ؛ لإمكان القول بكون الوجه مستعملاً في التمام، ولكن تجوّز في إسناد المسح إلى التمام باعتبار ،بعضه، فليس تَجوّزاً حتى يقال بما ذكر(5)

ص: 341


1- في (م): (فإن بعضهم (تمسك بدلاً من (فإنّ قال بعض : يمكن التمسك).
2- في (م) : ( ويدفع الأول ) بدلاً من (لكن كل منهما فاسد: أما الأول).
3- يُنظر : النجفي الجواهر: 198/5 .
4- في :(م) (يؤخذ) .
5- في :(م) (حتى يقال ما قال) بدلاً من حتى يقال بما ذكر) .

ومثل هذا الاستدلال(1) [يكون] الاستدلال بعدم الوجوب بقوله تعالى: «فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ»(2) حيث إنه ظاهر في إرادة البعض المطلق، فبمسح الجبهة يحصل مسح البعض، فلا دليل على غيره لتعيين البعض المراد.

وفيه أنّه يمكن أن يكون المراد الفرد الخاص من البعض، لا البعض المطلق.

وبالجملة (3) : فالاستدلال بهذه الوجوه للنفي والإثبات محل منع، بل العمدة ما ذكرنا(4) من ورود خبر ،الجبهة كموثقة زرارة بملاحظة اعتناء المشهور والاعتراف بثبوته؛ لعدم الاستبعاد في نقل زرارة مرتين لابن بكير تارةً بلفظ الجبهة، وتارةً بلفظ الجبين، فيكون هذا الخبر بمنزلة خبرين ورد أحدهما بلفظ الجبهة، والآخر بلفظ الجبين، فيدور الأمر في التصرف في واحد منهما، والجبهة أظهر في معناه من الجبين؛ لكثرة استعمال الجبين في الجبهة في الأخبار وغيرها، فيكون أقبل للتأويل، فيؤوّل(5) بكون المراد منه الجبهة خاصة، أو يكون المراد به الأعم والإسناد إلى بعضه.

ويؤيد ما ذكرنا عدم ذكر بعضهم الجبين أصلاً، وعدم الاعتناء بخلافه، كالمحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى ، ولو كانت رواية الجبينين بالتثنية واردة؛ يمكن أن يكون المراد إسناد المسح إلى بعض الجبين، والمراد به الأعم وهو بعض الجبهة، فحاصل المراد منه بعض الجبهة، فيكون الجبين مستعملا في الأعمّ والإسناد إلى بعضه، وهو نصف الجبهة، وكذلك الجبين الآخر، ومقتضى الأصل والاحتياط هو الجمع بين الجبهة والجبين.

ص: 342


1- في (م): (التمسك).
2- سورة المائدة : 6 .
3- (وبالجملة) لم ترد في (م).
4- في (م): (نفياً وإثباتاً ممنوع والعمدة ما مر ) بدلاً من (للنفي والإثبات ... ما ذكرنا).
5- (فيؤوّل) لم ترد في (م).

وأمّا الحاجبان: فنسب إلى الصدوق لزوم مسحهما(1)، و [ قال] مضى عليه مشايخنا رحمهم الله و ذهب إليه بعض(2) ؛ وما استدل أو يستدل به أمران(3):

الأول: أنهم حدّدوا المسح بما بين القصاص وطرف الأنف، وهذا التحديد(4) كأنه مجمع عليه ومعقد لإجماع الصدوق (5) ، فيدخل الحاجبان؛ لأنهما فوق الطرف الأعلى.

والثاني : ذكر الصدوق أنّه به رواية (6) ، والرضوي (7) أيضاً يدلّ عليه.

مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال ببعد مسح النبي صلی الله علیه وآله وسلم جبهته بحيث لا يشتمل على الحاجب، فكأنه مظنون مسح الحاجب أيضاً، ومن هنا يحصل ضعف في نقل الجبهة خاصة، مؤيداً بقوله : «التراب نصف الطهور» (8) ؛ لأنه يمكن القول: إن المراد بالنصفية نصفية مواضع الوضوء في التيمم ، فاكتفى بنصف الوجه ونصف اليد، فيكون الحاجبان داخلين.

ص: 343


1- الصدوق، الأمالي : 745، ونسبه إليه الشهيد الأول له في الذكرى : 2 / 263؛ وأيضاً نسبه إليه الفاضل ذكرى: 263/2 الهندي في كشف اللثام: 2/ 471 .
2- الشهيد الأول الذكرى 2 / 263 ؛ ويُنظر : الوحيد، مصابيح الظلام: 4 / 282 .
3- في :(م) (مسألة: نسب إلى الصدوق لزوم مسح الحاجبين وذهب إليه بعض مشايخنا واستدل له بوجهين) بدلاً من ( وأما الحاجبان : فنسب إلى الصدوق ... يستدل به أمران ).
4- (وهذا التحديد) لم ترد في (م) .
5- ( ومعقد لإجماع الصدوق) لم ترد في (م).
6- الصدوق الأمالي : 745 ، وينظر : علي بن بابويه رسالة علي بن بابويه (الشرائع): 125 .
7- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا علیه السلام : 90 .
8- الطوسي، تهذيب الأحكام: 404/1 مضمون الحديث.

[ يجب الابتداء بالمسح بالأعلى]

وأمّا الابتداء بالأعلى فهو الظاهر من قوله (1) علیه السلام: (يمسح جبهته من القصاص إلى الطرف) لظهور لفظة (من) في (الابتداء)(2)، وإن كان يحتمل أن يكون تحديداً للممسوح(3) لكن الأول أظهر مع أنه مشهور(4)، بل مجمع عليه (5)، و[ مؤيداً] بعموم المنزلة ومساواة التيمّم للوضوء في الأحكام، ومنها البدأة بالأعلى، ومؤيداً(6) بقوله: «التراب نصف الطهور »(7) حيث يظهر منه أن نصفه على كيفيته.

کاشف

مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ المسح وقع من الأعلى في التيممات البيانية؛ لأنه لو وقع من الأسفل إلى الأعلى لنقل إلينا (8) ؛ لكونه غير متعارف فعدم النقل کاشف عن الابتداء بالأعلى، والفعل إذا كان في مقام البيان يكون ظاهره الخصوصية، ولو شككنا - مع عدم وجود الدليل -(9) فالمرجع هو الأصل، ومقتضاه الابتداء بالأعلى.

ثم إنّ الكلام في مسح مسح اليدين، وفيه خلافان :

[الأول]: خلاف نسب إلى ابن بابويه (10) من لزوم مسح [الذراع ](11) إلى أطراف

ص: 344


1- في (م): (مسألة: الظاهر وجوب الابتداء بالأعلى لقوله علیه السلام ) بدلاً من (وأما الابتداء بالأعلى فهو الظاهر من قوله علیه السلام) .
2- في (م): (بيان تحديد المسح لا الممسوح) بدلاً من (الابتداء).
3- (أن يكون تحديداً للممسوح) لم ترد في (م).
4- العلَّامة المجلسي، ملاذ الأخيار: 1/ 248.
5- السید المرتضی، الناصریات(ضمن الجوامع الفقهیّة):224/ السطر30.
6- (ومؤيداً) لم ترد في (م).
7- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 404 ح 1266 وفيه: «جعل عليه نصف الطهور».
8- (إلينا) لم ترد في (م).
9- في (م) :(ومع الشك وعدم الدليل ) بدلاً من ( ولو شككنا - مع عدم وجود الدليل-) .
10- علي بن بابويه، رسالة علي بن بابويه (الشرائع): 124 ؛ ونسبه إليه العلامة الحلي في المختلف: 1/ 426 .
11- في (م): (مسألة: نسب إلى ابن بابويه لزوم الذراع) بدلاً من (ثم إنّ الكلام في مسح اليدين... [الذراع]).

الأصابع ويدلّ عليه ثلاث روايات صحيحة وغير صحيحة(1).

و مقابله عدم (2) وجوب مسح غير الكف، وذهب إليه المشهور(3)، وعلى كل منهما روايات نصوص مثلاً ورد في بعض الأخبار (4): «مسح كفيه ولم يمسح الذراعين بشيء مثل صحيح زرارة (5) (6).

وفي بعضها: «مسح فوق الكفّ قليلاً» (7) وورد في الطرف الآخر(8) مسح ذراعيه حتى أنّه في صحيح ابن مسلم (9) (10) أنه مسح ذراعيه باطنها وظاهرها.

وهذه الأخبار من حيث الموضوع نصوص لا تقبل الحمل، وكل منهما نصان متعارضان، إلا أنهما من حيث الحكم من قبيل تعارض النص والظاهر؛ إذ الأول - وهي أخبار الكفين(11)- نص في وجوب مسح الكف لا غير. وأخبار مسح الذراع(12) ظاهرة في وجوب مسح الذراع؛ لاحتمال كون مسح الذراع مستحباً. فيحمل الظاهر على النصّ، بمعنى الحكم(13) بعدم وجوب مسح الزائد على الكف، واستحباب مسح

ص: 345


1- (صحيحة وغير صحيحة) لم ترد في (م).
2- في (م): (والمشهور عدم) بدلاً من (ومقابله عدم).
3- الفاضل الهندي كشف اللّثام 2 / 472؛ البحراني: الحدائق: 310/4.
4- في (م): (وعليه نصوص في بعضها) بدلاً من ( وذهب إليه المشهور.. بعض الأخبار).
5- (مثل صحيح زرارة) لم ترد في (م).
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 208 ح 6 .
7- الكليني، الكافي : 3 / 62 .
8- في (م): (وفي لفظ الأولى) بدلاً من (وورد في الطرف الآخر).
9- (حتى أنّه في صحيح ابن مسلم) لم ترد في (م).
10- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 210 ح 612 .
11- (وهي أخبار الكفين) لم ترد في (م).
12- في (م): (والثاني) بدلاً من (وأخبار مسح الذراع).
13- في (م) : ( فيحكم) بدلا من (بمعنى الحكم).

الزائد حيث يتسامح فيه.

ويمكن الجمع بحمل أخبار الذراع على التقيّة (1)؛ لظهورها فيه (2)، ولا ينافيه تقديم الجمع بحسب الدلالة على الجمع بحسب السند؛ لأنّ ذلك إنما يكون من حيث هو(3) ، ويمكن تقديم الجمع بحسب السند على الجمع بحسب الدلالة بواسطة أمور خارجية، مثل ظهورها في التقيّة.

وكيف كان، فالأخبار الدالّة على مسح الكفين (4) مقدّمة على الأخر ولو لم تكن من قبيل تعارض النصّ والظاهر؛ لموافقتها لمذهب العامة، ومخالفة هذه له وموافقتها للكتاب؛ لدلالته على مسح بعض اليد، مع أنّ أخبار مسح الذراع بعضها ضعيفة السند، والصحيح مشتمل على ثلاث ضربات ومسح الباطن والظاهر.

ويحتمل مع ذلك، الخلاف الثاني: وهو منه(5) بعد عدم وجوب مسح الذراع هل يجب مسح تمام الكف إلى أطراف الأصابع(6) ، أو يجب مسح موضع القطع في السرقة؟ ويحكى ذلك عن بعض(7) (8).

ص: 346


1- في (م) : ( ويمكن حمل الثاني على البقية) بدلاً من ( ويمكن الجمع بحمل أخبار الذراع على التقيَّة ) .
2- يُنظر : الخوانساري، جامع المدارك: 1/ 187 .
3- في (م): (عليه بحسب السند فإنه من حيث هو ) بدلاً من ( على الجمع بحسب السند؛ لأنّ ذلك إنما يكون من حيث).
4- في (م) : ( وقد يقدم الجمع السندي عليه دلالة لأمور خارجية كالظهور في التقية، وبالجملة فالدال على مسحالكف) بدلاً من (ويمكن تقديم الجمع ... مسح الكفين).
5- لعله يقصد أن الخلاف من علي بن بابويه كما تقدم، أو أن هذا الخلاف يندرج ضمن الخلاف الأول، لأنّه أخص منه.
6- السيد العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 226.
7- في (م): (مسألة على المشهور هل يجب مسح تمام الكف إلى أطراف الأصابع أو ما يقطع منها في السرقة كما في عن بعض) بدلا من ( ويحتمل مع ذلك ، الخلاف الثاني ... عن بعض) .
8- يُنظر : ابن إدريس، السرائر : 1/ 137؛ البحراني، الحدائق: 4/ 349 .

والأمر هنا عكس السابق حيث إن ما دلّ على مسح موضع القطع نص بالنسبة إلى ما دلّ على مسح تمام الكف، ويشهد له مرسل حماد بن عيسى عن الصادق الا : «أنه سئل عن كيفية التيمم فتلا هذه الآية:«وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا »(1). وقال: فاغسلوا ايديكم إلى المرافق، قال: فامسح على كفيك من حيث موضع القطع...»(2)، والظاهر من استشهاد الإمام علیه السلام بآية السرقة، أنّ المراد باليد عند الإطلاق هو أصول الأصابع إلى أطرافها، بدليل إطلاق اليد في آية السرقة، والحال أنّ المراد منها ذلك.

وفي آية الوضوء لما كان المراد غسل الزائد عليه قيّده بقوله علیه السلام: «إلى المرافق» فيكون المراد من الإطلاق في هذا المقام أيضاً هو موضع القطع ، وما كان الربّ نسياً عما بنى عليه

ا أولاً وهو كون المراد بالإطلاق هذا القدر، ويشهد له هذا الخبر، خصوصاً قوله علیه السلام: «فامسح على كفيك من حيث موضع القطع» (3)، إلا أنّ هذا الخبر - لإرساله - ضعيف، خصوصاً مع إعراض الجل(4)، بل الكل عنه(5)، مع أنه يحتمل أن يكون المراد به تعليم أصحابه الردَّ على العامة(6)؛ حيث يقولون بكون موضع القطع في السرقة هو تمام الكف، ويقولون (7) في التيمم بمسح الذراع مع كون اليد أيضاً مطلقة في السرقة كما في التيمم (8) ، فكما تحملون اليد في آية السرقة على الكف فاحملوها في هذه الآية أيضاً على ذلك؛ لكونها مطلقة في الموضعين، ولا يكون المراد المقيد، بدليل أنه لو كان المراد غيره

ص: 347


1- سورة المائدة : 38 .
2- الكليني، الكافي: 62/3 .
3- المصدر نفسه : باب صفة التيمم ح2 .
4- الشهيد الذكرى: 2/ 265 .
5- في (م): (إلا أنه مرسل واعرض عنه الجل بل الكل) بدلاً من (إلّا أنّ هذا الخبر ... بل الكل عنه) .
6- في (م) زيادة (العمياء).
7- ( ويقولون) لم ترد في (م).
8- في (م): ( مع إطلاق اليد في الآيتين) بدلاً من (مع كون اليد أيضاً مطلقة في السرقة كما في التيمم).

لقيد هنا كما قيدها في الوضوء، مع أنه يحتمل أن يكون المراد من موضع القطع موضع فصل الكف، وهو الزند ، وكيف كان فلا يعارض الأخبار السابقة.

[ وجوب الترتيب بين اليدين ]

وأما الترتيب بين اليدين، بتقديم اليمني على اليسرى(1)، فالأصل يقتضيه(2)، ويمكن إتمامه بعدم القول بالفصل بين الوجه والكفين، وبتقديم اليمني على اليسرى في الذكر، والظاهر من التقديم في الذكر وقوع الفعل في الخارج أيضاً(3)، لذا ثبت فعله مقدماً(4) . والظاهر من الفعل في مقام البيان اعتباره بخصوصه .

ص: 348


1- الطوسي، الخلاف 1 ،95 ، النهاية : 49 ؛ ابن البراج، المهذب: 47 .
2- في :(م) : (مسألة: مقتضى الأصل تقديم اليمنى على اليسرى) بدلاً من (وأما الترتيب بين اليدين.. فالأصل يقتضيه).
3- في (م) : ( من التقديم الذكري وقوع الفعل في الخارج أيضاً كذلك) بدلاً من (من التقديم في الذكر وقوع الفعل في الخارج أيضاً).
4- إلى هنا انتهت النسخة الأولى (س).

[مسائل في أحكام المسح والماسح والممسوح]

مسألة:

لا بدَّ من المسح بباطن الكف لا ظاهره؛ لما مر من أنه هو المضروب، والظاهر ان المسح انما هو بالمضروب.

مسألة:

الممسوح ظاهر الكف؛ لصدق المسح بالكف على المسح عليه، ولقوله علیه السلام في حسن الكاهلي : «بلى انه يمسح بكل واحدة منهما على ظهر الأخرى»(1)، بل يمكن استفادة كون المسح بالباطن أيضاً من ذلك؛ لمكان الأخرى في قوله: «على ظهر الأخرى» ؛ إذ المراد بها الباطن؛ لإضافة الظهر إليها، والأخرى عبارة عن الكف الآخر ، فكأنه قال : يمسح باطن كل منهما على ظهره.

ولا يجب وصول تمام الماسح بتمام الممسوح؛ لما ذكر في الجملة.

مسألة:

لا يلتزم استيعاب الممسوح حقيقة لجميع أجزائه وخُلَله وفرجه، ويكفي المسح العرفي بأن يقال : مسح على ظهره، نعم لا يكفي مجرد الصدق العرفي، بل لا بد من الاستيعاب عرفاً بحيث لو خرج بعض المواضع القليلة فلا يضر ؛ لدلالة الأخبار البيانية على مسحه علیه السلاممرة واحدة(2) .

والظاهر عدم حصول الاستيعاب الحقيقي بالدفعة الواحدة سيما مثل الفُرَج بین الأصابع من ظهر الكف، ومن عدم ذكر التعدد في شيء من الأخبار وكلمات الأصحاب، ولو كان لازماً لذكروه، حتى أنه صرح بعض الأخبار البيانية بأنه: «لم يعد ذلك». بناءً على أنَّ المراد به عدم العود ثانياً، وصدق المسح على الكف بمجرد ذلك.

ص: 349


1- الكليني، الكافي : 62/3 .
2- الكليني، الكافي : 61/3 .

مسألة :

هل يعتبر كون مسح الوجه واليدين بضربة واحدة مطلقاً، أو بضربتين كذلك، أو التفصيل بين الوضوء فمرة والغسل فمرتين؟

و ربما نسب إلى ابن بابويه ثلاث ضربات(1) ، وعلى المرتين قيل بالتخيير في الضرب لليدين بين ضربهما دفعة واحدة، أو مرتباً، والقول بالتفصيل هو المشهور(2) المدعى عليه الإجماع (3)، والأخبار في المقام متعارضة؛ بعضها ظاهر كالصريح في كفاية المرة مطلقاً على نحو الإطلاق، كصحيح زرارة وموثقه في وصف تيمم النبي صلي الله علیه وآله وسلم لعمار ، قال : فقال له : «أفلا صنعت كذا، ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد، ثم مسح جبينيه بأصابعه وكفيه إحديهما بالأخرى، ثم لم يعد ذلك»(4) ، وذيله كالصريح في عدم اعتبار المرتين؛ لظهوره في كونه في مقام بيان اتحاد الضرب وتعدده، وانه ضرب ضربة واحدة، فذكره علیه السلام قوله: «لم يعد ذلك» قرينة؛ كونه في مقام بيان كمية الضرب رداً على العامة القائلين بالتكرار(5) .

ومثله موثقه المذيل بقوله : «مرة واحدة وان احتمل بعيداً كون مرة واحدة و لم يعد ذلك» قيداً للمسح لا للضرب، لكنه بعيد؛ إذ يلزم حينئذ عدم الفائدة في ذكره؛ إذ لم يكن كمية المسح محلاً للخلاف بين العامة والخاصة، بل محله الضرب، فالمناسب

ص: 350


1- علي بن بابويه، الشرائع 125 ؛ ينظر المحقق المعتبر: 388/1؛ العلّامة المختلف: 431/1؛ العلّامة، التذكرة: 195/2 ؛ الفاضل الآبي، كشف الرموز : 1/ 102؛ ابن فهد الحلي، المهذب البارع: 1 / 206 ، ففيها جميعاً ان علي بن بابويه اعتبر ضربتين في التيمم بدلاً من الوضوء والغسل؛ وفي الذكرى للشهيد : 2 / 260؛ وكشف اللثام للفاضل الهندي : 477/2 انه اعتبر ثلاث ضربات من غير فرق بين بدلي الوضوء والغسل .
2- الفاضل الهندي ، كشف اللثام 2 / 477 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 451/4 .
3- العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 450؛ النجفي، الجواهر : 207/5 .
4- الصدوق، الفقيه: 104/1 ح213.
5- ينظر: الطوسي، الخلاف: 1/ 132 .

کونه بياناً له.

وبعض الأخبار مطلق، كقوله: «فضرب كفيه بيده الأرض، ثم رفعها فنفضها، ثم مسح بها جبينيه وكفيه(1).

وكذلك مثله أخبار أخرى في جانب المرتين، كصحيح الكندي(2) عن الرضا علیه السلام وابن مسلم(3) وغيرها(4) ، ففي كل من الطائفتين ما يكون كالنص بالنسبة إلى المراد هذا من حيث الموضوع.

وأما من حيث الحكم، فالظاهر أن أخبار المرة نصوص في كفاية المرة، وعدم وجوب الأزيد، وظهور أخبار (المرتين) في وجوبها؛ إذ يحتمل قريباً أن يكون (المرتين) لبيان المستحب لا الواجب، فيحمل على الاستحباب وكونهما له وبيان أفضل الأفراد بناءً على تقديم الجمع بحسب الدلالة على غيره ؛ فيقدم أخبار (المرة) على (المرتين).

أو يحمل (المرتين) على التقية؛ لكونه مذهبهم حتى قالوا: خالف فيه [علي] علیه السلام و[ابن] عباس(5). وليس مشهوراً ، بل الشهرة على التفصيل على أن أخبار (المرة) موافق للكتاب، بناءً على إطلاق الآية في المقام وعدم منع كونها في هذا المقام؛ مضافاً إلى أمرهم علیهم السلام الأخذ بما رووه عنه علیه السلام عند فقد أخبارنا (6) .

وأما المطلقات مع كونها أقوى دلالة من حيث الحكم بالنسبة إلى أخبار (المرتين)، يُحتملُ الجمع بينهما وحمل كل ما تيقن دخوله فيه.

ص: 351


1- الكليني، الكافي : 61/3 ح1.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 210 ح 12 نص الحديث: «التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين»
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 210 ح13 .
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 210 ح14.
5- ینظر النجفي ، الجواهر : 2 / 210 .
6- المراد الأخذ بما ترويه العامة عن علي (صلوات الله عليه) عند فقد النص من قبل أصحابنا. ينظر : الحر العاملي، وسائل الشيعة: 27/ 91 .

فظهر أنّ الحق هو القول بالمرة مطلقاً، ولا مستند للتفصيل إلّا الجمع بين هذه الأخبار بحمل الطائفة الأولى على بدل الوضوء، والثانية على بدل الغسل، ولا شاهد له الا الصحيح، هو ضرب واحد للوضوء، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين، فتنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين » (1) بناءً على كون الواو في : «والغسل» للاستئناف والغسل مبتدأ و «تضرب» خبره، فكأنه قال: ان التيمم للوضوء بضرب واحد وأما الغسل فبضربتين.

وفيه انه مع احتمال كون الواو للعطف، وضرب واحد بمعنى نوع واحد، وهو الضرب مرتين فيهما، وبعد كون المراد بالضرب هو الضربة، وإلا لكان المناسب التعبير ،بالضربة، مشتمل على ما لا يقول به أحد، وهو كون الضربتين متعاقبتين، وينفض مرة للوجه وأخرى لليدين؛ لقوله : نفضة ومرة، إلا أن يكون المراد بالنفضة هي مع الضربة، فلا يمكن الاعتماد به في صرف الأخبار عن ظاهرها ونصوصيتها.

وذيل خبر ابن مسلم هذا التيمم على ما كان فيه الغسل، وفي الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين، وألقى(2) في ما كان عليه مسح الرأس والقدمين»(3) بناءً على أن المراد به ان ما ذكر انما كان في التيمم بدل الغسل بالضم وفي الوضوء غيره، فيضرب للوجه واليدين إلى المرفقين ضربة واحدة.

ولا على(4) كون المراد به انها ذكر وهو المسح إن كان في موضع الغسل في الوضوء، وهو الوجه واليدين، بناءً على كون الوجه واليدين عطف بيان للفظ (ما) المراد به موضع الغسل، لا بأن يكون الوجه مجروراً بدلاً عن لفظ (ما)، أو منصوباً بتقدير أعني.

ص: 352


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 210/1 ح14 .
2- في هامش نسخة (أبقى) ينظر : الحر العاملي وسائل الشيعة: 362/3 . وفي هامش بعض النسخ من منتقى الجمان ( ألغى) ، الشيخ حسن، منتقى الجمان: 347/1.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 210 ح 15 .
4- كذا في المخطوط والأنسب (واما على).

وألقى في التيمم ما كان عليه مسح ، وهو الرأس والقدمين، بناءً على كون (مسح) بالتنوين خبراً ل- (كان) والرأس مجرور أو منصوب.

ويمكن أن يكون المراد بكلمة «ما» في قوله علیه السلام : «والقى ما كان الحكم الشرعي الثابت لمسح الرأس والقدمين، ويكون قوله علیه السلام : «ومسح» مضافاً إلى «الرأس»، مع أنه يشتمل على مخالفات كثيرة ، مثل اشتماله على تثليث الضربات، ومسح باطن اليدين وظاهرهما، وكون المسح من المرفقين كلها لا يبعد كونه خلافاً للإجماع؛ فلا يمكن التمسك به، مضافاً إلى ما ورد بتساوي الوضوء والجنابة والحيض والتيمم، وهو مناف للتفصيل؛ إذ ظاهره التسوية مطلقاً لا في خصوص الكيفية.

فالأظهر هو الاكتفاء بالمرة مطلقاً والاحتياط في محله بأن يأتي بتيممين:

أحدهما يمسح الوجه واليدين، والآخر يضرب مرة للوجه.

والآخر: يضرب مرة للوجه والأخرى لليدين.

ولو قلنا بعدم فوات الموالاة؛ لا يبعد ان يحصل الاحتياط بتيمم واحد بضربتين احداهما للوجه والأخرى لليدين؛ لأنه لو كان الواجب التيمم بضربة واحدة حصل، والضربة الأخرى الواقعة في البين وجودها كعدمها؛ لعدم إخلالها بالموالاة، وان كان الواجب التيمم بضربتين حصل أيضاً.

مسألة:

إذا وجدَ [الماء] لا يعيد ما صلى بالتيمم ، أما في خارج الوقت فلا إشكال فيه؛

للإجزاء، وعمومات البدلية، وقوله علیه السلام : «يكفيك الصعيد عشر سنين».

وأما في الوقت، ففيه قولان(1):

فالأظهر أيضاً عدم وجوب الإعادة، سواء قلنا باعتبار الضيق أم لا؛ إذ بناءً على الضيق لا يجوز التيمم مع العلم بالسعة، فلا يحصل الصلاة الصحيحة.

ص: 353


1- ینظر السيد العاملي، مفتاح الكرامة : 495/4 .

ومع ظنه لو تيمم وصلى، فالظاهر عدم الإعادة؛ لأن المراد بالضيق هو الضیق بحسب الاعتقاد والظن؛ لحجية الظن في مثل ذلك؛ لإنسداد باب العلم فيه غالباً، فقاعدة الإجزاء جارية، مضافاً إلى الأخبار الموثقة الدالة على عدم الإعادة مطلقاً، التي تشمل صورة التيمم في حال السعة أيضاً، و [وإن لم ] يمكن استظهار جواز التيمم في حال السعة منها ، فلا أقل من اشتمالها صورة الظن بالضيق، فتدل على عدم الإعادة، مضافاً إلى قاعدة الإجزاء، فالإعادة في صورة وقوع التيمم في السعة مع العلم بها لعدم صحته حينئذ، لا لعدم كونها مجزية مع وقوعها بالتيمم الصحيح كما هو محل الكلام، فالقولُ بالإعادة مطلقاً ضعيفٌ.

ولا فرق فيما ذكرنا في متعمد الجنابة وغيره؛ لجواز الإجناب مع العلم بعدم وجود الماء قبل الوقت بل في الوقت أيضاً كما مر فالتفصيل بين المتعمد وغيره لا جه له؛ لجواز إحداث الجنابة مطلقاً؛ للأدلة الخاصة، ولزوم التيمم مع عدم الماء أو مع الضرر.

وأما من منعه الزحام عن الخروج مع فوت الجمعة فهو يتيمم ويصلي ثم يعيد الصلاة ظهراً بعد ارتفاع الزحام على قولٍ(1) .

وتفصيله انه لو كان الجمعة أحد أفراد الواجب التخييري في الغيبة بمعنى تخيير المكلف بين الجمعة والظهر لا تعيّن الجمعة عليه. فالظاهر عدم صحة الصلاة جمعة مع التيمم؛ لأن الوضوء شرط، ولا يسقط إلا عند التعذر، ولا يكون إلا بتعذر جميع الأفراد، فالتيمم طهارة اضطرارية فلا تصح إلا عند الاضطرار، ولا اضطرار مع التمكن من الظهر، وإلّا لصح التيمم في أول الوقت مطلقاً.

وإن قلنا بتعيين الجمعة بحيث يفوت الجمعة منه بعد ارتفاع الزحام.

ففيه إشكال ينشأ : من أنّ الأمر بكلي الصلاة والمأمور به واحد، والجمعة بمنزلة

ص: 354


1- الطوسي، المبسوط : 31/1؛ ينظر: العلامة الحلي، المختلف: 439/1 .

خصوصية، ولا تغاير بين الظهر والجمعة ،حقيقة، بل الترتيب بين فردي الكلي، فهو بمنزلة الترتيب العرضي بالنذر وشبهه .

ومن أن المأمور به هي الجمعة على الفرض، ووقته أول الوقت، والتيمم هي الطهارة الاضطرارية ، فيقوم مقام الوضوء عند ضيق الواجب وعدم القدرة على إتيان الوضوء، فهو مثل آخر الوقت للظهر، ومقتضى أخبار البدلية انه بواسطة التيمم وكونه بدلاً لا يفوت الواجب من المكلف، بل وقت هذا الواجب بمقتضى أصل الشرع ذلك، وليس كالنذر في أول الوقت، وعلى تقدير صحة التيمم حينئذ فالقاعدة تقتضي عدم إعادة الصلاة ظهراً عند وجود الواجب، وإن كان مقتضى بعض الأخبار(1) الإعادة، لكنه ضعيف السند(2) ، ويشعر بأن أصل الصلاة للتقية (3)، والإعادة انما هو لأجل الاقتداء لهم (4) فكانت الإعادة لعدم تكليفه أولاً بذلك، لا أنه صحيح ومع ذلك يعيد.

بل لو كان الفرض الجمعة ولم يتمكن من إتيانها مع الوضوء يصح التيمم ويصلى به ولا يعيد، مضافاً إلى أنَّ الخبر يشتمل على زحام العرفة مع أنه لا يوجب التيمم، بل يصبر حتى يرتفع الزحام ويصلي مع الوضوء، إلا أن يكون المراد أن العرفة في يوم الجمعة.

فظهر صحة التيمم لو تعينت الجمعة ويوجب الزحام عدم التمكن منها.

مسألة:

لو صلى، وكان على ثوبه نجاسة ولم يتمكن من إزالتها، ثم وجد الماء بعد الصلاة، لا يعيدها، والخبر(5) ورد بالإعادة، إلا انها من جهة أنه صلى مع التيمم، فيعيد عند

ص: 355


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1 / 185 ح8.
2- لوقوع السكوني في طريقه.
3- لقوله علیه السلام :« يصلي معهم ويعيد إذا انصرف».
4- في حاشية المخطوطة بهم خ.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: 407/1. عمار الساباطي عن أبي عبد الله علیه السلام: «انه سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب واحد، ولا تحل الصلاة فيه، وليس يجد ماء يغسله، كيف يصنع ؟ قال : يتيمم ويصلي، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة».

وجدان الماء، وهو مخالف للقواعد الدالة على الإجزاء وعدم إعادة الصلاة اذا وقعت مع التيمم الصحيح، ولا من جهة الصلاة مع الثوب النجس فيعيدها من جهته، وهو أيضاً بعيد؛ لمخالفته للأخبار الدالة على صحة الصلاة في الثوب النجس عند عدم التمكن من غيرها، ولا من جهة المجموع، لكنه مخالف للخبر؛ لأن ظاهره ان الإعادة من جهة النجاسة؛ لسؤاله عن الثوب النجس وعدم التعرض للوضوء وعدم إمكانه، ويمكن أن يكون مع الوضوء، ولم يتعرض في الجواب أيضاً للوضوء، بل ذكر غسل الثوب، فحينئذ يكون الحكم بالإعادة من جهة الثوب، وقد مرّ ان القاعدة تقتضي عدم الإعادة، فيطرح الخبر لضعفه (1).

[حكم فاقد الطهورين ]

مسألة:

مع فقد الماء والتراب هل يبقى التكليف في الوقت، أو القضاء في خارجه، أو لا تكليف له أصلاً؟

والظاهر بل المقطوع انتفاؤه في الوقت؛ لقضية انتفاء المشروط بانتفاء الشرط وقوله علیه السلام :« الا صلاة إلا بطهور»(2) ، فإن الظاهر من هذا التركيب نفي الحقيقة والماهية الان « » بمقتضى حكمة (لا) التي لنفي ،الجنس، ولا يمكن إثبات الصلاة حينئذ بقاعدة الميسور ورواية عبد الأعلى؛ لأنهما يثبتان ميسور الصلاة لا الميسور من غير المكلف به، وقد ظهر انتفاء حقيقة الصلاة عند فقد الطهور فلا يمكن إثبات الصلاة بها، وحكي في المقام أقوال كلها باطلة(3) ؛ لعدم الدليل.

ص: 356


1- لوقوع بعض المجاهيل في سنده.
2- الصدوق، الفقيه: 1/ 58 .
3- ينظر العاملي مفتاح الكرامة : 403/2 .

وأما القضاء فهو ثابت؛ لعموم الأوامر الدالة على قضاء الفوائت كقوله علیه السلام: «من فاتته فريضة... »(1)الخ.

والمناقشة فيها من جهة عدم صدق الفوت؛ لأنه فرح على ثبوته، ولم يكن ثابتاً حتى يفوت عن المكلف.

ومن جهة أن الفوت متعلق بالفريضة، ففوت الفريضة موجب للقضاء، فيكون الأمر بالقضاء فرعاً على كون الشيء واجباً على المكلف؛ لظهور لفظ (الفرضية) (2) فيه. مدفوعة بأنّ المراد بالفوت مجرد عدم الدرك مع قيام المقتضي للتكليف، ويكفي في صدقه ثبوت مقتضيه كما في النائم وإلا فلا بدَّ من عدم ثبوت القضاء فيه أيضاً.

بل المعيار في ثبوت القضاء هی القوة القريبة من الفعلية، لا هي، ولا الشأنية البعيدة كما في الصبي؛ وخروج الحائض من جهة الدليل وإلّا فالقاعدة تقتضي ثبوته فيها؛ لعدم الفرق من حيث المقتضي.

وكذا المراد بالفريضة ما كان فرضاً على تقدير عدم المانع لا فعلاً ، بل المراد منها المعنى الاسمي لا الوصفي، وهي الفرائض.

وأما التمسك في ثبوت القضاء ببعض الأخبار كصحيحة زرارة(3) وغيرها فلا وجه له؛ إذ المراد منها صلاحية الأوقات كلها لأداء القضاء في مقابل الأوقات المكروهة في النوافل .

ص: 357


1- ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلي: 54/2 . قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم: «من فاتته فريضة، فليقضها كما فاتته».
2- كذا في المخطوط والصحيح: (الفريضة).
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة 253/8 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 1 .

[حكم ما لو أصاب المتيمم الماءَ ]

مسألة:

لو تيمم ثم أصاب الماء فهل ينتقض تيممه أم لا؟

والإصابة إما قبل الصلاة، أو بعدها، أو في اثنائها وفي الأثناء إما قبل الركوع وبعد التكبير، أو في أثنائه، أو بعد الركوع والمراد من الإصابة ليس مجرد الرؤية وإن لم يتمكن من استعماله ضرورة، وإن كان يشهد له إطلاق الإصابة إلّا ان في بعض الأخبار ما يشهد بخلافه كقوله علیه السلام: مرَّ بماء ولم يتوضأ»(1)، وقوله علیه السلام: «فلينصرف وليتوضأ »(2) ، وقوله علیه السلام : «إذا رأى الماء وكان يقدر عليه»، بناءً على أن المراد بالقدرة هو التمكن من الاستعمال لا مجرد الاستيلاء عليه، مع بعد كون إصابة الماء هي التعبدية المحضة، بل الغرض رفع الحدث، مع كونه معقد إجماع السرائر (3) والتذكرة(4).

لكن بعض الأصحاب (5) ذكر عنوان (التمكن) وادعى عليه الإجماع، ثم ذكر أنه هل يشترط مضي زمان يسع لإتيان التيمم تمكن فيه ؟

فيه وجهان بل قولان والأشهر الأظهر اشتراطه هكذا.

وكذا غيره فكأنهم عنوا بالتمكن مجرد الاستيلاء شرعاً وعقلاً، بأن لا يكون مغصوباً، ولا في بئر بعيدة القعر لا يمكن الوصول إليه، بآلة وكأنه لا حاجة إليه بل يكفي التمكن إذ بعد مضي الزمان لا يكون متمكناً منه، فالإصابة في غير مقام فقدان

ص: 358


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام : 89؛ البروجوردي، جامع أحاديث الشيعة: 3/ 70. قال علیه السلام: «وإن مر بماء فلم يتوضأ وقد كان تيمم وصلى في آخر الوقت وهو يريد ماء آخر فلم يبلغ الماء حتى حضرت الصلاة الأخرى، فعليه أن يعيد التيمم؛ لأن ممره بالماء نقض تيممه».
2- الكليني، الكافي : 63/3 .
3- الحلي، السرائر : 1/ 137.
4- العلامة التذكرة 2 / 207 .
5- ينظر: النجفي ، الجواهر : 235/5 .

الماء لا إشكال في كون المراد به التمكن مثل المرض لا مجرد الرؤية؛ لأنه يرى الماء ولكن لا يتمكن من استعماله، ولا في مقام فقدان الماء، فيأتي فيه هذه الكلمات، فيكون لفظ (الإصابة) في ذلك قرينة على المراد منها فيه.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه إذا أصاب الماء بعد الصلاة فلا يجب إعادة الصلاة مع الطهارة المائية ، إلا أن يقال(1) بالإعادة من جهة اعتبار الضيق الحقيقي في التيمم، وبعد الإصابة يعيد، وقد مر انه صلى صلاة مأموراً بها فتكون مجزية.

وأما قبل الصلاة فلا شبهة أيضاً في انتقاضه، فإن أخلّ بالوضوء ففقد الماء بعد مضي زمان الاستعمال تيمم ثانياً. وإن لم يمض بقدره فإنه ينكشف عن عدم النقض بحسب الواقع.

وأما في الأثناء فهل يجري حكمه في أثناء التكبيرة ولو بعد التلفظ بهمزة (الله أكبر) أم لا؟

مقتضى كون التكبيرة جزءًا من الصلاة كون جزئها أيضاً كذلك، فبالدخول فيه يتحقق الدخول في الصلاة كما هو مقتضى التركيب بحسب العقل.

فإن قلنا بكون الإصابة في الأثناء قبل الركوع أيضاً ناقضاً يحكم به هنا، وإلا فلا. لكن لو ورد الدليل على أن الأحكام التي تثبت في أثناء الصلاة كالمحرمات لا يترتب إلّا بعد تمامية التكبيرة، مثل ما دل على أن افتتاح الصلاة انما هو بالتكبير ؛ فانفتاح الصلاة يتوقف على انعقاد التكبيرة وقبلها لم تفتح الصلاة ولم يحصل الدخول فيها، فلابد إما من القول بخروجها حكماً عن الأحكام المذكورة. أو يقال بعدم كون مطلق أجزائها جزءًا للصلاة، بل الجزء بوصف الجزئية يكون جزءًا، فالهمزة المتعقبة بالراء هي جزء لا مطلقها، فلو حصل القطع في أثناء التكبيرة يكشف عن عدم حصول الجزء وعدم كونها جزءاً.

ص: 359


1- ينظر: الطباطبائي، الرياض : 53/2 .

وأما بعد التكبيرة فإن كانت الإصابة بعد الركوع.

فالظاهر عدم الخلاف في عدم الانتقاض ، ولا اعتناء بمخالفة الكتاب وحصره عدم النقض بما بعد ركوع الركعة الثانية، وتدل عليه أيضاً جملة من الأخبار .

وأما قبله فالأخبار - ككلمات الأصحاب - مختلفة، والمشهور(1) على عدم النقض بمجرد الدخول ؛ للأصل براءةً واستصحاباً وعموم المنزلة، وكفاية التراب عشر سنين، وعموم التعليل في صحيحة زرارة لمكان انه دخلها على طهر، وخبر ابن حمران قال: قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى

بالماء حين يدخل في الصلاة؟ قال: يمضي في الصلاة» (2) .

بناءً على أن المراد يؤتى بالماء بعد الدخول ؛ لظهور «ثم دخل في الصلاة» في أن إصابة الماء بعد الدخول.

وأما لوكان المراد به حين الدخول بناءً على أن قوله: «حين يدخل» بياناً ل-«ثم دخل وتوضيحاً له وعطفاً على قوله : طلب الماء فلم يقدر عليه»، فيكون المراد انه أوجد شرط التيمم، وهو طلب الماء، ووجد الماء حين الدخول، فقوله: «حين يدخل» ظاهر في مقارن الدخول، ومقتضاه حينئذ خلاف الإجماع، فإنه قائم على انتقاض التيمم برؤية الماء مع التمكن قبل الدخول في الصلاة ولو كان مقارناً له، فلا يمكن ابقاؤه على حقيقته، فيحمل على أقرب المجازات إليه، وهو أوائل الصلاة.

وحينئذ يقع التعارض بين هذه الفقرة وبين قوله علیه السلام: «ثم دخل» بناءً على ظهوره في بعد الدخول مطلقاً ظاهراً، لكن ظهوره أقوى بالنسبة إلى الأولى، فيمكن صرفها على إرادة المقيد، ولا يمكن العكس؛ لعدم قوته للانصراف لكونه مطلقاً، فلا ينصرف في المقيد.

ص: 360


1- ينظر: الطباطبائي، الرياض: 2/ 55 ؛ النجفي، الجواهر: 239/5.
2- الطوسى، التهذيب: 1/ 203 .

ولا كذلك لو كان قوله: «ثم يؤتى بالماء» عطفاً على «ثم دخل» مضافاً إلى عدم صحته في نفسه؛ للزوم التكرار، فكأنه بمنزلة أن يقال : ثم دخل ثم دخل فالمناسب أن يقال : ثم دخل فأصاب الماء، فالظاهر هو الأول، فيكون التعارض بينه وبين الخبرين الدالين على التفصيل تعارضاً تباينياً، فلابد من التماس المرجحات الدلالية، وإلا فالسندية، فقوله: «يمضي في هذا الخبر نص في عدم الانصراف، بخلاف الأمر بالانصراف في المذكورين؛ فإنه ظاهر في الوجوب؛ لإمكان كونه للاستحباب مع كون استعمال الأمر شائعاً فيه حتى صار من الحقيقة عند بعض، بخلافه لو عملنا بالخبرين؛ للزومه طرح الخبر المذكور.

وإن قيل بعدم لزوم الطرح حينئذ أيضاً؛ لإمكان حمل الدخول في هذا الخبر على الدخول في الركوع ؛ فإن الدخول الكامل في الصلاة هو الدخول فيه، لكنه ضعيف فيحمل على ظاهره.

ومما استدل به على مذهب المشهور عموم التعليل في صحيح زرارة ومحمد قال: «قلت في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة، فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين، أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي ؟ قال : لا ، ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضها؛ لمكان انه دخلها على طهور بتيمم» (1) حيث يدل التعليل بعمومه على المضي لمجرد الدخول في الصلاة، والدخول على الطهر علة للمضي سواء كانت إصابة الماء قبل الركوع أو بعده، لكن مثل هذا التعليل موجود في صحيح زرارة الدال على التفصيل حيث علل فيه بقوله: «لأن التيمم أحد الطهورين ، وهذا التعليل علة لعدم الانصراف بعد الركوع لا الانصراف قبله؛ لعدم ربطه به، فيعلم من تعليل عدم الانصراف بعده بذلك وحكمه بالانصراف قبله ان مجرد الدخول في الصلاة مع الطهر ليس علة للمضي والا كان موجوداً قبل الركوع أيضاً، فيكون جزء العلة، والجزء الآخر هو الركوع، فهذا

ص: 361


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 205.

362

الخبر معارض لعموم التفصيل من جهتين :

الأولى: ظهور قوله : «فلينصرف» في وجوب الانصراف وعدم المضي.

والثاني: تعليل الفقرة الثانية به دون الأولى.

لكن يمكن دعوى أظهرية عموم التعليل من ظهور هذا الخبر ؛ لأن التعليل يكون عاماً مع شيوع حمل الأمر على الاستحباب، فيقدم ظهور التعليل خصوصاً بقرينة الخبر فإن الأخبار يكشف بعضها عن بعض، ولا معارضة بين التعليلين أيضاً؛ لإمكان كون التعليل - وهو قوله: «المكان انه دخلها على طهور - علة للمضي وجوازه، فالدخول على طهر التيمم علة الجواز المضي كلية والتعليل الثاني علة لحتمية المضي فحتمية المضي علته الدخول مع الطهر والوصول إلى الركوع، وكون الشخص مع التيمم أعظم أجزاء العلة، استند الفعل إليه لكونه مقتضياً، والأثر مستند حقيقة إلى عدم المانع.

وبتقرير آخر في التيمم منقصة في حد ذاته بالنسبة إلى الوضوء، يمكن بسببها نقض الصلاة لأجل درك الكامل قبل الركوع؛ لعدم حصول الدخول المحرم، بخلاف بعد الركوع، فإن المنقصة الذاتية في التيمم انجبرت بحصول الكمال من جهة الدخول في الركوع المحرم ، فلا يمكن إبطال الصلاة حينئذ ؛ لدخول المحرم في نظر الشارع بواسطة الركوع، فكأن الدخول في الصلاة حصل حين الدخول في الركوع، فيحرم القطع أيضاً.

هذا كله لو قلنا بأظهرية التعليل وخبر محمد بن حمران عن خبر التفصيل، فيحمل قوله: «فلينصرف» على الاستحباب .

ولو قلنا بعدم الأظهرية، فإن قلنا بكون خبر ابن حمران مطلق، فلا إشكال في حمله على المقيد، وهو بعد الركوع.

ولو قلنا بظهوره في أوائل الصلاة فيكون مبايناً للآخر.

وقاعدة الجمع في المتعارضين أنه إن احتاج الجمع إلى التصرف فيهما فحينئذ يرجع إلى المرجحات السندية، وإن كان في أحدهما الغير المعين فإن رجحنا التعبد بالصدور

ص: 362

على أصالة الظهور يتعارض أصالة الحقيقة في كل منهما ويتساقطان، فيكونان مجملين.

وحينئذ إما أن يقال بالرجوع إلى المرجحات السندية بناءً على تعميم التحير المأخوذ في الأخبار العلاجية للتحير الحاصل من جهة اشتباه المتصرف فيه بغيره، وعدم تخصيصه بالتنافي في الحكم وبما يكون كل منهما منافياً للآخر، فهنا يكون الترجيح للخبر الدال على المضي؛ لأشهريته .

ولو قلنا بعدم الرجوع إلى المرجحات السندية، بل يرجع إلى العمومات الثابتة في المسألة، وإلا فإلى الأصول ؛ والعمومات الموجودة في هذه المسألة ما دل على ثبوت التيمم لو لم يصب الماء، وانتقاضه بالإصابة.

لكن قد يقال: كما أنها مقيدة بالتمكن العقلي كذلك مقيدة بالتمكن الشرعي، والنواهي الدالة على حرمة قطع الصلاة مقيدة بها، فكأنه قال: إصابة الماء ناقضة، فلابدَّ من قطعها إلا في صورة حرمة القطع، لكن هل يكون المقيد حينئذ هو العنوان الكلي أي يجب القطع إلا في موضع لا يجب المضي حتى لا يصلح التمسك بالإطلاق في المصداق المشتبه، وهو قبل الركوع، بمعنى انه أيضاً مصداق للمقيد الخارج عن تحت المطلق، فيكون من موارد حرمة القطع ، أو يكون المقيد هو المصداق، فكأنه قال : ينتقض التيمم بمجرد الإصابة إلا بعد الركوع والا فلا حتى يمكن التمسك بالإطلاق في موارد الاشتباه؛ والظاهر هو الثاني.

ولو حصل الاشتباه في ذلك يرجع أيضاً إلى الإطلاق لعدم العلم بالمانع؛ لأن المانع هو كون المقيد عنواناً، ولو ادعى كون المقيد هو العنوان وعدم بقاء العموم فلابد من الرجوع للأصول، والاستصحاب فهل يجري في المقام أو لا بناءً على عدم حجيته في الشك في المقتضي كما هنا؛ لأن الشك في أن الطهارة الترابية بعد الدخول في الصلاة هل يقتضي البقاء والمضي مطلقاً، أو يكون مقتضياً ما لم يجد الماء؟

ص: 363

مقتضى ما ذكروه(1)من أن التيمم لا يرفع الحدث، بل يحصل به مجرد الإباحة، واستباحة الدخول في الصلاة هو كون الشك في المقتضي؛ لعدم العلم بكون الحكم مقتضياً للإمضاء مطلقاً وحكمه ثابت مطلقاً أو لا؟

بخلاف ما لو قلنا: إنه يرفع الحدث، فإنه يكون مقتضياً مطلقاً إلى أن يحصل الرافع، وعلى المشهور (2) من حجيته (3) في الشك في المقتضي يجري هنا.

والاستصحاب تارة في الموضوع، وأخرى في الأثر والحكم؛ وعلى الأول نقول: إن التيمم طهارة اضطرارية مشروعة في حال الاضطرار، ولا نعلم رفع الاضطرار عند الإصابة، فيستصحب الاضطرار فيترتب عليه الحكم، فالاضطرار وعدم التمكن حالة وجودية مقتضية للبقاء إلى أن يحصل الرافع فيستصحب عدم الرافع.

وتوضيح الكلام وتحقيقه : أنه لو قلنا بأظهرية خبر ابن حمران فلا إشكال في تقديمه، ولكنَّ الانصاف عدم فهم الظهور منه ، وعدم الاطمئنان بكونها أظهر بالنسبة إلى غيره، ويحتمل ثبوت الأظهرية له في نظر العرف ويحتمل المساواة، وإذا كان كذلك يؤخذ بخبر محمد بن حمران؛ لأن احتمال الأظهرية انما يكون فيه لا غير، فإن كان مساوياً فلابد من الرجوع إلى المرجحات السندية، ومنها الشهرة، وهي ثابتة في خبر محمد، ولو كان أظهر أيضاً يجب الرجوع إليه. نعم، لو احتمل في كل منهما الأظهرية لا يرجع إلى المرجحات السندية؛ لعدم تناول أدلة العلاج إلا المتكافئين وهنا يحتمل الأظهرية فليسا متكافئين فيرجع إلى العمومات، وإلا فإلى الأصول.

ص: 364


1- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد : 1/ 515 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 4 / 518 .
2- الاستصحاب مورد للأراء المتخالفة فبعضهم ذهب إلى حجيته مطلقاً وبعضهم إلى عدم اعتباره في الشبهات الحكمية ومنهم من فصل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع ومنهم من ذهب إلى غير ذلك، فلا سبيل إلى تحصيل الشهرة خصوصاً مع ذهاب الشيخ الأعظم وبعض الأعلام من تلامذته إلى عدم حجية الاستصحاب في هذا القسم.
3- أي حجية الاستصحاب.

والعمومات في المقام كما مرَّ وان لم يكن الرجوع إليها لما مر من تقييدها بعنوان المتبين المفهوم المجمل بحسب المصداق فيرجع إلى الأصول، والأصل في المقام هو استصحاب الصحة وعدم الانتقاض.

ويرد عليه:

أولاً: وجود أصل وارد عليه هو استصحاب انتقاض التيمم قبل الصلاة بوجود الماء بمعنى انه لو وجد الماء قبل الصلاة ينتقض التيمم قطعاً، ولا نعلم بعد الدخول أن الدخول في الصلاة مانع منه أم لا؟ وبعد اجراء استصحاب الناقضية لم يبق شك حتى يجري الاستصحاب الثاني، ففي الحقيقة الشك الثاني مسبب عن الشك الأول، وبعد جريان الأصل في السبب والوارد لا يجري الأصل في الثاني.

وثانياً : ان الشك هنا شك في المقتضي؛ لأن التيمم على المشهور(1) لا يرفع الحدث بل هو بحكم الشارع مجرد إباحة لا تحصل به حالة حتى تكون قابلة للبقاء، ويشك في الرافع، بل الشك في أن حكم الشارع المقتضي لعدم الانتقاض هل ثابت في مورد الشك أم لا؟ فحكمه ليس أمراً مقتضياً للبقاء إلى الأبد، وليس الشك في المقتضي حجة بمقتضى أخبار عدم نقض اليقين الا به ؛ إذ النقض بحسب الأصل هو انقطاع الشيء المستمر حساً، وحيث لا يمكن إرادة المعنى الحقيقي هنا، فيحمل على الأقرب، وهو رفع الشيء الذي له استمرار بحسب الذات.

لكن قد يقال بعدم تسليم هذا الظهور، وان النقض أعم من ذلك، بل هو رفع الشيء الثابت المستحكم فإنه مقابل الإبرام - وأبرم الحبل إذا فتله، ونقضه رفع فتله ، فنقض الشيء عبارة عن رفع استحكامه، فاستعمال النقض بملاحظة رفع الاستحكام، لا بملاحظة رفع الاستمرار الثابت فيه حتى يلزم تقييد موضوعه بالمستمر، بل لو كان الشيء بحيث ارتفع استحكامه بنفسه يقال : انتقض وانتقض، كما في قوله تعالى:

ص: 365


1- ينظر المحقق الكركي، جامع المقاصد: 5151؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 518/4 .

« يُريدُ أَن يَنقَضَ فَأَقَامَهُ » (1)، فالحبل إذا ارتفع فتله بنفسه أيضاً يقال: انتقض.

ولا فرق بين المتعدي واللازم إلا باعتبار لزوم اسناده إلى الفاعل في الأول، وإسناده إلى نفس الشيء في الثاني.

ولو كان استعمال (النقض بملاحظة رفع الاستمرار لكان استعمال النقض والانتقاض في التيمم مجازاً؛ إذ هو على المشهور من عدم رفعه الحدث مجرد الحكم لجواز الدخول في الصلاة معه، ولا يحصل به حالة قابلة للبقاء حتى يكون وجود الماء رافعاً له كالوضوء بالنسبة إلى الحدث، بل كذلك لو قلنا بحصول التخفيف لسببه في الحالة، ويحصل به حالة خفيفة؛ لأنه كما يكون وجود في حال الاضطرار كذلك يكون أثره مشروطاً بالاضطرار فإذا ارتفع الاضطرار ارتفع أثره، فليس قابلاً للبقاء؛ لأن موضوعه المضطر وعادم الماء، فإذا وجد الماء لم يبق له مقتض أصلاً حتى يستند الانتقاض إلى الرافع، ومن خصّ حجية الاستصحاب بالشك في الرافع معترف بكون الشك فيه من حيث المقتضي، فبمقتضى كلام أهل اللغة (2) من كون النقض ضد الإبرام، ومقتضى استعماله والانتقاض في هذا الباب في جملة من الأخبار يكون النقض عاماً، وانه بملاحظة رفع الاستحكام، ويرشد إليه نفس أخبار الاستصحاب، حيث علق النقض على اليقين الذي ليس قابلاً للاستمرار ، بل بقاؤه من حيث مقتضيه، ولا تحتاج إلى التصرف في اليقين بملاحظة النقض بتقييد المتيقن بالمستمر، بل نقول: استعمل النقض هنا بملاحظة ان اليقين كان متحققاً وثابتاً .

وأما الايراد الأول، ففيه : ان استصحاب الانتقاض لا يتم ولا يجري؛ لأن الاستصحاب لا بد فيه من كون الموضوع متيقناً، والموضوع هو المتمكن من استعمال الماء عقلاً وشرعاً، وفي أثناء الصلاة لو وجد الماء وان كان قادراً على استعمال الماء عقلاً،

ص: 366


1- سورة الكهف : 77 .
2- الخليل، العين: 5/ 50 .

لكن لا يعلم تمكنه شرعاً أيضاً؛ لإمكان كون الواجب عليه في هذه الحال المضي في الصلاة، فلا يكون قادراً على الاستعمال شرعاً، فلا يمكن استصحاب الانتقاض . وربما يقال بإمكان إثبات القدرة فإن براءة الذمة عن المضي فلا يجب عليه المضي حتى لا يكون قادراً ، اللهم إلا أن يقال: ان الشك في الناقضية وعدمها مسبب عن الشك في وجوب المضي وعدمه؛ لأنه إذا كان المضي واجباً يكون التيمم باقياً وإلا فلا، والأصل لا يجري في الحكم التكليفي؛ لأنه ناشئ عن أن الشارع هل اكتفى بهذه الطهارة في هذه الحال وصار هذا المقدار من العمل في نظره محترماً كما في بعد الركوع أو لا؟

وبعبارة أخرى المضي انما يجب في العمل الصحيح دون الفاسد، ولا يعلم صحته حتى يجب المضي فيه ضرورة عدم وجوب المضي في العمل الباطل، ولا يمكن الاستصحاب؛ إذ المراد به استصحاب صحة الأجزاء السابقة، بحيث لو لحقها خصوص الأجزاء والشرائط التي كانت سابقاً لو لحقت بالأجزاء السابقة صح العمل، وهذا موقوف على عدم حدوث القاطع، فيرجع أيضاً إلى الشك في الناقضية وعدمها، فلا يجري الاستصحاب في الحكم التكليفي.

فحينئذ فإن قلنا باتحاد الحكم الوضعي، أي الانتقاض، والتكليفي، وهو وجوب المضي، فلا يكون هنا أصل، فيرجع إلى أصل الاشتغال.

وان قلنا بعدم اتحادهما، وأن النقض وإن انتزع من عدم وجوب المضي شيء آخر مغاير له كالسببية المنتزعة من الحكم التكليفي المغايرة له، فيجري الأصل في الانتقاض. هذا في الفريضة.

وأما النافلة فيشكل جريان الاستصحاب فيها بناءً على أن التيمم طهارة اضطرارية، وبعد جواز قطع النافلة لا اضطرار أبداً شرعاً، بخلاف الفريضة فيحرم قطعها، فلا يكون متمكناً من الطهارة المائية حينئذ، مع جريان الإشكالات المذكورة في الاستصحاب في النافلة أيضاً، وعدم شمول الأدلة الدالة على عدم الانتقاض في الأثناء في النافلة؛ لإنصرافها إلى غيرها.

ص: 367

نعم [ الأخبار] بعضها مطلقة، كأحد الخبرين الدال على التفصيل بين الركوع وغيره (1) ، فإن مضمونه جواز إتيان صلاة الليل والنهار كلها بالتيمم، والظاهر إطلاقها بالنسبة إلى النوافل الواقعة في الليل والنهار سيما المرتبة منها، مع أنه يمكن أن يكون للعمل احترام في نظر الشارع ولو كان جائز القطع حتى اكتفى بالطهارة الترابية كما في قبل الركوع بناءً على المذهب المشهور(2) في الفريضة من استحباب الانصراف، فانه يجوز القطع ، لكن اقتنع الشارع بالبدل ما لم يقطعه.

والانصاف انه لا دليل تطمئن به النفس بعدم الانتقاض؛ لأن الخبر المذكور يمكن منع اطلاقه؛ لأن الصلاة مع التيمم انما يكون في ضيق الوقت الذي لا يسع لفعل النافلة، فهذا موجب لانصراف المراد إلى غير النافلة فالأظهر نقض النافلة ثم إتيانها بالطهارة المائية.

مسألة:

لو وجد الماء في أثناء الصلاة، ثم فقد بعدها قبل التمكن من استعماله، فهل ينتقض التيمم بالنسبة إلى الصلاة الاخرى التي لا يجد الماء في وقتها أصلاً؛ لظاهر قوله تعالى: «اذا اقمتم ... الخ» ؛ لظهوره في لزوم إتيان الطهارة لكل صلاة، خرج منها الطهارة المائية والمتيمم الذي لا يجد الماء أبداً إلى الصلاة الأخرى، والباقي داخل تحت الإطلاق.

وإطلاق قوله : « لم يصب الماء » (3) ؛ لدلالته على أن إصابة الماء ناقض للتيمم ، لكن الظاهر ان المراد بالآية ليس ذلك، ولو كان فإنما هو من باب الغالب من كون الشخص بلا طهارة أصلاً.

وأما قوله : «لم يصب الماء» ليس على ظاهره، فإن مجرد رؤية الماء مع عدم التمكن

ص: 368


1- الكليني، الكافي: 63/3 ح 4 . الكليني، الكافي: 63/3 ح 4 .
2- ينظر : الشهيد الثاني، الفوائد الملية : 35 البحراني، الحدائق: 259/11 .
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 201/1.

من استعماله غير ناقض فيكون المراد بها إصابة المتمكن من استعماله عقلاً، وكذلك شرعاً، فحينئذ في النافلة والفريضة قبل الركوع يتمكن من استعماله؛ لجواز القطع فيصدق الإصابة المتمكن من استعماله، بخلاف بعد الركوع، فانه لا يجوز له قطع الصلاة، فلا يتمكن شرعاً، فلا يتحقق الناقض، فيكون التيمم باقياً.

مسألة:

[ كفاية التيمم لغاية خاصة لإتيان جميع الغايات]

لو تيمم لغاية خاصة فهل يجوز إتيان الغايات الأُخر التي شرع لها التيمم ويكفي التيمم الواحد للجميع ، أو لا بد من تيمم آخر سواء كانت الغاية من سنخها أو من غير ،سنخها، كما لو تيمم للصلاة فهل يجوز المس معه أو لا؟

الظاهر الجواز، أما في السنخ الواحد فللخبر الدال على جواز إتيان صلاة الليل والنهار كلها بتيمم واحد .

وأما في السنخ المتعدد فلقوله: «التراب بمنزلة الماء»(1) في ذيل هذا الخبر؛ لعموم أدلة المنزلة كقوله علیه السلام : التراب بمنزلة الماء ، و التراب أحد الطهورين»(2)، فيدل على جواز إتيان كل ما يشترط فيه الطهارة مع التيمم الواحد كالوضوء، لكن هذا فيما علق على الطهارة وكان العنوان هي الطهارة.

ولو كان العنوان هو الفعل الخاص كالغسل مثلاً كقوله تعالى: «وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلِ حَتَّى تَغْتَسِلُوا »(3)، وكذا في الطواف كما عن الفخر(4) ، وكذا في اللبث في المساجد، وخالف كذلك في قيامه مقام الغسل في الصوم، ولا دليل على قيام التيمم

ص: 369


1- الطوسي، تهذيب الأحكام 200/1 .
2- الكليني، الكافي : 63/3 ح 4 .
3- سورة النساء: 43 .
4- فخر المحققين، ايضاح الفوائد: 1/ 66 بحث التيمم ؛ ينظر العاملي، مفتاح الكرامة: 126/1 .

مقام العنوان الخاص، وإنما يكون قائماً مقام الطهارة، وإن كان يمكن أن يقال: إن التعليق عليه ليس لخصوصيته، بل لعنوان الطهارة، فيقوم مقامه، لكن المانع مستظهر لظاهر الدليل.

مسألة:

لو لم يكن للغاية الأخرى مسوغ فعلاً، بل المسوغ لغاية خاصة.

وبعبارة أخرى يكون المسوغ نسبياً لا مسوغاً على الإطلاق، كضيق الوقت عن الوضوء مع وجود الماء في هذه الحالة من باب عدم سقوط الصلاة بحال، وهو ثبوت الصلاة في هذه الحالة أيضاً ، وقوله علیه السلام : « لا صلاة الا بطهور» يدل على عدم الصلاة بدون الطهور، فيفهم منها ان التيمم طهور له بالنسبة إلى هذه الصلاة وبالنسبة إلى هذه الحالة، وان التيمم حينئذ طهور في الجملة، ولا يلزم منه مسوغيته بالنسبة إلى غيره، ولا يجري الأدلة العامة الدالة على أن التيمم طهور بمنزلة الماء حتى يباح معه سائر الغايات؛ لأن موضوعها غير الواجد عقلاً أو شرعاً، وعقلاً مطلقاً بالنسبة إلى الشيء الخاص مثل: عدم الماء في بئر بعيدة القعر ، أو كان مغصوباً؛ فإنه غير متمكن منه شرعاً على الإطلاق، ولو كان مسوغه ما ذكر لا يبعد كفايته بالنسبة إلى الغايات الأخر؛ لجريان الأدلة العامة المعلقة على عدم التمكن من الماء مطلقاً لا نسبياً .

مسألة:

[قيام التيمم مقام الطهارة المائية مطلقاً]

يستباح بالتيمم ما يستباح بالطهارة المائية ؛ لقوله علیه السلام : «يا أبا ذر يكفيك التراب عشر سنين»(1)، وقوله علیه السلام: «الصعيد الطيب طهور المسلم»؛ فإن مفادها قيام التراب منزلة الماء، فلا يفوت من المكلف ما يكون مشروطاً صحته أو كماله بالطهارة المائية بسبب وجود التراب؛ فهو يرفع الحاجة ولو فقد الماء عشر سنين.

ص: 370


1- الترمذي، سنن الترمذي: 81/1.

واحتمال أن يكون المراد أن التيمم الواحد يكفي في الزمان الطويل ما لم يحدث الناقض بعيد؛ إذ عليه يكون الأنسب ذكر التيمم لا التراب، وعدم الملائمة لمورد الخبر.

نعم، لو كان المراد بالكفاية رفع المانع ورفع الضرورة لم يكن جارياً في بعض الغايات مثل غسل الجمعة وصلاة الميت؛ إذ لا ضرورة في هذه المواضع ولا مانع شرعياً.

ولو كان المراد به رفع الاحتياج وتحصيل ،الغرض، لا يبعد العموم بالنسبة إلى جميع الغايات.

والحاصل انه يمكن استفادة العموم بقرينة عدم ذكر المتعلق؛ إذ لم يذكر متعلق الكفاية ولم يخصصها بشيء خاص وغاية خاصة مع كونها في مقام البيان.

لكن يمكن أن يقال باختصاصها بمورد الخبر وهي الجنابة حيث قال أبو ذر له علیه السلام : «هلكتُ، جامعتُ أهلي على غير ماء»(1)، فجوابه منزل على هذه الصورة، ولا عموم لفظياً في الجواب حتى يقدم على خصوصية المورد.

ويحتمل أيضاً اختصاصه بمورد الهلكة، وهي الواجبات لا المستحبات، ولا دليل على كونه علیه السلام في مقام البيان على الإطلاق، بل في مقام جواب أبي ذر، ويحصل الغرض ببيان كون التراب كافياً في الجملة؛ لأن مورد السؤال هو القدر المتيقن منه ، فلا حاجة إلى بيان الكلية.

والانصاف ظهوره في العموم واستفادته منه بقرينة قوله علیه السلام : «عشر سنين»؛ إذ المراد به ما دام العمر؛ إذ لا خصوصية لهذا العدد، بل هو كناية عن الزمان الطويل.

وحاصل الخبر أنه لا يفوت منك لفقد الماء، وبالتراب يحصل الغرض من الماء. وضعف الخبر (2) مجبور؛ لفهم الأصحاب منه العموم. وبما دل على العموم كقوله علیه السلام

ص: 371


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 94 .
2- لوقوع السكوني في طريقه، وقد تقدم من المصنف عدم الاعتماد عليه.

الصعيد الطيب إلى عشر حجج »(1) ، وبهذا المضمون خبر آخر (2))؛ وهما دالان على العموم.

وقوله علیه السلام : «التراب أحد الطهورين وإطلاقه وإن اشتمل صورة الاحتياط، لكن لا بد من تخصيصها بصورة الاضطرار، فيفيد أنّ الطهارة قسمان: اختياري واضطراري ويصدق بكونه طهوراً في مورد خاص .

وقوله علیه السلام : «هو بمنزلة الماء حيث دل على أن التيمم بمنزلة الماء، ولم يبين انه بمنزلته في أي شيء، فيستفاد العموم؛ لعموم المنزلة الثابت من جهة [عدم] ذكر المتعلق.

ذلك بانه يمكن أن يكون السابق قرينة على انحصار متعلقه فيه؛ لأن سابقه جواز الصلاة المتعددة بتيمم واحد فكأنه قال : بمنزلة الماء في جواز إتيان الصلاة بالطهارة الواحدة، فلا عموم فيه. مضافاً إلى وروده في بعض الأخبار في إثبات الضيق بيان عدم التحاشي عن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت.

وأما قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(3) ، فهو في مقام التشريع والامتنان بكون الأرض مسجداً وطهوراً.

فالعمدة الأخبار الثلاثة الأول، وتحصل عموم التيمم لجميع موارد الطهارة المائية : من الصلاة والطواف ،والجنابة ودخول المساجد واللبث في المسجدين و مس المصحف وغيرها وما لم تكن المائية مباحة كغسل الاحرام والجمعة على ما صرح به الجميع، بل يستفاد من أخباره انه طهور للشخص من أول الأسبوع إلى آخره، وانه جبر للنقص للطهارة الواقعة في اثناء الأسبوع كما ان النافلة جبر للنقص الحاصل في الفريضة، فالتيمم يقوم مقامه (4) .

ص: 372


1- أبو داود، سنن أبي داود: 1/ 84؛ الترمذي، سنن الترمذي: 1/ 80 مع اختلاف مع المتن.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 484/1 وينظر : أبي داود، سنن أبي داود: 1/ 84 ح 333.
3- الصدوق، الأمالي : 285، الخصال: 292.
4- الصدوق، علل الشرائع : 285/1 .

لكن يستفاد من كلامهم من إمكان تقديمه في يوم الخميس مع عدم تمكنه منه في يوم الجمعة، وكذا في قضائه في يوم السبت، عدم قيام التيمم مقامه؛ لأنه مع التمكن من الغسل في يوم الجمعة يقوم بدله مقامه، فلا حاجة إلى تقديمه. ويمكن أن يكون التقديم لأجل كمال الغسل، فلا ينافي ثبوت البدل.

وكذا يقوم التيمم مقام الوضوء في التجديد، سواء كان الأول وضوءاً ويجدده بالتيمم مع عدم وجود الماء، أو كان الأول أيضاً تيمماً؛ إذ يستفاد من قوله صلی الله علیه و آله وسلم «الوضوء على الوضوء نور على نور وطهر على طهر»(1) انه أيضاً يفيد الطهر، فيقوم التيمم مقامه؛ لأنه طهور. وبهذا التعميم صرّح جمع، ومشهور بين الأصحاب (2)، وادعى عليه الإجماع مثل العلامة في المنتهى(3)، ولم يستثن الا بعض العامة، والمحقق في المعتبر(4).

وبالجملة، فكل طهارة مائية تكون رافعة أو مبيحة يقوم التيمم مقامه.

وبعبارة أخرى كل موضع اعتبر الطهارة المائية اعتبرت من حيث كونها طهوراً أو مبيحاً يقوم التيمم مقامها، فهنا كلامان:

الأول في تشخيص بعض الصغريات في أنها مبيحة، أو رافعة، أم لا، بل واجب مستقل لا يكون مبيحاً ولا رافعاً؛ وقد مرَّ ،بعضه، ومنه غسل الجنب للصوم حيث لا يعلم كونه واجباً مبيحاً بحيث يتوقف عليه صحة الصوم أم لا؟

مقتضى كلام البعض (5) بوجوب الصوم عند تعذر الغسل عدم التوقف، لكن ينافيه قوله بوجوب بوجوب القضاء والكفارة؛ إذ لو لم يتوقف عليه لا معنى لوجوب القضاء.

واحتمال أن يكون القضاء لفوات الغسل لا معنى له كاحتمال كون الصوم باطلاً

ص: 373


1- الصدوق، الفقيه : 1/ 41 . ورد فيه «أن الوضوء على الوضوء نور على نور».
2- العلامة الحلي التذكرة: 1 / 205 ؛ البحراني، الحدائق: 4 / 370 .
3- العلامة، منتهى الطلب: 116/3 .
4- المحقق الحلي، المعتبر: 395/1.
5- السيد العاملي مدارك الأحكام: 24/1.

ويجب المضي فيه؛ إذ لا معنى للثاني إلا كونه شرطاً للصحة، وحينئذ نقول:

إن المتطهر يصح صومه ولا يجب عليه القضاء، فتكون الجنابة مانعة، والغسل طهارة رافعة لها، فاعتبار الغسل من حيث كونه رافعاً، وهو معنى الشرطية، والتوقف واستباحته للحدث، وهو معنى كونه مبيحاً، فاذا كان كذلك يكون أدلة التيمم حاكمة على دليل اعتبار الغسل، فهي تنزل التيمم بدل الغسل في الطهارة، فيفيد ان المعتبر في الصوم إما الغسل أو التيمم؛ لأن أدلة التيمم دالة على أنه طهور ومبيح، واعتبار الغسل أيضاً لإباحة الدخول في الصوم فيقوم مقامه.

ومن هنا يظهر الكلام في الثاني، وهو انه علق بعض الأدلة في خصوص بعض الموارد على خصوص عنوان مثل: الصوم للجنب والعبور في المسجدين، حيث إنهما معلقان على الغسل.

والظاهر ان التعليق على العنوان الخاص ليس لخصوصيته، بل لأجل كونه طهارة؛ لما ذكرنا في الصوم، ويرشد إليه قوله تعالى: «وَإِن كُنتُمْ جُنَّبًا فَاطَّهَّرُوا »(1) حيث يفهم ان اعتبار الغسل لأجل الطهارة.

وقوله: «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر» إلى قوله: «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا » (2) يدل على اعتبار التيمم في مورد الجنابة أيضاً؛ حيث إن نفس المرض ونفس الكون على السفر ليسا موجبين للطهارة، فيعلم انهما في مورد السابق وليس الجنابة وغيره، وقد خالف في الأمر الأول المحقق الاردبيلي كصاحب الكفاية في صوم الجنب بالنسبة إلى الغسل، حيث قال الأول:

لا نسلم وجوب الغسل للصوم ،أولاً، ولو نسلم فلا نسلم وجوبه ليلاً، بل يكفي الغسل ولو نهاراً، ولو سلم فإنما هو واجب تعبدي وجب قبل الصوم، ولا نسلم توقف

ص: 374


1- سورة المائدة: 6 .
2- سورة المائدة: 6 .

الصوم عليه (1).

ومرَّ ما يدفعه، خصوصاً مع منافاته لما يقولون من وجوب قضاء الصوم لو لم يتمكن من الغسل، وخلافه في المقام الأول وهو تشخيص الصغرى.

ويحتمل أن يكون خلاف الكفاية في المقام الثاني(2)، وهو تعليق الحكم على العنوان الخاص، كما يظهر ذلك من دليله الذي ذكره في مبحث الصوم، بخلاف الفخر في الاجتياز من المسجدين حيث يقول بتعليق جواز العبور على الغسل، فلعله من جهة خصوصية الغسل لا من جهة طهوريته.

لكن يمكن دفعه بما ذكرنا في صوم الجنب.

وخالف أيضاً للبث في سائر المساجد، وألحق مس المصحف بالدخول؛ لعدم الفرق في الآية. ويمكن قلب دليله عليه بأنمس المصحف جائز بالتيمم، فكذا الدخول ؛ لعدم الفرق في الآية بينهما.

وحاصل الكلام في قيام التيمم مقام الغسل للصوم والاجتياز من المساجد، أن

اعتبار الغسل انما هو لمانعية الجنابة، ورافعية الغسل للجنابة، وإباحة الدخول في الصوم والمسجد، والأدلة الدالة على التيمم يدل على أنه رافع ويبيح فينزل منزلة الغسل، فيكون هذه الأدلة حاكمة على الدليل الدال على الغسل، وليس للغسل خصوصية، فالمبيح للصوم والدخول بعد التحكيم والتنزيل المذكور شيئان غسل وتيمم.

ص: 375


1- ينظر : النجفي، الجواهر : 35/1 .
2- المحقق السبزواري، كفاية الفقه : 1/ 228.

[في قيام التيمم مقام الوضوء التجديدي وسائر الأغسال]

بقي الكلام في الوضوء والاغسال الأخر هل يكون طهوراً حتى يقوم التيمم مقامه؟ منها :

الوضوء التجديدي: وقد استدل على قيام التيمم مقامه.

أولاً: براوية همام (1) عنه علیه السلام : «لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها»(2).

وقرب خبر آخر تقريبه(3) : انه لا يمكن حمله على ظاهره؛ لما مرَّ مما دل على جواز الإتيان بصلاة واحدة بتيمم ،واحد فحينئذٍ يحمل على الاستحباب، فيكون مفادهما استحباب التيمم على التيمم، فيكون تجديداً. لكن الأمر دائر بين الحمل على الاستحباب أو الحمل على التقية، وقد مرَّ في الأصول ان الجمع بحسب الدلالة وإن كان مقدماً على الرجوع إلى المرجحات السندية والجهتية، لكن ما لم يظهر أمارات التقية، أو يكون في الخبر شيء مبعد من الجمع الدلالية؛ فإن ظاهره اعتبار إتيان فعل به وهو غير معتبر في التجديد ؛ وأيضاً اعتبر الفعل الخاص مثل الصلاة ونافلتها، مع أنه لا يعتبر في التجديد سوى مضي مقدار من الزمان من زمان الأول، إلا أن يكون المراد بالصلاة هو المضي من الزمان الأول مقدار زمان الصلاة، الا انه بعيد، فيكون ذلك مبعداً له فيحمل على التقية؛ لكون مذهب العامة تجديد التيمم لكل صلاة.

وثانياً: ان الوضوء التجديدي طهور كالابتدائي، فكما يقوم مقامه یقوم مقامه أيضاً.

والتحقيق ان يقال: إن التجديد ربما يتخيل انه لأجل الخلل الواقع في السابق لا في أصله، أو تخلل الحدث واقعاً، فيكون طهوراً جابراً للأول . لكن يبعده:

ص: 376


1- كذا في الأصل، والصحيح: (أبي همام).
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 201/1
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 201 ، ونصه : «يتيم لكل صلاة حتى يوجد الماء».

أولاً : انه حينئذ عنوان الاحتياط لا عنوان التجديد، والعنوان الأول مغاير للثاني.

وثانياً: مخالفته لظاهر مادة التجديد؛ حيث إنه مأخوذ من الجديد، وظاهره تجديد الأول مع بقائه؛ لحصول الضعف فيه بواسطة طوله.

فالظاهر ان الوضوء التجديدي شُرّع لأجل حصول ضعف في أثر الأول بواسطة طول الزمان، فيكون من جنس الأول؛ لأنه مجدد لأثر الطهارة، فيكون طهوراً، فيقوم مقامه التيمم كما يقوم مقام الأصل، فحينئذ يتمم المتيمم ثانياً تجديداً.

لكن لا نعلم حصول الضعف للتيمم، فلعله جديد، وانما كما لم نعلم ذلك لو لم يرد دليل في الوضوء التجديدي ، لكن الدليل يقتضي ذلك خصوصاً بعد قوله: «الوضوء على الوضوء طهر على طهر ونور على نور». هذا بالنسبة إلى تجديد التيمم بالتيمم.

وأما بالنسبة إلى تجديد الوضوء بالتيمم ففيه تأمل.

وأما التيمم الذي يكون بدلاً عن الغسل. فالظاهر عدم التجديد فيه؛ لعدم ثبوت التجديد في مبدله والظاهر ان التفرقة لأجل ان حكمة الوضوء كما يظهر من بعض الأخبار هو رفع الكسالة، فاذا مضى مقدار من الزمان من زمان الوضوء فكأنه حصل الضعف فيه؛ لحصول الكسالة فيه، فشرع الوضوء الثاني لتجديده وقوته، بخلاف الغسل؛ فإنه لرفع الجنابة، فإذا ارتفعت لا تعود ثانياً حتى يضعف أثر الغسل.

نعم، ذكر بعض(1) استحباب الوضوء بعد الغسل، فكأنه لأجل أن في الغسل جهتين : جهة رفعه للحدث الأكبر ، وجهة رفعه للحدث الأصغر، والضعف انما يحصل فيه من الجهة الثانية لا الأولى، وحكمته من هذه الجهة رفع الكسالة فيجدد؛ فحينئذ فلا يبعد قيام التيمم مقام الوضوء المستحب بعده.

وأما الاغسال المستحبة، فالظاهر قيام التيمم مقامها بناءً على كونها رافعة إذا حصل الخلل في غسل الجنابة مثلاً، وعلى العدم فيشكل الأمر فيه، وإن كان الظاهر من

ص: 377


1- ينظر: البحراني، الحدائق : 2 / 146 .

بعض الأخبار كون غسل الجمعة من جنس الطهور وجابراً للنقص.

وأما وضوء الحائض، فالظاهر قيام التيمم مقامه أيضاً؛ لحصول مرتبة خاصة من الطهارة فيها أيضاً تبيح كمال الذكر ، وبدونها لا تبيح كمال الذكر لها.

وأما غسل الإحرام، فذكر بعضُهم(1) قيام التيمم مقامه عند تعذره، لكن تردد العلامة (2) من حيث إنه غسل مشروع فيقوم مقامه، ومن حيث إنه ليس بطهر فلا يقوم مقامه، وكذا الشهيد(3).

والأظهر عدم القيام؛ لعدم ثبوت كونه طهوراً، وان كان يحتمل ذلك بالنسبة إلى الكمال، لكنه بعيدٌ.

فتحصل من جميع ما ذكرنا قيام التيمم مقام المائية التي يكون رافعة أو مبيحة؛ لكونه طهوراً، ومعنى طهوريته الاباحة.

مسألة:

لو أحدث المتيمم عن الأكبر وله ماء بقدر الوضوء، هل يكون مكلفاً بالتيمم ثانياً أو الوضوء، وإن لم يجد الماء بقدر الوضوء تيمم ثانياً بدلاً عن الوضوء؟

والذي صرح به الأصحاب(4) هو التيمم ولو كان واجداً للماء بقدر الوضوء، خلافاً للسيد(5) وصاحب المفاتيح (6) والحدائق(7) ؛ فأوجب السيد الوضوء ان كان

ص: 378


1- الطوسي، المبسوط : 1 / 314 فصل كيفية التيمم.
2- العلامة، منتهى المطلب : 2/ 480 .
3- الشهيد البيان: 38 .
4- النجفي، الجواهر: 5/ 260 .
5- المخالف هو السيد المرتضى. ينظر : المحقق الكركي، جامع المقاصد : 1 / 514 ؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام 502/2 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 519/4 .
6- الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع : 65/1 .
7- البحراني :الحدائق 4/ 417 حيث قال : ( وبذلك يظهر قوة ما ذهب إليه المرتضى رضی الله عنه أنه لما كانت المسألة عارية عن النص الواضح فالاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال) .

واجداً للماء بقدر الوضوء. وإلّا تيمم بدلا عنه.

للمشهور وجوه :

الأول: ان التيمم لا يرفع الحدث إجماعاً(1) على ما ادعاه، بل ولا يبعد دعواه؛ فالجنابة باقية، والجنب لا يجوز له الوضوء؛ للأخبار (2) والإجماع.

وفيه: ان الصغرى مسلّمة، وكلام السيد من رفع التيمم الحدث ليس مخالفاً للإجماع؛ لإمكان كون غرضه رفع الحدث ما لم يجد الماء لا مطلقاً، والإجماع لم يثبت على أزيد من ذلك.

وأما كلية الكبرى فمسلّمة؛ لأن المسلّم من عدم جواز الوضوء للجنب إنما هو في الابتداء لا بعد التيمم كما هو ظاهر الأخبار أيضاً.

الثاني: ان التيمم يكون مبيحاً، فاذا أحدث زالت الاستباحة؛ لزوال سببه بطرو ناقضه .

وفيه: انه لا يبعد أن يكون في التيمم بدل الغسل - كالغسل - جهتان: جهة استباحة من الأكبر، وهي ثابتة ما لم يوجد ماء بقدر الغسل وجهة استباحة بالنسبة إلى الأصغر، والحدث انما يرفع هذه الجهة لا الأولى، ولا دليل على رفع الحدث بمطلق الاباحة.

الثالث : قوله علیه السلام : «متى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً، والوضوء ان لم تكن جنباً » (3).

والتقريب : إن الفقرة الثانية بمفهومها تدل على عدم الوضوء على الجنب.

او يقال : إن الوضوء لهذا الشخص مخالف للفقرتين؛ إذ الأولى تدل على إثبات الغسل عند الإصابة لا الوضوء، والثانية ثبوت الوضوء لغير الجنب بمقتضى المفهوم،

ص: 379


1- الطوسي، الخلاف : 1 / 144؛ النجفي، الجواهر : 261/5.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 429/1 .
3- الطوسي، تهذيب الأحكام 1 / 210 .

ولأن التفصيل قاطع للشركة، فلا يكون الوضوء للجنب المذكور.

لكن الظاهر ان المراد بالإصابة في الفقرة الأولى ليس مجرد الإصابة، بل الإصابة بقدر الغسل فإصابة بالماء الذي يكفي للوضوء خاصة لا تدخل في الفقرة الأولى، لكن يثبت المطلوب بالثانية أيضاً.

ويدفع بان الظاهر من قوله: (فعليه الوضوء» انما هو لبيان الابتداء لا الاستمرار، فلا يشمل مفهومه الجنب المذكور.

الرابع: خبر الحلبي سأل أبا عبد الله علیه السلام : «عن الرجل يجنب ومعه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال : لا ، بل يتيمم»(1) .

وفيه: ان الظاهر منه الابتدائي.

الخامس: قوله علیه السلام: «ما لم يحدث أو يصيب الماء» .

والاستدلال لا يمكن بالفقرة الثانية ؛ لأن المثمر هي الإصابة بقدر الغسل وهي منفية - بل بالأولى؛ حيث يدل على أن التيمم ثابت ما دام عدم الحدث، فبعد وجوده ينتقض .

وفيه: انه علّق جواز الإتيان بالصلاة على عدم الحدث، ولا يعلم منه انتقاضه مطلقاً حتى بالنسبة إلى الأكبر، فلعله ينتقض بالنسبة إلى الأصغر.

السادس: الآية «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا »(2)؛ حيث دل على عدم لزوم الوضوء عند إرادة الصلاة مطلقاً، خرج منه الجنب المغتسل، وبقي تحته، [غيره] فيجب الوضوء.

وتوضيحه: إن قوله: «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا » متعلق بقوله: «وَإِن كُنتُمْ جُنبا» ، والعموم مستفاد من الآية، ومفادها انه كلما قمتم إلى الصلاة وكنتم جنباً فاطهروا، وان

ص: 380


1- الصدوق، الفقيه : 1 / 105 .
2- سورة المائدة: 6 .

لم تجدوا ماءًا فتيمموا، فيستفاد منه ثبوت التيمم مع عدم الوجدان في أي زمان أريد القيام إلى الصلاة، خرج منه صورة بقاء التيمم وحصول الحدث.

وأما المتيمم المحدث فيكون داخلاً في العموم، فيلزم عليه الوضوء .

وفيه : ان أداة الشرط ليست للعموم، بل مهملة لا عموم فيها بالنسبة إلى جميع الأزمنة، وكذا تكون الآية ظاهرةً في الابتداء لا في المتيمم المحدث، وأما الاستصحاب أي استصحاب عدم مشروعية الوضوء - فلا يثمر ؛ لأن عدم مشروعيته انما استفيد من دليل هو ظاهر في الابتداء، ولا يكون مطلقاً حتى في المتيمم المحدث، فلا يجري الاستصحاب؛ لاختلاف الموضوع، وكذا لا يثمر استصحاب الآثار الثابتة للمتيمم قبل الانتقاض ؛ لان المستصحب إن كان غير جواز الصلاة معه فلا نتحاشى من ثبوته بعد الانتقاض بالحدث أيضاً مثل الدخول في المسجد واللبث فيه.

وأما بالنسبة إلى الصلاة، فلا يجري الاستصحاب لثبوت المنع يقيناً؛ لأنه لابد إما من الوضوء أو التيمم، ولا يجوز الدخول بدون أحدهما.

فالمتحصل مما ذكرنا، عدم الدليل على واحد منها، فلابد من الرجوع إلى الاشتغال والاحتياط بإتيان الوضوء والتيمم. هذا في الجنب.

وأما تيمم الحائض والنفساء، فالأمر فيه أشكل ، مع ذهاب المشهور فيه أيضاً إلى لزوم الاتيان بالتيمم ثانياً، مع أن المشهور قالوا في باب الحيض (1): إن حدث الحيضية غير الحدث، ولكل منهما رافع مخصوص، فالغسل رافع للحدث الأكبر، والوضوء للأصغر ، حتى أنهم قالوا بعدم انتقاض الطهارة السابقة على الحيض بطرو الحيض، فتكون باقية على طهارتها السابقة لو انقطع الحيض مع عدم انتقاض الطهارة بالحدث الأصغر، ولازم المذكورات أن كون كل من الحدث والحيض موجباً لشيء...

انتهت المخطوطة

ص: 381


1- النجفي، الجواهر 262/5 .

ص: 382

فهرس المصادر

* ابن إدريس محمد بن منصور بن أحمد (ت598ه-).

1- السرائر، تحقيق: لجنة التحقيق، الطبعة الثانية، سنة الطبع: 1410ه- المطبعة: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

* الأردبيلي، المولى أحمد (ت993ه-).

2 - مجمع الفائدة، تحقيق: الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

* الاسترابادي، رضي الدين (ت686ه-).

3۔ شرح الكافية، تحقيق: تصحيح وتعليق: يوسف حسن عمر، سنةالطبع: 1395 ه- - 1975 ، الناشر : مؤسسة الصادق - طهران.

* الآلوسي، محمود شهاب الدين أبو الثناء (ت127ه-).

4 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق: علي عبد الباري، طباعة ونشر : دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان 2005م.

* الأمين، محسن العاملي (ت 1371ه-).

5 - أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين طباعة ونشر : دار التعارف للمطبوعات - بيروت 1403ه- .

* الأنصاري، العلّامة مرتضى محمد أمين (ت 1281 ه-).

6- فرائد الأصول، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، سنة الطبع: شعبان

ص: 383

المعظم 1419ه-، المطبعة: باقري - قم الناشر : مجمع الفكر الإسلامي، ملاحظات: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

7- كتاب الطهارة، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع : 1428ه-، المطبعة: خاتم الأنبياء صلی الله علیه وآله وسلم ، قم ، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي .

* الأيجي، عضد الدين (ت756ه- ) .

8- المواقف، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : 1417ه-- 1997 ، المطبعة : لبنان - بيروت - دار الجيل الناشر: دار الجيل.

*ابن بابويه، علي بن الحسين بن موسى (ت 329ه-).

9- رسالة علي بن بابويه (الشرائع)، تحقيق وجمع : الشيخ كريم مسير والشيخ شاكر المحمدي، منشورات مجلة دراسات علمية، سنة الطبع 1435ه-، مطبعة دار المؤرخ العربي بيروت - لبنان.

* البحراني، الشيخ يوسف (ت 1186ه-).

10- الحدائق الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم المشرفة ملاحظات: قام بنشره: الشيخ علي الآخوندي.

* بحر العلوم، السيد محمد المهدي ابن مرتضى (ت1212ه-).

11 - الدرة النجفية، سنة الطبع : 1377 ه-، المطبعة: النعمان - النجف الأشرف، الناشر: منشورات مكتبة الرضا النجف الأشرف، ملاحظات: مطبعة النعمان - النجف الأشرف - شارع السراي - گراج حاج کاظم شریف- لصاحبها حسن الشيخ إبراهيم الكتبي.

12 - الفوائد الرجالية، تحقيق وتعليق محمد صادق بحر العلوم، حسين بحر العلوم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : 1363 ش المطبعة: آفتاب، الناشر : مكتبة الصادق طهران.

* ابن البراج، القاضي عبد العزيز (ت 481ه-)

13 - المهذب تحقيق إعداد: مؤسسة سيد الشهداء علیه السلام ، العلمية، إشراف :

ص: 384

العلّامة جعفر السبحاني سنة الطبع : 1406ه-، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

* البهبهاني، محمد باقر الوحيد (ت 1205ه-)

14 - مصابيح الظلام، تحقيق: مؤسسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني، الطبعة: الأولى سنة الطبع محرم الحرام 1424ه-، الناشر: مؤسسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني.

15- حاشية المدارك، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : 1419ه-، المطبعة: ستاره - قم، الناشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث.

16 - التعليقة على منهج المقال.

17 - الفوائد الرجالية .

* البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي (ت458ه-).

18 - السنن الكبرى الناشر: دار الفكر .

* الجامي، نور الدين عبد الرحمن (ت898ه-).

19 - الفوائد الضيائية شرح كافية ابن الحاجب دراسة وتحقيق: الدكتور أسامة طه الرفاعي.

*ابن أبي جمهور الإحسائي، محمد بن علي بن إبراهيم (ت بعد سنة 901ه-).

20 - عوالي اللآلي تقديم السيد شهاب الدين النجفي ،المرعشي تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، الطبعة الأولى سنة الطبع : 1403ه- - 1983م، المطبعة: سيد الشهداء علیه السلام .

* الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت393ه-).

21 - الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة الرابعة، سنة الطبع 1407 ه- - 1987 ، الناشر : دار العلم للملايين - بيروت - لبنان .

*الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن (ت 1104 ه-) .

ص: 385

22- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق : مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث الطبعة الثانية سنة الطبع : 1414ه-، المطبعة مهر - قم الناشر : مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، قم المشرفة.

*الحلي، المحقق أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (ت676 ه-).

23 - المعتبر، تحقيق : تحقيق وتصحيح عدة من الأفاضل / إشراف : ناصر مكارم شيرازي سنة الطبع : 14/3/1364 ش المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء علیه السلام، قم المقدسة .

24 - المختصر النافع ، الطبعة : الثانية - الثالثة، سنة الطبع : 1402 ه- - 1410ه-، الناشر: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة - طهران.

25- شرائع الإسلام تحقيق مع تعليقات السيد صادق الشيرازي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع : 1409ه-، المطبعة: أمير - قم المقدسة، الناشر: انتشارات استقلال طهران ملاحظات أفست من الطبعة الثالثة 1403ه- - 1983م، طبع بموافقة مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان .

26- المسائل العزية (من الرسائل التسع تح : رضا الاستادي، نشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1413ه-.

*ابن حمزة، محمد بن علي الطوسي (ت 560ه-).

27 - الوسيلة تحقيق الشيخ محمد الحسون إشراف السيد محمود المرعشي الطبعة الأولى سنة الطبع : 1408ه-، المطبعة: مطبعة الخيام - قم، الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

*الخطيب البغدادي، أحمد بن علي (ت 463 ه-).

تاريخ بغداد دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : 1417ه- - 1997 ، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان .

*الخوانساري، المحقق حسين بن جمال الدين محمد (ت1099ه-).

29 - مشارق الشموس، الناشر: مؤسسة آل البيت الهلام لإحياء التراث،

ص: 386

ملاحظات طبعة حجرية.

* الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد (ت 425ه-).

30 - المفردات في غريب القرآن، الطبعة الثانية، سنة الطبع : 1404ه-، الناشر : دفتر نشر الكتاب.

*الروزدري، المولى علي (ت، حدود 1290ه-).

31 - تقريرات المجدّد الشيرازي، تحقيق: مؤسسة آل البيت الالام لإحياء التراث الطبعة الأولى سنة الطبع : ذو الحجة 1409ه-، المطبعة: مهر، قم، الناشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة.

*ابن زهرة، السيد حمزة بن علي (ت 585ه-).

32 - غنية النزوع تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة الأولى سنة الطبع محرم الحرام 1417ه-، المطبعة اعتماد - قم المقدسة، الناشر : مؤسسة الإمام الصادق ، توزيع: مكتبة التوحيد.

*السبزواري، المحقق المولى محمد باقر (ت 1090 ه-).

33 - كفاية الأحكام، تحقيق: الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : 1423ه-، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

34- ذخيرة المعاد طبعة حجرية الناشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث.

*السجستاني، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق (ت 275ه-).

35- سنن أبي داود، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الطبعة الأولى سنة الطبع : 1410 ه- - 1990م، الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ملاحظات: - طبعة جديدة منقحة ومفهرسة، أخرجه وراجعه ووضع فهارسه: مكتب الدراسات والبحوث في دار الفكر .

*سلّار، أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي (ت448ه-).

ص: 387

36 - المراسم العلوية في الأحكام النبوية، تحقيق : السيد محسن الحسيني الأميني، سنة الطبع : 1414ه-، المطبعة: أمير - قم الناشر : المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت علیهم السلام .

*ابن سيده علي بن إسماعيل (ت458ه-).

37- المخصص، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي الناشر : دار إحياء التراث - العربي، بيروت - لبنان .

*السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين (ت911ه-).

38 - الأشباه والنظائر ، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1411ه- - 1990م.

*ابن سينا الحسين بن عبد الله (ت 1037ه- ) .

39- النجاة.

*الشريف الجرجاني، السيد علي بن محمد (ت816ه-).

40 - شرح المواقف، تحقیق: شرح علي بن محمد الجرجاني، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : 1325 - 1907 ، المطبعة: مطبعة السعادة - مصر .

*الشهيد الأول، محمد بن جمال الدين مكي العاملي (ت786ه-).

41 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، سنة الطبع : 1417ه- ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلام التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

42 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : محرم 1419ه-، المطبعة: ستاره قم، الناشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - قم.

43 - البيان، تحقيق: تحقيق الشيخ محمد الحسون الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1412ه-، المطبعة: صدر - قم، الناشر : المحقق.

44 - اللمعة الدمشقية، الطبعة: الأولى سنة الطبع : 1411ه-، المطبعة: قدس-

ص: 388

قم المقدسة، الناشر: منشورات دار الفكر - قم

*الشهيد الثاني الشيخ زين الدين بن علي الجباعي العاملي (ت 965ه-).

45- الحاشية على الشرائع، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية قسم إحياء التراث الإسلامي، سنة الطبع : 1422ه- - 1380 ش، المطبعة: مكتبة مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر: بوستان کتاب قم المقدسة (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي).

46 - المسالك، تحقيق : مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1413ه-، المطبعة : بهمن - قم ، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة - إيران.

47 - الروضة البهية، تحقيق: السيد محمد كلانتر، الطبعة: الأولى - الثانية سنة الطبع : 1386 ه-- 1398 ش، الناشر: منشورات جامعة النجف الدينية روض الجنان تحقيق مركز الابحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى سنة الطبع: 1422ه-، الناشر : بوستان كتاب قم المقدسة.

48- رسائل الشهيد تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - قسم احياء التراث الإسلامي - المشرف على التحقيق رضا المختاري، الطبعة: الأولى سنة الطبع : 1421 ه- - 1379 ش المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر : مرکز انتشارات دفتر تبلیغات اسلامي (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي

* الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (ت381ه-).

49 - من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

50 - من لا يحضره الفقيه تحقيق وتعليق : السيد حسن الخرسان، دار صعب - دار التعارف، بيروت 1981 .

51 - كمال الدين وتمام النعمة تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، سنة الطبع : محرم الحرام 1405 - 1363 ش الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

ص: 389

52- علل الشرائع، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم، سنة الطبع: 1385 ه- 1966 ، الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف.

*الطباطبائي، السيد علي (ت 1231ه-).

53 رياض المسائل، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي الطبعة: الأولى، سنة الطبع: رمضان المبارك 1412ه-، المطبعة: الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

54 - الشرح الصغير في شرح المختصر النافع، تحقيق : السيد مهدي الرّجائي إشراف السيد محمود المرعشي، الطبعة الأولى سنة الطبع : 1409ه-، المطبعة مطبعة سيد الشهداء - قم ، الناشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم المقدسة.

*الطريحي الشيخ فخر الدين بن محمّد علي بن أحمد (ت 1085ه-).

55- مجمع البحرين طباعة ونشر مكتب نشر الثقافة الإسلامية - قم .

*الطوسی، محمد بن الحسن بن علي بن الحسن (ت 460 ه-).

56- تهذيب الأحكام، تحقيق وتعليق : السيد حسن الموسوي الخرسان الطبعة: الثالثة، سنة الطبع : 1364 ه- ش المطبعة خورشيد الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

57- الفهرست، تحقيق : الشيخ الطبعة: الأولى، سنة الطبع: - جواد القيومي، شعبان المعظم 1417ه-، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

58 - الرسائل العشر الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

59 - الاستبصار، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع : 1363 ه- ش المطبعة خورشيد الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران. ملاحظة : نهض بمشروعه الشيخ علي الآخوندي. تمتاز هذه الطبعة عما سبقها بعناية تامة في التصحيح : الشيخ محمد الآخوندي 1390ه-.

ص: 390

60- المبسوط، تصحيح وتعليق السيد محمد تقي الكشفي سنة الطبع 1387ه-، المطبعة الحيدرية - طهران الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية.

61 - التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح: : أحمد حبيب قصير العاملي، الطبعة الأولى سنة الطبع رمضان المبارك 1409ه-، المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي.

62 - الخلاف، تحقيق: جماعة من المحققين سنة الطبع : جمادي الآخرة 1407ه-، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

63 - رجال الطوسي، تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، الطبعة: الأولى، سنة الطبع رمضان المبارك 1415ه-، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

64 - الغيبة، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني الشيخ علي أحمد ناصح، الطبعة: الأولى سنة الطبع: شعبان 1411ه-، المطبعة: بهمن، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة.

* العاملي، المحقق الشيخ حسن بن زين الدين (ت 1011ه-).

65 - معالم الدين وملاذ المجتهدين تحقيق السيد منذر الحكيم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : رجب 1418ه-، المطبعة باقري - قم الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر.

* العاملي، السيد محمد جواد (ت 1228ه-) .

66 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة، تحقيق: الشيخ محمد باقر الخالصي، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1419ه-.

* العاملي، السيد محمد بن علي الموسوي (ت 1009ه-).

67- مدارك الاحكام، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : محرم 1410ه-، المطبعة: مهر - قم المقدسة، الناشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة.

ص: 391

* العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف (ت 726ه-).

68- منتهى المطلب، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة: الأولى سنة الطبع : 1412ه-، المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة، ملاحظات: مجمع البحوث الإسلامية، إيران - مشهد المقدسة ص . ب 336 / 91735.

69 - نهاية الأحكام تحقيق السيد مهدي الرجائي، الطبعة الثانية سنة الطبع 1410ه-، الناشر : مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم المقدسة - إيران.

70 - تذكرة الفقهاء، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : محرم 1414ه-، المطبعة مهر - قم المقدسة، الناشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - قم المقدسة.

71- مختلف الشيعة تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، سنة الطبع : ذي القعدة 1413ه-، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

72- قواعد الأحكام تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : ربيع الثاني 1413ه- الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

73- تبصرة المتعلمين تقديم: الشيخ حسين الأعلمي، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الشيخ هادي اليوسفي، الطبعة الأولى سنة الطبع: 1368ش، المطبعة: احمدي، الناشر: انتشارات فقيه - طهران.

74 - تحرير الأحكام، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة الأولى سنة الطبع : 1420ه-، المطبعة: اعتماد، قم المقدسة، الناشر : مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، توزيع : مكتبة التوحيد، قم المقدسة، إيران.

75- خلاصة الأقوال، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : عيد الغدير 1417ه-، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة نشر

ص: 392

الفقاهة.

76 - إرشاد الأذهان، تحقيق : الشيخ فارس الحسون الطبعة: الأولى، سنة الطبع : 1410ه-، المطبعة: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

*ابن الغضائري، أحمد بن الحسين (ت. ق5).

77 - الرجال، تحقيق : السيد محمد رضا الجلالي، الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1422 ه- - 1380ش، المطبعة: سرور، الناشر: دار الحديث.

* ابن فارس، أحمد بن فارس بن زکریا(ت 395ه-).

78-معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، سنة الطبع: 1404ه-، المطبعة: مكتبة الإعلام الإسلامي، الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي.

* الفاضل الآبي زين الدين أبي علي الحسن بن أبي طالب (ت690ه-).

79- كشف الرموز ، تحقيق الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي، سنة الطبع ذي الحجة 1408ه-، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة ملاحظات: فرغ من تأليفه عام 672ه-.

*الفاضل الهندي، الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني (ت 1137ه-).

80 - كشف اللثام ، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الأولى سنة الطبع : 1416ه-، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

*فخر المحققين، محمّد بن الحسن بن يوسف (ت 771ه-).

81- إيضاح الفوائد، تحقيق: تعليق السيد حسين الموسوي الكرماني، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الشيخ عبد الرحيم البروجردي، الطبعة الأولى سنة الطبع : 1387ه-، المطبعة: المطبعة العلمية - قم ، ملاحظات: طبع بأمر آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي.

*الفراهيدي، الخليل بن أحمد (ت 175ه-) .

82- العين تحقيق الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي،

ص: 393

الطبعة الثانية، سنة الطبع : 1409ه-، الناشر: مؤسسة دار الهجرة، إيران - قم المقدسة .

*ابن فهد، الفقيه المحقق جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد (ت841ه-).

83- الرسائل العشر، تحقيق السيد مهدي الرجائي، إشراف : السيد محمود المرعشي، الطبعة: الأولى سنة الطبع : 1409ه-، المطبعة: مطبعة سيد الشهداء علیه السلام، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة - قم المقدسة.

* الفيض الكاشاني، المولى محسن (ت 1091ه-).

84 - مفاتيح الشرائع، تحقيق السيد مهدي الرجائي، سنة الطبع: 1401ه-، : المطبعة: الخيام، قم المقدسة، الناشر : مجمع الذخائر الإسلامية.

85 - الوافي عني بالتحقيق والتصحيح والتعليق عليه والمقابلة مع الأصل ضياء الدين الحسيني «العلّامة الأصفهاني، الطبعة الأولى سنة الطبع أول شوال المكرم 1406 ه- ق 19 / 3 / 65 ه- ش ، المطبعة: طباعة أفست نشاط أصفهان، الناشر: مكتبة الامام أمير المؤمنين على علیه السلام العامة - أصفهان.

*ابن قاضي شهبة، أبو بكر بن أحمد بن محمد (ت851ه-).

86- طبقات الشافعية تحقيق د. الحافظ عبد العليم خان دار النشر: عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الأولى، 1407ه-.

*القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671ه-).

87 - الجامع لإحكام القرآن تفسير القرطبي) تحقيق: تصحيح: أحمد عبد العليمالبردوني، الناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

*القمي، الميرزا أبو القاسم (ت1231ه-).

88- مناهج الأحكام، الطبعة الأولى سنة الطبع : 1420ه-، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

*كاشف الغطاء، الشيخ جعفر (ت1228ه-).

89- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط.ج)، تحقيق: مكتب الإعلام

ص: 394

الإسلامي - فرع خراسان - المحققون عباس التبريزيان محمد رضا الذاكري (طاهريان)، عبد الحليم الحلي، الطبعة الأولى سنة الطبع : 1422 ه- - 1380ش، :المطبعة مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر : مركز انتشارات دفتر تبلیغات اسلامى (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي).

*الكركي، علي بن حسين بن علي بن محمد بن عبد العالي (ت 940ه-).

90- رسائل الكركي، تحقيق الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، سنة الطبع : 1409ه-، المطبعة الخيام - قم، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم المقدسة

91- جامع المقاصد، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، سنة الطبع : ربیع الأول 1408ه-، المطبعة: المهدية - قم المقدسة، الناشر : مؤسسة آل البيت علیهم السلاملإحياء التراث - قم المقدسة.

*الكشي ابو عمرو ، محمد بن عمر بن عبد العزيز،

92 - اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي، تصحيح وتعليق: میر داماد الاسترابادي، المطبعة: بعثت - قم الناشر : مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث.

*الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب (ت329ه-).

93 - الكافي، تحقيق : تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، الطبعة: الخامسة، سنة الطبع : 1363 ش المطبعة حيدري الناشر : دار الكتب الإسلامية - طهران.

*المتقي الهندي، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (ت 975ه-).

94- كنز العمال تحقيق ضبط وتفسير : الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، سنة الطبع : 1409 ه- - 1989 ، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت لبنان.

*المجلسي، محمد باقر (ت1111ه-).

95 - بحار الأنوار، الطبعة الثانية المصححة، سنة الطبع : 1403 ه- - 1983 ، الناشر: مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان .

ص: 395

*السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي (ت436ه-).

96- الإنتصار تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، سنة الطبع : شوال المكرم 1415ه-، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

97 - الناصريات تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية، سنة الطبع: 1417ه- - 1997 ، المطبعة: مؤسسة الهدى الناشر : رابطه الثقافة والعلاقات الإسلامية مديرية الترجمة والنشر.

*المُطَرّزي، برهان الدين ناصر بن أبي المكارم عبد السيد (ت 610ه-).

98 - المغرب في ترتيب المغرب تحقيق *محمود فاخوري، عبد الحميد مختار الناشر: مكتبة أسامة بن زيد - حلب، سنة النشر : 1399 - 1979.

*المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم (ت 431ه-).

99 - المقنعة تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، سنة الطبع: 1410ه-، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

100 - خلاصة الإيجاز، تحقيق : الشيخ علي أكبر زماني نژاد، الطبعة الثانية، سنة الطبع : 1414ه- - 1993 ، الناشر : دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - ،لبنان، ملاحظات: طبع بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد.

* ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي (ت711ه-).

101 - لسان العرب، طباعة ونشر أدب الحوزة - قم المقدسة 1405ه-.

* الميرزا موسى التبريزي (ت 1307ه-).

102- أوثق الوسائل في شرح الرسائل الناشر: محمد علي التبريزي الغروي 28 جمادى الأولى 1397ه- .

* النجاشي، احمد بن علي (ت 450 ه-).

103- فهرست أسماء مصنفي الشيعة المعروف ب-«رجال النجاشي» تحقيق: موسى الشبيري الزنجاني طباعة ونشر: مؤسسة الإسلامي - قم المقدسة 1407ه-.

ص: 396

* النجفي، الشيخ محمد حسن (ت1266ه-).

104 - جواهر الكلام ، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية سنة الطبع : 1365 ش المطبعة خورشيد الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران ملاحظات نهض بمشروعه الشيخ علي الآخوندي.

105- رسائل فقهية، نسخة مخطوطة.

*النراقي، المولي أحمد بن محمد مهدي (ت 1245ه-).

106 - مستند الشيعة، تحقيق : مؤسسة آل البيت لا لا لا لا لإحياء التراث - مشهد المقدسة، الطبعة الأولى سنة الطبع : ربيع الأول 1415ه-، المطبعة: ستاره - قم المقدسة، الناشر: مؤسسة آل البيت ع الله لإحياء التراث - قم المقدسة.

107- عوائد الأيام تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : 1417ه- - 1375 ش المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي الناشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

*النوري النوري الطبرسي (ت1320ه-).

108- مستدرك الوسائل، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى المحققة، سنة الطبع : 1408ه- - 1987 ، الناشر : مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - بيروت - لبنان .

*الهمداني، المحقق آقا رضا (ت 1322ه-).

109- مصباح الفقيه، تحقيق: المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث، قم التحقيق: محمد الباقري، نور علي النوري، محمد الميرزائي، الإشراف السيد نور الدين جعفريان، الطبعة الأولى سنة الطبع : ربيع الأول 1417ه-، المطبعة: ستاره - قم الناشر : المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث، قم المقدسة.

110 - رسالة في حكم الخلل الواقع في الصلاة، تحقيق: مركز تراث سامراء، الطبعة الأولى سنة الطبع : 1440ه-، المطبعة دار الكفيل، الناشر: مركز تراث سامراء.

ص: 397

111 - الأصول الستة عشر (أصل زيد) ، عدة محدثين (ق 2)، الطبعة الثانية، سنة الطبع : 1405ه- - 1363 ش المطبعة مهدية الناشر : دار الشبستري للمطبوعات قم المقدسة - إيران.

112- كتاب مسائل علي بن جعفر، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة، الطبعة الأولى سنة الطبع : ذي القعدة 1409ه-، المطبعة: مهر - ،قم، الناشر : المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام - مشهد المقدسة.

ص: 398

الفهرس

مقدّمة المركز ...7

لمحات من حياة السيد إبراهيم الدامغاني الخراساني النجفي ...11

وفاته: ... 15

النسخ المعتمدة: ... 16

منهج التحقيق ... 18

شکر و امتنان ... 18

في أحكام العصير العنبي ... 29

[حكم العصير الزبيبي ] ... 32

[الروايات الدالة على الحرمة ] ... 33

1 هل يحلُّ أكل الزبيب المطبوخ ؟] ... 34

[ نجاسة العصير العنبي بمجرد غليانه بنفسه ] ... 35

ومن النجاسات الكافر ... 39

هل تشمل النجاسة أجزاء الكافر التي لا تحلها الحياة] ... 46

[نجاسة أولاد الكفار]. ... 46

[ طهارة المسبي من أولاد الكفار]. ... 47

تشخيص مفهوم الكافر] ... 48

[ اختلاف كلمات الأصحاب في مفهوم الإسلام] ... 49

[ حكم الشاك ] ..... 51

[ طهارة المخالفين ] ... 58

نجاسة النواصب والخوارج] ... 59

ص: 399

[حكم الغلاة] ... 60

[حكم المجسمة] ... 60

[ طهارة المجبرة ] ... 61

[ طهارة ولد الزنا] ... 61

حكم عرق الجنب من الحرام] ... 61

[ طهارة عرق الإبل الجلالة] ... 66

والثاني من الأمور: عرق الإبل الجلالة. ...66

[ طهارة المسوخات] ... 67

الكلام] في أحكام النجاسات ... 68

جواز الصلاة في المحمول الذي لا يصدق الصلاة فيه]. ... 69

[عدم شرطية الطهارة في الأذان والإقامة ] ... 72

شرطية الطهارة في التشهد والسجدة المنسيين ] ... 73

[ شرطية الطهارة في ركعة الإحتياط] ... 74

اشتراط الطهارة في سجدتي السهو دون التعقيبات ] ... 74

[ في أنَّ الأكوان داخلة في الصلاة] ... 74

[ وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للطواف]... 76

[ وجوب إزالة النجاسة لدخول المساجد والمشاهد] ... 76

[ هل يختص الحكم بالنجاسة المتعدية أو لا؟] ... 79

حكم الدم الخارج عن المعتاد] ... 87

حکم ملاقي الدم المعفو عنه ] ... 87

[ في أنَّ الحكم بالعفو مختص بالدم المجتمع أو يعم المتفرق؟] ... 88

[ الدم المعفو عنه هو ما دون قدر الدرهم] ... 92

[ تعيين مقدار الدرهم] ... 93

[ استثناء دم الحيض والنفاس والإستحاضة] ... 94

[العفو عن نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة] ... 94

ص: 400

[ اختصاص الحكم بالمتنجس] ... 98

الشبهة المصداقية في المسائل الثلاث] ... 98

[ في اشتراط نجاسة ملاقي النجس بوجود الرطوبة] ... 100

[نجاسة ملاقي المتنجس ] .... 101

[في مدخلية العلم بثبوت النجاسة ] ... 103

[طرق ثبوت النجاسة ] ... 105

خبر الواحد ... 106

العدل الواحد ... 17

[في أن حجيّة شهادة العدلين مطلقة أو لا؟] ...108

قول ذي اليد فالكلام فيه يقع في أمور: ... 110

أقوال العلماء ... 114

[عموم مفهوم ذي اليد] ... 116

[حجيّة قول ذي اليد في الجملة] ... 117

مسألة في المطهرات ... 117

في الثوب: ... 117

[ اعتبار العصر في الغسل بالماء القليل ] ... 118

اعتبار تعدد العصر في الغسل بالماء القليل ] ... 119

[ عدم اعتبار العصر في الغسل بالماء الكثير والجاري ] ... 119

[ فی اعتبار عصر ما لا يمكن عصره ] ... 119

رواية الذنوب ففيه: ... 123

رواية أكسية المرعزي والخفاف: ... 124

[ في اشتراط ورود الماء القليل على النجس] ... 125

اعتبار إزالة عين النجاسة لا أوصافها ] ... 128

ومن جملة المطهرات ماء الغيث ... 128

[ الكلام في أنَّ محل الخلاف هو ماء المطر حال تقاطره] ... 130

ص: 401

[اعتبار الجريان على الموضع النجس] ... 137

[كيفية تطهير المطر للماء المتنجس] ... 139

الكلام في ماء الغسالة. ... 140

[ الأدلّة الدالّة على نجاسة الغسالة ] ... 145

أدلة القائلين بالطهارة. ... 150

القاعدة الثانية: ... 153

القاعدة الثالثة : ... 154

من أدلة القول بالنجاسة ] ... 155

الأدلّة التي تمسك بها القائلون بطهارة الغُسالة طائفة من الأخبار : ... 157

ومن عدم تمامية أدلة طهارة ماء الغسالة ] ... 161

[ماء الغسالة نجس مطلقاً] ... 162

فصل في التيمم ... 164

[الأسباب المسوغة للتيمم ] ... 165

[ الكلام في الوجه الثاني] ... 168

وجوب الطلب تعبدي لا شرطي] ... 170

وجوب الطلب بمقدار غلوة سهمين في الأرض السهلة وغلوة سهم في الأرض الحزنة ] ... 170

[يجب الطلب في جميع الجهات المحتملة] ... 172

[ما هو المناط في وجوب التيمم؟] ... 174

[في جريان الاستصحاب] ... 175

[جواز الاستنابة بالطلب بشرط حصول العلم بقول النائب ] ... 183

[الونسي الماء وتيمم وصلى مع السعة ] ... 195

[عدم جوز إراقة الماء في الوقت ] ... 197

[كراهة إراقة الماء قبل الوقت ] ... 799

[حكم ما لو أخلَّ المكلف باستعمال الماء حتى تضيق الوقت] ... 201

[في المقصود من الضيق المسوغ للتيمم ] ... 202

ص: 402

[حكم المتمكن من الشرائط في أول الوقت، العاجز عنها في آخره] ... 214

[مقتضى القاعدة والاحتياط هو تأخير الصلاة] ... 216

السبب الثاني من أسباب التيمم : هو عدم الوصلة إلى الماء ... 217

ومن جملة أفراد عدم الوصلة هو : عدم الثمن ... 218

[ لو وجد الماء وتعذر الثمن لشرائه صح التيمم ] ... 219

الخوف على المال من اللص ... 231

الأول: فهم الأصحاب وقولهم بعدم الوجوب ... 231

الخوف على نفس محترمة ... 232

الحيوان ... 233

[ وجوب حفظ مال الغير ] ... 234

ومن جملة الموانع لاستعمال الماء: المرض ...234

المرض المضر يسيراً بحيث لم يكن معتداً به ... 235

المرض المتوقع باستعمال الماء ... 235

الا فرق في المرض المسوغ بين كونه في جميع البدن أو في بعضه] ... 236

[حكم الجبيرة النجسة] ... 253

حكم الجرح والقرح المكشوفين] ... 254

[ خوف فوت الحاجة التي لا يتضرر بها ] ... 259

[ ما هو المدار في كون الوضوء ضررياً؟] ... 259

[ لو خالف وتطهر مع سقوط الطهارة بحقه ] ... 262

[ ضيق الوقت عن إدراك ركعة ] ... 266

الكلام فيما يتيمم به ... 274

[إذا كان معنى الصعيد مجملاً] ... 278

بقي الكلام في الأشياء المختلف فيها ... 283

[ جواز التيمم بأرض النورة والجص] ... 283

جواز التيمم بالجص والنورة ... 283

ص: 403

[حكم التيمم بالرماد] ... 284

[عدم جواز التيمم بالمعادن] ... 285

جواز التيمم بالخزف ] .... 285

[ جواز التيمم بالتراب المستعمل في التيمم ] ... 286

جواز التيمم بالغبار والطين بعد فقد التراب والحجر ] ... 286

[حكم التيمم بالتراب المغصوب ] ... 288

1 صحة تيمم المحبوس في المكان المغصوب ] ... 289

عدم جواز التيمم بالثلج ] ... 289

كيفية التيمم، وحكمه قبل الوقت ... 289

[ هل يكون الوضوء قبل الوقت غيرياً أو نفسياً ] ... 293

[ هل يعتبر الضيق في التيمم بعد دخول الوقت؟] ... 295

مقتضى الأصول العملية ] ... 296

[ مقتضى الأصول اللفظية ] ... 297

[ كيفية التيمم] ... 300

عدم كفاية القصد الإجمالي] ... 301

[ هل التيمم هو الضرب أو المسح ؟ ] ... 303

[ لابد في التيمم من الضرب ولا يكفي الوضع] ... 304

[ وجوب الترتيب بين الضرب والمسح] ... 305

[وجوب الموالاة العرفية في التيمم ] ... 306

[ وجوب المباشرة على المأمور نفسه ] ... 309

[ في مفاد أدلة عدم السقوط] ... 311

[لزوم كون الضرب في التيمم بيد العليل] ... 313

[ هل يعتبر الضرب في التيمم أو يكفي الوضع ؟ ]. ... 314

[كفاية الوضع عند تعذر الضرب] ... 316

[وجوب كون الضرب بباطن الكف وعدم كفاية الظاهر] ... 318

ص: 404

[فيما هو التكليف لو تعذر الضرب بباطن الكف ] ... 318

[اعتبار طهارة الماسح والممسوح اختياراً] ... 321

[ هل العلوق معتبر أم لا؟] ... 322

[ أدلة القول بعدم اعتبار العلوق] ... 329

[اعتبار كون الضرب بكلتا اليدين ولا يكفي الضرب باليد الواحدة ] ... 331

[اعتبار كون الضرب باليدين دفعة ولا يكفي التعاقب] ... 332

[ كفاية مسح الجبهة مع الجبينين بمجموع اليدين ] ... 334

[ هل يلزم استيعاب الوجه بالمسح أو يكفي البعض؟] ... 334

[ يجب الابتداء بالمسح بالأعلى] ... 344

[ وجوب الترتيب بين اليدين ] ... 348

[مسائل في أحكام المسح والماسح والممسوح] ... 349

[حكم فاقد الطهورين ] ... 356

[حكم ما لو أصاب المتيمم الماء] ... 358

[كفاية التيمم لغاية خاصة لإتيان جميع الغايات ] ... 369

[ قيام التيمم مقام الطهارة المائية مطلقاً] ... 370

في قيام التيمم مقام الوضوء التجديدي وسائر الأغسال] ... 376

فهرس المصادر ... 383

الفهرس الموضوعي ... 399

ص: 405

ص: 406

إصدارات مركز تراث سامراء

1. كتاب رسالة حدوث العالم تأليف الشيخ محمد باقر الاصطهاباناتي (طبع لأول مرة).

2. کتاب معالم العبر في استدراك البحار السابع عشر للميرزا حسين النوري الله (طبع لأول مرة).

3.كتاب «مقدمة الذريعة إلى تصانيف الشيعة»، للشیخ آقا بزرگ ظهرانی رحمه الله تحقيق مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

4. كتاب «رسائل من إفادات المجدّد الشيرازي ، تحقيق الشيخ مسلم الرضائي (طبع لأول مرة).

5. کتاب رسالة) في أحكام الجبائر)»، بقلم السيد محمد الساروي، تحقيق مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة). 6. كتاب رسالة في حكم الخلل الواقع في الصلاة تقريراً لبحث السيد المجدد الشيرازي ،

بقلم الشيخ آقا رضا الهمداني . (طبع لأول مرة)

7. كتاب مآثر الكبراء في تاريخ سامراء»، للشيخ ذبيح الله المحلاتي له (طبع لأول مرة).

8. كتاب «مجموعة رجالية وتاريخية»، للشيخ آقا بزرك الطهراني (طبع لأول مرة).

9.كتاب نزهة القلوب والخواطر في بعض ما تركه الأوئل للأواخر»، تاليف الميرزا محمد بن

عبد الوهاب الهمداني الملقب بإمام الحرمين. (طبع لأول مرة).

10. كتاب الإمام علي الهادي علیه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات» للشيخ علي الكوراني، أعده وخرج مصادره مركز تراث سامراء.

11. كتاب «سامراء في الأرشيف الوثائقي العثماني»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

12. کتاب «سامراء في السالنامات العثمانية»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

13. كتاب «سامراء في لغة العرب»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

14. كتاب «سامراء في مجلة سومر»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

15. كتاب «قوافي الولاء من الكاظمية إلى سامراء»، للأستاذ عبد الكريم الدباغ (طبع لأول مرة). ،

16. كتاب «زيارة أئمة سامراء علیهم السلام» من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

17. كتيب «دليل معرض فاجعة سامراء»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

18 كتيب «مناقب أئمة سامراء علیهم السلام من طرق العامة»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

19. كتيب نصائح سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني دام ظله للشباب المؤمن، من إعداد مركز تراث سامراء.

ص: 407

20. كتيب نصائح سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني دام ظله للمقاتلين في ساحات الجهاد ، من إعداد مركز تراث سامراء.

21. كتيب «قبسات من حياة أئمة سامراء علیهما السلام»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

22. كتيب «تعريفي بمركز تراث سامراء»، من إعداد المركز (طبع لأول مرة).

23. كتيب «دليل الزائر لمرقد الإمامين العسكريين علیهما السلام في مدينة سامراء المقدسة»، إعداد مركز تراث سامراء. 24 كتاب عصمة الحجج، تأليف السيد علي الحسيني الميبدي طبع) لأول مرة .

الكتب التي ستصدر قريباً

1 - ببلوغرافيا ( ما كتب في حوزة سامراء).

2- كتاب «العتبة العسكرية المقدسة في الأرشيف الوثائقي العثماني»، جمع وترجمة د. سامي المنصوري، تدقيق ومراجعة مركز تراث سامراء.

3- كتاب «وقائع المؤتمر العلمي الأول« الإمام الهادي علیه السلام عبق النبوة وعماد السلم المجتمعي».

4 - كتاب «سامرّاء في مجلة سومر / ج 2»، إعداد مركز تراث سامراء.

كتب قيد التحقيق والتأليف

1 - رسالة مقدمة الواجب، تأليف السيد هاشم بحر العلوم، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيد محمد حسن الشيرازي قدس سره.

2 - مآثر الكبراء ج 5 ، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدس سره.

3 - مآثر الكبراء ج 6 ، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدس سره .

4 - مآثر الكبراء ج 7، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدس سره .

5 - مآثر الكبراء ج 8، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدس سره.

6 - مآثر الكبراء ج 11، تأليف العلامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدس سره.

7 - نكت الرجال على كتاب منتهى المقال، تأليف آية الله السيد صدر الدين الصدر قدس سره.

8- البيع، تأليف آية الله السيد إبراهيم الدامغاني ، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيد محمد حسن الشیرازی قدس سره.

9 - شرح اللمعتين، تأليف آية الله الشيخ عباس بن حسن آل كاشف الغطاء قدس سره.

10 - علماء تتلمذوا في سامراء.

12 - ذخيرة في تحقيق دليل الإنسداد من إفادات السيّد المجدّد الشيرازي، بقلم المحقق الآخوند الخراساني (صاحب الكفاية).

ص: 408

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.